قديما، انفرد المؤرخ المغربي الضعيف الرباطي، الذي افتُقد حاليا كتابه «تاريخ الضيعف» من السوق، في توصيف السنوات العجاف التي مر بها المغاربة زمن الأبيض والأسود... فالضعيف كان يؤرخ بما كان يشغل مغاربة ذاك الوقت من أحداث، من عام الثلجة إلى عام السيبة وعام مول الساعة حتى عام اللوبية... فبفضل ما دوّنه الضعيف نعرف اليوم أن المغاربة لم يكتشفوا ويأكلوا اللوبية إلا مع سنة 1750م، حيث كانت تدخل «على ظهر سفن النصارى دمرهم الله»، على حد قوله. الضيعف الرباطي، الذي ازداد سنة 1751 في الرباط، هو أول صحافي مغربي أرّخ للحياة اليومية للمغاربة في مستوياتهم الشعبية والبسيطة، مازجا اللغة العربية مع العامية والأجنبية، ومنه نعرف، مثلا، أن أول عملية جراحية قام بها طبيب مغربي كانت سنة 1688، وفيها يقول: «مرضت امرأة جسيمة بمكناس فشق طبيب جوفها وأخرج منه علة وجد فيها خمسة وثلاثين رطلا وعاشت المرأة بعد ذلك سنين». اليوم، على المغاربة أن يحمدوا الله على أن لكل زمن رجاله وأن حالنا اليوم مع «سيدنا يوتوب» أفضلُ بكثير من زمن الضعيف الرباطي.. اليوم ينتقل الصوت والصورة حرَّين طليقين في الهواء، وبفضل «الويفي» أصبح «ضريبْ الطر» مجانيا، يدخل البيوت والمقاهي وتلتقطه الحواسيب والهواتف المحمولة أينما كان أصحابها... «غير ديرها زينا توصل توصل»... هذا ما على «شي وحدينْ» فهمه واستيعابه، وسيكون مفيدا لو فكر بوشعيب أرميل، الشرطي الأول في المملكة، لو عمم مذكرة تحت عنوان «ازطم وقيّسْ راه الزمان مغيّسْ».. يحذر فيها رجال الأمن المغاربة من «سلاح» المغاربة الجديد الذي يحملونه في عدسات هواتفهم.. والذي بفضله رأى العالم بأسره أن سيارات البوليس في مراكش أصبحت «هوندات» متخصصة في نقل الأكباش عوض المجرمين.. لو عاش الضعيف الرباطي بيننا لأطلق على سنة 2012 «عام الغرزة».. فقط لأن المغاربة اكتشفوا، وهم على مشارف توديع هذه السنة، أن برلمان المملكة في غرفة المستشارين أصبح «حانوتْ ديالْ الخياطة.. شي يضرب البرشمان.. شي البيكوزة.. شي السورجي».. فيما فضّل سيادة الرئيس «ضريبْ الغرزة» على أسماع المغاربة أجمعين.. والحق يقال إن هذه «المْطايْفة» التي شهدتها قبة مجلس المستشارين البرلمانيين توضح -بالصوت والصورة- لمن شاهدها في المغرب وخارج التراب الوطني، بمن فيهم أعداؤنا، أن البرلمان في المغرب موجود ليس ليتصارع أعضاؤه من أجل الشعب بل ل»ضريب الغرزة» له.. وبالنقل التلفزي المباشر مع الحصانة والتعويض الشهري الدّسم. زمان، كان المغاربة يقولون: «لا تورّيشْ القرد كيف يْخسّر وجهو».. والمغاربة الذين أصبحت متابعة السياسة تجلب إليهم النعاس لا يعلمون أنهم فئران تجارب في العالم الماكر للسياسيين، لأن «دياولنا» وجدوا منذ الاستقلال في وصفة المفكر السياسي الفرنسي الكبير جون بول مارا ما يبحثون عنه وما يصلح لهم، هو الذي قال قبل 300 سنة: «لتكبيل الشعوب نبدأ بتنويمها». «السيرك»، كما وصف الراحل الحسن الثاني البرلمان المغربي لم يعد فيه بهلوان ولا ساحر ولا مرّوضُ أسود.. حتى إن الضرورة اليوم مع برلمان «الغرزة» تقتضي أن توجه الدولة برنامج محاربة الهشاشة إلى ألسنة وأفواه بعض السادة النواب، مع وضع علامة أقل من 18 سنة خلال نقل أشغال البرلمان في التلفزيون... من يدري، بعد أن سمع المغاربة «ضريب الغرزة»، ما الذي يمكن أن يسمعوه بعد ذلك.. قديما قال أحدهم لصاحبه :»آجي نسرقو بْالطبلْ.. قال ليهْ: الغيطة تسترْنا».