تغيير الذات أم الدعاية؟ قراءة في ندوة من ندوات معرض فرانكفورت للكتاب أولاً: لماذا أعرض وقائع هذه الندوة؟ ليس لأسباب صحفية محضة قررت أن أسجل وقائع ندوة تمت ضمن فعاليات معرض فرانكفورت للكتاب الذي في دورته هذا العام استضيف العالم العربي "كضيف شرف". أحببت ، بعين الباحث لا بعين الصحفي، أن أقرأ في حالة عيانية من حالات العمل العربي في الحوار مع الآخر، وهي حالة تظهر من جهة الوعي بالذات الموجود عند جزء شبه ممثل من العرب(كان المشاركون منتمين إلى تشكيلة واسعة نسبياً من العرب وإن لم تكن "جامعة مانعة"، فقد حضر مشاركون من الخليج والشام ومصر وهذه أقطار ذات فاعلية ثقافية كبيرة في الوطن العربي الآن، وغاب بالمقابل المغاربة والسودانيون، وليس للمرء أن يستهجن ذلك في ندوة خطط لها أن يتكلم فيها ستة أشخاص في ساعة ونصف!) وتظهر من جهة أخرى طبيعة الوعي بهذا الآخر وتصورات هذا "الجزء الممثل" عنه، ثم تظهر أخيراًً كيف يتفاعل الوعيان: بالذات وبالآخر لينتجا هذا السلوك الملموس الذي هو محاولة الحديث مع الآخر. ولم تكن الأمور إن أخذناها من وجهة نظر محض تقنية ملائمة، فالحضور كانوا واقعين تحت ضغط الوقت، وزاد في الطين بلة قطع مدير الجلسة الدكتور ناصر الدين الأسد لوقائعها بشكل تعسفي مع أن الألمان كانوا قد مددوا الوقت لأن الفرقة الموسيقية التي كان من المفروض حضورها لم تحضر! (ولا أعرف مكانها في ندوة كهذه، ولا أظن أن الموسيقى حتى لو كانت تمت لموضوع الندوة الذي هو "الناس والتقاليد في العالم العربي" يمكن أن تدرج في هذا الوقت الضيق، وإلا لأدرجنا أشياء كثيرة أخرى من "التقاليد" وربما "الفلكلور" أيضاً فيها!)، وزاد في الطين بلة أيضاً سوء التنظيم الذي وافقني الرأي فيه بعد الندوة أحد المشاركين وهو الباحث السوري الدكتور طيب تيزيني، وقد تمثل مثلاً في تأخر مشاركتين عن الحضور، ثم أوضحت واحدة منهما في مداخلتها أنها فوجئت بإدراج اسمها ضمن المشاركين في الندوة، وليس الموضوع يدخل ضمن تخصصها! والمشاركة المذكورة هي الدكتورة يمنى العيد من لبنان، وقد خطر للعبد الفقير بصفته حاضراً عربياً أن يحتج على هذا التشويه الواضح للصورة العربية(أم أقول على هذه الفضيحة الواضحة للصورة العربية الحقيقية!) وبصعوبة استطعت أن أمرر هذا الاحتجاج لرئيس الجلسة الذي كان نموذجاً فريداً من نوعه على الشخص سيء القدرة على المحاورة، وقد قاد الدكتور الأسد الحوار مع المشاهدين بعد الندوة بطريقة جافة جافية جعلت بعض الحضور يظن أنه لو كان معه عصا لضربهم بها!، ثم أنهى الندوة بصورة متعسفة بدعوى الانتقال إلى الطعام! مع أن الحاضرين كانوا ما زالوا لديهم مداخلات! ومن الأمور المذهلة أن الأسد أعطى السيدة لوتاه الكلام بدون تحديد للوقت أو للموضوع كما قال ، وهذا يدل على "التنظيم" الذي يتمتع به العقل العربي في الحوار مع الآخر!، وسيرى القارئ من وقائع الندوة أن الحاضرين كانوا مفتقرين كلياًً إلى التجانس ولم يكن الخطاب الذي جاؤوا به (إن صح القول إنهم كانوا يستطيعون أن يقدموا "خطاباً" في هذا الوقت الوجيز الذي حكم بصورة مزعجة بمبدأ السلق لا بمبدأ العمل المركز الهادئ) حائزاًً ولو على الحد الأدنى من الانسجام بل كل غنى على ليلاه بكل معنى الكلمة. ثانياً وقائع الندوة. "الناس والتقاليد في العالم العربي": فيما يلي سأعرض وقائع الندوة بصورة شبه حرفية ثم أنتقل في الجزء الثالث من هذا المقال لقراءتي لها. الندوة المذكورة كانت في اليوم الأخير للمعرض –10/10/2004 (المعرض استمر خمسة أيام اليومان الأخيران منها فقط كانا مخصصين للجمهور!) وبدأت في الساعة السابعة مساء. المشاركون وفق المعلن عنه في البرنامج كانوا: الدكتور ناصر الدين الأسد- رئيس الجلسة. الدكتورة مريم سلطان لوته- الإمارات. الدكتور طيب تيزيني- سوريا. الدكتورة يمنى العيد- لبنان. الدكتور محمد سليم العوا – مصر. الدكتورة عائشة المناعي- قطر(لم تشارك). الأسد: التقاليد مشتركة ولكن لكل مجتمع ميزات وخصائص وتقاليد وعادات، هذه التقاليد والعادات هي عنصر من عناصر الشخصية والهوية لأمة من الأمم، بالطبع الهوية والشخصية لها عناصر أخرى . نحن الآن في انتظار سيدتين من أجل أن يكتمل عددنا ولكننا نحب البدء بدون انتظار السيدتين قيل لنا إن الوقت يجب أن ينتهي في الساعة الثامنة والنصف. نبدأ بالسيدة مريم سلطان لوته ليس مهماًً تحديد الموضوع ولا الوقت. لوته: أحب أن أتكلم عن الناس والتقاليد ولكن تخصصي في العلوم السياسية يطغى على الموضوع، يجب أن نسأل ما هي أهمية الموضوع في هذا الوقت، أن نطرح الموضوع. أتصور أنه من الأهمية طرح هذا الموضوع خصوصاًً للشعوب العريقة التي تؤمن بأهمية التقاليد. ولا شك أن هذه الشعوب، الألمان والفرنسيين يشعرون بأهمية الحفاظ على التقاليد في عالم العولمة. نحن في العالم العربي والإسلامي نتعرض لضغوط كبيرة وتحديات ثقافية، خصوصاًًًً التدخل الأمريكي في مسألة التعليم. صحيح أن ثمة جوانب تحتاج إلى الإصلاح لكن هذا الإصلاح يجب أن يأتي من الداخل وبالتوافق مع الهوية. والألمان يفهمون هذا على ما أعتقد وأعتقد أن ألمانيا لحفاظها على هويتها القومية ولغتها استطاعت أن تبني نفسها. نحن نتعرض لتحد لتغيير المناهج لفرض اللغة الإنجليزية كلغة تعليم بحيث تغير من التقاليد. النقطة الثانية : كيف ننظر إلى التقاليد : التقاليد هي إيقاع للحياة والعلاقات الإنسانية والانفعالات، وكما تربط الإيقاعات الموسيقى فالتقاليد تربط انفعالات البشر وتحدد الحسن والخطأ وتحافظ على استمرارية المجتمع وخصوصيته. النقطة الأخيرة: لماذا إن كانت التقاليد تضبط حياة المجتمع وتقوده للأفضل تصبح سبباًًًًً للإعاقة؟ تقاليدنا مستمدة من الإسلام والقيم العربية وكلاهما سبب لتقدم فالعرقلة ليست من التقاليد. السبب يرجع للفهم الخاطئ للتقاليد أو القيم الاجتماعية وتطبيق هذا الفهم الخاطئ وطغيانه على الخطاب الرسمي إلى درجة أعاقت تطور المجتمع. تيزيني: ضروري في هذا المجال أن نحدد موضوع البحث الذي نحن بصدده وهنا أود أن أعرف مسألة التقاليد والعادات تعريفاًً أولياً يسمح بالدخول في هذه المسألة. التعريف يقوم على أن التقاليد والعادات أمران اثنان هما أفكار وتصورات تتكرس شيئاً فشيئاًًً بحيث تبدو وكأنها طباع فطرية. ثم هما في هذه الحالة قد تتحولان إلى قيم تراثية يتم توارثها عبر التاريخ لأمة ما فينشأ على هذا الأساس ما يسمى أمثال شعبية تقاليد شعبية عادات شعبية لكن هناك أمر آخر وهو أنهما قد يستمران في التاريخ مجسدتين في حياة الناس دون أن تظهرا بوضوح فيتلبسهما الإنسان دون أن يعلن عن ذلك بإفصاح. ولأن هذه التقاليد والعادات نشأت في تاريخ ما فإنها يمكن أن تستمر وتولد أوضاعاً إيجابية ولكن في ظروف أخرى مع انحطاط المجتمع قد تصبحان العنصر الأكثر حسماً في تحديد حياتهم. وفي هذه الحال حين يكون المجتمع قد دخل مرحلة انحطاط يجد الناس أنفسهم أمام رغبة في العودة إلى تاريخهم الذي يرونه تاريخاًً إيجابياًً ويقعون من ثم في فخ هذه التقاليد والعادات وهذا هو حال معظم المجتمعات العربية والإسلامية الآن. الحاضر يتحرك بفعل الماضي بحيث أننا نفقد قدرة رؤية حاضرنا إلا عبر ماضينا. هناك جانب ثان في المسألة : دراسة التقاليد والعادات تخضع عادة للعلاقة بين السلطة والثقافة، والسلطة هنا ليست هي السلطة السياسية وحسب وإنما يمكن أن تكون سلطة فقهية واجتماعية وأخلاقية وكذلك سلطة التقاليد والعادات. أريد أخيراًً أن آخذ جانباً جديداًً في مسألة التقاليد والعادات وهو العلاقة بينهما وأهداف النظام العالمي الجديد في العالم العربي. هذا النظام العالمي الجديد يمكن أن نعرفه كما يلي: إنه نظام اقتصادي وسياسي وعسكري وثقافي يسعى إلى ابتلاع الطبيعة والبشر وإلى هضمهم وتمثلهم ومن ثم تقيؤهم سلعاًً. هذا يهمنا جداًً هنا لأن هذا النظام يسعى الآن إلى تفكيك المجتمع العربي من خلال ابتلاع التقاليد وغيرها، التقاليد الإيجابية وعبرها ابتلاع الهوية في طرف أول، وفي طرف ثان إحياء كل التقاليد التي دللت على أنها معيقة للتقدم البشري، ولهذا ما أقوله أخيراًً أننا نعيش الآن في العالم العربي معركة جديدة توحدنا ضد التخلف والفساد في الداخل وكذلك نوظفها في ضرب المسوقين لهذا النظام العالمي الجديد الذي يسعى إلى إنهائنا من التاريخ. العيد: أود أن أوضح أنني لست من أصحاب الاختصاص في هذا الموضوع وقد فوجئت بوجود اسمي بين المشاركين في الندوة وأعتذر لتأخري فقد ضعت في الوصول إلى هنا وآمل أن لا أضيع في كلامي. بداية سأتكلم عن علاقتي الشخصية الفردية بالموضوع، عن عدد من التقاليد التي عشتها في بلدي وبين أهلي في الطفولة وجيراني. كنت أشعر بشيء طاغ هو الجماعة المبنية على التشابه، وهذا ما كان يشعرني بإلغاء فرديتي في اللباس والطعام، خصوصاًً في طقوس الطعام، خصوصاً لأن الثوب أو اللباس لا يأخذ بعين الاعتبار فرديتنا، كان يتشابه مع فساتين بنات عمي أو أخواتي اللواتي يعشن معنا، وكان أبي هو الذي يختار القماش واختصاراًً للوقت يجلب كمية كبيرة ويقول لأمي اصنعي لبناتي وبنات العم. وعند المائدة كنا نجلس جميعاًًً وعلى طاولة واطئة ولا يحدد مكان إلا لوالدي الذي كان يجلس على مجلس مرتفع وكنا نحن نجلس كيفما كان، فيما بعد انتقلنا إلى طقس طعام قيل إنه غربي، كنا نجلس على كراسي مائدة مرتفعة ووجدت أنها أفضل ولكنني حين ذهبت إلى المغرب جلست في الطعام على مائدة واطئة كما في الأربعينات فشعرت بالحزن لأنه ذكرني بزمن مضى ما زال يتكرس ويتكرر. اليوم أستنتج بأن بعض التقاليد تسحبنا إلى الماضي وتكررنا، وأن علينا أن نخرج على هذه التقاليد لا لكي نجامل العصر ولكن لكي نتقارب ونفك بعض القيود التي تحصرنا في هذا الزمن، بعض هذه التقاليد أصبح في لبنان "فلكلور" لأنه لم يعد في الإمكان الاستمرار بها مثلاًً صناعة الكبة واللباس الذي يعوق الركوب في السيارات أصبح في القرى يعرضونه للسياح. أود أن أقول أنا أحب بعض هذه التقاليد مثل ذهابنا يوم الأربعاء للبحر يوم أيوب. الاستمرار مستحيل بسبب ظروف عملية، كنا نحمل معاًً الطعام ونجلس على شاطئ البحص، الآن صار من البيتون. التقليد الثاني سهراتنا على السطوح في أيام الصيف وحولنا الفل والياسمين لكنا لم نعد نحضر لأننا نساء يجب أن نعمل، في ذلك الوقت لم تكن النساء تعمل، كن يعملن في البيت نهاراًً وفي الليل كن يذهبن إلى فوق. أنا على كل حال سعيدة بخروجي من بعض هذه التقاليد لأنني أحس أنني قريبة من آخرين في الملبس والثياب، وأيضاًً التفكير والأحاسيس. تعليق الأسد: تلاحظون أن ما تفضلت به الدكتورة يمنى هو تعبير عن مشاعر وأحاسيس شخصية فما أثار حزنها حين جلست على الطبلية في المغرب قد يثير فرحي أنا وسعادتها لأنها انسلخت من التقاليد قد يثير حزني أنا لأنها تميز شعباًً عن شعب وتظهر شخصيته وهويته لأن كثيراً منها مرتبط بأفكار الأمة. رد العيد: ما أثار حزني ليس القعدة وإنما شعوري بمرور الزمن. العوا: بسم الله الرحمن الرحيم موضوع هذا اللقاء الناس والتقاليد في العالم العربي وأكثر جزء أعرفه هو الحيز الذي أنتمي إليه وهو مصر فاسمحوا لي أن أتحدث عن مصر. مصر تتكون من فريقين من الناس: فريق هم الأكثرية العددية يسمون بالمسلمين وأنا منهم، وفريق يتكون من أقلية يسمون المسيحيين الأقباط ومنهم أخي جرجس- المترجم.م. ومع ذلك فإن التقاليد بين الفريقين واحدة إلى درجة لا تستطيع أن تقرر معها من أخذ من الآخر، لكننا في أمور محددة نعرف أنها وصلت إلى المجتمع المصري عبر الميراث القائم قبل دخول العرب المسلمين على عكس السائد في كل المناسبات التي ينتصر فيها جيش على جيش وشعب على شعب فيفرض على المجتمع تقاليده وعاداته كما في العولمة. حدث العكس بحيث أن المسلمين مثلاًًً تأثروا بعادات الطعام المصرية في المناسبات الدينية فنجد أننا مثلاًً في عيدنا الصغير نصنع شيئاًً يسمى الكعك ونحشوه بأنواع من الأطعمة الحلوة مثل التمر أو الملبن أو المكسرات ونقدمه لضيوفنا يوم العيد وتتباهى البيوت بصنعه لا من حيث الكمية ولكن من حيث مطابقته للوصف الأصيل للكعك وهو تقليد لا يوجد في أي بلد عربي دخله الإسلام إلا مصر. وعندما يأتي عيد القبط فإننا نأكل في بيوت إخواننا الكعك نفسه وبالطعم نفسه. أسمع إخواني على المنصة أخي وأختي لديهم مثل هذا التقليد لا بد أنه انتقل إليهم من مصر. عندنا عيد مهم جداًً تقول عنه زوجتي إنه عيد قومي وليس دينياًًًً هو عيد شم النسيم وهو عيد يأتي مباشرة بعد يوم مقدس عند المسيحيين يحتفلون به بانتهاء يوم صوم طويل عنده، ويحتفل المسلمون معهم بغير شعور بأن هذا عيد ينتمي إلى دين آخر. في زمننا هذا ظهرت أفكار جديدة علينا تقول: لا تحتفلوا بشم النسيم فإنه عيد نصراني، فكنت أقول لأم أولادي رحمها الله احتفلي بشم النسيم لوني البيض وقدميه للأولاد مشاركة مع إخواننا المسيحيين. إذا انتقلنا إلى الأحزان فإن عاداتنا مأخوذة من إخواننا المسيحيين مثل الاحتفال بيوم الأربعين. هذه المرونة في تقبل تقاليد غير إسلامية مع أن الأصل أنها دينية مصدرها فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لما أسس دولته الأولى في المدينة لم يلغ تقاليد القبائل العربية بل نص عليها في الوثيقة المنشئة للدولة العربية، وانتقلت بذلك من تقليد قبلي إلى جزء من التقليد الإسلامي ولم يجد المسلمون بعد ذلك في أي بلد دخلوه حرجاً في أن يتعلموا من تقاليد ذلك البلد. والتقاليد ليست كلها حسنة وليست كلها سيئة، منها هذا وهذا. لا تزال تسود في العالم العربي تقاليد أصلها ديني يقوم بالالتزام بها المسلمون وغيرهم مثل صلة الأرحام وبر الوالدين والرحمة بالضعيف. وهذه التقاليد كلها أصلها موجود في جميع الأديان لا يستطيع أحد ادعاء اختراعها لوحده وإنما هي ملكية عامة . وأختم بأن أقول إن سلطان التقاليد في بلادنا مصر يعبر عنه مثل شعبي نقوله لأولادنا الصغار كل ما تحب والبس ما يعجب الناس. الأسد: أشكر المتحدثين وآمل أن تكونوا استفدتم من الاطلاع على التقاليد والعادات من المتحدثين. وأنتم تلاحظون أن هذا اللقاء دعت إليه ألمانيا ليس بصورة منفردة أي لم تدع كل قطر عربي وحده فهو ليس لقاء ألمانياًً مصرياً لبنانياً سورياًً وإنما نظرت ألمانيا إلى هذه الأقطار كما هي الحقيقة على أنها وحدة متكاملة وهذا يجعلنا في هذا اللقاء نفهم معنى اشتراك كثير من البلدان العربية في التقاليد التي توحد بينها لأنه ،كما ذكرنا في بداية هذا اللقاء، العادات تعبر عن هوية وشخصية الأمة والأمة العربية واحدة فلا بد أن تكون تقاليدها وعاداتها واحدة أو متقاربة. وزملاؤنا هنا من الألمان لا بد أنهم أحسوا أن بعض هذه التقاليد مشترك بيننا وبينهم لأنها عادات وتقاليد عامة. أسئلة من الجمهور وردود: سيدة ألمانية: هناك نقطتان: 1-يلفت النظر أنهم يتحدثون عن العالم العربي كوحدة واحدة، على حين أن أوروبا مثلاً ليست واحدة فالعادات في النروج مثلاًً ليست موجودة في ألمانيا ولا جنوب أوروبا. الدين ربما يوحد بين هذه البلدان ولكن ليس التقاليد. 2- سؤال للسيدة يمنى: مثال الفردية في اللباس عشته في فترة الحرب فقد كنت ألبس ملابس شقيقاتي ومرة قالت لي أمي بعد أن تذمرت للبسي ثوباًًً كبيراًً علي: اسمني قليلاًًًً ليناسبك! ولدي سؤال عن الدور الفوقي للأب. الأسد: الدين واحد ووجود مسيحي بيننا لا ينفي أن الأكثرية إسلامية مع الاعتراف بمواطنة المسيحيين. واللغة واحدة فالسيدة المتحدثة من الإمارات والدكتور العوا من مصر والدكتورتيزيني من سوريا والدكتورة من لبنان وكلنا نتكلم لغة واحدة وهذا لا يمنع وجود لهجات مختلفة كما في جميع البلدان. ثم كما لاحظتم وقررنا أن التقاليد والعادات أيضاًًً واحدة فإذاًً الدين واحد واللغة واحدة والتقاليد واحدة فما الذي يصنع الأمة الواحدة إذن إن لم تصنعها هذه الأشياء كلها؟ ونحن نأمل أن تستقبلونا بعقول منفتحة دون أفكار مسبقة عنا. سيدة عربية: أود أن أسأل سؤالاًًًًً صغيراً للدكتورة يمنى: في أي منطقة هذه التقاليد التي تحدثت عنها في لبنان؟ النقطة الثانية ما ذكره د. الأسد حول التقاليد الواحدة أعتقد في الملابس هناك تنوعات في منطقة جبلية بالجنوب كانت تختلف فهناك هذه سمات متنوعة ليست اختلافات جذرية لكننا على الساحل غيرهم على الجبل. نائب القنصل المصري: عمري 31 سنة، كنت طفلاًًًًً أيام السبعينات، كل ما لمسته من تقاليد أريده أن يبقى موجوداً. كانت صلة الرحم موجودة وكانت العلاقات في رمضان أوطد الآن أطفالي ليس لهم أصحاب من عائلتي. أنا أبحث عن الترابط وليس العكس. أحد الحاضرين الألمان للوته: أنت قلت الناس ملتزمون بالتقاليد، فإلى أي حد هم ملتزمون وإلى أي حد يجب أن ينفتح الناس على تقاليد أخرى وأشياء أخرى. أحد الحضور العرب:1-تم استخدام مصطلحي العادات والتقاليد بعيداًًً عن كونها مكوناًًًً للثقافة. أرى أنها مثل اللغة والدين مكونات ثقافية تؤثر في بعضها فلا تنحصر بالعادات والتقاليد كما يحصرها بعضهم ولا باللغة كما يفعل آخرون ولا بالدين ولكنها تؤثر ببعضها. 2- هل هناك أمة عربية واحدة؟ ما هو تعريف الأمة؟ هناك مثل جيبوتي وموريتانيا أو جزر القمر لم أرها مشاركة في المعرض مثلاًً فالأمة مفهوم فضفاض. الأسد: موريتانيا خصوصاً لها مشاركون والكويت والمغرب أيضاً فحتى مع أن بعض العرب لم يشارك اسمياً فالموجودون يمثلون كل البلاد العربية. لوته: كيف تعيق التقاليد التواصل مع الآخر؟ أنا أعتقد أن الحفاظ على العادات لا يمثل عائقاًً دون التواصل طالما آمنت أنها صحيحة وغير معيقة لتطوري كإنسان، علاوة على أنها تميزني لا بمعنى عنصري ولكنها تعطي لي هوية "إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" هذه الآية جاءت للجميع وليس للعرب والمسلمين فقط ، هي للعالم أجمع فالاختلاف مطلوب ليتعرف كل منا على الآخر فالتنوع ثراء للجنس البشري، ولا أظن أن ثمة سقماًً كالتماثل المطلق، إن التنوع ثراء. العيد: أنا من لبنان، أريد أن أصر على أننا يجب أن لا نخلط الروابط العائلية والتقاليد ونجعلها ضد بعض. النقطة الثانية: أما المناسبات الدينية والأعياد فنجد في كل بلد ممارسة لها بشكل مختلف، وأنا لا أعترض على هذه المناسبات ولست ضدها ولكني ضد شكل ممارستها. مثلاًًً في أحداث الموت تعمل مائدة ويأتي الجميع ليأكلوا يأتي الرجال أولاً ثم يقال للنساء تفضلوا، أنا أعترض على هذا الشكل وليس على المبدأ. أميز أيضاً بين التقاليد والخصوصية. في لبنان خصوصية أحبها وأحافظ عليها في الطعام والكلام وعادات متعددة. مثلاًً المازة اللبنانية. وهذه الخصوصية في كل بلد في السعودية مثلاً والعراق. نقطة أخرى في لبنان مثلاًًًً الدرزي يلبس لباساًً خاصاً ونعرف أنه درزي, كل لبنان يحتفل بعيد الميلاد والآن جاء من يريد أن يقسمنا ومن هنا أريد أن تكون الأشياء مشتركة. سيدة ألمانيّة: سؤال للسيدة مريم: ما المشكلة في تعلم اللغة الإنجليزية؟ لوته: في موضوع اللغة ما يحزننا هو فرض اللغة الإنجليزية في التعليم الجامعي ولم يبق مكان للغة العربية. ثالثاً: قراءة في الندوة: 1- الدعاية والعلم! في هذا القطاع الذي يسمونه اسماً ملتبساً لا يرضى عنه الرصينون من العاملين فيه "قطاع العلوم الإنسانية" من الصعب فصل البحث العلمي الموضوعي عن الأيديولوجيا، ولعله مستحيل، وهذا في الحالات العادية وفي المجتمعات التي لا تعاني ما يعانيه المجتمع العربي من أزمات وجودية هائلة وصراعات داخلية على الخيارات الكبرى، فكيف سيكون الحال في مجتمع مثل المجتمع العربي إذن؟ والحال أن دخول الأيديولوجيا في "العلوم الإنسانية" تعني منطقياًً دخول عنصر المفروض أنه أصلاً محظور في الخطاب العلمي ألا وهو العنصر الدعائي. الباحث يفترض فيه أنه لا يهدف من وراء أبحاثه إلى الدعاية لصالح شيء ما وضد شيء آخر، أما حال الباحث عندنا فهو أنه مسكون بهاجس الدعاية لأنه مسكون بهاجس الدفاع عن موقفه، أكان موقفاً فكرياً أم سياسياً. لدينا شعور داخلي باهتزاز الموقع وبالخطر وبأن ما نؤكد منطقيته وبديهيته ووجود أرضية واقعية له يمكن بكل لحظة أن ينكشف كشيء لا هو بديهي ولا هو منطقي ولا هو ذو أرضية واقعية صلبة. ما حال الباحث الذي يبني رؤيته للعالم على مقدمة تقول بوجود أمة عربية والواقع القطري والطائفي الذي يزداد كل يوم انقساماً وتشظياً يبدو كأنه ينسف الأرضية التي يقف عليها؟. وذاك الذي يعد الطائفية وهماً وضلالاً وفي كل يوم يكتسب الطائفيون مواقع جديدة؟ وذاك الذي يقول إن الإسلام لا يتعارض مع الحرية والتسامح الديني وفي كل يوم تطالعنا الشاشات بأخبار الهجوم على الكنائس والمعابد وتقتيل علماء السنة والشيعة؟ والإنترنيت حافل بالهجمات المتبادلة بين السنة والشيعة، وقد استفاقت كل الشياطين النائمة فمن داع إلى اجتثاث العروبة في المغرب إلى داع لاستعادة المجد الآرامي التليد وتجاوز حالة "الاحتلال الإسلامي" للشام والعراق! إلى داع كردي للتحالف مع شارون ضد العرب، ومن داع شيعي إلى تقديس بوش محرر الشيعة إلى داع ينسب نفسه لأهل السنة يعد الشيعة الخصم الرئيسي الذي يهدد الإسلام. هاجس الدعاية هذا، الذي هو هاجس الدفاع عن موقف يبدو ملتبساً كان واضحاً في مداخلة العوا عن "الخصوصيات المصرية" (كانت تأكيداته عن الفرادة المصرية غير موفقة بشكل غريب فكل ما زعم أنه خاصية مصرية أثبت له الحاضرون أنه موجود في البلاد الأخرى! وقد كان هذا من شأنه على كل حال أن يعزز موقفه العام المدافع عن فكرة تسامح الإسلام لو كان عنده فكرة سابقة عنه، ومما يثير الاستغراب ما يتمتع به بعض إخواننا المصريين من جهل فادح بالأقطار العربية الأخرى!). تيزيني في المقابل ما كانت عنده هواجس الدفاع عن التقاليد أو الهجوم عليها، بل كان يهمه موقع المعركة حول التقاليد في سياق النظام العالمي الجديد الذي تريد النخبة الأمريكية الحاكمة فرضه على العالم ومن هذه الناحية كانت مداخلته في اعتقادي من أكثر المداخلات توازناً وقابلية للمناقشة الموضوعية التي لا انفعال فيها (وهذه المناقشة لم تحصل طبعاً). العيد كانت في الطرف الآخر مسكونة بهاجس الهجوم على التقاليد وإعادة الكليشيهات المأثورة عند الحركة النسوية عن السلطة الأبوية والهاجس الحداثوي العربي الذي يتضايق من الخصوصية الثقافية العربية الإسلامية ولا يعرف سبيلاً للخلاص منها، فهو يكتفي عند كل مناسبة بترداد هذه المسلمات غير المدروسة جيداً والتي صارت لكثرة تكرارها تبدو لأصحابها كالبديهيات وهي ليست كذلك. ولا أعرف لماذا لم يخطر على بال الحركة النسوية العربية أن تعمل ولو دراسة واحدة عن ظاهرة تسلط الأم وليس الأب في المجتمعات العربية (ولا أعني أن تسلط الأب التعسفي غير موجود ولكنه يبدو لي مبالغاً فيه للغاية، وفي المقابل تشهد التجربة اليومية أن الأم في حالات معينة تكون هي الطرف القمعي الحقيقي في الأسرة العربية!) ونموذج "سي السيد" الذي قدمه نجيب محفوظ ثم عاد بنفسه في بعض تصريحاته الصحفية فنفاه عن المصريين ونسبة إلى عائلة سورية كان يعرفها! لا يصلح كوصف سوسيولوجي مبني على الدراسة للعلاقات داخل العائلة العربية! ولا شك أن تجربة العيد الشخصية التي ذكرتها لا تشهد لها تجربة عدد كبير من الأسر العربية. ولكن ذكر مثل هذه التجربة في محفل أوروبي سيواجه طبعاًَ بكلمة "آمين" من الغربيين الذين لهم فكرة ثابتة متحجرة عن علاقات الأسرة العربية ووضع المرأة إلى آخره. أقول هذا وأنا بالطبع لا أنفي الوضع المزري للمرأة في بلادنا ولكن هذا الوضع هو مزر لأسباب مختلفة كلياً عن تلك التي تقدمها الحركات النسوية المستندة حصراً إلى الرؤى الغربية المسحوبة ميكانيكياً على أوضاعنا. 2- هل نحن بحاجة للدعاية الدفاعية لإقناع الغربيين بوجهات نظرنا؟ إن قسماً لا بأس به من "القطاع المتكلم" في ثقافتنا مسكون بهاجس الدعاية. وأعني "بالقطاع المتكلم" أولئك المتعلمين الذين يعبرون عن وجهات نظر ويدعون إلى بدائل للواقع الموجود، وهو قطاع قليل أضعه في مواجهة القطاع الأكبر الذي أسميه "القطاع الصامت". وهاجس الدعاية هذا ناتج في اعتقادي عما سماه العبد الفقير في مقال سابق "الشعور العربي بالهشاشة"، إذ ينتاب الفاعل الثقافي السياسي عندنا الشعور بالوقوف على قاعدة هشة، وأن المسلمات التي يستند إليها خطابنا تتهافت وتتهشم كل يوم بحيث لم تعد الوقائع فقط هي التي تعاكسنا، ولكن حتى التاريخ صرنا على غير ثقة بما كان فيه! وحتى اللغة لم نعد نثق فيها. وأوضح مثال بين المتكلمين على هذا الهاجس هو الدكتور العوا، إذ كل نشاطاته في التلفاز والصحف والندوات منصب تقريباً على هاجس الدفاع عن وجهة نظر تقول إن الإسلام دين السلم والتسامح والعقل. وهذه هي وجهة نظري أيضاً، ولا أقصد هنا أن أقول إنها وجهة نظر غير صحيحة. أقصد فقط الإشارة إلى أن تكرارها الدائم يدلنا على شيء من اهتزاز الثقة بأن فكرتنا الصحيحة هذه تقنع حقاً من نخاطبهم: في الداخل الغالبية السكانية والحكام والنخب الثقافية الأخرى وفي الخارج الغرب. ولم يتضح هذا الهاجس في مداخلة الدكتور تيزيني فهو ينتمي لتلك النخبة الأممية من المثقفين التي تتكلم على نطاق الوضع العالمي كله، وهذه وجهة نظر جديرة أيضاً بأن يحاورها أمثال العوا والعبد الفقير لله قال في مقال سابق نشر في بعض الصحف العربية أن الاتجاه المتعقل في فهم الإسلام يجب أن يحاور هذا الاتجاه العالمي الداعي للعدالة على مستوى الكرة الأرضية والمتمثل في رفض الشكل المتوحش المستغل للعولمة، وتخريب الطبيعة والبشر. ولا شك أن تيزيني موضوعياً في هذا الموقع. وتجلت النزعة الدعائية الدفاعية أيضاً في مداخلة السيدة لوتة، ولمداخلتها هي وتيزيني ميزة خاصة هي أنهما الوحيدان تقريباً اللذان حاولا تقديم تعريف واضح للتقاليد والعادات، ولم يعداه من البديهيان، وفي تعريفها ابتكار وعمق يلاحظه القارئ للمداخلة، ولكنها صدرت للأسف عن تصور ناقص للوضع الفكري الألماني الذي تحاوره، وهذا ما حاولت إيضاحه لها بعد الندوة. فالألمان بخلاف ما يتصوره عنهم المواطن العربي البعيد أعادوا النظر في تجربتهم التاريخية، ولم يعودوا يفتخرون بالحفاظ على هويتهم القومية، على الأقل بالشكل الذي نفهم نحن به هذا المصطلح. ومن هنا كان اجتهادها في المقدمة التي ساقتها لجلب تفهم الجمهور الألماني للهاجس العربي المتعلق بالحفاظ على الهوية في غير مكانه في اعتقادي. وهنا الإشكال الذي ينتاب المحاورين العرب للغرب، حيث أنهم كثيراً ما يصدرون عن رؤية ناقصة للاتجاهات الاجتماعية والثقافية لهذا الغرب. الذي أعتقده أننا في الغرب لا نحتاج إلى هاجس الدعاية كباحثين، بل إننا حين نقدم وجهة نظر رصينة موضوعية لا تفتقد عنصر النقد للأوضاع العربية، ولا تبالغ في النزعة الدفاعية فإننا نقنع الغرب أكثر مما نقنعه بخطابنا الدفاعي الدعائي الذي تستعمله الأنظمة عندنا عادة لتقديم ما تظنه "وجهها المشرق" لمواطنيها. ومن الغريب أننا نقوم بالدعاية فلا نكسب احترام هذا الغرب على حين يكسب اليابانيون احترامه مع أنهم لا يقومون بأي "دعاية" بالمعنى الذي نفهمه نحن. "فأعمالهم تشهد لهم" كما يمكن أن يقال! والمواظبة الكفاحية الصبورة للشعب الفلسطيني أكسبته تعاطف أوروبا دون أي دعاية مع كل المليارات التي تنفقها الحركة الصهيونية على الدعاية. ولا شك أن أي نهضة حضارية عربية من شأنها أن تكسبنا احترام العالم حتى لو لم نحضر أي معرض كتاب دولي وحتى لو لم يكن عندنا وزارات إعلام أو حتى وزارات خارجية وسفارات! محمد شاويش-برلين