وصف عبد القادر برادة، أستاذ الاقتصاد السياسي، طرح الحكومة المغربية حول إصلاح صندوق المقاصة ب«المغلوط» لحد ما، مفسرا ذلك بكونه ليس طرحا مغربيا بامتياز. وأضاف برادة أنه رغم أن الحكومة لم تصرح بذلك فهو طرح تم وضعه من قبل المكاتب الدولية للاستشارة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وعبر برادة عن هذا الوضع بالقول: «حنا كنعطيو راسنا للحجام»، مضيفا أن الخطأ الذي ترتكبه الدولة المغربية أنها لا تعطي الفرصة للأطر والكفاءات في مجموعة من المجالات. وأضاف أستاذ الاقتصاد السياسي أن الحكومة المغربية لا تصرح بكون المواد المدعمة هي خاضعة في الأصل للضريبة على القيمة المضافة وضريبة الاستهلاك التي يؤديها المواطن، دون الحديث عن الضرائب المترتبة عن الأرباح، مشيرا إلى أن الدولة أكبر مستهلك وأكبر زبون لدى الشركة المغربية لصناعة التكرير وشركة «كوسيمار» المتخصصة في إنتاج وتصنيع السكر بالمغرب. وقال برادة إن الدولة عندما تكشف عن حجم الاستهلاكات في مجال الماء والكهرباء لا تتحدث عن حجم الاستهلاكات فيما يتعلق بحظيرة السيارات وعدد من الأمور، مشيرا إلى أن حجم استهلاك هذه المواد غير المصرح بها يتراوح ما بين 9 و10 مليارات الدرهم. وعزا برادة أن أصل مشكل دعم المواد الأساسية راجع بالأساس إلى الاحتكار والهيمنة المطلقة على السوق الاقتصادية من طرف الشركات الكبرى، وخص بالذكر مجموعة «كوسيمار»، والشركة المغربية لصناعة التكرير المعروفة باختصار «لاسمير»، فهذا المونوبول هو الذي يحدد تكلفة الأسعار والدولة تفرضها على المستهلك، يضيف أستاذ الاقتصاد السياسي. وفي سياق متصل، أشار المتحدث ذاته إلى أن صندوق المقاصة غير مؤهل لمراقبة الشركات المحتكرة للسوق الاقتصادية، في إشارة إلى كل من الشركتين سالفتي الذكر ، علاوة على كون الوسائل التي يتوفر عليها الصندوق ضعيفة، على حد تعبير برادة. وفي ما يتعلق بالمحاسبة، قال أستاذ الاقتصاد السياسي إن صندوق المقاصة لم يعد يتولى هذه المهمة كما في السابق، بل تم تفويضها لشركات خاصة، وبالتالي فالصندوق لم تعد لديه صلاحية مراقبة المواد الأساسية المدعمة أو مراقبة الشركات والمقاولات المحتكرة. وحسب دراسات علمية «عندما نكون أمام احتكار مطلق، يكون هناك في مقابل ذلك تحقيق أرباح زائدة وجد مرتفعة، وبالتالي نكون أمام ما يسمى في مجال الاقتصاد بتضارب المصالح»، يقول برادة، مضيفا أن اقتصاد السوق ليس هو قانون الغاب فهناك ضوابط اقتصادية يجب مراعاتها، لكن الدولة المغربية غائبة في هذا الباب لأنها لا تتوفر على آليات المراقبة لإصلاح هذا القطاع. واستطرد برادة أن كل النقط، التي تحدث عنها سالفا، لا تدع مجالا للشك بأن صندوق المقاصة لا يستفيد منه المواطن والفئة المعوزة، وأن الحكومة المغربية، سواء السابقة أو التي قبلها أو الحكومة الحالية، لا تمتلك الجرأة والشجاعة لطرح المشكل للنقاش بطريقة علمية واضحة. من جهته، اعتبر عز الدين أقصبي، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، أن مشكل صندوق المقاصة ليس مشكلا جديدا، موضحا أن حكومات كثيرة تعاقبت على هذا المشكل دون أن تخرج بأي نتائج، كما أن المشكل ليس فقط تقنيا، بل هو سياسي أيضا. فصندوق المقاصة، يقول أقصبي، عرف تطورا كبير من ناحية الكلفة، حيث وصلت إلى 53 مليار درهم لدعم المواد الأساسية. غير أن الأخطر في الموضوع، حسب أقصبي، يتجلى في هدر المال العام على اعتبار أن المستفيدين الحقيقيين من صندوق المقاصة ليسوا من الفئات المعوزة أو المتوسطة، بل من الطبقة البورجوازية، مشيرا إلى أن إصلاح الصندوق يحتاج أولا إلى طرح الإشكال بوضوح لمعرفة مكامن الخلل وضرورة عقد حوار وطني. ويضيف المتحدث ذاته قائلا: «إذا أردنا على سبيل المثال تبني توجه معين من أجل مساعدة الفئات المعوزة التي تعجز عن مسايرة الأثمنة المحررة، فهذا يتطلب إدارة قادرة على تطبيق هذا التوجه ومسايرته»، معتبرا أن «مشكلتنا الكبيرة والحقيقية هي تفشي الفساد والرشوة وانعدام الكفاءة والريع الاقتصادي وغيرها من الأمور، فغياب إدارة وإرادة قويتين لن يزيد الطين إلا بلة، لأن إصلاح المنظومة الإدارية شيء أساسي لتخطي جميع العقبات». أما فيما يتعلق بضبط مصاريف المال العام والتحكم في ميزانية الصندوق فهي مسألة إيجابية، يقول أقصبي، لكن المشكل الذي يطرح نفسه هو اقتصاد الريع والمضاربات الاقتصادية، ف«عندما تكون لدينا القدرة لتجاوز مشكلة احتكار وهيمنة الشركات على المواد المدعمة، آنذاك ستختلف الأمور نحو الأحسن». يضيف الخبير الاقتصادي. أما فيما يتعلق بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين كمرتكز أساسي في تصور الحكومة لإصلاح صندوق المقاصة، في رأي الخبير، فإن الفئات الاجتماعية التي لا تشملها المساعدات هي الأكثر تضررا جراء ارتفاع الأثمنة. فمشكل صندوق المقاصة، حسب الخبير الاقتصادي، ليس هو مشكل نقص الميزانية، بل كيفية علاج مشكل الفئات الاجتماعية، فبعض الأحزاب لا ترى المشكل من هذه الزاوية بقدر ما تطرحه وتنظر إليه من زاوية ضيقة تطغى عليها الحسابات والمصالح الخاصة.