«إننا نعيش في هذا العالم ذي السبع مليارات نسمة، ونعرف ما هي وظيفتنا، نذهب إلى كل بقعة وصل أجدادنا إليها على ظهر الخيول، ونهتم بتلك المناطق»، مضيفا: «أجدادنا ليسوا كما يصورونهم».. هكذا أغضب مسلسل تلفزيوني يروي حياة السلطان سليمان القانوني، رجب طيب أردوغان الذي يلقب نفسه ب»حفيد العثمانيين» وتسبب في عاصفة سياسية في البلاد، إذ دعا رئيس الوزراء التركي إلى اتخاذ إجراء قانوني ضد أصحاب المسلسل، بسبب عدم الدقة التاريخية، وهي الدعوة التي جرت على أردوغان اتهامات المعارضة ب»الاستبداد الفني». «حريم السلطان» في الواجهة انتقد أردوغان بشدة مسلسل «القرن العظيم» الذي يعرف في العالم العربي باسم «حريم السلطان»، والذي بلغت نسبة مشاهديه حوالي 150 مليون شخص في تركيا وأجزاء من البلقان والشرق الأوسط. وهذا الإنتاج التلفزيوني الضخم، الذي يستحوذ على انتباه المشاهدين بحكايات عن صراع السلطة والدسائس التي تتم في القصر، يتعرض لفترة حكم السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر عندما كان الحكام العثمانيون يبسطون سيطرتهم على إمبراطورية تمتد إلى ثلاث قارات. لكن أردوغان قال إن السلطان سليمان كان قائدا فاتحا وليس كما يصوره المسلسل كشخص مفرط في حب النساء. وأضاف أردوغان، في افتتاح مطار في غرب تركيا»المنتقدون يسألون لماذا نتعامل مع شؤون العراق وسوريا وغزة.. إنهم يعرفون أبائنا وأسلافنا من خلال «القرن العظيم» (حريم السلطان) لكننا لا نعرف سليمان القانوني بالشخصية التي يظهر بها في المسلسل. لقد أمضى 30 عاما على ظهر الخيول وليس في القصر.. ليس كما ترون في المسلسل». وأدت المشاهد التي يظهر فيها السلطان سليمان مع نساء في القصر إلى نداءات من مشاهدين في تركيا إلى الرقابة بمنع المسلسل، الذي يحتل أعلى نسبة مشاهدة كل أسبوع. وقال أردوغان إنه قد تم تحذير مخرج المسلسل الذي يعرض منذ يناير 2011 وصاحب القناة التي تعرضه، لكنه أضاف، دون الخوض في التفاصيل، أنه يتوقع أيضا تحركا من السلطة القضائية. وزارة الثقافة ترد ردا على تصريحات أردوغان، أكد مسؤول في وزارة الثقافة والسياحة في تركيا أن تصدير المسلسلات التركية يحقق عوائد تقدّر ب65 مليون دولار، ويشاهدها حوالي 150 مليون شخص. ونقل موقع صحيفة «حرييت» عن عبد الله جيليك، رئيس قسم الملكية الفكرية في الوزارة قوله: «في نهاية 2010، حققنا عوائد صادرات بقيمة 65 مليون دولار بفضل هذه المسلسلات التلفزيونية». وشدد جيليك على الأهمية الاقتصادية للمسلسلات التركية، وقال: «صدّرنا 10500 ساعة من المسلسلات التلفزيونية 2011»، موضحاً أن حوالي 150 مليون شخص في نحو 76 دولة شاهدوا تلك المسلسلات. يشار إلى أن دراسة أعدّتها شركات إنتاج تُعنى بالدراما التركية أوردت أن تكاليف الحلقة الواحدة من المسلسل التركي «حريم السلطان» تقدر بنحو 400 ألف دولار. وتحدّثت صحيفة تركية عن نجاح هذا العمل خصوصاً في دول العالم العربي، وكيف أصبح ممثلوه من أهم النجوم في تركيا ولديهم عدد كبير من المعجبين يقلّدونهم في كل شيء ويتحلقون حولهم على طريقة «الباباراتزي» لسماع أخبارهم والتعرّف إلى أسرارهم. وصرّحت الصحيفة نفسها بأن النجمة «مريم أوزرال»، الألمانية الأصل، والتي تؤدي دور «هويام خاتون»، إحدى الشخصيات الرئيسية في العمل كشخصية جدلية تاريخياً، تقاضت مبلغ 800 ألف دولار لمشاركتها في العمل، أمّا الممثل التركي خالد أرجنش، بطل «حريم السلطان»، فقد تقاضى 900 ألف دولار عن دوره «السلطان سليمان». وبلغت حلقات الجزء الأول من العمل 55 حلقة، ويُعرض الجزء الثاني حالياً على المحطات ولاسيّما اللبنانية والمصريّة وقد أقيمت حفلة بداية تصوير المسلسل في «كان» في فرنسا، حيث يحتوي ديكور قصر توبكابي الفخم المكوّن من 15 غرفة على أرضيات من الرخام الحقيقي، وأعمال خشبية مصنوعة يدوياً، وقاعة عرش أوربية مقلّدة، علماً أن ديكورات المسلسل والميزانية المخصّصة لها هي الأكبر في تاريخ الدراما التركية. يذكر أن المسلسل من إخراج دورول وياغمور تايلان، وهما يشتهران بأنهما مثل الأخوين كوين في «تركيا». أشواق الإمبراطورية العثمانية أعادت تصريحات أردوغان حول المسلسل «وحميته» لأجداده العثمانيين إلى الأذهان تصريحات رئيس الوزراء التركي بأنه «حفيد العثمانيين ووريث الإمبراطورية العثمانية»، وهي التصريحجات التي يعتقد الكثير من المراقبين أنها تعكس توقا إلى إحياء أمجاد تلك الإمبراطورية، وتتسبب في مخاوف غربية مما يوصف ب»المعضلة الجديدة التي قد تواجه الشرق الأوسط»، متمثلة في تركيا وفي احتمال نشوء إمبراطورية إسلامية في المنطقة عبر إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية. وهي المخاوف التي كانت مجلة نيوزويك الأمريكية قد تناولتها بالتحليل، متسائلة في أحد تقاريرها عن مخاطر «الانسحاب الأمريكي» من الشرق الأوسط، قائلة إنه ربما هناك اتفاق بين الأميريكيين على أن وجودهم العسكري في الشرق الأوسط لم يعد مجديا ولا هو يعود بالفائدة على البلاد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في ما قد يحدث في الشرق الأوسط بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة. وفي ظل الثورات الشعبية العربية المتنامية أو ما يوصف ب»ربيع العرب»، فإن دولا عربية عديدة ستتحول إلى الديمقراطية الغربية، ولكن الكابوس المخيف يتمثل إما باندلاع حروب أهلية أو بحدوث ثورة إسلامية في المنطقة. وأما السيناريو الثالث والأهم فيتمثل في احتمال عودة الإمبراطورية العثمانية من جديد في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فرغم السعي التركي الجاد للانضمام إلى الاتحاد الأوربي في الفترة الأخيرة، ورغم أن الأتراك أيدوا الأميريكيين في الحرب الباردة، فإنه ومنذ عام 2003 وعندما تبوأ سدة رئاسة الوزراء رجب طيب أردوغان في انتخابات فاز بها حزب العدالة والتنمية، فقد تغيرت الأمور بشأن استمرار تطلع تركيا إلى الغرب. وأما شخص أرودغان فيشد انتباه الكثيرين بوصفه إسلاميا معتدلا، إضافة إلى أنه أنقذ تركيا من أزمات اقتصادية مدمرة وأسهم في تنمية اقتصاد بلاده وفي تقليص سلطة العسكر. ومن هنا فلم يكن من قبيل المصادفة أن تحظى إسطنبول أردوغان بأول الزيارات الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما، ولم يكن من باب الغرابة أن يفوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات للمرة الثالثة على التوالي. أبيات من الشعر يحلم رئيس الوزراء التركي بتنمية ونهضة بلاده بالطريقة التي كانت تثير إعجاب السلطان العثماني سليمان العظيم، لذلك فإن أبياتا من الشعر لشاعر تركي عاش في القرن العشرين كانت السبب في إدخال أردوغان، الذي بدأ حياته محاميا، إلى السجن عندما تغنى بها وهي: «إن المساجد هي ثكناتنا، وإن القباب هي خوذاتنا، والمنارات هي حراب بنادقنا، وأما المخلصون فهم جنودنا»، وربما من هنا تأتت محاولات أردوغان تعديل الدستور كي يمنح نفسه قوة أشد وأكبر على حساب النظام القضائي والإعلام والجيش، أي على حساب المظاهر العلمانية في البلاد. ومن هنا أيضا يقوم أرودغان بوصف إسرائيل ب»دولة الإرهاب»، إثر الحرب الإسرائيلية على غزة، ثم إرساله أسطول الحرية من أجل فك الحصار الإسرائيلي عن غزة. والأدهى – حسب «نيوزويك» - أن تركيا تحاول بدهاء اقتناص الفرص ضمن الثورات الشعبية العربية، فهي توبخ سوريا وتختبر إيران، وتقدم نفسها كنموذج أفضل للحكم في المنطقة. ولعل خطاب أردوغان إثر فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات للمرة الثالثة على التوالي والمتمثل في قوله إن «سراييفو اليوم فازت مثلها مثل إسطنبول»، و»بيروت فازت كفوز إزمير، ودمشق فازت كفوز أنقرة، وإن رام الله ونابلس وجنين والضفة الغربية والقدس فازت كفوز ديار بكر».. هذا الخطاب يلخص طموحات أردوغان العثمانية.