أعترف بأنني شعرت بحزن شديد بعد أن قمت بقراءة تصريحات مولاي إسماعيل العلوي التي نقلتها جريدة «المساء» بتاريخ 8/12/2008. شعرت بالحزن بسبب احترامي الشديد لهذا المناضل النزيه والمستقيم والمؤدب وذي الهدوء الأولمبي. كان في نظري يملك جميع صفات الرجل الصادق. الرجل النبيل المثالي. لكن، للأسف، فقد أصبت بحيرة إن لم أقل بخيبة أمل. عندما دخل السيد فؤاد الهمة عالم السياسة، وهو الشيء الذي كان من حقه، كان لعدد منا شكوك حول عمله ذهبت إلى اعتباره إعادة سيئة لما قام به رضا كديرة عندما أسس الفديك (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية). مولاي إسماعيل العلوي، كالعادة، رفض أي حكم متسرع. كما أنه كان يرى فيه إغناء الحقل السياسي. ويجب الاعتراف بأنه لم يكن الوحيد، خاصة وأن الأمر يتعلق بصديق الملك ومن الصعب اختراق سبل المخزن، فالاحتياط مطلوب. ومع مرور الوقت، تخلى القادة السياسيون، باستثناء البعض، عن تحفظاتهم وبدؤوا يوجهون انتقادات لاذعة إلى السيد الهمة. اليوم، رجل النظام القوي السابق هو تقريبا عرضة لغضب الشعب. وهذا ما حدث مع البصري. طالما كان الحسن الثاني على قيد الحياة، كان الأمر يتعلق بسي إدريس. وعندما توفي سيده، اختفى «سي» وأصبح ولد سطات تجسيدا للشر. طاحت البقرة كترو الجناوا وعندها تظهر شجاعة الجبناء والمنافقين، وهذا ما يحصل اليوم مع الهمة. وهكذا هاجم إسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، حزب «الأصالة والمعاصرة» وقال إن هذا الحزب «خيب الظن»، ووصف أعضاءه ب«اللقطاء». واعتبر العلوي خلال لقاء صحافي عقد في بيته بالرباط، أنه بالرغم من أن حزب الهمة «إلى حد اليوم لم يولد رسميا» وأن ذلك «يطرح إشكالا قانونيا ودستوريا»، فإنه «حتى لو افترضنا أنه استجاب لمتطلبات التأسيس، فهو قد خيب الظن مقارنة بما كانت تنادي به حركة لكل الديمقراطيين»، وقال: «أرى أن هناك انحرافا، وما أظن أن الوافد الجديد ربح الرهان، لأنه أصبح كأحزاب أخرى سبقته في هذا المشوار، ونحن جميعا نعرف مصيرها، ومع كل أسف نشعر بخيبة أمل في هذا الأمر». وقال العلوي إن «حركة لكل الديمقراطيين كانت تقول إنها تسعى إلى تنمية الديمقراطية والتشجيع على المشاركة، وعلى الفكر الديمقراطي، فإذا به يقع انقلاب في الاتجاه المعاكس مع حزب الأصالة والمعاصرة»، ووصف العلوي هذا الحزب بأنه عبارة عن مجموعة من «الملاكيط»، (أي اللقطاء)، وقال إن هذا الحزب بدأ يلجأ إلى «ممارسات يشمئز منها المرء، مثل استقطاب المنتخبين واستعمال وسائل لا تراعي الأخلاق». ورد إسماعيل العلوي على الانتقادات التي توجه إلى وزير الاتصال خالد الناصري، بخصوص تأخره في إخراج مشروع قانون الصحافة إلى الوجود، وتوقيفه نشرة قناة الجزيرة الخاصة بالمغرب العربي، وعلاقته المتوترة مع الصحافة المكتوبة خاصة بعد الحكم على جريدة «المساء» بأداء مبلغ 600 مليون ل4 قضاة، وقال العلوي: إن المشكل الذي تعانيه جريدة «المساء» لا مسؤولية للحكومة فيه، بل يعود إلى أن هناك «حركة تعاضدية لأسرة القضاء الذين ساندوا بعضهم البعض، ووصلوا إلى توقيع غرامة ضد «المساء» ينعدم فيها التوازن». وفي سياق متصل، جدد العلوي دعوته إلى «تعاقد سياسي جديد»، معتبرا أن المغرب «مازال يعيش حالة انتقال ديمقراطي». أما بخصوص تأخر قانون الصحافة، فقال إن «وزير الاتصال يوجد في موقف لا يحسد عليه بهذا الخصوص، لأن له رغبة في أن يمر هذا القانون، لكن هناك معارضات لا تنتهي»، وأضاف: «لا تعتقدوا أن الراحل عبد الصادق ربيع (الأمين العام السابق للحكومة)، هو وحده من كان يعرقل، بل هناك قوى أخرى لا تنظر بعين الرضى إلى التقدم في قانون الصحافة». يمكن أن نتفهم أن السيد العلوي قد خاب أمله إزاء «أداء» و»انتكاسات» السيد الهمة رغم كونه ليس الأول. أما «الانتكاسات وسوء الأداء»، فإن حزب التقدم والاشتراكية يعلم شيئا عنها. لكن، الشيء الذي لا يطاق والذي لا يمكن تبريره، وغير اللائق هو وصف أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة باللقطاء، واللقيط في اللغة العربية يعني الوليد الذي يوجد ملقى في الطريق ولا يعرف أبواه، وبالعامية المغربية هو الملقط أي ولد لحرام. والحقيقة أنني لم أكن أعتقد يوما أن زعيما كإسماعيل العلوي سينزل إلى هذا المستوى مستعملا مثل هذه الألفاظ غير اللائقة. وقد انتظرت أن يصدر تكذيب أو على الأقل تصحيح، معتبرا أننا أمام زلة لسان ولكن خاب ظني. إن خطابا وسخا كهذا أعطى ضربة جديدة لما تبقى من المصداقية التي تتمتع بها بعض الأحزاب. إن هذا الخطاب، للأسف، يشبه خطاب «الشماكرية». كيف يمكن في هذه الحالة أن نطلب من الناخبين أن يتوجهوا غدا إلى صناديق الاقتراع؟ لقد أكد السيد العلوي، علاوة على ذلك، أن الأصالة والمعاصرة سيعرف نفس مصير بعض الأحزاب، في إشارة إلى الفديك. باستثناء النهج والطليعة، ألم تصبح جميع الأحزاب الأخرى مثل الفديك؟ ألم يصبحوا مخزنيين بدرجات متفاوتة؟ الأمانة العامة لحزب التقدم والاشتراكية تتهم الأصالة والمعاصرة باستخدام أساليب دنيئة. لكن ألم يختر هذا الحزب اللجوء إلى هذه الممارسات؟ إن ظاهرة التنقل البرلمانية هي أكبر دليل على ذلك. المسلوخة عيبات على المذبوحة وجات مقطوعة الراس وقالت الله ينجيني من هاد الناس. فبخصوص وزير الاتصال «غير العادي» المتحمس ل«الخطوط الحمراء»، «المحقق» الكبير بخصوص الصحافة التي يقال إنها «مستقلة»، فقد نجح السيد العلوي في أن يجد له أعذارا ويقدمه كضحية بين المطرقة والسندان. وبهذا، فلا علاقة له بالظلم والهجوم الذي تعرضت له صحيفة «المساء». إنه حلم لأنه حسب الأمانة العامة لحزب التقدم والاشتراكية فإن تعاضدية هي التي قامت بمحاكمة «المساء». ماذا عن العدل؟ ماذا عن الوزير المسؤول عن هذا القطاع؟ أما الحكومة فإنها غير مسؤولة في جميع الأحوال. نشعر برغبة في الصراخ: «هل يوجد طيار في الطائرة؟». هل أصبحنا بلدا يحكمه ملوك الطوائف؟ إذا كان السيد العلوي والسيد ناصري مقتنعين بأن ما حصل ظلم، فإن على حزبهما أن يغادر الحكومة ويشجب علنا هذا الظلم. تبقى مسألة الإصلاح الدستوري، والتي مرة أخرى، يظهر السيد العلوي مقتضب الكلام بخصوصها ومستحضرا الانتقال الديمقراطي اللامنتهي والذي يدوم منذ سنوات الخمسينات، والذي خلاله ظل شعب بأكمله في قاعة في مطار بانتظار الطائرة التي يبدو أنها سراب.