محمد الماغوط الاسم الشعري العربي البارز، والأقوى حضورا من بين كل الشعراء السوريين، الشاعر المتمرد الذي رعته جماعته «شعر» مثل طفل، وخرج عليها، ليستقل بنفسه شاعرا حرا خارج التصنيف، ماذا كان سيقول عن الوضع السوري لو ظل على قيد الحياة؟ فلا يمكن اليوم إلا التفكير به، في سياق موكب الجنازات الذي يعبر بلاد الشام في ظل نظام لا يرحم البشر والحجر. لم يستطع أدونيس أن يبلور موقفا آنيا من الثورة السورية، ظل متحفظا، وغير قادر على مجاراة حراك شعبه، وكأن في حلقه عظم من مائدة النظام السوري. شجاعته الفكرية التي خطها في كتبه ومواقفه المكتوبة عن الحرية والحداثة لم تكن في مستوى حجم الدعم المعنوي الذي كان يمكن أن يقدمه شخص من عياره للثورة. لقد اختار المخاتلة واللعب على الحبال في حين عمد الكثير من المثقفين إلى تحديد موقفهم من البداية. لقد ترك هذا الموقف الملتبس لأدونيس علامات استفهام حتى لدى أصدقائه من الكتاب الأوربيين، الذين لم يستوعبوا أن يسكت المثقف عن جرائم الدكتاتور، وأن يخذل الجماهير في اللحظة التاريخية الدقيقة. استحضار أدونيس، الذي يحاول العودة إلى الساحة بمراجعة مواقفه وتصليبها، إن لم يكن الوقت قد فات عن ذلك، يستدعي شاعرا من جيله هو محمد الماغوط، الذي كان يرمز دوما إلى المثقف «الثوري» خارج المعيار، المثقف المنتمي إلى الناس.فهو صاحب تجربة مميزة في الكتابة، وبالأخص في أعماله الشعرية، انتمى مباشرة إلى تجربة قصيدة النثر، وكان يكتب شعرا صافيا بدون قيود وبشجاعة كبيرة، ستجعله عراب التجارب العربية في قصيدة النثر. يكتب الماغوط بكل سهولة، وهي سهولة متمنعة، لا تتأتى لغيره، والذين سلكوا طريقه نسوا أن الرجل حياة كاملة صاخبة، وأن الشعر بالنسبة إليه لم يكن إلا نوعا من تزجية الوقت ومداراة القرف. يكتب عن نظرته إلى القصيدة وإلى الشعر: «أريد أن ألغي المسافة بين هذه التصنيفات: النثر، الشعر، المقالة. كلها عندي نصوص. إذا قلت عني لست بشاعر، لن أزعل، لن تهتز بي شعرة. الموسيقى في أشعاري موجودة ضمن النص. علاقة الكلمات بعضها ببعض في النص مثل علاقة الأخ بأخته، هما نائمان على فراش واحد، أي حركة منه أو منها لها تفسير. علاقة الكلمات بعضها ببعض كالحب الحرام، في القصيدة يجب ألا تكون هناك أي إشارة خاطئة من هذا النوع. هذه هي الموسيقى. كل كلمة في اللغة العربية هي كلمة شعرية، حتى الجيفة، حتى البراز، المهم أن تعرف كيف تضعها في النص. المهم أن أكون صادقا، أن يكون ما أكتبه جميلا. كل قطعة أكتبها، أبيضها عشرات المرات قبل النشر مدققا في كل حرف. أحيانا أبقى يومين أسأل نفسي أيهما أفضل وأقوى وأصح في هذه الجملة. أحب واو العطف، لكني أحب كاف التشبيه أكثر، خصوصا في المقالة. منذ أيام بيروت جعلت من صور كاف التشبيه مرآوية على عكس المتعارف عليه: كامرأتين دافئتين كليلة طويلة على صدر أنثى أنت يا وطني. عدم معرفتي باللغات الأجنبية أراحني من الثقافة». يكتب عن زوجته الشاعرة سنية صالح، وعن قريته السلمية التي ظلت دائما في قلبه: «تعرفت على سنية لأول مرة عند أدونيس، خالدة في بيروت. هي الحب الوحيد. نقيض الإرهاب، نقيض الكراهية. عاشت معي الفترة الصعبة، أحملها في داخلي دائما. عاطفتي شموس، هي ليست مطواعة. كل ما أكتبه فيه شيء من السلمية، فيه شيء من الشام، فيه شيء من بيروت، فيه شيء من سنية. سنية أكبر من مدينة، إنها كون. بعد موتها صار حبها يشبه حب السلمية، ثمرة عشر سنين، لا تراها لكنك تظل تتذكرها. يستحيل أن يمضي يوم دون أن أذكر السلمية أو أذكر بيروت». في مقام آخر يكتب عنه ابن بلده محيي الدين اللاذقاني: «بعد خروجه من الإبرة يظن الخيط أنه هو الذي ثقبها، وبعد مغادرتنا للأمكنة التي نحب نكتشف أنها لم تغادرنا وأننا ثقبنا بفراقها دون أن نبرحها، ولم يكن في الشعر الإنساني كله أرشق من كافافيس، وهو يعبر في «اسكندرياته» عن ذلك المغزى العميق لأمكنة تتغلغل فيها أرواحنا وتأبى وإن غادرتها أن تفارقها. لقد كانت «سلمية» السورية في شعر محمد الماغوط قبل ثلاثين عاماً ونيف، آخر دمعة ذرفها الرومان على أسير فك قيوده بأسنانه، وها هي تعود اليوم في شعر الماغوط على شكل قبيلة آسرة تظن أنك خلعتها فتلبسك عباءة تحت الجلد وليس فوقه وهنا خطورتها. ها أنت عار من كل قبيلتك إن أردت تدنو من الخيمة التي تريد معك رجولة ترفعها كسارية لكن حين تخرج سأراك تجتر قصة عن أبيك أو تبحث في الرمل عن صلاة الأم البعيدة والري وصراعهما قبل استسلام أحدهما..».
شذرات من شعر الماغوط حافة القبعة، تؤثر في رأس بوش الابن والأب والعم والخال والخالة، أكثر مما تؤثر فيه كل المهرجانات والمسرحيات والمعلقات العربية، المعاصرة والجاهلية. *** إنني أسمع بالعلق، ولكنني لم أره في حياتي! من يمص دمي إذا؟! *** لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضروريا فقد لا تؤاتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى مهما كان الأمر ضروريا *** لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية، والسفارات، والقنصليات في الخارج، عند كل مصاب؟ إنها دائما منكسة! *** قد تحترق وتتصحر كل الغابات والأدغال في العالم إلا الغابات والأدغال التي يعيش فيها المواطن العربي *** هل أبكي بدموع فوسفورية حتى يعرف شعبي كم أتألم من أجله؟؟ *** خمسون عاما وأنا أترنح، ولم أسقط حتى الآن ولم يهزمني القدر، إلا بالنقاط، والضربات الترجيحية!! *** اتفقوا على توحيد الله وتقسيم الأوطان *** كل السيول والفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا وهناك، إلا عند العرب يكون عندنا سيول وفيضانات وتنتهي بقطرات تتفرق هنا وهناك *** أخي السائق: لا تستعمل الزمور إلا في فترة الامتحانات أو التحضير لها *** الكل متفقون على بيع كل شيء، ولكنهم مختلفون على الأسعار! ماذا أفعل بحصتي من فلسطين؟ هل أشتري بها شهادة استثمار؟؟