لماذا قسم المغرب إقليم الصحراء مع موريتانيا؟ ولماذا لا يريد تطبيق الاستفتاء؟ "" حقائق ينبغي معرفتها من طرف الرأي العام حقائق ينبغي معرفتها من طرف الرأي العام كثيرا ما تتكرر في وسائل الإعلام الجزائرية تساؤلات حول أسباب تقسيم إقليم الصحراء بين المغرب وموريتانيا سنة 1975، ولماذا لا يريد المغرب تطبيق الاستفتاء على سكان الصحراء المستعمرة الاسبانية السابقة؟ للإجابة، أقول إن المغرب مثله مثل شجرة فروعها في أوربا وجذورها في إفريقيا، فموريتانيا التي كانت تسمى ببلاد شنقيط كانت امتدادا تاريخيا وبشريا وثقافيا و دينيا للمغرب(المرابطون) ، منذ قرون فموريتانيا الحالية لا تشكل حاجزا أمام علاقات المغرب الإفريقية ولا تهديدا لأمنه القومي، فلازالت عدة قبائل موريتانية تؤمن بالوحدة الاندماجية مع المغرب في المستقبل وبصفة إرادية حرة. قبائل كانت لها علاقة بيعة مع سلاطين المغرب زمان بعيد/من قبل. فالاستعمار الفرنسي الذي حصل على شمال إفريقيا بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء عمل على خلق كيان مستقل في جنوب المغرب سمي بموريتانيا سنة 1960، كما ضم الصحراء الشرقية إلى الجزائر الفرنسية (لقنادسة، الصاورة، التوات) وكان نصيب الصحراء الغربية من نصيب اسبانيا الحلقة الضعيفة في أوروبا آنذاك، إضافة إلى شمال المغرب(الريف). فكان اكتشاف الحديد في منطقة الزويرات الموريتانية و إنشاء كونسورتيوم ميفرما MEFIRAMA لاستغلاله من احد الأسباب الرئيسية التي خلقت من اجلها دولة موريتانيا. الشيء الذي دفع المغرب بعدم الاعتراف بهذه الدولة المحدثة من طرف الاستعمار الفرنسي الذي كان يهدف إلى حماية مصالحه الاقتصادية والجيوستراتيجية، فلم تعترف المملكة المغربية بموريتانيا إلا في سنة 1969 بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي الأول في مدينة الرباط مباشرة بعد إحراق مدينة القدس الشريف. فالراحل الحسن الثاني تجاوز مسالة وحدة المغرب الترابية من اجل جمع شمل المسلمين في مواجهة العدو الصهيوني الذي كان يهدف إلى مس معالم هذه المدينة المقدسة وتهويدها وجلاء المقدسين عنها. بعد تنظيم المسيرة الشعبية السلمية التي سميت بالمسيرة الخضراء سنة 1975 من طرف المغرب، حدث تقارب كبير بين المرحوم الرئيس ولد دادة والراحل الملك الحسن الثاني في مسالة تدبير ملف الصحراء المستعمرة الاسبانية نظرا للتداخل التاريخي والاجتماعي و الديني بين البلدين. باعتبار أن القبائل الموريتانية لها امتداد بشري و تاريخي في الصحراء خاصة في منطقة وادي الذهب كما هو الشأن للمغرب (أولاد ادليم و أولاد بن السباع الخ...) ،فرغم التهديدات القوية للمرحوم هواري بومدين للرئيس الموريتاني ولد داده، فان هذا الأخير تشبث بتحالفه مع المغرب في استرداد حقه المغتصب من طرف الاستعمار، فاتفاقية مدريد الثلاثية الموقعة من طرف المغرب و موريتانيا من جهة واسبانيا من جهة أخرى التي بموجبها نقلت سيادة الإقليم الى البلدين، إضافة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سمحا للبلدين العربيين المتحالفين من تقسيم إقليم الصحراء بينهما بناءا على معايير إنسانية وجغرافية وثقافية قديمة. فكلاهما كانت له علاقات سياسية و تاريخية و اقتصادية و اجتماعية مع أهل الركيبات والثكنة و ابن السباع إلى غير ذلك من القبائل الصحراوية، فالتاريخ الواحد المشترك كان أساس هذا التقسيم الذي تم بالتراضي وبموافقة الشرعية الدولية. أمام هذا الوضع، قام الرئيس هواري بومدين بتوجيه كتائب البوليساريو المسلحة إلى الحلقة الضعيفة والمسالمة في المنطقة أي موريتانيا، هجمات غرضها زعزعة نظام ولد داده و إحداث تصدع قبلي في موريتانيا. بل أرسل المرحوم الوالي مصطفى الصحراوي المغربي الذي كان طالبا بالرباط على رأس كتيبة من 2000 عسكري إلى نواكشوط لقلب النظام والإحلال محله. كما قامت الاستخبارات الجزائرية باختراق الجيش الموريتاني و دفعه إلى تنظيم انقلاب عسكري على الشرعية الدستورية في هذا البلد العربي الفقير والضعيف. أمام الهجمات المتكررة للبوليساريو المدعوم من الجزائر، و بعد وصول العسكر إلى الحكم في نواكشوط في انقلاب عسكري بتأييد جزائري، قام ولد السالك بالإعلان عن انسحاب موريتانيا من وادي الذهب، حالة دفعت قبائل وادي الذهب إلى مطالبة المغرب بالعودة إلى وطنهم الأم لقطع الطريق على مشروع تكوين دويلة مجهرية بين موريتانيا و المغرب. هذا الأخير الذي كانت قواته موجودة في المنطقة لمساعدة الموريتانيين بنو عمومتهم ضد الهجمات المتكررة للبوليساريو بادر بحماية وادي الذهب بطلب من سكان هذا الإقليم - فالانضمام كان حرا و اراديا-، فالقبائل مجتمعة أعلنت مبايعتها للملك الراحل الحسن الثاني، فوادي الذهب عاد من جديد ليصبح مع الساقية الحمراء وشمال المغرب وحدة بشرية و قبلية واحدة كما كان قبل الاستعمار الإسباني و الفرنسي. فالتقسيم إذن جاء بحكم رأي محكمة العدل الدولية التي اتبثت ان هناك علاقات قبلية بين المغرب و القبائل الصحراوية وموريتانيا و اتفاقية مدريد التي أكدت كذلك تلك العلاقات القبلية الموجودة بين سكان المنطقة اما الاسترجاع فكان بإرادة سكان وادي الذهب الذين قطعوا الطريق على مشروع الدويلة الصحراوية المزعومة وعاصمتها فلاسينروس (الداخلة). أما قضية الاستفتاء، فان المغرب أول من نادى بتطبيق الاستفتاء في نيروبي سنة 1981 بمناسبة انعقاد القمة الإفريقية ولازال متشبثا به و لكن اعتمادا على إحصاء كافة المواطنين الصحراويين دون استثناء او تمييز، فالبوليساريو وهذه شهادة من جيمس بيكر، و ديكولار و بطرس غالي و شيوخ القبائل الصحراوية أكدوا أن هذا التنظيم الانفصالي و حلفاءه أرادوا استفتاءا انتقائيا أي فقط تسجيل الصحراويين الذين يريدون الانفصال وهم أقلية ورفض الآخرين المنادين بالوحدة مع المغرب وهم الأغلبية. فالأممالمتحدة فشلت في إيجاد حل توافقي لهذه المسالة المعقدة. فلا يمكن تطبيق استفتاء على جماعة أو قبيلة دون أخرى وهنا يكمن جوهر الخلاف بين الطرفين المغرب و الجزائر و صنيعتها البوليساريو في إيجاد حل لإحصاء السكان الصحراويين. أما قضية مغربية الصحراويين و تواجدهم و مشاركتهم في دواليب الدولة المغربية، فهو أمر ثابت لا يحتاج إلى ضجيج إعلامي، فالأدلة و الأمثلة موجودة و بكثرة وخير دليل على ذلك. المؤسسات المغربية مفتوحة لأبناء الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب على حد سواء، فلا يوجد تمييز عنصري أو قبلي أو جهوي أو ديني في المغرب، فهناك وزراء، وولاة، و سفراء ،و ضباط جيش، و رجال أعمال ناجحين من أبناء الأقاليم الجنوبية المغربية، إضافة إلى هذا فان سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب شاركوا في كل الانتخابات البلدية و التشريعية و لهم مجلس استشاري ملكي يقدم مباشرة اقتراحاته و توصياته للملك، فالصحراويون المغاربة، هم حاضرون كذلك في الجامعات و المدارس و في وسائل الإعلام الرسمية و المستقلة. أما قضية الصحراويين المحتجزين في تندوف، و للرأي العام، نقول انه في سنة 1975 تم تهجير قسري تحت الترهيب للعديد من العائلات الصحراوية من طرف كتائب البوليساريو المدعومة بالأمن العسكري الجزائري، عمل تمكنوا من خلاله إخراج 45 ألف صحراوي و صحراوية من العيون و الداخلة و السمارة وبوجدور مواعدين إياهم بالعودة بعد ثلاثة أشهر، وكانت البروباكوندا الجزائرية والانفصالية تقول لهم، بان المغرب وموريتانيا سوف ينسحبان تحت الضغط العسكري والدبلوماسي، إلا أن الأمر مع الأسف دام أكثر من 30 سنة، إشارة أخرى هي أن مخيمات المحتجزين في تندوف تأوي أناسا آخرين جلبوا إليها من جنوبالجزائر و من مالي و النيجر و شمال موريتانيا مستغلين ظروفهم المأساوية بسبب الجفاف والمجاعة والحاجة بغية تضخيم الرقم أمام الرأي العام العالمي وأمام الأممالمتحدة وقصد الاستفادة من المساعدات الدولية لا غير. إن شهادة الكثير من العائدين الصحراويين من تندوف خاصة من مؤسسي البوليساريو تؤكد و أكدت أمام المحافل الدولية و منظمات حقوق الإنسان كيف كان الانفصاليون يخطفون عائلات بأكملها ويذهبون بها إلى تندوف تحت تهديد السلاح. إن المغرب أبقى على باب التصالح والتسامح مفتوحا مع أبناءه الذين اختاروا مسارا آخر بفعل التدخل الخارجي اعتمادا على قاعدة "الوطن رحيم"، فموافقته على وقف إطلاق النار سنة 1991 فتحت باب الحوار لإيجاد حل توافقي و مقبول من الطرفين طبقا للقاعدة الفقهية "لا غالب و لا مغلوب"، كما فعلت الجزائر مع عناصر جيش جبهة الانقاد الإسلامية برئاسة مدني مزراك، ′′قانون المصالحة و الوئام المدني′′ هذا لا يعني أن البوليساريو هو الفاعل الوحيد في المشهد السياسي الصحراوي، فهناك تنظيمات سياسية أخرى في الداخل و الخارج، فالبوليساريو ما هو إلا عنصر من هذه الفسيفساء الصحراوية، فالمقاومة بدءها جيش التحرير المغربي سنة 1958 بقيادة الفقيه البصري وان مقاومة البوليساريو للاستعمار الاسباني ما هي إلا أكذوبة للاستهلاك المحلي وبشهادات عسكرية اسبانية، فتاريخ المقاومات في الإقليم قديم ويرجع إلى انتفاضة الشيخ ماء العينين، فلا مزايدة في هذا الباب. فالانفصاليون لا تتوفر فيهم شروط حركات التحرر الوطني بل ما هي إلا جماعة متمردة تريد الانفصال بدعم مباشر من الجزائر. إن الشعب الجزائري الذي نكن له الاحترام و الأخوة في المغرب، يجهل هذه المعطيات السياسية و التاريخية بسبب التعتيم الإعلامي و السياسي و منهج التخوين الذي يخيفون به الناس. فالجزائر الدولة المهتمة بمشكل الصحراء بذرت أموالا طائلة من الأموال المستحقة للشعب الجزائري حيث صرفت أكثر من 200 مليار دولار على جمهورية وهمية في مخيمات لحمادة، في وقت نرى فيه شبابها يهرب إلى الجبال أو إلى البحار للانتحار. فلم يسجل التاريخ الحديث أن حركة تحررية في العالم وصلت إلى هذا الإشعاع الدبلوماسي و الإعلامي الذي تعرفه جماعة متمردة على الوطن الأم، حتى جبهة التحرير الجزائرية العظيمة التي قدمت مليون و نصف شهيد لم يكن لها هذا الصيت و هذه الشهرة ولم تكن لها إمكانيات مالية ضخمة كالتي يتوفر عليها البوليساريو الآن : حكومة، وزارات، سفارات تلفزيون، فضائيات، إذاعات، جرائد، فمن أين لهم هذا؟. حتى منظمة التحرير الفلسطينية لم تصل إلى البحبوحة التي تعيش فيها زمرة البوليساريو. إن حرق ممثلية البوليساريو من طرف المتظاهرين الغاضبين في الجزائر سنة 1988 يعد موقفا تاريخيا ورجوليا للجزائريين من قضية الصحراء المغربية. فموقف الشعب الجزائري هو مع إخوانه المغاربة. انه هذا المشهد هو عبارة عن استفتاء جماهيري عفوي ضد المغامرة و المجازفة الطائشة و ضد استنزاف خيرات الشعب في عملية خاسرة رغم الدعاية الكاذبة. وفي الختام يؤكد المغاربة بأن أمن واستقرار الجزائر هما من استقرار وامن المغرب، و ازدهارها كذلك من ازدهار المغرب، فلماذا لا نشجع حكامنا على وحدة اندماجية بين شعوب المنطقة ولكن عن طريق استفتاء شعبي ديمقراطي نزيه و شفاف تحت إشراف الأممالمتحدة و منظمات المجتمع المدني؟، فتصوروا كيف سوف يكون حال هذا التكتل المغاربي أمام أوروبا التي بدأت تتسرب إليها معالم الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية. ذ.عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية/جامعة الحسن الثاني خبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية [email protected]