في يوم الخميس 28 فبراير 2013 جرت انتخابات جزئية بعدد من المناطق؛ ففي اليوسفية فاز حفيظ الترابي عن حزب التقدم والاشتراكية بحصوله على 9799 صوتا؛ وفي سيدي قاسم فاز بوبكر بنزروال عن الحركة الشعبية بحصوله على 22104 أصوات؛ وفي سطات فاز هشام الهرامي عن الحركة الشعبية بحصوله على 17627 صوتا؛ وفي أزيلال فاز عبد الغفور أحراراد عن حزب الاستقلال بحصوله على 6574 صوتا؛ وفي مولاي يعقوب فاز محمد يوسف عن حزب العدالة والتنمية بحصوله على 9600 صوت. ويمكن، في نظرنا، انطلاقا من النتائج المعلنة وردود الفعل المسجلة والمعطيات المتوافرة عن مجريات الاقتراع، أن نخرج ببعض الخلاصات: 1) انضباط الانتخابات الجزئية الجديدة إلى المنطق الذي سارت فيه الانتخابات الجزئية السابقة التي جرت خلال مدة ولاية الحكومة الحالية. ونقصد بذلك، أساسا، استمرار حزب العدالة والتنمية في نيل ثقة الناخبين وعدم حصول تراجع في مردوده الانتخابي؛ فالحزب قدم مرشحين اثنين فقط وأحجم عن الترشيح في ثلاث دوائر، وتمكن أحد مرشحيه من الفوز. وقد خرج البعض بخلاصة متسرعة مؤداها أن نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة تترجم نوعا من «التجاوب الشعبي مع عمل الحكومة»، كما عبر عن ذلك رئيس الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية. والواقع أن الموقف من الحكومة يمكن أن تترجمه، نسبيا، نتائج حزب العدالة والتنمية، ولكن نتائج الأحزاب الأخرى المشاركة في الحكومة ليست مرآة لتبين ذلك الموقف، لأن علاقة مرشحي تلك الأحزاب بالناخبين هي، على العموم، علاقة شخصية، فأعيان الانتخابات، مثلا، ينتقلون من حزب إلى آخر، ولا يؤثر ذلك على محصول الأصوات التي يتمكنون من حصدها؛ 2) ازدياد ارتباط الفوز الانتخابي بالشبكات القارة للناخبين. إن هذه الشبكات المرتبطة بالأعيان تمثل قاعدة لنوع من المشاركة الآلية في الاقتراع، ويمكن تجنيد الناخبين المنتظمين في لواء هذه الشبكات بقطع النظر عن الظروف السياسية العامة المحيطة بهذا الاقتراع. نسبة المشاركة في سيدي قاسم بلغت 30,12 في المائة وفي أزيلال بلغت 32 في المائة وفي سطات بلغت 27,97 في المائة. بالنسبة إلى انتخابات جزئية، تُعتبر هذه النسب هامة ودليلا على تصاعد نفوذ وقوة الشبكات الانتخابية؛ 3) الضعف المتزايد للمعارضة. وقفت أكثر التحليلات، التي تناولت موضوع الانتخابات الجزئية الأخيرة، عند فشل جميع الأحزاب المعارضة في الفوز بأي مقعد، بحيث تقاسمت الأحزاب المشاركة في الحكومة المقاعد الخمسة المتبارى عليها؛ واعتبرت جريدة «التجديد»، مثلا، أن نتائج انتخابات 28 فبراير تعني «فشل المعارضة السياسية، خطابا وممارسة، وإخفاق كل محاولات تبخيس العمل الحكومي في تحقيق أهدافها». بالرغم من أن العلاقة بين الناخبين «النشيطين» والأعيان المرشحين تحكمها الاعتبارات «الخدماتية» الشخصية، ولا تتأثر كثيرا بالسياسة وبحسن أو سوء العمل في الحكومة أو المعارضة، فإن تَمَكُّنَ الحزب، الذي ينتمي إليه «العين»، من الزيادة في عدد النواب والمستشارين والوزراء والمسؤولين الإداريين و»المقربين» من مركز القرار يساعد على توثيق تلك العلاقة وضمان استمرارها، ويوفر للعين إمكانات أكثر للمزيد من انضباط الناخبين القارين الذين يستفيدون مباشرة من تلك الزيادة. وفشل المعارضة -ونقصد بها «الديمقراطية»- يكمن في عدم قدرتها، بوصفها معارضة،على تجاوز منظومة العلاقة التقليدية بين المرشحين والناخبين، وبناء علاقة جديدة يمكن من خلالها دفع الناخبين إلى نوع من التصويت العقابي بعد إقناعهم بسوء التدبير الحكومي؛ 4) استمرار فساد المسلسل الانتخابي. إن حكومة ً، تضع محاربة الفساد ضمن أولوياتها وتعجز عن مقاومة الفساد الانتخابي، توجد، بكل تأكيد، في موقف لا تُحسد عليه. لقد صرح عبد العزيز أفتاتي، العضو القيادي في الحزب الذي يتولى رئاسة الحكومة، بأن «مرشحين اثنين في سطات استعملا المال بطريقة فظيعة، حيث رصد أحدهما 20 مليون درهم والآخر 10 ملايين درهم لشراء الأصوات، ويبدو أن أحد هذين المرشحين قد فاز، ونحن لن نسكت على هذه الخروقات (..) لقد كنت في فاس وأيضا في سطات وشهدت بنفسي كَمَّ التجاوزات الخطيرة التي طبعت العملية الانتخابية». هناك، إذن، عوائق بنيوية أمام مهمة تخليق الحياة الانتخابية، ويظهر أن الحكومة الحالية لا تملك ربما من المقومات والقدرات ما يكفي للنجاح في مهمة إزاحة تلك العوائق، حتى ولو كانت هذه الإزاحة تصب في مصلحة الحزب الذي يرأس الحكومة؛ 5) استمرار العلاقة «الملتبسة» بين وزارة الداخلية وبين الحكومة الحالية ومكوناتها. وجه حزب الاستقلال انتقادات لاذعة إلى وزارة الداخلية، واعتبرت جريدة «العلم» أن مرشح الحركة الشعبية في سيدي قاسم كان مساندا من عامل الإقليم، وصرح رئيس الحزب، عقب إعلان النتائج، بأن «وزارة الداخلية فازت بمقعدين في هذه الانتخابات». ولم يظهر أن رئيس الحكومة قد نجح في «تحسيس» وزارة الداخلية بضرورة معالجة القضايا التي كانت موضوع احتجاجات وشكايات أحزاب مشاركة في الحكومة، بخصوص مجريات العمليات الانتخابية، و«طمأنة» تلك الأحزاب بأن نفوذ الحكومة أقوى من نفوذ وزارة الداخلية؛ 6) انتعاش النقاش حول قضية الجهة التي يجب أن يُوكل إليها أمر الإشراف على الانتخابات المغربية. بمناسبة الانتخابات الجزئية الأخيرة، تعددت الأصوات الداعية إلى وضع حد لإشراف وزارة الداخلية على الانتخابات بالشكل الذي يجري به الأمر حاليا؛ وأكد حزب الاستقلال، بالمناسبة، على ضرورة «تشكيل لجنة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية، وتكليف وزارة الداخلية بالإشراف التقني فقط» (تصريح عادل بنحمزة)، بينما جدد حزب العدالة والتنمية مطالبته بضرورة «تشكيل لجنة وطنية مستقلة للإشراف السياسي على الانتخابات تتكون من ممثلي جميع الأحزاب السياسية، وتكليف وزارة الداخلية بالإشراف التقني واللوجستيكي، وإسناد الإشراف القانوني إلى جهاز القضاء» (تصريح عبد الحق العربي)؛ 7) وجود أغلبية «غير متحالفة». الطريقة التي تصرفت بها مكونات الأغلبية التي تشكل الحكومة تدل على أننا، في المغرب اليوم، نوجد أمام أغلبية ولكننا لا نوجد أمام أغلبية متحالفة ومتضامنة ومنسجمة. هناك، إذن، نوع من التجميع العددي الذي لا يرتبط أعضاؤه بالتزامات متبادلة ولا تُحركهم إرادة جماعية لتنفيذ برنامج مشترك، ولا يشعرون بانتمائهم إلى ذات المشروع وبواجب التعاون على تذليل العقبات وتبديد الخلافات التي قد تقوم بينهم؛ فرغم وجود ميثاق للأغلبية وإطار تنظيمي لتدبير العلاقات السياسية بين مكوناتها، فإن الاتهامات المتبادلة بين تلك المكونات، بمناسبة الانتخابات الجزئية الأخيرة، كانت من النوع الذي لا يستقيم معه الوجود داخل نفس الجهاز الحكومي؛ فالحركة الشعبية، مثلا، تتهم حزب الاستقلال بمهاجمة مهرجاناتها الخطابية في سطات، وتحتج على تصريحات شباط، إلى درجة أن رئيس الفريق الحركي في مجلس النواب صرح بأن الحركة دعت إلى اجتماع عاجل لمكتبها السياسي من أجل «بلورة موقف معين من حزب الاستقلال»(!) واقتناع أطراف في الحكومة بأن طرفا آخر فيها ارتكب تجاوزات انتخابية خطيرة لا يمكن السكوت عليها، وبأن دورا مفترضا تكون وزارة الداخلية قد لعبته لصالح هذا الطرف، يعني وجود حالة من عدم الثقة بين مكونات الحكومة، وهذه الحالة تتعارض مع منطق التحالف الحقيقي؛ 8) استعداد بنكيران لإجراء تفاوض مفض إلى تقليص ترشيحات حزبه في الانتخابات الجماعية المقبلة وتجنب اكتساح إسلامي لتلك الانتخابات. لعل الخلاصة الأكثر أهمية لما جرى في الانتخابات الجزئية الأخيرة هي، ربما، تلك التي قد تكون جريدة «التجديد» قد قَصَدَتْهَا حين اعتبرت أن اكتفاء حزب العدالة والتنمية بتغطية دائرتين فقط، من أصل خمس دوائر، جاء ل»ترسيخ القناعة عند مراقبيه وعند الرأي العام بأن الهاجس الانتخابي لدى هذا الحزب ليس هو كل اهتمامه، وأنه ليس مشغولا بدرجة أولى بتكثير قاعدة برلمانييه، وأنه، على العكس من ذلك تماما، قد وضع مركز تفكيره، ولاسيما في هذه المرحلة السياسية، على استبعاد فكرة الاكتساح، وعلى عدم الإضرار بالتوازنات السياسية القائمة» (بلال التليدي)؛ يعني ذلك أن بنكيران، ربما، يريد ألا تُعاتب حكومته غدا على تأخير موعد الانتخابات الجماعية، ويسعى إلى تسريع تاريخ إجرائها من خلال إزالة الحاجز النفسي المتمثل في الخوف من خطر الاكتساح الإسلامي، وذلك بواسطة اتفاق مسبق، كما وقع في مناسبات سابقة، على الاكتفاء بتغطية نسبة محدودة من الدوائر. ظاهريا، يتم الاتفاق بين مكونات الأغلبية ولصالحها؛ وسياسيا، سيعتبره بنكيران جزءا من كلفة رئاسته للحكومة في هذا الظرف.