رصد الزمن والمكان في الثقافة الشعبية يقودنا المثل الشعبي في التاريخ إلى مسألة القضايا التي كانت مطروحة وقيل فيها المثل، وبهذا فالمثل له فائدة تاريخية انه وثيقة شعبية لها قيمتها ففيه إشارات عن المجتمع المغربي وتقاليده وقيمه ، وتحضر الأمثال التي تحمل الإشارات التاريخية مثلا "عام الغلا يفوت يا مطلقين عيالهم"، فهل المثل قيل عام الجوع المشهور أم كان يقال في كل مسغبة؟، ويحضر في المثل الشعبي المغربي نبي الله داوود "على من تقرا زابورك أداوود"، وأيضا يحضر"عفاريت سيدنا سليمان"، وقد ذكر القران قصة نبي الله سليمان، ولا أدري كيف تعامل المغاربة مع هذا المثل زمن السلطان مولاي سليمان؟. وهل كان يقال في ذلك الوقت؟. يظهر هنا التأثير اليهودي في الثقافة الشعبية المغربية، وقالوا عن اليهودي بشكل مباشر" اليهودي لعلق الفنار كيولي جيار"، ويحضر جحا الشخصية الفلكلورية من خلال " أمك يا جحا تكرى وتكارى"، و " بزاف على حمار جحا"، كما يفعل المثل فعل التأريخ مثلا"من بعد بني مرين وبني وطاس ما بقاو ناس"، و"حتى ولو صار الواد حليب والرمل زبيب عمر الرباطي ما يولي للسلاوي حبيب"، وقالوا " اش جا ما يفك شالة من الرباط"، ونصحوا بعضهم فقالوا" لا تزوج المرا الهجالة ولا تصاحب المخزن ولا تكسب العود الحران"، نلاحظ في المثل كيف يحضر المخزن، وسخروا من القياد فقالوا" صلاة القياد الجمعة والعياد"، ويظهر عدم إخلاص الزوجة لبعلها من خلال " الرجال في الحروب غايبة والنسا في الديور سايبة"، ويكشف المثل عن بعض المهن منها مهنة الزطاط" النجات القافلة من الزطاط ما كاين من يديها"، ويظهر الزطاط في المثل هو سارق القافلة، مع أن مهمة الزطاط هي حماية القافلة، وهو يذكرنا بالمثل القائل" حاميها حراميها"، وما دام يحضر الزطاط والقافلة فلا مانع من ذكر المثل القائل" بغسيل الفندق"، وهو المكان الذي تودع فيه دواب القافلة، وزمن الزوايا والتصوف قالوا" اللي معندو شيخ الشيطان شيخو" وبالنسبة للشرفاء وعبيدهم قالوا" بالحفا والرفا بحال عبيد الشرفا"، و" فين ما كانت شي كرفة كتهدى للشرفا"، وفي الضرائب والمكوس قالوا"أمولاي القط لا ضريبة لا ترتيب"، يذكرنا هذا المثل بضريبة الترتيب التي حاول تطبيقها السلطان الحسن الأول وابنه عبد العزيز، وقالوا بالنسبة للذي لا يملك عولة في التليس" اللي ما عندو عولة في التليس يخدم الجمعة والخميس"، ومنه يظهر أن عطلة المغاربة الأسبوعية كانت الخميس والجمعة، وبالأخص يوم الجمعة، كما يرصد المثل دخول بعض المفردات الجديدة في المثل العامي" فرانك فرانك يعمر البنك"، و " لا حمار لا سبعة فرانك" والبنك عرف في أوروبا وأول ما ذكر البنك بالنسبة للمغرب في مؤتمر الجزيرة الخضراء، وذلك ضمن الإصلاحات التي كانت تنوي الدول الأوروبية إدخالها على الايالة الشريفة، وأول بنك عرفه المغرب هو البنك المخزني، وأيضا" خدم بالفرانك وتحاسب مع البارك"، وفي نفس المجال " اللهم الخدمة مع النصارى ولا قلاس الخسارة"، يظهر أنها من الأمثال التي قيلت زمن الحماية الفرنسية، وزمن تواجد النصارى بالبلاد أو مسألة الهجرة لبلاد النصارى، كما توجد أمثلة ترصد بعض العادات الدخيلة من قبيل "تحسينت الطاليان والسكنى في الكاريان"، وأكثر من ذلك" من الحمارة لطيارة"، نسجل هنا دخول الآلة والتكنولوجيا الحديثة للمثل الشعبي، ونفس الشيء ينطبق على " لمن السكة لهيه كاع راشق ليه"، فهو يرصد متى أنجز المغاربة السكة الحديدية، كما يرصد المثل بعض العادات الغدائية وبعض المشروبات، ولعل مشروب الشاي يهيمن بقوة "كلها وقياس برادو" و" الراجل بلا فلوس كلامو مسوس/ أو كالشاي المسوس"، و" أتاي بلا شيبة وبلا نعناع مناقس منو كاع" و" للقى احسن من الكوفتير يحلي بيه"، و" أولاد الكعك" أو " أولاد الفروماج"، وهذه الأمثال يمكن التعرف على زمن دخولها للثقافة الشعبية، خاصة عندما نعلم السنة التي دخل فيها الشاي إلى المغرب، أو القرن الذي دخل فيه الأتاي للبلاد، وأرخ المغاربة بالأمراض والأوبئة فقالوا" بوقليب الكحل" و" الطمع طاعون"، وتوجد أمثال تحمل عادات كانت ولازالت قائمة " تشطح بلا حضرة وتهدر بلا جاوي" و " كونما لحناش ما يكونو عيساوة"، و"زواج ليلة تدبيرو عام"، وتحضر الفريضة والسنة في المثل" على محبتك ارمضان نصوم عواشرك"، ويحضر الزمن بشكل مباشر "الدرويش في هذا الزمان ما بقاش يعيش" و" لفياق بكري بالذهب مشري"، و" دواير الزمان"، و" هم الدنيا يبقى فيها" و" كل شهر لو هلالو وكل زمان لو رجالو"، وكلها أمثلة تؤكد أن الزمن لله فهو الأول والآخر والباقي، " الله يعطينا شي نهار دافي وشي قبر وافي"، و" دوام لله/ الدايم الله"، ويقول المثل إياك " تبع الهايمة وتنسا الدايمة". ولم يقف المغاربة عند المثل للتأريخ للأحداث بل أرخوا بالأحداث و بالوقائع والحروب مثلا "عام البسباس" وهو عام حركة السلطان محمد البرتغالي إلى مراكش لطرد أبي العباس الأعرج السعدي سنة 903 هجرية، جاء ذلك في عروسة المسائل فيما لبني وطاس من فضائل لأبي عبد الله الكراسي، أخرجه عبد الوهاب بن منصور وطبعته المطبعة الملكية سنة 1963. وأيضا "عام القاعة" وهو عام الوقعة التي دارت بين محمد بن الشريف ومحمد الدلائي عام 1056ه، وأرخو بالأمراض والجفاف مثلا"عام اليبسة" وهو عام 1163ه ، وفيه ظهر الطاعون وفشا وانتشر في المغرب، وأرخو بالظواهر الطبيعية "عام الثليجة"، وهو حدث مناخي لم تشهده مدن سلاوالرباطوفاس قبل سنة 1167ه/ 1754م، حيث سقط ثلج عظيم ليلة السبت ربيع الثاني الموافق 3فبراير، واستمر التهاطل إلى يوم الاثنين الموالي، وبلغ ارتفاع الثلج أكثر من ذراع، ولأنهم لم يشهدوا مثله من قبل أطلقوا عليه عام الثليجة، ورد ذكر ذلك عند محمد القادري في نشر المثاني الجزء الرابع ص 98-99، و وعند الضعيف الرباطي، في تاريخ الدولة السعيدة ص156، و "عام مارس" وهو العام الذي حبس فيه المطر عن المغرب عام 1301هجرية" لم يقع حرث بسبب ذلك ثم في أول جمادى الأولى من العام المذكور موافق شهر مارس العجمي نزل المطر وحرث بعض الفلاحة شيئا قليلا وجاءت صابة كثيرة، فكان المد بمائة فأكثر وصار هذا العام يعرف عند العامة "بعام مارس"، و أرخوا بالأحداث المفتعلة" عام الحريق"، وهو العام الذي أحرق فيه زرع بلاد الشاوية، وخيمة سيدي عب وهي خيمة أعطاها له السلطان مولاي سليمان"، وكان ذلك عام 1221ه/ 1806م، وبالشخصيات" السلطان الكحل" والأحداث الدولية "عام الماريكان"، و"عام الجوع "،أو" عام يرني" عهد الحماية الفرنسية، وهذا التأريخ يدخل ضمن الذاكرة الجماعية، وهو استمرار للتأريخ على غرار قصة عام الفيل المذكورة في القران، وأيام الجاهلية كحرب البسوس ويوم حليمة، كما توجد أمثال وأحداث تحمل التاريخ والثقافة المحلية لكل منطقة. والمثل في الجغرافيا يقودنا إلى مسألة المكان" ما بعيدا غير تادلة"، وقد ظلت تادلة تعرف برجالها العلماء، وأنها منطقة ثائرة ويمكن الرجوع إلى المصادر التاريخية للتأكد من ذلك، ولعل آخر ثوراتها كانت ضد المستعمر الفرنسي، والكل يعلم من هو أسد تادلة، كما تعرف اليوم بالفلاحة وركوب الخيل، وهناك مثل شهير أيضا هو" سيري يا دجاجة لتازة"، المعروف عن تازة أنها ممر طبيعي نحو المشرق، غالبا ما كان يمر بها موكب الحج المغربي الفاسي، لكن السؤال ماذا يقول التادلاويون والتازيون، فمن هو الأبعد عندهم وأين تذهب دجاجتهم؟. وهذه المرة تحضر المدن الموجودة بالثغور" أصيلا صغيرة ومحاينها كبار"، وقد تعرضت المدينة مرارا للاحتلال الأجنبي كما في المصادر المغربية، وقالوا عن فاس" زين فاس في ماها وهواها وتلحيفت نساها"،" فاس بلد بلا ناس"، "فاس بلد النساء والأفراس"، وعرجوا قليلا فقالوا" بارد وسخون أمولاي يعقوب"، وفي نفس المنطقة قالوا" شاط الخير على زعير"، ولم يدعوا الفقيه الدكالي" الفقيه الدكالي دير بأقوالي لا دير بأفعالي"، وتحضر تلمسان في الوجدان" لو بقات في اللسان نحرث حتى لتلمسان"، وأعجبوا بثمر برزاوة فقالوا" ثمر برزاوة زيد مضغة يزيدك حلاوة"، وتزوج أحدهم بزهرة الصحراوية فقال" كل من جا من الصحرا ولد عم زهرة "، و عندما تعلق الأمر ببيضاوة قالوا" بيناتكم ابيضاوة"، وطبيعي أن يحضر الحج في الثقافة الشعبية، لكنه حضر من خلال الحاج الذي لا يخلص في حجه " حج وزمزم وجا للبلا محزم"، والى جانب ذلك يحضر الأولياء الصالحين" شايلاه امولاي.." وأيضا الجامع من خلال "بحال لشفر حصور الجامع يبات يجري ويصبح عند بابو". وبالنسبة للمجال الفلاحي قال الفلاحة" الجات ليالي حيان غير فرش مع الجديان"، و "ما تعزل جديك من الجديان حتى تفوت الليالي حيان"، دلالة على البحث عن الدفيء، و " مارس بياض الفلالس"، و"فاتك الغرس في مارس"، نلاحظ أهمية مارس عند الفلاح المغربي وأيضا يتميز "الناير الفلاحي" بحضوره وطقوسه، وقالوا عن شهر غشت "غشت وطيب الكرموسة من الوسط"، الحديث هنا عما يعرف بالكرموس "الهندي" أو "كرموس النصارى"، وربما في كل منطقة له تسمية خاصة، و قالوا "قنفوذ الصمايم ما يخرج غير آخر الليل"، و" لتكلم الرعد في الصمايم بيع الزرع وشري البهايم"، و" سخن الما في الصمايم"، و" لا تصاحب القراب في الصمايم"، و"بطن الحوت الضرا ولا نفوت والما ولا نموت"، و" سعد الخبية يصخن الما في المنية وتخرج من هي مربية وتخرج من هي مخبية"، و"سعد السعود وتكز النحلة في العود"، و" سعد البلدة كتضرب حتى الكبدة"، و" سعد البولع وكليه ما يشبع سخريه ما يسمع"، و" الدبران آتي عيالك بالعصيان وجمالك بالقطران"، و" شتات الخريف ما تجيب صيف"، و" الكانت الضبابة غير سوق ولادك للغابة"، و"الجا بلارج ما بقا ما يتعالج"، و"لا جار لا دوار"، و" ملي تكادت الأرض تقاضى الغرس"، و" الله يعطينا طعام على قد العام". ويحضر المكان من خلال"جبل القريب لك طلع ليه"، و" قطعت الواد ونشفو رجليك"، و" لدختي تبع الواد"، و"دوز على الواد الهرهوري لا دوز على الواد الساكت"، و " لمن الواد لهيه كاع راشق ليه" نلاحظ من هذه الأمثال كيف يحضر الواد بقوة. وتوجد أمثال تذكر الأمكنة من خلال الصراع بين السلاويوالرباطي كما ذكرنا سالفا، وبين الوجدي والبركاني، وبين الدكالي والعبدي، وبين الرحماني والسرغيني، والحريزي والدكالي أو المزابي ، وهي أمثال صارت اليوم للفكاهة والضحك، أكثر من الشماتة والعنصرية، خاصة عندما بدأ يغلب مفهوم الوطن على مفهوم القبيلة. *باحث في التاريخ- الدار البيضاء