كلما عين وال جديد على رأس جهة الدارالبيضاء إلا ويعاد طرح قضية تحرير الملك العمومي. ويتذكر سكان المدينة الحرب التي خاضها الوالي، إدريس بنهيمة، ضد محتلي العديد من الشوارع والأزقة في بداية الألفية الحالية. بعض رجال السلطة يؤكدون أن هناك إرادة لاستئصال هذه الظاهرة بأقل الخسائر الممكنة، لكن هناك من المستشارين من يقول إنه لحد الساعة لا تتوفر أي رغبة حقيقية لتحرير شوارع وأزقة ودروب العاصمة الاقتصادية. في عام 2002 خاض الوالي السابق إدريس بن هيمة حربا ضروسا ضد محتلي الملك العمومي في الدارالبيضاء، وتحركت حينها أقلام كثيرة ضد ومع هذه الحرب، وبدأت ملامح صراع بين محتلي الملك العمومي والسلطات وعلى رأسها الوالي بن هيمة تطفو على السطح، واعتبر مجموعة من أصحاب المقاهي أن خطة بن هيمة لن يكتب لها النجاح، لأنه يمكن أن تنجح خطة تحرير الملك العمومي في أي مدينة أخرى باستثناء العاصمة الاقتصادية. ورغم الانتقادات الموجهة لإدريس بن هيمة آنذاك، فقد كانت لهذه الحملة نتائج كثيرة في العديد من المناطق (الحي المحمدي مثلا)، حيث تم تحرير أزقة كثيرة من الباعة المتجولين، إضافة إلى احترام أصحاب المقاهي للأماكن المخصصة لهم. مغادرة بنهيمة ذهب بن هيمة إلى حال سبيله دون أن يحقق حلمه في أن يعيش ساعة تحرير شوارع الدارالبيضاء من جهات تسعى إلى احتلالها بالقوة، فخلال شهور قليلة على مغادرته كرسي ولاية الدارالبيضاء وتعويضه بمحمد الظريف، استرجع محتلو الملك العمومي قواهم، خاصة أن الوالي محمد الظريف لم يجعل من مهمة تحرير الملك العمومي أولوية بالنسبة إليه، ليعود أصحاب الكثير من المقاهي إلى عادتهم القديمة، كما أن ظاهرة الباعة المتجولين تفشت بشكل كبير، نظرا للمشاكل المرتبطة بالبطالة والهجرة القروية. «الملك العمومي في مدينة الدارالبيضاء أصبح مستعمرا من قبل الباعة المتجولين وبعض المقاهي التي تستغل الرصيف»، هذه الجملة يكاد يجمع عليها العديد من سكان العاصمة الاقتصادية، وهو الأمر الذي جعل المستشار حسن لقفيش يدق ناقوس الخطر أمام الوالي محمد بوسعيد خلال آخر دورة لجهة الدارالبيضاء قائلا «إن استعمار الملك العمومي أمر خطير جدا»، هذه الجملة المقتضبة من قبل لقفيش تؤكد أن قضية احتلال الملك العمومي أمر لم يعد من المقبول السكوت عليه، حيث قالت المستشارة خديجة المنفلوطي في تصريح ل«المساء»: «سنطرح هذه النقطة بشكل مستعجل في الدورة المقبلة لمجلس المدينة. حكاية خديجة كثيرة هي حكايات المواطنين مع المشكل المرتبط باحتلال الملك العمومي، ومن بين هذه الحكايات قصة السيدة خديجة التي تقطن بمقاطعة اسباتة، والتي تؤكد أنها لم تعد قادرة على الخروج إلى الشارع بسبب وجود العشرات من عربات الباعة المتجولين أمام منزلها في منظر مستفز، وتقول «لا أعرف لماذا لحد الساعة تتعامل السلطات مع هذا المشكل بأعصاب باردة. سؤال خديجة نقلته «المساء» إلى مجموعة من المنتخبين والفاعلين الاقتصاديين في الدارالبيضاء، الذين أكدوا أن مشكل تحرير الملك العمومي من القضايا المؤرقة في المدينة. وقال سعيد كشاني إنه لحد الساعة ليست هناك إرادة حقيقية لحل المشكل المرتبط بتحرير الملك العمومي على صعيد مدينة الدارالبيضاء، مؤكدا أنه كخطوة أولى لابد من اتخاذ قرارات لوقف النزيف، وبعد ذلك التفكير في طريقة حل هذه الإشكالية، وأضاف أن إشهار العصا والتعامل بالمقاربة الأمنية وحدها لا يكفي، لأن هذه الخطة لم تكن قادرة على احتواء القضية في عهد الوالي السابق إدريس بن هيمة. المقاربة الشمولية اعتبر سعيد الكشاني أن احتلال الملك العمومي أصبح أمرا غير مقبول، وقال «إن هذا الأمر أصبح غير طبيعي ويحتاج إلى مقاربة شمولية، فحتى المدينة لا تستفيد من هذه العملية على مستوى مداخيلها، لأنه لا يتم تزويد خزينة الدارالبيضاء بأي درهم من هذه العملية التي أصبحت تؤرق الجميع، وأكد أن مسألة الملك العمومي لم تطرح بصفة جدية في دورات المجلس، وقال «يجب أن يعرف الجميع أنه لا يمكن لمجلس المدينة حل هذه الإشكالية، لأنه لا يتوفر على الإمكانات واللوجستيك الضروري من أجل ذلك، وأن محاربة محتلي الملك العمومي تبقى من مهام السلطات المحلية وليست المنتخبة، وأبرز أن حل المشكل يجب أن يتم بصفة تدريجية دون السقوط في التسرع، فالمهم حاليا، حسب رأيه هو وقف استمرار عمليات احتلال الشوارع والأزقة والأرصفة وبعد ذلك تتخذ الإجراءات الصارمة ضد من يستمرون في فرض سيطرتهم على الملك العمومي، وأضاف أنه حان الوقت لفتح هذا الملف من قبل جميع الفعاليات لاتخاذ قرارات كفيلة بوضع حد لهذه القضية. انتهاك حرمة الملك العمومي ووصفت المستشارة خديجة المنفلوطي ظاهرة احتلال الملك العمومي بالمشينة والتي تؤثر على المشهد العام للمدينة، وأكدت أن المسألة تتعلق بانتهاك حرمة الملك العمومي وقالت في تصريح ل المساء» «إن الوضعية التي كان عليها المجلس في السنة الماضية حالت دون طرح هذه القضية على أنظار الأعضاء من أجل مناقشتها في أشغال الدورات، وخلال الدورة المقبلة سيتم طرح هذه القضية، لأن الأمر في الحقيقة يتطلب اتخاذ الإجراءات الضرورية. واعتبرت خديجة المنفلوطي أن الخطوة الأولى لتحرير الملك العمومي تبدأ بإنذار المحتلين، وذلك بإلزامهم باحترام المساحة القانونية لهم لترك المجال للمواطنين لاستغلال الأرصفة، وقالت «إننا نتمنى أن تكون للوالي محمد بوسعيد رؤية جدية لحل هذه الإشكالية، خاصة أن الكثير من مدن الشمال تمكنت من استئصال هذه الظاهرة بشكل كبير»، واعتبرت أنه من غير المقبول أن يترك بعض الباعة محلاتهم التجارية ويعرضون بضاعتهم في الشوارع والأزقة، وشددت على أنه من الضروري جدا تبني خطط، لأن هذه القضية بدأت تستفحل بصفة كبيرة. وعن مشكل الباعة المتجولين، الذين تحولوا إلى «قاريين في العديد من المناطق أكدت أنه لابد من تنظيمهم في أسواق نموذجية أو إحداث أسواق منظمة، وذلك حتى يتم تحرير الشوارع والأزقة، لأن العديد من المواطنين يجدون صعوبة كبيرة في استعمال الأرصفة أو المرور من بعض الأزقة بسبب هؤلاء الباعة، وقالت «كل ما نتمناه هو أن يترك الوالي الجديد بصمته في تحرير الملك العمومي، الذي أصبح يقلق الكثير من البيضاويين». الخطط الفاشلة قبل أربع سنوات تقريبا، رغبت السلطات المحلية والمنتخبة في عمالة مقاطعات درب السلطان، بتعاون مع غرفة التجارة والصناعة في الدارالبيضاء، في تنظيم أفواج الباعة المتجولين في هذه المنطقة، ووزعت السلطات وقتها ما يقارب 50 ألف «مطوية» لتوعية هؤلاء الباعة بضرورة الانخراط في عملية تنظيم التجارة في دروب وأزقة درب السلطان، وألصق ما يناهز 15 ألف ملصق تحسيسي في مجموعة من الشوارع والأزقة، وقد اعتُبِرت هذه الخطوة بداية حقيقية لحل هذه المعضلة، بل هناك من لم يُخفوا تفاؤلهم وهم يؤكدون أن عمالة مقاطعة درب السلطان ستكون العمالة -النموذجَ في التصدي لظاهرة أرهقت كل من يتولى مهام تدبير وتسيير شؤون هذه المدينة. وبعد كل هذا الوقت، تبيّنَ أن إرادة التغيير اصطدمت، مرة أخرى، بسياسة فرض الأمر الواقع، فقد أعلنت الكثير من الجهات فشل هذه المبادرة، معْزية هذا الفشلَ إلى غياب المواكبة من طرف الساهرين على عملية التنظيم، التي كان عليها،على الأقل، أن تكون هناك مواكبة للحملة لسنة تقريبا، لكن هذا لم يحدث، ما جعل الباعة المتجولين يعودون، من جديد، ليفرضوا «حالة حصار» على هذه المنطقة». ووفق دراسة سابقة كانت قد أنجزتها المديرية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط، ظهر أن عدد الباعة المتجولين على صعيد جهة الدارالبيضاء الكبرى يبلغ 128 ألفا و572 شخصا، وهو ما يعادل 10 في المائة من مجموع السكان النشيطين، ويتمركز 13 ألفا و310 بائعين متجولين من هؤلاء في عمالة مقاطعات الفداء -مرس السلطان، ويوجد في درب السلطان 10 في المائة من الباعة المتجولين في الجهة. وأوضحت الدراسة، التي أنجزت سنة 2007، أن 95 في المائة من هؤلاء الباعة لا يمارسون نشاطا آخر وأن 80 في المائة منهم من الذكور، كما أن 86 في المائة منهم يقيمون في العمالة نفسها، في حين يلتحق من تبقى منهم بدرب السلطان -الفداء، نظرا إلى معدلات الرواج التجاري التي يشهدها هذا الحي، وحسب الدراسة، التي ركّزت على عمالة الفداء -مرس السلطان، فقد حددت 30 نقطة بيع موزعة على مختلف تراب العمالة، وتبيّنَ أن عدد الباعة المتجولين يبلغ ذروته يوم الأحد بأكثر من 11 ألفا و235 بائعا متجولا. ولا يمكن الحديث عن المشاكل الناجمة عن ظاهرة احتلال الملك العمومي في درب السلطان أو الحي المحمدي أو اسباتة والحي الحسني أو غيرها دون التطرق إلى القضايا المرتبطة بظاهرة الباعة المتجولين في عمومها، إذ فشلت جميع الخطط التي تبنّتها السلطات العمومية في اجتثاث هذه الظاهرة، وكانت حكومة الوزير الأول السابق إدريس جطو قد تحدثت عن تخصيص 10 ملايير سنتيم لحل مشكل الباعة المتجولين، ببناء «الأسواق النموذجية».. إلا أن هذا المشروع «مات في المهد»، بسبب فشل هذه الأسواق في احتواء هذه الظاهرة. ويؤكد متتبعون لهذا الملف أن سبب الفشل يرجع، بشكل أساسي، إلى استفادة أناس لا علاقة لهم بعملية «البيعْ والشّْرا» من هذه المحلات التجارية، في حين أن المعنيين المباشرين بها ظلوا ينتظرون «الفرج»، ما جعل بعض الذين لم يستفيدوا من هذه الأسواق ينظمون وقفات احتجاجية للمطالبة إما بفتح هذه الأسواق أو فتح تحقيق حول طرق تفويت المحلات التجارية. العيد يحرر شارع محمد السادس ودرب عمر أثار تحرير الملك العمومي في شارع محمد السادس في اليومين الأخيرين من الباعة المتجولين تساؤلات حول وجود خطة من قبل ولاية الدارالبيضاء لاستئصال ظاهرة «الفراشة» في هذا الشارع، وقال عبد الإله الصفادي، رئيس مقاطعة الفداء سابقا، إنه «من الصعوبة القضاء على ظاهرة الفراشة في عمالة الفداء والأمر يحتاج إلى عقد مناظرة من أجل البحث عن الحلول للقضاء على هذه الإشكالية»، وأضاف أن منطقة الفداء تعد الفضاء المناسب للباعة المتجولين. وكشف مصدر ل «المساء» عن وجود لقاء سيجمع بين بعض منتخبي مقاطعة الفداء والمسؤولين في العمالة، وذلك لمناقشة مجموعة من القضايا ومن بينها الباعة المتجولين وتحرير الملك العمومي من قبل بعض أصحاب المحلات التجارية، وفي الكثير من المناسبات طرحت قضية تحرير الملك العمومي في أكبر مدينة في المغرب، وفي كل مرة يعد من يسيرون شؤون هذه المدينة ببذل جهد كبير من أجل هذا الغرض، لكن هذه الوعود لا تغادر مكان انعقاد هذه اللقاءات، لتظل الدارالبيضاء رهينة هذه الظاهرة، في انتظار من يحمل العصا السحرية لتحرير شوارعها.
لكحيلي: لا أحد تمكن من تحرير شارع محمد السادس تعاني مدينة الدارالبيضاء من عجز مسؤوليها بكل أصنافهم سواء من المنتخبين أو من رجال السلطة عن تحرير الملك العمومي، وهو تحد ليس جديدا عليها، فقد سبق للوالي بنهيمة أن رفع تحديا ضد المتجاوزين للقانون بكل أنحاء الدارالبيضاء، واستطاع أن يترك بصمة رجل سلطة مر بهذه المدينة، كله عزم وإرادة لإلزام الجميع باحترام القانون، غير أنه اصطدم بلوبيات من «الحوت الكبير»، وإن نجح في بداية المشوار الإصلاحي، خصوصا في ما يتعلق بتحرير الرصيف من زحف المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية في كل أنحاء المدينة. ورغم أن إدريس بن هيمة أرجع الأمور إلى نصابها في كثير من الأماكن، حيث ألزم مستغلي الملك العمومي بالتعامل مع هذا الاستغلال على أساس أنه استغلال مؤقت، وهو ما يعني عدم البناء فوقه والاكتفاء بمختلف أنواع التجهيزات المؤقتة، فقد تمكن هؤلاء من هزم القانون والمسؤولين عن تطبيقه وتم نقل الوالي المذكور ليكلف بهام أخرى. والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه بقوة هو ما فائدة هذه الترسانة من القوانين التي لا تجد من له العزم لتطبيقها، فمما يثير السخرية هو أن وزير التجهيز والنقل السابق حرص على تضمين مدونة السير فصلا خاصا بتغريم الراجلين الذين يقطعون الطريق من خارج المكان المخصص لهم، في الوقت الذي تتزاحم فيه السيارات والشاحنات في أكبر وأهم شارع في الدارالبيضاء، وأقصد هنا شارع محمد السادس الذي زحف فيه الباعة المتجولون على الطريق إلى أكثر من نصفه دون أن يتمكن ولو واحد من رجال السلطة المتعاقبين على ولاية الدارالبيضاء من تحرير هذا الشارع، ولا يقتصر هذا التجاوز الذي يقوم به هؤلاء الذين تدفعهم الحاجة لوضع سلعهم في الطريق، ولكن الأمر أخطر من ذلك لأن هناك من المتنفذين الغلاظ الذين اتخذوا من مرافق عمومية مختلفة من مرابد ومساحات على الشاطئ يبنون فيها بدون تصميم ولا ترخيص مستعمرات بدون وجه حق ، وبدون أي وثيقة، وهذا غيض من فيض كشفته اللجان المحدثة في مجلس المدينة بموجب ميثاق الشرف الذي تم على أساسه حل البلوكاج الذي جاء احتجاجا على هذا النوع من السلوك، فقد كشفت هذه اللجان عن عدم توفر مجلس الجماعة الحصرية على جرد لجميع ممتلكاتها، وحتى الممتلكات المعروفة مثل البرادايس وما يسمى بالبراكة التي تبيع الخمور والسقالة وغيرها، مما حذا بنا إلى تحذير الرئيس أثناء دورة أكتوبر قبل أسبوع من تجديد عقده مع أي من المرافق التي تم جردها خارج المجلس، الذي هو المخول الوحيد للقيام بذلك بعد المصادقة عليها، وأعربنا عن أننا على استعداد لمقاضاة كل من سولت له نفسه تهريب أي عقدة خارج القانون. عبد المالك لكحيلي، رئيس فريق العدالة والتنمية في مجلس مدينة الدارالبيضاء