«بويرطا ديل صول» أو باب الشمس هو قلب مدريد النابض، فيه يلتقي ويتفرع كل شيء، إنها الساحة التي تحمل ذاكرة إسبانيا بأكملها، فمنها انطلقت شرارة تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، وبها اغتيل زعماء سياسيون، قبل أن تدور عجلة الزمن وتصبح ساحة أيضا لمظاهرات الشواذ والجمعيات المساندة لانفصاليي البوليساريو، وخلال أزمنة الأزمة التي تضغط بعنف على أنفاس جيراننا الشماليين، عادت الساحة لتلعب دورها بعدما صار يجتمع بها المئات من العاطلين والمطرودين الذين لفظتهم الشركات والمعامل، يقفون بانتظام حاملين شعارات تندد بالطرد وعدم اتخاذ الحكومة الإجراءات الملائمة لحمايتهم.. بعضهم اصطحب معه أطفاله ومكبرات للصوت، وآخرون جلبوا آلات تصوير لتخليد حدث الاحتجاج وبجانبهم سيارات الشرطة، إنها مظاهرة للعاطلين شبيهة بما يحدث في شارع محمد الخامس في الرباط، لكن مع فارق بسيط هو أنه في مدريد لا توجد سيارة إسعاف في أي زقاق جانبي، كما أن رجال الشرطة يبدون مختلفين عن ضباط الأمن في الرباط المكلفين بتفريق العاطلين المغاربة يوميا، لا وجود لتلك الأجساد الضخمة والبطون المنتفخة من كثرة تناول المرق يوميا والكسكس يوم الجمعة من كل أسبوع، حتى «لاراف» في مدريد مختلفة، مجرد سيارة صغيرة لا توحي بتاتا بأن رجال الأمن يمكن أن يقوموا باعتقالات جماعية في صفوف المتظاهرين عندما تأتي الأوامر. الإسبان الذين يمرون بجانب المظاهرة، يبدو بعضهم مسرعا، وآخرون يقفون قليلا للتأمل وقراءة الشعارات ثم الاسترسال في الهرولة صوب محطة الميترو «صول» التي داخل ممراتها تعلن الحكومة عن الحلول في لوحات إشهارية ضخمة تحث الإسبان على اللجوء إلى الوظائف العمومية، وأخرى تشجع المهاجرين على العودة إلى بلادهم مقابل تسهيلات مالية. بعض الشبان الإسبان لا يؤمنون بالاحتجاج ويعتبرون ذلك مضيعة للوقت، فخورخيو راميريث، كان يشتغل مصورا صحافيا قبل الأزمة مع وكالات للاتصال، وفي بعض الفترات كان يحتاج إلى مزيد من المال فيعمل ليلا سائقا لشاحنة جمع الأزبال بدون أن يشكل له ذلك أية عقدة نفسية، لكن شركات الاتصال أغلقت أبوابها في وجهه منذ شهور، فوقف في «بويرطا ديل صول» يعمل مع المنظمات غير الحكومية أحيانا موزعا لمنشورات توعوية أو لعوازل طبية بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة السيدا، لكن كل ذلك لم يفقد خورخيو المرح ابتسامته، ويقول ببساطة إننا في أزمة، نعم إنها الأزمة، الكلمة التي نالت النصيب الأوفر من القدح في قاموس الإسبان هذه الأيام. أما المغاربة الذين طالتهم الأزمة، فلا يشاهدون وهم يحتجون في «بويرطا ديل صول» بحكم أن الدستور الإسباني لا يشملهم تماما، فمن كان منهم بناء تحول بين عشية وضحاها إلى تاجر أو نادل في مقهى، كما أن الأزمة ليست شيئا جديدا عليهم، فقد ولدوا ووجدوها في كل شيء في حياتهم في المغرب، لذلك فإنهم عندما ينطقون بكلمة «أزمة» بشفاههم لا يشعرون بأن لها ذلك الطعم المر الذي يلسع الإسبان هذه الأيام.