يضيع الاحتلال غير القانوني للملك العمومي على ميزانية الجماعات المحلية ملايير السنتيمات سنويا، ورغم أننا لا نتوفر في المغرب على إحصائيات وطنية شاملة لما تفقده الجماعات القروية، وخصوصا الحضرية جراء الترامي على الملك العمومي خارج الضوابط القانونية، إلا أن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2007 كشف عن مبالغ كبيرة تفقدها عدة جماعات طالها تفتيش قضاة المجلس، جراء عدم تحصيل الرسوم المفروضة على الاحتلال المؤقت للملك العمومي، ومن هذه الجماعات مقاطعة عين الشق في الدارالبيضاء، حيث وقف المجلس على غياب المراقبة والحيطة في ما يخص الاتفاقيات المبرمة في تراب المقاطعة مع شركتين لأجل حل معضلة الباعة المتجولين، الشيء الذي نتج عنه إما فشل العملية ذاتها (سوق طريق 1100)، أو مبالغ هامة غير مستخلصة قدرت بأكثر من 82 مليون سنتيم بالنسبة لسوق الخير سيدي معروف، و100 مليون و717 ألف سنتيم في ما يخص سوق حي بغداد. وفي مقاطعة الصخور السوداء، يشير التقرير إلى أن تجاهل سلطات المقاطعة تطبيق القانون في ما يخص شغل الأملاك بصفة غير قانونية، والذي يعاقب عليه القانون بأداء ثلاثة أضعاف الرسم المستحق، ضيع على الجماعة مبلغ مليار و100 مليون سنتيم خلال سنوات 2004 و2005 و2006. ولأن موارد ونفقات الجماعات المحلية منفصلة عن القوانين المالية، فإن قوانين المالية لكل سنة تجرد مداخيل عدة قطاعات وزارية المتأتية من إتاوات احتلال الأملاك العامة سواء في البر أو البحر أو الموانئ، فحسب القانون المالي 2010، فإن مداخيل وزارة الاقتصاد والمالية من إتاوات احتلال الأملاك العامة الموضوعة رهن إشارة اتصالات المغرب تبلغ 100 مليون درهم، ونفس المبلغ تم تحصيله من إتاوات احتلال الأملاك العامة الموضوعة رهن إشارة المكتب الوطني للمطارات، فضلا عن إتاوات احتلال بعض الأملاك العامة من لدن الوكالة الوطنية للموانئ مقابل 55 مليون درهم. وأما وزارة التجهيز والنقل فكانت مداخيلها برسم الإتاوة المستحقة على احتلال الأملاك العامة مليونين ونصف المليون درهم، فيما حصلت وزارة الصيد البحري إتاوات بقيمة مليون و440 ألف درهم مقابل الامتيازات الممنوحة لاستغلال الأماكن المخصصة للصيد داخل الأملاك العامة البحرية. ماذا يقول القانون؟ المقصود بشغل الملك العمومي من قبل الغير هو الترخيص باستغلال جزء من الملك المصنف ضمن الأملاك العامة، التي لا تقبل التصرفات المألوفة في القوانين الخاصة كالبيع والهبة والكراء ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة والحجز عليها وتقادمها، مع إمكانية قابليتها للاستعمال الذي لا يتنافى مع تخصيصها للمنفعة العامة، فضلا عن أن رخص الاستغلال المتعلقة بها تعطى مؤقتا كيفما كانت المدة المعينة في القرارات المتعلقة بها. ويمكن فسخ وإلغاء تلك الرخص في أي وقت لسبب من الأسباب التي تستدعيها المنفعة العامة التي تحددها الإدارة المعنية وبدون تعويض بعد ثلاثة أشهر من يوم إعلام المرخص له بذلك. ونص الفصل السادس من ظهير 12 رجب 1342 الموافق 30 نونبر 1918 المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العام أن رخص الاستغلال تعطى مؤقتا كيفما كانت المدة المعينة في قرار الترخيص وتكون ذات طابع وقتي ويمكن سحبها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك. ولا يضفي الترخيص وأداء المقابل على العلاقة بين الطرفين علاقة كراء بمفهومها العادي، وإنما تبقى علاقة ترخيص مؤقت تنتهي بانتهاء المدة أو سحب الترخيص ووضع حد لاستمرار الاستغلال. ويقتضي منح رخصة الاحتلال المؤقت من الإدارة مراقبة المرخص له من حيث الاستعمال الخفي لرخصته، وعدم تفويتها للغير واحترام موضوع الرخصة، ومدتها، وأداء الإتاوة وغيرها. غير أن الممارسات اليومية تظهر تجاوز عدة مستغلين للملك العمومي خصوصا من أصحاب المقاهي والمحلات التجارية للمساحة المخولة لهم واستحواذهم على معظم قارعة الطريق، ونتيجة لذلك تقوم السلطات المحلية بين الفينة والأخرى بحملات لتحرير الملك العمومي، حيث تعمد السلطات إلى مصادرة كراسي وطاولات المقاهي الموضوعة على الرصيف، وإحالتها على المحجز البلدي. المطلوب ..ميثاق وطني هذه الحملات تثير عدة انتقادات من المهنيين، حيث يقول حسين أعراب، رئيس جمعية التواصل لأرباب المقاهي والمطاعم بسلا، إن عمليات المصادرة ليس هي الحل بل وضع ميثاق بين مستغلي الملك العمومي والسلطات المحلية والمنتخبة للاتفاق حول استغلال قارعة الطريق من حيث المساحة المسموح بها وغيرها من التفاصيل. ويوضح أعراب ل «المساء» أن أرباب المقاهي يسددون رسوم استغلال الملك العمومي بالمتر المربع، 20 درهما للمتر المربع من الأرضية (لاطيراس)، فضلا عن رسوم أخرى متعلقة بالستائر (الباش) وتعليق الاسم التجاري وحتى اللوحات الإشهارية لبعض الشركات، ويبلغ إجمالي الإتاوات المحلية التي تسدد كل 3 أشهر ما بين 700 إلى 1500 درهم، و«المشكل الذي نعاني منه، يقول أعراب، أن المجالس الجماعية تمنحنا رخصة دون تحديد المساحة، ثم تأتي السلطة المحلية لتقوم بحجز كراسي المقاهي كما يقع بين الفينة والأخرى». من جانب آخر، يقدر محمد السبها، رئيس جمعية المقاهي والمقشدات وقاعات الشاي في الدارالبيضاء نسبة المقاهي التي تحتل الملك العمومي دون ترخيص في الدارالبيضاء ب30 في المائة، ويصل عدد المقاهي في المدينة إلى قرابة 12 ألف مقهى، ويضيف السبها أن جمعيته طلبت من مجلس المدينة في صيف 2008 إجراء حوار مع الجمعيات المهنية للتجار وأرباب المقاهي حول القانون المنظم لاحتلال الملك العمومي، «وبالفعل انطلقنا في الحوار ولكنه سرعان ما توقف بعدما قدمنا مقترحات بهذا الشأن». واعتبر المتحدث أن أرباب المقاهي ليسوا المسؤولين عما يلاحظ من شغل المقاهي لأغلبية قارعة الطريق في الشوارع بل المجلس هو من منحهم تراخيص تسمح لهم بذلك، وأضاف أن جمعيته اقترحت ألا يتم التفريق في ما يخص الحيز المسموح باستغلاله حسب عرض القارعة، بحيث تعطي الحق لصاحب المقهى باستغلال مترين في القارعة التي يفوق عرضها 4 أمتار، وعندما يصل عرضها 3 أمتار يمنح الحق لصاحب المقهى بوضع صف واحد من الكراسي خارج المقهى، وعندما لا يتجاوز العرض المترين لا يكون لصاحب المحل الحق في أي مساحة من القارعة. وانتقد السبها ما أسماه غياب المصداقية والشفافية لدى موظفي الجماعة الحضرية للدار البيضاء في ما يخص تنظيم قارعة الطريق، مشيرا إلى أن الرخصة التي تمنح لمستغلي الملك العمومي مؤقتا لا تحدد فيها على وجه الدقة الأمتار المسموح باستغلالها. والمطلوب حسب رئيس الجمعية هو تحديد المسؤوليات بوضوح في ما يخص الترخيص لاحتلال الملك العمومي، حيث إن الرخصة التي تمنحها سلطات الجماعة لصاحب المقهى لا تعترف بها في الكثير من الأحيان السلطات المحلية والأمن الوطني، وبالتالي لا تخول الرخصة حماية لصاحبها إبان الحملات التي تشنها السلطات المحلية بين الفينة والأخرى، وتتردد هذه الملاحظة الأخيرة على لسان العديد من أصحاب المقاهي، وهو ما يعني غياب التنسيق والرؤية الموحدة بين السلطات المحلية والسلطات المنتخبة في التعامل مع ملف الاحتلال المؤقت للملك العمومي. معضلة الباعة المتجولين تشن السلطات المحلية في عدة مدن حملة جديدة ضد الباعة المتجولين الذين يحتلون العديد من الأزقة، وتثير هذه الحملات استياء هذه الفئة التي تريد إطارا مناسبا لممارسة نشاطها التجاري، والملاحظ أن هذه الحملات لا تفي بالغرض بسبب طابعها الموسمي وافتقارها للنجاعة، وكان الوالي الأسبق لمدينة الدارالبيضاء إدريس بنهيمة قد حاول إبان ولايته أن يتعامل بنوع من الصرامة مع ظاهرة الباعة المتجولين، الأمر الذي أثار، في حينه، العديد من ردود الفعل القوية، بين مؤيد ومعارض لأسلوبه في التعامل مع مشكل احتلال الباعة المتجولين والمقاهي الملك العمومي. وبعد سنوات من ذلك خصصت الحكومة 10 ملايير سنتيم لبناء أسواق نموذجية، في إطار خطة استعجالية أعلن عنها الوزير الأول آنذاك إدريس جطو لتثبيت الباعة المتجولين لتحقيق هدف تحرير الملك العمومي من جهة ومن جهة أخرى إدماج هؤلاء الباعة في النشاط الاقتصادي المهيكل، غير أن هذه السياسة فشلت لأنها لم تراع متطلبات هذه الفئة في ممارسة نشاطها في فضاءات مناسبة عوض عزلها في مناطق غير ملائمة. حملات تظهر وتختفي تقوم السلطات المحلية بمساعدة أعوان السلطة وقواد المقاطعات في المدن المغربية من حين لآخر بحملات ضد الترامي على الملك العمومي والمتمثلة في احتلال مجموعة من المحلات التجارية والمقاهي للمساحة الموجودة أمام محلاتهم، وكذا ضد الباعة المتجولين، ويسبق هذه الحملات تبليغ أصحاب هذه المحلات التجارية والمقاهي بإزالة كل مظاهر الترامي على الملك العمومي، حيث ينفق هؤلاء العديد من الأموال لتبليط وتزيين «لاطيراس» من حدود المقهى إلى آخر الرصيف. ورغم الانتقادات التي توجه لهذه الحملات بسبب طابعها الموسمي والانتقائي، فإنها تخلف ارتياحا لدى المواطنين لأنها تحرر الملك العام من الترامي الذي يقع عليه، مما يخلق فوضى في حركة التجوال ويشوه جمالية الشوارع، ويضطر معه المواطن إلى السير على حافة قارعة الطريق أو في الطريق أحيانا لتفادي كراسي وموائد المقاهي الممتدة على طول الأرصفة أو التسلل بين رواد المقهى ليتمكن من المرور، وهو ما قد يؤدي إلى وقوع حوادث سير تخلف ضحايا في الأرواح أو إصابات جسيمة. وعادة ما تأتي هذه الحملات، التي ينتقدها البعض لكونها موسمية وانتقائية، بعد توصل سلطات العمالات والولايات بشكايات عديدة من الساكنة ومن ممثلي التجار يطلبون فيها رفع الضرر الذي لحق بهم من جراء احتلال الملك العمومي من قبل الباعة المتجولين، وما ينجم عنه من عرقلة لحركة المرور سواء بالنسبة للراجلين أو العربات، ويبرر التاجر تراميه على قارعة الطريق بضيق مساحة محله وأن ذلك يحرمه من عرض بضاعته على العموم. هذا الدافع التجاري وراء الاحتلال غير القانوني للملك العمومي يدفع ثمنه المواطنون الذين يرتادون الشوارع التي أضحى المارة فيها يزاحمون السيارات، لأنه لم يعد يفصل بينهم سوى متر واحد، لأن المقاهي والمحلات التجارية زحفت بكراسيها وطاولاتها وسلعها إلى غاية الرصيف، في ظل تغاضي السلطات المنتخبة والمحلية عن محاربة هذه الظاهرة التي غذت من كثرتها هي الأصل، لدرجة أن المواطنين اعتادوا عدم السير فوق الرصيف بل في الطريق جنبا إلى جنب السيارات، حتى إنك لترى الناس يمشون في بعض الشوارع على الطريق، رغم أن الرصيف خال من أي احتلال وذلك بسبب ترسخ ظاهرة احتلال المقاهي والمتاجر لمعظم الرصيف.