سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ليلى الطرابلسي: نادمة على ظهوري المكثف في الأنشطة والمناسبات الرسمية قالت إن ذلك سهل على خصوم زوجها تنفيذ مخطط الإطاحة به بعد اتهامها بالسعي إلى خلافته
تحكي ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بنعلي، لأول مرة، روايتها لما يعرف ب«ثورة الياسمين». في هذه الحلقة، تروي الطرابلسي تفاصيل يومها الأخير في تونس. تعود إلى الأحداث التي ميزت 14 يناير 2011. ترفض أن يقال إن زوجها هرب من مواجهة شعبه.كما تنفي الإشاعات التي تحدثت عن تهريبها أطنانا من الذهب من البنك المركزي التونسي وملايين الدولارات، وتكشف الذهول الذي أصاب بنعلي بعد تأكد إبعاده من تونس وتفاديها بمعية أسرتها متابعة القنوات التلفزيونية هربا من سيول الاتهامات والشهادات المزورة والحكايات المغلوطة والتصريحات المشينة التي انهمرت عليهم من كل حدب وصوب. لم ألبث طويلا في قصر قرطاج حتى أشيع بأنني أقرر في كل صغيرة وكبيرة في شؤون الحكم. قيل إنني أعين جميع خدم الجمهورية من «الشاوش» إلى الوزراء، أمنح الترقيات وأصوغ قرارات الإقالة، والواقع أنه لم يسبق لي أن عينت شخصا في مسؤولية أو أعفيت مسؤولا قط من مهامه. لم أتدخل قط في صلاحيات الرئيس واختصاصاته. لقد زعموا بأنني أتدخل في صلاحيات الرئيس وأؤثر على قرارات زوجي، ونسوا بأن الجنرال بنعلي، المعروف بقوة شخصيته، لم يكن ليسمح مطلقا لأي شخص بالتطفل على صلاحياته والتدخل في شؤونه، ولو كان هذا الشخص زوجته. كيف لي أن أقرر في شؤون الدولة ولم أكن أستطيع ارتداء ما يروق لي من الملابس ولا الخروج متى شئت؟ كيف لي أن أقرر في شؤون الدولة؟ كنت زوجة طيعة، وكنت سعيدة بذلك، كما يشهد بذلك المقربون مني. الواقع أنني لم أكن مؤهلة لتقديم أي إضافة للحياة السياسية التونسية، ومن العبث أي يزعموا لي دورا في بعض المناورات التي عرفتها السياسة التونسية في الثلث الأخير من ولاية بنعلي، خصوصا ما تعلق بإقالة رئيس مدير عام شركة ما أو كاتب دولة أو حتى الضغط على الأساتذة والمدرسين كي أضمن نجاح بناتي في دراساتهن. في هذه الحال، لماذا لم أتدخل لصالح إحدى بنات أخواتي، ابنة أختي المتوفية منيرة، التي لم تحصل على شهادة الباكلوريا إلا بعد ثلاث محاولات؟ كلما أردت الرد على هذه الافتراءات، يتصدى لي مستشارو زوجي ويقنعونني بلا جدوى الرد على هذه المزاعم. كانوا يرددون: «صمي آذانك عن هذه الأكاذيب ولا تعيرينها اهتماما». أكثر من ذلك، تلقيت النصيحة ذاتها من قبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. والدليل على ذلك أنه لم يتردد في الاتصال بنا حين علم برغبتنا في رفع دعوى قضائية ضد نيكولا بو حين أصدر كتابه: «الوصية على عرش قرطاج». اتصل ساركوزي وقتها ببنعلي وأقنعه بالعدول عن فكرة مقاضاة بو. والغريب أن نيكولا ساركوزي يعتبر أكثر رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة لجوءا إلى القضاء ضد خصومه. زعموا أيضا بأنني أقوم بما هو أخطر من التأثير على قرارات الرئيس بنعلي والتدخل في شؤون الدولة. إذ اتهموني بالرغبة في التحكم في الميدان السياسي في البلاد، واستدلوا على ذلك بكثرة تدخلاتي وظهوري في المناسبات الرسمية. ومن هذا المنطلق، أقر بشرعية طرح السؤال التالي: كيف ينفي من يرأس التدشينات ويلقي الخطب في المناسبات الرسمية سعيه إلى الاضطلاع بدور سياسي؟ يمكنني أن أجيب عن هذا السؤال بكل سهولة، مؤكدة عدم وجود أي موانع تحرم حرم رئيس الدولة من المشاركة في الحياة العامة لبلادها. أكثر من ذلك، أذكر الجميع بأنني لم أظهر قط في أي مناسبة رسمية طيلة السنين الثلاث عشرة الأولى من تولي زين العابدين بنعلي حكم تونس. وأقر بأنني فطنت، في وقت لاحق بعد اختراقي جدار الحياة العامة، أن المحافظين بمختلف مشاربهم لن يدخروا جهدا ولن يتوانوا أبدا عن محاربة امرأة حداثية بكل ما أوتوا من قوة. أدركت أيضا حملتهم ضد امرأة من الشعب ارتقت قمة هرم السلطة وستكون أكثر شدة، ولأني ابنة الشعب كان ذلك يمس عجرفتهم وتكبرهم. كان تأسيس منظمة المرأة العربية بداية عهدي بالظهور في الأنشطة والمناسبات الرسمية. غير أنني في الواقع لم أحب يوما الحياة العامة، ولم أكن أكره شيئا قدر كرهي للأنشطة والاستقبالات الرسمية. ولهذا السبب، كنت أتفادي الاستجابة لجميع الدعوات التي أتلقاها لترؤس مناسبات وأنشطة رسمية. لم أكن أستجيب سوى لدعوة واحدة من أصل عشر، وهذا كثير أيضا، ولو توفرت لي فرصة التقليص منها لفعلت. لكن مستشاري الرئيس لم يكونوا يقاسمونني هذا الرأي. ولذلك، لم يكونوا يفوتون أي فرصة للدفع بي إلى واجهة الأحداث. كنت أدرك جيدا بأنهم لم يكونوا يقومون بذلك لسواد عيوني ولا حبا في الرئيس، ولكن كانوا ينتهزون الفرص التي من شأنها أن تزيدهم قربا من الرئيس. كانوا يتخذونني طريقا لتحقيق مآربهم لدى الرئيس. كان المسؤولون عن الدواوين الوزارية واتحاد النساء والجمعيات لا يتوانون في التعبير عن رغبتهم في رؤيتي دائما حاضرة إلى جانب الرئيس. وكان المستشارون يدعمون هذا الطرح ويدلون بقرائن تعضد صواب رأيهم. وفي هذا الإطار، دُفع بي إلى الواجهة في الحملات الانتخابية لبنعلي، التي كان يعهد بمهمة تنظيمها إلى علي السرياتي، رئيس الحرس الرئاسي، الذي كان وقتها المسؤول الأول عن التشريفات، بالإضافة إلى مستشاري الرئيس. كنت خائفة جدا يوم كلفت، لأول مرة، بإلقاء كلمة في مهرجان خطابي، حتى إن المستشارين أنفسهم توجسوا خيفة من حالتي النفسية، رغم أنهم كتبوا الكلمة التي سألقيها ولم يبق سوى أن ألقيها أمام الجمهور الحاضر في ذلك المهرجان الخطابي. استطعت تجاوز كل العراقيل. تمالكت نفسي وألقيت تلك الكلمة بكل ثقة في النفس. لكنني عدت إلى مقر إقامتي بعدها متعبة ومجهدة. يمكن أن يلاحظ هنا أيضا، عن حق، أنني استلمت لإرادة الذين كانوا يدفعون بي دفعا إلى تصدر واجهة الأحداث. ولهم، بدون شك، الحق، كل الحق، في لومي على انسياقي لإرداتهم وعدم قيامي بأي رد فعل في الوقت المناسب. أؤكد، مرة أخرى، بأنني لم أكن سعيدة ومرتاحة لمشاركتي وظهوري في المناسبات الرسمية. كنت أفضل الابتعاد عن الأضواء والتواري إلى الوراء من أجل الاهتمام بجمعياتي، بعيدا عن عدسات الكاميرات، لأنني كنت أجد سعادة لا توصف في جرد المساعدات الواجب تقديمها لمستحقيها وتعبئة الأظرفة بالأموال وتحضير الهبات. سعادة لم أشعر بها قط في كل المناسبات التي ارتقيت فيها المنصات أو شاركت في الأنشطة الرسمية. تسارعت وتيرة ظهوري في المناسبات الرسمية بين سنتي 2010 و2011. أدرك اليوم بأنني أخطأت حين أكثرت من الظهور في الأنشطة الرسمية، بما في ذلك مؤتمر منظمة المرأة العربية، الذي احتضنته تونس العاصمة في تلك السنتين. أصبحت صوري تتصدر الصفحات الأولى للصحف، وأحيانا أكون موضوع افتتاحيات تنسب لي من الأقوال ما لم أتفوه به قط. تحدثت في الموضوع، ذات مساء، مع زوجي، وأجريت اتصالا شخصيا من مكتبه مع مستشارنا عبد الواحد عبد الله. كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي أجريت فيها اتصالا من مكتب الرئيس. استفسرت عبد الله عن الأسباب الثاوية وراء تصدري صفحات الصحف، فلجأ المستشار نفسه إلى تصويب ما نشر عني من أخبار مزيفة عبر مدير الوكالة التونسية للاتصالات الخارجية، أسامة رمضاني، الذي سيصير في وقت لاحق وزيرا للاتصال. أدركت اليوم بأنني أخطأت حين قبلت إلقاء كلمات وخطب في أنشطة ومناسبات رسمية. كان حريا بي أن أمتنع عن ذلك. أعلم اليوم أنه كان يلزمني أن أطرح تساؤلات عن الأسباب التي تجعل البعض يدفع بي في اتجاه رفع وتيرة خرجاتي الرسمية في السنة التي سبقت رحيلنا. لا شك أن هذا الدفع كان جزءا من مخططهم للإطاحة ببنعلي من كرسي رئاسة تونس. تزامنا مع ترويج إشاعات مغرضة عن أسرتي، زعم خصوم النظام بأن بنعلي لم يعد قادرا على الحكم ولم يعد مؤهلا لقيادة تونس وادعوا إصابته بسرطان البروستات. الواقع أن زوجي لم يصب قط بهذا المرض. صحيح أنه يتناول، على غرار آلاف الأشخاص عبر العالم، أدوية لضبط نبض قلبه، لكنه لم يعان البتة مما ادعاه خصومه. كان يفترض بنا أن نعمم وقتها كشفا عاما يظهر حقيقة الحالة الصحية للرئيس. وحتى لو فعلنا ذلك ما أخذنا على محمل الجد ولتم التشكيك في صدقية الوثائق التي سنكشف عنها لعموم الشعب التونسي. الحقيقة التي لا غبار عليها أن الخصوم كانوا قطعوا وقتها شوطا كبيرا في مخططهم الرامي إلى الإطاحة بالرئيس بنعلي وحكومته. كان المخطط نفسه يقضي بأن ترسخ مقولة «الرئيس مريض» لدى عموم الشعب التونسي، وبعد ذلك تأتي مرحلة البحث عن خليفته المحتمل. إذ لكل رئيس خليفة، وبنعلي ليس استثناء لهذه القاعدة. علم الخصوم أيضا بأن ضربتهم ستكون قاضية إذا استطاعوا أن يؤكدوا أن بنعلي يعد خليفته من بين أقاربه. زعموا أول الأمر أن الخليفة المنتظر لن يكون سوى قريبه كمال مرجان، قبل أن يدعوا بأن زوجته هي من سيخلفه. وبعد أن صوبوا أسهمهم نحوي، انتقلوا إلى مرحلة جعلوا من عائلة الطرابلسي سبب كل الشرور التي ألمت بتونس، ثم ادعوا بأن آل الطرابلسي يستعدون لإحكام قبضتهم على البلاد عبر إيصالي إلى كرسي الرئاسة. وبالموازاة مع هذه المزاعم، تم ترويج العديد من الإشاعات بهدف إيهام الشعب التونسي بقرب رحيل بنعلي عن البلاد أو دنو موعد تنحيه عن السلطة لصالح زوجته. وتوزعت هذه الإشاعات بين زاعم بوجود أسفار مكثفة نحو الإمارات العربية المتحدة وطلاق وشيك بيني وبين بنعلي وادعاءات وافتراءات متباينة. علمت بمحض الصدفة أن أشخاصا توافدوا وقتها على مكتب الرئيس على شكل مجموعات يحثونه على طردي من حياته ورمي آل الطرابلسي إلى الشعب التونسي لكي يفعل بأفرادها ما يشاء. كانوا يزينون له القيام بهذا الأمر ويؤكدون له بأن التخلي عني وقطع صلاته بعائلة الطرابلسي هو السبيل الوحيد للبقاء في السلطة. في تلك الأثناء، كان المخطط ينفذ بحذافيره وبلغ مرحلة تقتضي تقديمي في صورة المرأة المتسلطة المغرورة بقوتها المستعدة للقيام بأي شيء من أجل تنحية زوجها واعتلاء كرسي رئاسة البلاد. بعد كل هذه الإشاعات المغرضة، قدروا أخيرا أن الوقت قد حان لكي يعلنوا، دونما خجل، بأنني أخطط لخلافة بنعلي. سئلت يوما عن صحة هذه المزاعم فأجبت بلا تردد: «بأي حق؟ وبأية شهادات؟ وبأية كفاءات؟». الجميع يعلم بأنني لم أصبح زوجة رئيس الدولة بمحض إرادتي وخالص اختياري، وكثيرون يعلمون بأنني لست من النوع الذي يصبو إلى لعب دور السيدة الأولى. يعلم المقربون منا كذلك بأنني لم أشجع قط بنعلي على الاحتفاظ بالسلطة والتمسك بكرسي الرئاسة، بل على العكس، كنت أول من نصحه بالعدول عن فكرة الترشح مرة أخرى لرئاسة البلاد، حيث خاطبته قائلة: «لنهتم بأطفالنا ولنعش حياتنا بسلام كجميع الناس». لا أحد يعلم جزءا على قدر كبير من الأهمية مما كان يقوم به بنعلي في تلك الأثناء. سأسمح لنفسي اليوم بالكشف عنه لأول مرة. الواقع أن بنعلي شرع فعليا في إعداد خلف له، أو على الأقل راودته فكرة تأهيل خليفة له ليكون في مستوى التحديات التي تنتظره. أكثر من ذلك، بحث بنعلي بالفعل عن شخص تتوفر فيه صفات رجل المرحلة بكل المقاييس. لم يجد أدنى حرج في التفكير في خليفة له، عكس ما يعتقده خصومه، بل كان يؤمن بأن تونس وشعبها يستحقان أن يخلف عليهما رجل ذو خبرة في تقلد المسؤوليات الجسام، ويكون على وئام تام مع سلفه. وعلى ضوء هذه المعطيات، وقع اختيار بنعلي على كمال مرجان لخلافته، وهو آخر وزير للشؤون الخارجية على عهد بنعلي. وعلى هذا الأساس، لم يكن غريبا ولا من باب الصدفة أن يقدم الرئيس بنعلي على تعيين كمال مرجان في مناصب حساسة. كما عمد أيضا إلى تكليفه على مدى سنوات بتقلد مسؤوليات الوزارات الأكثر أهمية في البلاد. كان الرئيس بنعلي يروم من ذلك إلى جعل خليفته يراكم قدرا من التجربة يعينه على تحمل المسؤوليات الجسام التي تلقى على عاتق رئيس الدولة. ورغم أن بنعلي اختار مرجان عن قناعة وبناء على معطيات موضوعية ومعايير دقيقة، فإن اختياره أثار حسد الأعداء وغبطة الأصدقاء وأغاظ بعض كبار المسؤولين، إذ أن مرجان كان، على الدوام، في مستوى الثقة التي وضعها فيه الرئيس بنعلي. كان مرجان يحرص على إظهار ولاء كبير للرئيس بنعلي. كان يغرق مقر إقامتنا بالهدايا في عيدي ميلادنا وفي ذكرى قيام نظام سابع نونبر. غير أن مرجان نفسه لم يجد من طريقة ينسي بها الشعب التونسي ارتباطاته بالرئيس بنعلي واقتران صورتيهما سنوات وارتباط اسمه في مرحلة معينة بخلافة بنعلي سوى اتهامي شخصيا بالتدخل في شؤون الدولة والتحكم في قرارات الرئيس بنعلي. اليوم، أعترف بأنني نادمة على مشاركاتي في الحياة السياسية، رغم أنني لم أفعل ذلك عن اختيار ولا حتى عن إرادة. لكني فخورة بما أنجزته في المجال الجمعوي والقطاع المدني، خصوصا في قضايا المرأة. سيذكر التاريخ يوما ما ما قمت به لصالح التونسيات، وسيخلد لا محالة ما أنجزته لصالح نساء المنطقة العربية برمتها، ولا سيما عبر العمل الذي تحقق لي من خلال منظمة المرأة العربية. كنت أعمل على ترويج صورة بلدي وجعل تجربته في مجال العمل المدني نموذجا يقتدى به في العالم بأسره. عملت بجد لكي يتم تعميم تجربة القوانين التونسية ذات الصبغة الحداثية بهدف تحسين ظروف عيش النساء في جميع مناطق العالم. كنت أستمد قوتي من المكتسبات التي حققتها المرأة التونسية، وفي مقدمتها النص الجديد لقانون الأحوال الشخصية. ولم يغب عني يوما ما تراكم في تونس من منجزات على مدى خمسين سنة من الانفتاح، بل كنت أتخذها أرضية انطلاق لبلورة مقترحات جديدة في مجال تعليم الفتيات والنساء القرويات وتحصين نساء بلادي ضد العنف والتحرش بجميع أصنافه وتلاوينه. باختصار، كانت المساواة والحريات النسائية أولويتي. كانت مهمتي على رأس منظمة المرأة العربية واضحة: تغيير القناعات وجعل تجربة بلادي نموذجا يقتدى به وترويج صورة حسنة عن المرأة العربية.
منح قطعة نقدية لمتسول أفضل من إقامة المعارض الفنية وتشييد المكتبات لم ينسني لقب السيدة الأولى قط الشعب الذي خرجت منه. لم تجعلني حدائق قرطاج أغفل عن الأحياء الشعبية التي رأيت فيها النور. لم أنس الشعب ولم أغفل عن الأحياء الشعبية لأني كنت أملك فكرة واضحة عن الفقر في تونس. إذ لم أشعر البتة أني بعيدة عن الشعب، بل على العكس، كنت دائما قريبة منه عبر الأعمال الاجتماعية التي كنت أقوم بها عبر جمعياتي. اقترح علي بنعلي، ذات يوم، أن أؤسس جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة. وانطلاقا من اقتراحه، أطلقت مشروع «بسمة»، قبل أن أبادر في وقت لاحق إلى تأسيس جمعية «سعيدة لمحاربة السرطان»، وقد أطلقت عليها اسم أمي، لأنها ماتت بسبب هذا المرض الخبيث. وكان يفترض أن ترى جمعية ثالثة تعنى بإعادة إدماج السجناء القدامى في المجتمع عشية رحيلنا عن تونس. كانت انشغالاتي الحقيقية تتمثل في كيفية مد يد العون للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ومساعدة المرضى والقضاء على التهميش والإقصاء. لم أفكر يوما في إقامة معارض فنية أو تشييد المكتبات، ولم أنشغل قط بتوزيع الجوائز على المؤسسات والمنظمات المتخصصة في البحث حول المناخ أو التكنولوجيا. بدا لي أنه يجدر بي بدل ذلك منح قطعة نقدية لمتسول ومسح دموع طفل ومد يد العون لمريض. وقد شغل هذه القضايا الجزء الأكبر من وقتي.