أسبوعان بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض كانا كافيين بالنسبة إلى تنظيم القاعدة لإعلان الحرب على الوجه الجديد للإدارة الأمريكية. أيمن الظواهري، الطبيب المصري والعقل المنظر لتنظيم أسامة بن لادن، خرج في شريط فيديو جديد يقول: «أمريكا لبست وجها جديدا لكن قلبها الممتلئ بالكراهية وروحها التي تنشر الشر لن يتغيرا...». بصعود الديمقراطي أوباما خسرت القاعدة عدوها المفضل بوش الذي كان يمد آلتها الدعائية بالوقود الكافي بسبب انغلاقه وتطرفه اللذين قاداه إلى إعطاء حرب على القاعدة غطاء شبه ديني عندما قال: «إنها حرب صليبية»، كانت هذه أول هدية منحها جورج بوش والمحافظون الجدد لأسامة بن لادن الذي هاجم قلب الرأسمالية الأمريكية في نيويورك وقتل أكثر من 3000 أمريكي في يوم واحد. الهدية الثانية التي قدمها جورج بوش للقاعدة هي غزو العراق والإطاحة بنظام صدام حسين، فقد كان مقاتلو القاعدة يجدون صعوبة كبيرة في الوصول إلى أرواح الجنود الأمريكان، وكانوا يصرفون المال ويخاطرون بالرجال من أجل تفجير مجمع سكني في السعودية أو مدمرة في اليمن... فتبرع عليهم بوش ب150 ألف جندي وضعهم رهن إشارتهم في العراق الممزق والطائفي والمخترق من كل الجهات... لقد منح غزو العراق من قبل أمريكا متنفسا للقاعدة التي تلقت ضربة قاسمة في أفغانستان بعد هجوم 11 شتنبر وسقوط نظام طلبان وتشتت معسكرات العرب على الحدود الأفغانية-الباكستانية... من يحتاج إلى معرفة مدى استفادة «القاعدة» من غزو أمريكا للعراق، عليه أن يرجع إلى الشهرة والتأثير الكبيرين اللذين اكتسبهما أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وتحوله إلى رمز ينافس ابن لادن لأنه يقود معركة كبيرة ضد أكبر جيش في العالم في ساحة مفتوحة على أرض العراق، وفي معركة تجري تحت شعار: «طرد المحتل»، ثم انضافت شعارات أخرى مثل «التصدي لإهانة العربي في سجن أبو غريب» و«للمد الشيعي في بلاد الرشيد»، وما إلى ذلك من كليشيهات وسعت من شعبية القاعدة في الشارع العربي، وقوت إلى حد كبير طاقتها الاستقطابية في المحيط الإسلامي الغارق في أزمات كبيرة وإحباط سيكولوجي معقد. القاعدة خسرت كل هذا بوصول رئيس مثقف ديمقراطي عازم على «انسحاب تدريجي من العراق وتضييق ساحات الحرب على الإرهاب»، وتركيز المعركة على القاعدة في الحدود الأفغانية الباكستانية، وإغلاق سجن غوانتنامو، وتخليص الأمريكيين من شبح ابن لادن الذي نفخت فيه إدارة الجمهوريين لأسباب تتصل بتمرير مشروع «إمبراطوري» أكبر يرمي إلى السيطرة على العالم بالقوة العسكرية... أيمن الظواهري بذكائه الفطري يعرف هذه الحقائق، لهذا ركز على علاقة أوباما باليهود، وكانت خلفية الشريط الذي بثته مواقع القاعدة على الأنترنيت عبارة عن صورة لأوباما وهو في زيارة لأحد المعابد اليهودية، رغم أن كل الباحثين يعرفون أن أولويات القاعدة ليس تحرير فلسطين ولا محاربة إسرائيل، وإنما الهدف هو ضرب أمريكا باعتبارها أكبر داعم للأنظمة العربية. فالقاعدة مثلا لم تكن متحمسة للمقاومة اللبنانية بزعامة حزب الله، بل إن أبا مصعب الزرقاوي كان يكفّر الشيعة ويعتبرهم أخطر على السنة من إسرائيل... أربع سنوات غير كافية أمام أوباما لمسح كل خطايا بوش، كما أن مصالح أمريكا وقوة اللوبي الإسرائيلي داخلها لن تسمح لهذه الإدارة، كما سابقاتها، بالتقدم على طريق إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ثم إن العرب غائبون عن ساحة الفعل الدولي، ومن ثم فلا أحد سيتطوع للدفاع عن مصالحهم وأمنهم الاستراتيجي نيابة عنهم... العلاقات الدولية لم ولن تشهد «مؤسسات للفعل الخيري».