بمجرد إعلان الملك محمد السادس عن قراره رفع تحفظات المغرب على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، أثير نقاش سياسي وحقوقي وديني حول دلالات المصادقة الكاملة على هذه الاتفاقية، وما إذا كانت ستجعل من المغرب يعتنق المرجعية الدولية لحقوق المرأة دون الانتباه إلى الخصوصية الدينية والثقافية، أم إن المصادقة على البنود 9، 15، 16 ستتعرض إلى شكل من أشكال التأويل التي تجعل المغرب «يوفق» بين مرجعية حقوق الإنسان ومرجعية الدين والثقافة السائدة في المجتمع المغربي المسلم. خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دعت إلى ترجمة قرار رفع تحفظات الرباط إلى إجراءات عملية تحقق المساواة الكاملة بين الجنسين، وفي مقدمتها المساواة في الإرث ومنع تعدد الزوجات، وعدم اشتراط إشهار الأجنبي لإسلامه إذا أراد الزواج بمغربية، أسوة بالرجل الذي يستطيع الزواج بمسيحية أو يهودية، ولا يحتاج الأمر إلى إسلامها كشرط في الزواج... القضايا الثلاث قضايا معقدة وتحتاج إلى تبصر وحكمة وفهم عميق لتطور المجتمعات، والانتباه إلى أن التسرع في «صدمة المجتمع» قد يعطي نتائج عكسية وقد يقوي مراكز «مناهضة التحديث». في المواد التي رفع المغرب تحفظاته عنها لا يوجد تنصيص مباشر وحرفي على المطالب التي تقول الرياضي إن المشرع يجب أن يتقيد بها في ما يخص الإرث وإسلام زوج المغربية وقضية تعدد الزوجات، لكن في نفس الوقت تشير إلى ضرورة المساواة القانونية والسياسية والاجتماعية بين الرجل والمرأة. وإذا كان المغرب قد قطع شوطا هاما على مستوى التشريع عن طريق الإصلاحات الهامة التي جاء بها قانون الأسرة، حيث رفع ظلما كبيرا كان يلحق الجنس الناعم جراء قوانين كانت مسكونة بعقلية ذكورية وإرث اجتماعي متخلف، فإن الاتجاه إلى محاولة تأويل بنود الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في اتجاه معارضة النصوص الدينية الصريحة أو مخالفة الأحكام الفقهية المعمول بها في كل المذاهب الإسلامية، أمر محفوف بالمخاطر من عدة جهات. أولا، لنفترض أن «استفتاء» للرأي قامت به الدولة حول المطالب الثلاثة التي تدعو إليها الرياضي وبعض الجمعيات الأخرى، فهل سيصوت أغلب المغاربة على هذه البنود؟ الجواب معروف، حسب ما أظن، في هذه المرحلة على الأقل. ثانيا، لا أتصور أنه من الحكمة خلق نوع من التعارض بين مرجعية حقوق الإنسان الدولية والخصوصيات الدينية والثقافية الراهنة. العكس في نظري هو المخرج الممكن من هذا المأزق. لابد من اعتماد آلية التوفيق المبنية على التأويل وإعادة القراءة في الاتجاهين، في اتجاه المرجعية الدولية -وهي غربية المنشأ والخلفية رغم كل ما يقال- في محاولة للمساهمة في جعلها مرجعية عالمية تراعي الخصوصيات المحلية دون تفريط في جوهرها الحقوقي الذي يعتبر مكسبا حضاريا لكل البشرية، بغض النظر عن عرقها أو دينها أو ثقافتها. ومراعاة الخصوصية هذه يجب أن تنطلق من اعتبارات «سليمة» ومن جهد فكري وسياسي، لا أن تعتبر كذريعة تستغلها الحكومات السلطوية للتلاعب بحقوق الشعوب والاختفاء وراء خصوصية وهمية هدفها التملص من الالتزامات الدولية. التأويل الثاني يجب أن ينصب على إعادة قراءة النص الديني والاجتهاد في فهمه واستيعابه على ضوء مستجدات الحياة العصرية، وبما لا يصطدم مع الحقائق العلمية ومع مقتضيات المصلحة التي تعتبر في الإسلام مناط الشرع. في الخمسينات، تعرض عالم كبير وزعيم وطني مثل علال الفاسي إلى حملة شعواء من قبل فقهاء التقليد، فقط لأنه قال بجواز إلغاء تعدد الزوجات في مدونة الأحوال الشخصية، وزاد على ذلك وقال إنه معجب بالنظام السياسي الإنجليزي ونموذج الملكية فيه. هجم عليه الفقهاء واقتربوا من تكفيره، واعتبروه متغربا مفتونا بأوربا، مفرِّطا في دين أجداده. ماذا بقي منهم اليوم، وماذا بقي من علال؟ الجواب معروف.