لكي ننعم بالاستقلال كان لابد من تضحيات، ولكي نسترخص الذات ونقدم أجسادنا وأرواحنا قرابين لهذا الوطن، كان لا بد من شكر وجزاء، من تكريم واعتراف. ولأن الاعتراف يحتاج إلى شهود عيان، فإن الكثير من المقاومين البررة الذين كتبوا التاريخ بدمائهم، قد صرفوا النظر عن بطاقة مقاوم لأن أغلبهم ماتوا قبل أن تظهر خيوط فجر الاستقلال، والباقيات الصالحات تعيش من إكراميات مندوبية أريد لها أن تكون سامية، اعتبارا لقيمة العمل الاجتماعي المنوط بها، وطبيعة الفئة المستهدفة. حين كشف وزير التجهيز والنقل عن رخص النقل العمومي، ورخص استغلال مقالع الرمال والأحجار، تبين لهواة لغة الأرقام أن صناع الاستقلال لم ينعموا سوى بعشرة في المائة من كعكة الريع، والباقي وزعه وجهاء وبرلمانيون ورجال أعمال وفنانون ورياضيون وأطفال ويافعون ومعاقون، لم ينالوا من أجل هذا الوطن ولو صفعة على قفاهم، بينما يعيش من تبقى من رجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير بإعاقات تقول إن الرصاص مر من هنا. لا ينكر المكاسب الاجتماعية التي تحققت لعدد كبير من المقاومين إلا جاحد، لكن هذه المكاسب لم ترق بعد إلى درجة الإنجازات، فالتغطية الصحية حق لكل المواطنين سواء الذين قاوموا المستعمر أو الذين يقاومون «الزمان»، وإدماج أبناء المقاومين في النسيج الاجتماعي ومنحهم الأسبقية في الشغل ليس عملا جبارا، رغم أنه يندرج في سياق «علمني كيف أصطاد السمكة»، ودعم التشغيل الذاتي والمساعدة على اقتناء سكن اجتماعي، كل هذه «المكتسبات» تحتاج لمقاربة اجتماعية أخرى. حينما تسمع لصرخات أبناء شهداء الوطن، وتنصت لأنين رجال ونساء المقاومة وجيش التحرير، وهم يروون بنبراتهم الحزينة ملاحم غطتها طبقات الغبار، ستلعن الزمن الجاحد الذي يبادل التضحية بالتجاهل، وعندما يستمتع أبناء الخونة وسلالة مخبري الاستعمار بالامتيازات دون الحاجة إلى بطاقة ائتمان تضخ امتيازات بالتقسيط، فتلك تسمية أخرى للفساد. في لحظة بوح، أفرغ علال الزروالي نجل الشهيد علال بن عبد الله همومه وأطلق صرخة كالبركان، حين كشف عن معاناة فرد من أسرة أشهر مقاوم، وأعلن قطاع المقاومة منطقة منكوبة، فالرجل يعيش على الكفاف والعفاف وصدقات الناس ونظراتهم أيضا، وبدل أن تحدث المندوبية السامية على وجه السرعة خلية للأزمة، خرج المندوب السامي إلى الرأي العام وهو يقول لنجل الشهيد: ليس الفتى من يقول كان أبي، مصنفا خرجة علال في خانة صراع الورثة الذي وصل إلى المحاكم. وأحدث ابن الشهيد ابراهيم الروداني صخبا في صفوف المقاومين، لا يقل صخبا عن شارع الروداني بوسط العاصمة الاقتصادية، حين كشف عن أسماء المنتفعين من بطاقة المقاومة، وعن المستفيدين من «ريع» الاستقلال، قبل أن يُتصدى له ببيان حقيقة أشبه بالتوبيخ. ولم تهدأ التوتر، مع بعض رجال ونساء المقاومة، إذ تصدت المصلحة الاجتماعية، لصرخة المقاومة الزوهرة الحداوي، وندائها الموجه للضمائر الحية وللمحسنين كي يساعدوها على مواجهة داء السكري، لأن معاشها لم يكن يتجاوز 1600 درهم، وعندما شعرت المندوبية أن «أنين» المقاومة يمس بالمؤسسة الموكول لها برعاية هذه الفئة، تمت صياغة بيان يكشف امتيازات المقاومة ويؤكد توصلها بمعاش العطب الذي لا يتجاوز 400 درهم، «ومنحة التعويض الإجمالي، فضلا عن دكان تجاري منذ أبريل سنة 2004»، قبل أن تتذكر حفلا أقيم على شرف المشتكية يوم 8 مارس 2008 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. كثير من المقاومين، يصرون على مقاومة الخصاص، بالسكوت فهو حكمة لرجال كانت السرية أساس نضالهم، فلا ينشرون غسيلهم في سطوح الصحافة، ولا يقاطعون زيارات المقابر، ولا يمتنعون عن التصفيق كلما قرأ مندوب إقليمي كلمة في ذكرى محطة نضالية، وقليلون يكتمون الغيظ ويخفون ملامحهم خوفا من نظرات المنتفعين بالاستقلال الراقصين على أنغام الحرية. تكتم أرملة الفقيه محمد البصري معاناتها، ويبتلع أحفاد مومن الديوري محنة الغبن، وتنتظر أسرة الأمير الخطابي تنفيذ قرار نقل رفات زعيم حرب الريف من مقبرة العباسيين بالقاهرة إلى أجدير، وتواجه زوجة قائد جيش التحرير محمد بن حمو القلق بمبادرات الملك التي تبدد الشك وتؤجل الخوف كلما سمعت طرقات على باب مسكن سجل باسم عمدة المدينة، بينما يقتات أحفاد أسد جبل بوغافر الشهيد عسو أوسلام، قاتل القائد الاستعماري بورنازيل، مما تبقى من موائد حفل موسمي احتفاء بمعركة الجبل، حين ينصرف رجال السلطة ومندوب المقاومة والمنتخبون إلى حال سبيلهم. ولأن شأن المقاومين لا يرقى في بلادنا إلى مستوى وزارة على غرار دول كثيرة، فإن المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، وهي الراعي الرسمي لهذه الفئة، منذ المرحوم العربي الفحصي الذي كان مكلفا بالقطاع، إلى المندوب الحالي الاتحادي مصطفى لكثيري، مرورا بالوجدي كبور بنيونس والفاسي محمد بنجلون، ظلت تسعى إلى احتواء معاناة المناضلين والإنصات إلى شكواهم، لأنهم في اعتقادها كالوالدين «لا يقال لهما أف ولا ينهرهما». لهذه الاعتبارات التأم شمل 58 جمعية من جمعيات أبناء قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في إطار فيدرالية وطنية، الغاية منها تعزيز حضور المناضلين وذويهم، لخدمة هذه الشريحة وإنهاء حالة الشتات التي تجعل الفردانية أساس كل تفاوض، مر على ميلاد هذا التنظيم ثلاث سنوات، لكن انتظارات أبناء صناع الاستقلال تلاشت لهشاشة منظومة الرعاية الاجتماعية، ولتقادم التشريعات الوضعية، خاصة قانون53/02 و54/02، مما يستدعي «غسل وتشحيم» قطع غيار بنود لا تواكب العصر. في المغرب أزيد من 44653 مواطنا يحملون بطاقة مقاوم ويستفيدون من عائدات النضال، بينما ضعف هذا الرقم يؤكدون سقوط أسمائهم من لائحة المنتفعين من مزايا البطاقة، لأنهم لا يملكون شواهد ومستندات تخول لهم حمل صفة مقاوم، ولا دليل على حملهم السلاح إلا ما تبقى في الجسد من كدمات. لكن هناك سوء فهم كبير، فالمقاومون ليسوا فقط أولئك الذين وقفوا في وجه المستعمر وأجلوه عن البلاد، بل كل من دافع عن شبر من تراب هذا الوطن، ضد أي مستعمر مهما كانت جنسيته، لأن الكثير من الأبطال الذين وضعوا الوطن مكان قلوبهم، وحملوا رايته في أحلك الظروف، وأقسموا على تحرير البلاد من المتربصين بها، لا تسري عليهم صفة مقاوم ولا يتم الاعتراف بجهودهم. نجل الشهيد علال بن عبد الله يرسل صرخة من فوق سطح بيت استنفرت تصريحات علال الزروالي، نجل الشهيد علال بن عبد الله، الرأي العام الوطني ووصل صداها إلى الجيران في الجزائر، خاصة أن ابن الشهيد كشف عن الظروف الصعبة التي يعيشها والتي ظل يكتم أنفاسها خوفا من خدش وجه المقاومة المغربية. ذات يوم من أيام خريف سنة 2009، تقدم رجل في نهاية عقده الرابع إلى الكتابة الخاصة بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وطلب مقابلة المندوب دون أن يكشف عن هويته، إذ قدم نفسه كناشط جمعوي في مجال الدفاع عن حقوق أبناء الشهداء، استجاب المسؤول لمطلب الرجل وتبين أن الأمر يتعلق بنجل الشهيد علال بن عبد الله، الذي عرض وضعيته المزرية ورسم صورة قاتمة عن معيشه اليومي وهو الذي يتحمل مسؤولية أسرة مكونة من خمسة أفراد بينهم أبناء في طور التمدرس، كما اتضح أن ابن المقاوم يجد صعوبة في تدبير الحد الأدنى من العيش بمعاش لا يزيد عن 600 درهم شهريا، لا يكفي لتسديد واجبات كراء بيت فوق السطح بمدينة أكادير، فضلا عن مصاريف شراء الدواء، لأنه يعاني من ضيق في التنفس وفي العيش، لغياب التغطية الصحية والاجتماعية. كشف المشتكي عن معاناته بالتفصيل الممل، وأكد أن الملك الراحل محمد الخامس هو من اختار له اسم علال حين رأى النور في شهر شتنبر من سنة 1953، كما برر عدم حضور حفل الترحم على قبر والده لعدم توصله بالدعوات، وأدلى بنسخ من رسائل موجهة إلى الديوان الملكي ووزارة النقل والمندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، دون أن يتلقى ردا. لم يكن أحد يعتقد أن نجل علال بن عبد الله أبرز شهداء استقلال المغرب، والذي قدم حياته قربانا للوطن، حين حاول قتل محمد بنعرفة الملك الذي نصبته السلطات الاستعمارية خلفا للسلطان محمد الخامس، سيعتصر الألم قلبه، حينها قرر اللجوء إلى القلوب الرحيمة أملا في مساعدة تنهي ضنك العيش وتحرر ابن المقاوم من أسر الفقر والخصاص. اعتقدت المندوبية السامية أن علال لن ينشر غسيل المقاومة في وسائل الإعلام، رغم أنه طالب بسكن يضمن له الحد الأدنى من الكرامة، كما طالب بتغطية صحية له ولأفراد أسرته، وحين أحالته المندوبية على مؤسسة العمران بأكادير، تبين له أن الشركة عرضت عليه شقة للسكن بأكادير، لكن بثمن تفضيلي لا يتوفر عليه، كما لم يستفد من التغطية الصحية، لأن أبناءه تجاوزوا السقف العمري المسموح به. حينما تحولت شكوى ابن الشهيد إلى قضية رأي عام، ونشر الغسيل على السطوح وأصبح مادة أسالت مداد الصحافة ودموع المقاومين، كشفت المندوبية السامية عن «الامتيازات النقدية والعينية لذوي حقوق الشهيد علال بن عبد الله، سكن لأرملة الفقيد وتوظيف بالمستشفى الجامعي ابن سينا، ورخصة سيارة أجرة في اسمها»، بل إن المندوب تحدث عن استفادة أبناء الشهيد علال بن عبد الله، وهم الكولونيل ماجور المرحوم عبد الله بن علال الزروالي والمرحومة فاطمة التي كانت قيد حياتها موظفة بوزارة البريد والمواصلات وعلال الزروالي من رخصة للنقل العمومي للمسافرين رقم 4335 على الخط الرابط «لارام» قبل أن يطرد منها لعدم التزامه بالتوقيت، حسب مصطفى لكثيري المندوب السامي للمقاومة.
نجل إبراهيم الروداني و أشباه المناضلين
شاءت الصدف أن ينسج حسن ابن الشهيد ابراهيم الروداني علاقة قوية مع نجل المقاوم علال بن عبد الله، بدأت في مدرسة الشهداء بالحي المحمدي، قبل أن تتطور في محطات أخرى، ومن غرائب الصدف أيضا أن يرافق حسن صديق طفولته علال، حين قررا سويا عرض شكواهما على المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير في العاصمة، لكن مطالب حسن أخذت بعدا آخر، حيث دعا المندوبية إلى تبني ملف خلق مؤسسة «ابراهيم الروداني للدراسات والأبحاث»، على غرار مؤسسة الزرقطوني، لأن الاكتفاء بإطلاق اسم والده على شوارع ومدارس لا يخدم القضية ولا يقدم إضافات للذاكرة النضالية. لكن حسن لا يتردد في الكشف عما أسماه «التمييز بين أبناء المقاومين»، والحديث عن الامتيازات التي استفاد منها «أشباه المناضلين»، وهو الذي يعيش حالة عسر لطالما كشف عنها للإعلام المغربي، خاصة في حواره مع صحيفة «الوطن الآن»، الذي كشف فيه عن وجود مقاومين «مزيفين يأكلون غلة الاستقلال»، . صحيح أن المندوبية استجابت لمطلب حسن الروداني، حين فاتحها في مشروع يخدم الذاكرة الوطنية، لكن بدعم لا يتجاوز تزويد المرفق بالمؤلفات والإصدارات ومنشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وعلى حسن أن يتحمل الباقي. علما أن صور الشهيد تملأ أدبيات المندوبية السامية وحيطانها، وقصصه تستحق أن توظف كسيناريو لفيلم حول المقاومة، لاسيما علاقته الوثيقة مع صديقه في العمل المسلح الشهيد محمد الزرقطوني، والتي تركزت على التخطيط في إطار العمل السري، إذ كانا من المخططين والمنفذين للعديد من العمليات التي استهدفت القوات الاستعمارية في الدارالبيضاء على وجه الخصوص، إلا أن المشروع ظل أسير الرفوف في ظل المواجهة الإعلامية بين حسن ومصطفى لكثيري، الذي قال: «على ابن الشهيد أن «يراجع ذاته وسلوكه ليكون خير خلف لخير سلف». يتأبط حسن المشروع، وهو يتأسف على مصادر تاريخ المقاومة، بعد أن كان حلمه تعريف الجيل الحالي بما قام به السلف الصالح، وما قدمه والده ورفاق دربه من تضحيات، بل إن نجل الروداني كان يحتاج لدعم يمسح به الغبار عن زنازن أسر فيها والده سواء بدرب ليهودي أو سيدي بنور حيث خضع لإقامة جبرية في عمق دكالة، التي شاءت الصدف أن ينتمي إليها المندوب السامي للمقاومة. في ظل هذه الحروب بين أنجال المقاومين والمندوبية، كشفت هذه الأخيرة عن امتيازات أسرة الروداني، وقالت إن «ذوي حقوق المقاوم المرحوم إبراهيم الروداني يستفيدون من عدة امتيازات تشمل راتب معاش العطب ومنحة التعويض الإجمالي، فضلا عن وكالة سوق الجملة لبيع الخضر والفواكه بالدارالبيضاء».
في منتصف شهر أكتوبر الماضي، عرضت نجلة العقيد محمد بن حمو معاناة الأسرة على صفحات التظلم بجريدة «المساء»، طلبت عبر منبرنا، من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، فتح تحقيق في قضية تسجيل المجموعة الحضرية لولاية الدارالبيضاء المنزل الذي تقطنه أسرة المقاوم الكبير باسمها، رغم أن المنزل وهبه الملك الراحل محمد الخامس منذ سنة 1958 للعقيد محمد بن حمو أيت سعيد، بل إن الملك الراحل الحسن الثاني قد أعطى أوامره سنة 1994 لترميم المنزل الكائن ب66 شارع الناظور حي بولو في الدارالبيضاء، تحت إشراف الجنرال القادري وإدريس لمسفر، المقاول التابع للقصر الملكي، بعد أن كان قد احتله أوفقير والدليمي وجعلاه مكانا لتعذيب المقاومين الوطنيين ومقرا لإدارة الأمن الوطني، حين هاجر المقاوم إلى الجزائر هربا من ظلمهما. والغريب في هذه النازلة، أن عداد الماء والكهرباء لا يحمل اسم صاحب المسكن، بل إدارة الأمن الوطني، وحين حاولت ابنة المناضل تعميق البحث سنة 2006 اكتشفت أن المجموعة الحضرية لولاية الدارالبيضاء سجلت المنزل باسمها لدى مصالح المحافظة العقارية، رغم أن الأسرة تقطنه، علما أن العقار في الأصل ملك في اسم معمرين فرنسيين. تعيش عائلة محمد بنحمو أيت سعيد على إيقاع خوف دفين، تخشى أن تتحرك آليات الإفراغ يوما نحو البيت لإفراغ أهاليه، خاصة إذا مات العقيد، أطال الله عمره، علما أن البيت يحتوي على شواهد حية تجعل الرجل شاهدا على عصر التحرر من رقبة المستعمر، وهو الذي ظل يقود جيش التحرير رافعا شعار الجلاء للدخلاء، قبل أن يصبح مهددا بالجلاء من مسكن، دون اعتبار للوضع الصحي للمناضل الكبير الذي تفضل الملك محمد السادس بإعطاء أوامره للاهتمام بالحالة الصحية للقائد، وهي التفاتة أزاحت الغم الجاثم على نفس نعيمة أيت أومغار زوجة العقيد وأفراد الأسرة، التي لازالت تبحث عن صيغة لتصحيح الوضع العقاري، واستبدال اسم المالك «مجلس المدينة» برجل كان يهابه المستعمر، دون أن يشكل قلقا للعمدة ساجد.
مفارقات غريبة لملف المقاومة
مقاوم مغربي يغير جنسيته إسمه عبد السلام أزيدان ، كما هو مدون في دفتر الحالة المدنية، صفته عضو قيادي سابق في جيش التحرير، وحين رحل إلى إسبانيا سنة 1961 أصبح مواطنا إسبانيا ونال جنسية بلد فرانكو، ليحمل في بطاقته الوطنية لقب أنطونيو. يتحدث المقاوم برهماني، العضو السابق في جيش التحرير، ورفيق درب عبد السلام أزيدان، عن الدور الذي لعبه هذا الرجل في بناء جيش ساهم في إجلاء المستعمر، خاصة في كتيبة تاكانت بضواحي بويزكارن بالقرب من كلميم، وقال إن عبد السلام كان قياديا يسترخص روحه في سبيل الوطن، قبل أن يرحل بعيدا إلى الضفة الأخرى. تقول الروايات إن كثيرا من أفراد جيش التحرير قد اعتزلوا النضال، في الوقت الذي أصر آخرون على مواصلة الكفاح المسلح، بعد أن انطلقت عملية تصفية جيش التحرير في الوقت الذي كانت فيه القواعد العسكرية الفرنسية حاضرة تهدد استقلال المغرب من جديد، اتفق رفاق عبد السلام على متابعة الكفاح المسلح لتحرير تلك الأجزاء التي بقيت خاضعة للاحتلال الأجنبي في لقاء جمع قادة المقاومة وجيش التحرير بمدريد. وقد استجاب لهذا القرار المقاومون الذين لم يساندوا إدماج فرق جيش التحرير في الشمال في القوات المسلحة الملكية، ولقيت هذه الرغبة موافقة الملك محمد الخامس، لكن سرعان ما تحركت آليات وجرافات صوب رجالات المقاومة تروم تصفيتهم، ففر الكثيرون إلى الجيران ووجدوا في الجزائروإسبانيا خير ملاذ. مقاومون في الوداد والرجاء حين عاد محمد بنجلون إلى المغرب سنة 1935 ونشط داخل جمعية قدماء تلاميذ الدارالبيضاء وداخل بعض الجمعيات الرياضية، تبين له أن الرياضة حكر على الأجانب، وأن هامش التحرك لدى المغاربة لا يتجاوز أنشطة المدارس، فقرر تكسير هذا الحصار، وتأسيس نادِ رياضي، في غمرة تفكيره في هذا المولود رفقة ثلة من المؤسسين أغلبهم تربطه بهم علاقة عائلية خوفا من تسرب أشخاص قد يقحمهم المستعمر لاختراق هذا التجمع. لم يكن الحصول على الترخيص أمرا ميسرا، وفي أول اجتماع تأسيسي بمنزل عائلة بنجلون في درب التازي بالمدينة القديمة، طرح مشكل الترخيص قبل أن يطرح مشكل التسمية. تم التوصل إلى صيغة توافقية، أي إشراك أعضاء يحملون الجنسية الفرنسية، وتم الاتصال بوطنيين يهود لهم جنسية فرنسية لكنهم يناصرون ويدعمون الحركة الوطنية، وهما بنشتريت وبوطبول، فتوفر النصاب القانوني، لينطلق الاجتماع بمباركة السلطات الاستعمارية، في بيت بن جلون بالمدينة القديمة. وفي 20 مارس من سنة 1949، اجتمع ثلة من الوطنيين المتشبعين بالحركة الوطنية وعلى رأسهم حميدو الوطني، الذي كان خبيرا بالاجتماعات التنظيمية خاصة السياسية مع أصدقائه من قاطني درب اليهودي في عمق درب السلطان، أمثال ابراهيم الروداني وعبد الرحمن اليوسفي والهاشمي المتوكل، وتدارسوا إمكانية خلق «فرقة» لكرة القدم، تمثل الحي الذي يرفض أن يظل شبابه مجرد متفرجين أو لاعبين في فرق أخرى، ستحمل اسم الرجاء. انتقاد برلماني أثناء سؤال شفوي حول وضعية المقاومين، ألقاه النائب الحركي عبد القادر تاتو، تطرق البرلماني للوضعية المؤسفة لأسرة المقاومة، لكن الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني رد قائلا إنه مهما أعطينا للمقاومين وجيش التحرير فإننا لا نوفيهم حقهم بالنظر لجسامة وتاريخية المواقف والمهمات التي قاموا بها لاستقلال المغرب، ولكن بالمقابل فإن القول بنفي أي شيء يستفيدون منه الآن، وظروفهم في مستوى عصيب جدا فهذا ينطوي على نوع من المبالغة. لكن تاتو رد على الوزير بالتأكيد على الوضعية الكارثية للمقاومين، وأضاف إن مطلب الشعب هو مطلب الكرامة لهذه الفئة، وقال: «المقاومون وأعضاء جيش التحرير في جميع أنحاء العالم مكرمون إلا في المغرب، وقد أخبرنا وزير التجهيز والنقل بنشر لوائح المستفيدين من رخص استغلال مقالع الرمال، كما سبق وأعلن عن لائحة المستفيدين من رخص النقل، لانريد الأسماء ولكن نريد ماذا يقع، فأسرة المقاومة وأعضاء جيش التحرير هم المستحقون لهذه الرخص قبل غيرهم، وحينما كانت تمنح رخصة حافلة نقل المسافرين كان المسؤولون يشركون عشرة مقاومين قي رخصة واحدة ينال كل منهم 500 أو600 درهم، ونتساءل عن دور وحقيقة مهام المندوب السامي، لماذا لم يسبق له إعداد أي برنامج لصالح من تبقى من هذه الأسرة»، وخلص تاتو إلى التساؤل: لماذا لا يستفيد هؤلاء المقاومون من صندوق المقاصة؟. عطر للمقاومين ولأعضاء جيش التحرير تعمل مصممة الأزياء والعطور المغربية «عتيقة» على إطلاق تشكيلة عطور جديدة تزامنا مع حلول الذكرى 69 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وتضم مجموعتها أحد عشر صنفا من العطور المتنوعة 6 أصناف نسائية و5 رجالية يحمل كل منها رسالة ترغب عتيقة في إيصالها إلى العالم، حسب ما جاء في أحد المواقع الالكترونية، مما تطلب عامين كاملين من العمل والتحضير المتواصل بهدف إنجاز مشروع متكامل له دلالات وأبعاد وليس مجرد عطور بروائح زكية . ولعل أبرز هذه العطور والذي يتربع على عرشها العطر الرجالي والذي يرمز للرجال والنساء الأبطال الذين ضحوا من أجل حرية المغرب وتخليصه من نير الاستعمار الفرنسي. وسيستفيد من بعض مداخيل هذه التشكيلة جمعيات قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تكريما للأرواح الطيبة التي قضت من أجل الدفاع عن وطنها، وكذا من أجل ضمان مستقبل أفضل للذين لازالوا على قيد الحياة ولأبنائهم وأحفادهم، أو لفائدة أرامل ويتامى الشهداء من أجل استقلال المغرب. مع العلم أن هذه التشكيلة الجديدة حضرت في أكبر المختبرات بعاصمة العطور العالمية كراس الفرنسية، التي تصنع بها جميع العطور الشهيرة بالعالم التي تخضع لمراقبة كيميائيين مختصين وفق القوانين الجاري بها العمل دوليا. مدرسة الشهداء تتحول إلى مؤسسة للمشلولين في الحي المحمدي، وبمحاذاة ملعب الطاس، توجد مؤسسة لرعاية المشلولين وتأهيلهم، يجهل الكثير من مرتاديها حكاية المكان، الذي خصصه الملك الراحل محمد الخامس مع بزوغ فجر الاستقلال لتمدرس أبناء شهداء القضية الوطنية، هنا تعايش أبناء الزرقطوني وعلال بن عبد الله والروداني والذهبي والسلاوي والفطواكي، وغيرهم من فلذات أكباد الشهداء، وحين غادروا هذه المؤسسة لم ينقطع حبل التواصل، قبل أن تتحول جمعية قدماء مدرسة أبناء الشهداء، إلى جمعية أطلق عليها اسم «جمعية أبناء شهداء الاستقلال»، والتي يرأسها عبد الكريم الزرقطوني. تحولت المدرسة إلى مؤسسة لرعاية المشلولين تحت إشراف جمعية إنجليزية، قبل أن يتم تأميم الفضاء الاجتماعي، ويتدبر أمره التعاون الوطني، دون أن يبقى ولو جناح يروي للزائرين ذاكرة مكان.
عائلة محمد بن عبد الكريم الخطابي تطالب بنقل رفات زعيم ثورة الريف
يختلف مطلب عائلة محمد بن عبد الكريم الخطابي، زعيم الثورة الريفية، عن بقية المطالب والملتمسات، إذ كشفت ابنته عائشة، عبر «المساء»، عن مطلب عائلي يدعو السلطات المغربية إلى المساعدة على نقل رفات الفقيد، من مقبرة الشهداء بالعباسية في العاصمة المصرية القاهرة إلى المغرب، وإقامة ضريح يليق بمقامه في بلدته أجدير. قالت عائشة الخطابي إن إعادة الرفات يحتاج إلى قرار من الملك محمد السادس، وإن «الحكومة المغربية مطالبة بتتبع هذا الملف بالتنسيق مع أسرة الخطابي إلى أن تتحقق العودة، بعد 47 سنة على رحيل الأمير محمد بنعبد الكريم الخطابي». كما تطالب الأسرة ببناء مكتبة حول الضريح وإدراج حرب الريف في المناهج الدراسية بالمدارس العمومية والخصوصية، فالأمير أكثر من ذاكرة بل هو رمز وطني كبير. قبل سبع سنوات أعلنت هيئة الإنصاف والمصالحة عزمها إعادة رفات الأمير الخطابي إلى المغرب، بعد لقاء جمع أسرة الزعيم الريفي بالمرحوم إدريس بنزكري وأعضاء من هيئة الإنصاف والمصالحة، لكن الفكرة ماتت بموت الهيئة، قبل أن يتجدد المطلب من طرف نجل الخطابي حين التقى الملك محمد السادس في القاهرة، وتعترف كريمته بوجود جهات تسعى إلى نزع الزعيم من الذاكرة النضالية، لكنها تصر على النضال في هذا الاتجاه، لاسيما أن القاهرة لا تضم قبره فقط بل أدبيات حرب الريف، مذكرات ووثائق وصور ومخطوطات، تفيد الباحثين في تاريخ المغرب والمنطقة الريفية بالخصوص. بالموازاة مع مطالب الأسرة، انتفضت جمعيات المجتمع المدني بأجدير ضد الإهمال التي عرفته المدينة، واعتبرت تحويل أزقتها إلى مطرح للنفايات إساءة لروح زعيم حرب الريف ولتاريخ المغرب.
أحفاد عسو أوبسلام يقاومون قساوة العيش والعزلة
مازال مسلسل المقاومة مستمرا لدى ما تبقى من عائلة المقاوم عسو أوبسلام، إذ انتقلت سلالة «أسد جبل بوكافر»، كما تلقبه الكتب التاريخية، من الجهاد الأكبر ضد المستعمر إلى الجهاد الأصغر ضد كسرة الخبز. في أيت عطا حصلت أقوى المعارك وأشرسها، إذ اضطر الفرنسيون إلى اللجوء إلى السلاح الجوي لإخراج قائد المقاومة الأمازيغي من ثغوره في جبال صاغرو، بل إنه كان وراء مقتل الضابط الشهير «بورنازيل» الذي لازالت منطقة في الدارالبيضاء تحمل اسمه. قبل أن يقبل الرجل بالهدنة مع المستعمر، ترك خلفه مقبرة تضم رفات 5 آلاف قتيل من الطرفين، لأن المنطقة كانت تخفي في جوفها مناجم الفضة والذهب. في كل سنة تخلد مندوبية المقاومة والمجلس القروي ذاكرة المعركة، تستحضر أرواح الشهيد ورفاقه في درب الكفاح، يحضر أحفاد عسو يصافحون الزوار ويرسمون على محياهم ابتسامة مستعارة، وهم ينصتون لكلمات تمجد الفقيد كتبت بلغة عربية أصيلة لا يفهمها أغلب الحاضرين. لأسرة المناضل الكبير مطالب تتجاوز حدود الريع الاقتصادي، إلى جبر الضرر الجماعي بتشييد الطرق وفك العزلة عن المنطقة، بعد أن ظلت معركة بوكافر صورة لتنكر بعض المسؤولين. يرى حفدة البطل عسو، أن الساكنة «سئمت من البروتوكول الرسمي الذي تبذر من خلاله ميزانية المجلس القروي في احتفال مهرجاني دون أن يستفيدوا منها ولو بوجبة الغذاء»، علما أن المنطقة كانت نقطة انطلاق مسيرات صوب عمالة الإقليم بتنغير للمطالبة بفك العزلة عن الدواوير التي لا تقصدها البرامج التنموية إلا حين يحاصرها الثلج. مطالب سكان صاغرو من حفدة مجاهدي معركة بوكافر، لا تتوقف عند «مانطات» وكراسات ومواد غذائية، بل تتعدى ذلك إلى انتزاع اعتراف المندوبية السامية بهم والتعجيل بمنحهم بطائق المقاومين، تمكنهم من الحصول على بعض الخدمات الصحية والامتيازات الوظيفية، لأن الهشاشة تنخرهم وتحولهم من صناع السعادة إلى مصدر تعاسة.
مومن الديوري.. حين قاطعت الزعامات السياسية مراسيم دفنه
كانت عودة مومن الديوري إلى المغرب سنة 2004 في سياق شعار «الوطن غفور رحيم»، ولأن والده كان من الموقعين على وثيقة الاستقلال فإنه شرب الوطنية من ثدي والدته، سمي مومن لأنه خرج إلى الوجود وأمه تطوي المسافات صوب سجن علي مومن بضواحي سطات، حيث كان والده يقضي عقوبته الحبسية قبل أن يستشهد في السجن، وهو الذي استأنس بحياة الاعتقال منذ أن أسر في سجون التهامي لكلاوي بأيت ورير. حين حصل المغرب على الاستقلال عاد مومن إلى الوطن وهو يحمل مشروعا استثماريا، لم يكن في استقباله بالمطار مستشارون وخبراء اقتصاديون، بل مخبرون يأتمرون بأوامر الدليمي وأوفقير، اقتادوه إلى المعتقل السري دار المقري، حيث مورس عليه مختلف أنواع التعذيب، قبل أن يحال على السجن المركزي بالقنيطرة، إلى أن تلقى عفوا ملكيا سنة 1965، لكنه لم يأمن لسلم المخزن فقرر النفي الاختياري في فرنسا بعد ست سنوات، ثم الانتقال إلى الغابون بعيدا عن أعين الرقباء. في باريس طلب منه حسن أبو ايوب سفير المغرب آنذاك في فرنسا، كتابة رسالة اعتذار عما بدر منه في الماضي من معارضة للنظام، لكنه رفض، رغم ذلك عاد مرة أخرى إلى أرض الوطن وارتمى في حضن مقاومين شرفاء فضلا عن أفراد عائلته. في سنة 2010 مات المقاوم بعد إصابته بمرض السرطان، وتحمل ملك البلاد نفقات العزاء، لكن الراحل تحمل لوحده غبن الرفاق، إذ غابت أسماء أغدق الفقيد عليها ولم تكلف نفسها عناء السفر إلى القنيطرة لتشييع جثمانه، يقول أصدقاء مومن «إن أنواعا شتى من الإقصاء دفنت مع الراحل في قبره، ومن بين أنواع الإقصاء التي تعرض لها تهميشه من اليسار قبل اليمين، إنه نكران مؤلم دون أن يوفيك أحد حقك من الاعتراف والتكريم». لقد روجت بعض الزعامات كلاما كثيرا حول مومن قالوا إنه كان عميلا للجزائر، لكنه «لم يمتهن العمالة لأي جبهة ولا جهة، ولا اغتنى من جهة معينة، مومن كان في الجزائر من أجل الدفاع عن حريتها واستقلالها، وجبهة التحرير خير شاهد على تاريخه الطاهر»، يقول مشيعوه في تأبين غابت عنه القيادات السياسية والثقافية، وما حز في نفس الأسرة هو اكتفاء التلفزيون المغربي بخبر الوفاة الذي لم يتعد بضع ثوان.