كأنك لا تريد أن تكبَرَ بسرعة، وأَلِفْتَ هذه الرفاهيةَ والدلالَ فاخترتَ أن تبقى صغيراً. لك ما تريد، ولي أن أشكو. فقد ضاق صدري ولم يعد يتّسع. لم أعدْ أستطيع تلبيةَ المزيدِ من مطالبك التي لا تنتهي. لم أعد أستطيعُ يا أمير. فاكْبَرْ بسرعة لتجعلَني أكفُّ عما أفعله الآنَ من أجلك، وأرتاح. اكبَرْ لتدركَ أنّ جدران المملكة الصغيرة ما عادتْ قادرةً على احتواء أناكَ المتضخمةِ يوما بعد يوم. إلى متى سأمنعُ عنّي النومَ كي أمنعَ عنكَ الأرق؟ سئمتُ من السهر مُرغماً حتى الصباح لأنك فقط لا تريد أن تنام. وحتى إذا ما جعلتُك تنامُ كباقي الخلق، تُجبرني على أن أقفَ حارسا ًبعينين ذابلتين لا أنامُ لأنك يا أميرُ فقط تخافُ من الكوابيس؟ فاكبَرْ بسرعة كي تفهمَ أني أيضا محتاجٌ إلى قليلٍ من النّوم وإلى كثير من الحماية. اكبَرْ لنتبادلَ الخدمةَ ونتقاسمَ الأمانَ معاً؛ أحميكَ وتحميني، ونحمي معا مملكتنا الصغيرةَ من كلّ انهيار. أتتصور يا أميرُ معنى أن يعيشَ الآخرون في الحِرمان كي لا يمسَّك حِرمان؟ ننظر إلى ما نشتهي ولا تمتدُّ إليه أيادينا حتى تمتدَّ إليه يداك. لا نضعُ منه شيئاً في أفواهنا إلا ما جاد به شَبَعُك من فضلات. أنتَ لا تفهم كيف أصنعُ من دمعي ومن دمي ومن عرقي ما تتغدّى به أيّها المدلل، ولا كيف القدمان قدمايَ تغوصان في أوحالٍ تشبهُ القذارةَ كي آتيكَ بمناديلَ معطّرةٍ تمسحُ بها وجنتيك وأنتَ ممدّد في فراشك أيها المتعجرفُ الصغير . افهمني يا أمير، هنا لستُ أمنُّ عليك بصنيعي، فالكثيرون أمثالي لهم أمثالُك ومثلي يصنعون أو أكثر. نحن جميعا نفعل ذلك بضغطِ الحبّ أحياناً وبقوة الواجب دائماً، غير أننا ننسى من فرط الحب والواجب أننا نحن أيضا بشرٌ من لحم ومن دم، نجوعُ نتعبُ نتألمُ، ونحلمُ بأن لا نجوعَ يوماً ولا نتعبَ ولا نتألّم، نريد أن نصبح مثلَكم أيها الصّغار؛ لو مرةً نأخذُ فيها ولا نعطي، نستيقظُ ذاتَ صباحٍ ونجدُ رغباتِنا تحققتْ، نحلم لو ينتهي سريعا كلّ هذا الضجر. قد لا يضجرُ كل الآباء والأمهات من صغارهم، لكني أنا بمنتهى الأسف ضجرتُ. أشعر بأني بالغتُ في الانصياع، ولم يعدْ يُشغلني في الحياةِ سوى ترقّبِ صرخةٍ منك كي أفزع وأنحني بين يديك أيها المتسلّط. شيءٌ يشبه الخوف وليس خوفاً، شيءٌ يشبه الخنوعَ وهو ليس كذلك. لا أدري ماذا أسميه. لقد ضجرتُ من استسلامي لمشيئتك، أو ربما ضجرتُ من حبي لك يا أمير. ورطّني في حبك ما سمعتُه من الناس حين وصولك. علّموني ألا شيءَ يُضاهي ضحكةَ طفلٍ رضيع. فعشتُ أرضى بالهمّ من أجل أن ترضى وأراكَ تضحك. علّموني أنها ضحكةُ ملائكةٍ وصدّقتُهم. قد تكونُ فعلا ملاكاً، لكنَّ صراخَك المستفزّ الذي لا ينتهي بالليل يجعلني أشكُّ في ذلك. لا لستَ ملاكاً حقاً. ليس هناك ملاكٌ لأتفهِ الأسباب يصرخ فيوقظُ الجميع، ولأقل أذىً يبكي فيحكم على الجميع بالقلق والأرق. ليس هناك ملاكٌ يُرضيه أن تحدثَ حالةُ طوارئٍ في البيت ويكونُ بكاؤه السبب. أنت لستَ ملاكا يا أمير. فاكبَر بسرعة، كي تَعِيَ على الأقل ما يجري حولك، وتفهمَ أن الحياة ليستْ سهلةً كما تتصور، وأن الأمورَ ليستْ كما تظن يا أمير. [email protected] mailto:[email protected]