أحيانا أفكر في الأيام القادمة، كيف ستكون؟ أتساءل عن الغد وعن الحياة التي لا تعرف حدود الزمان. أليس الغد ما نحلم به الآن.. أم هو فصل أو رقم أو بيت أو عمل آخر، أم شاطئ أمان وهمي نظل نسبح بحثا عنه إلى أن نتعب ونكبر وندرك أننا عجزنا عن معاندة الزمن وقهره، ونكتشف فصولا مجهولة من العمر أقساها خريف الأيام. خريف أيامنا كمساء بارد، كبيت بلا نوافذ، كحب يحتضر، كضمير متعَب، كجسد انتهى. هناك أسئلة تقود إلى السعادة، وأخرى تقذف بك في دوامة من الهواجس المخيفة كسواد الليل. ونحن كائنات فانية تحيا كأنها لا تقهر، تصرخ وتركض وتبني وتتصارع وتلهو وتشتهي إلى أن تنتهي.. ضعيفة، صامتة، وحيدة ومغتربة كحقول غادرتها زهور الياسمين وشقائق النعمان والفل والنرجس. كثيرا ما أتأمل أجسادا بدأت تنطفئ، تصارع الوحدة والضعف ونوبات السعال وخفقات القلب المتعبة، أختلس النظر إلى ماض حاضره ذكرى شباب وقوة ومجد وسلطة ورهبة.. فأتساءل: على ماذا سأتحسر؟ فيتسلل الخوف إلى أعماقي، وتمر بمخيلتي مشاهد حياتي القادمة، حيث يبدو كل شيء غريب عنك، صوتك، حركتك، وجودك، الحياة المتسارعة حولك وإحساسك الدامي بقرب النهاية وأنت تودع حياة أحببتها وعشتها ملء الحواس. غالبا ما يبتسم لي أشخاص غرباء في خريف الأيام تواجدوا بالصدفة أمامي، ترى ماذا يتذكرون؟ شبابهم، لباسهم، ثورتهم، صباهم، وزرة المدرسة أم أناشيد الطفولة أم أول قبلة أم رسالة حب كتبت دمعا. حينما تنقب بين كتبك القديمة تجد صورا تلقي عليك التحية، وجوها رحلت وأخرى نسيتها، تجد رسائل بتواريخ بعيدة وورودا مجففة لا تذكر لمن رغبت في إهدائها، قصاصات جرائد صفراء لصحفيين عظماء، طوابع بريدية تزينها صور ملوك أصبحوا أرقاما وذاكرة.. فتوخز جراحك القديمة وتلتفت إلى الماضي المغمور بالضباب وتكتشف حقولا خضراء وورودا فاتنة وشموعا موقدة وفصولا جميلة عشتها ومحطات لن تستطيع الحصول على تذكرة من الزمن للعودة إليها. كنت دائما مليئة بالأسئلة المؤرقة رغم مزاجي المضاد للكآبة، لذلك أرغب أحيانا في أن أكون لا أحد.. أغمض عيني وأتيه بخيالي بعيدا كأني بين المرض والمعافاة بحثا عن أجوبة محيرة عن سنة الحياة وحكمة الله في خلقه. وعن فصول الحياة الثلاثة طفولة وشبابا وخريف الأيام القاسي الطويل ومجرد استفهام، ترى على ماذا سأتحسر.