مجلس الحكومة يعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطرابلسي: محاكمة أقاربنا كانت «مسكنات» لتهدئة الشعب التونسي
انتقدت صمت هيئات حقوق الإنسان على الانتهاكات التي طالت سجناء آل الطرابلسي وآل بنعلي
نشر في المساء يوم 06 - 08 - 2012

تحكي ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بنعلي، لأول مرة، روايتها لما يعرف ب«ثورة الياسمين».
في هذه الحلقة، تروي الطرابلسي تفاصيل يومها الأخير في تونس. تعود إلى الأحداث التي ميزت 14 يناير 2011. ترفض أن يقال إن زوجها هرب من مواجهة شعبه.كما تنفي الإشاعات التي تحدثت عن تهريبها أطنانا من الذهب من البنك المركزي التونسي وملايين الدولارات، وتكشف الذهول الذي أصاب بنعلي بعد تأكد إبعاده من تونس وتفاديها بمعية أسرتها متابعة القنوات التلفزيونية هربا من سيول الاتهامات والشهادات المزورة والحكايات المغلوطة والتصريحات المشينة التي انهمرت عليهم من كل حدب وصوب.
علمت بعد وقت وجيز من رحيلنا عن تونس أن أخي بلحسن تمكن بعيد وصوله إلى إيطاليا أن يحلق صوب كندا. غير أنني لم أستطع التوصل إلى أي معلومات بشأن ابنتي البكر، نسرين، وزوجها صخر وأبنائهما. كنت أعلم فقط أن الأسرة كانت تقضي عطلة قصيرة في كندا في مستهل يناير، قبل أن تحط الرحال بمدينة باريس. قام صخر أيضا بزيارة خاطفة إلى تونس في 12 يناير. إذ عاد أدراجه في صبيحة اليوم الموالي (الخميس) مصطحبا ابنه إبراهيم.
عندما هاتفتني نسرين، بعد يومين من وصولنا إلى العربية السعودية، اعتقدت، أول الأمر، بأنها وجدت بمعية زوجها وأبنائها ملجأ في المغرب. غير أنها قالت لي إنهم موجودون في قطر.
في الواقع، كان القلق قد استبد بنسرين صبيحة 14 يناير على ضوء الأحداث التي كانت تردها من تونس. ربطت الاتصال بأختها حليمة ونصحتها بأن تصطحب معها أخاها الأصغر إلى قصر قرطاج، وأوصتها بأن تظل قريبة من أبيها لدواعٍ أمنية.
طبقت حليمة نصيحة أختها، حيث توجهت إلى قصر قرطاج بمعية خطيبها، غير أنها لم تر ضرورة في اصطحاب أخيها محمد، الذي كان صبيحتها منهمكا في لعب كرة القدم مع أصدقائه، إلى القصر الرئاسي. عادت بعد ذلك إلى سيدي بوسعيد وتوجهنا جميعنا إلى مطار العوينة، كما أسلفت الذكر. في تلك الأثناء تواصلت اتصالات نسرين، وكادت تجن بسبب عدم تمكنها من الحديث إلى أختها. فقد كانت هذه الأخيرة على متن الطائرة في طريقها إلى السعودية.
أخبرتني نسرين في وقت لاحق بأنها اعتقدت لحظتها بأن أباها قتل وأن أختها الصغرى حليمة والصغير محمد يحتجزان كرهينتين. غير أنها ستتلقى في مساء اليوم نفسه اتصالا من مصالح الاستعلامات الفرنسية. أطلعها برنار سكوارشيني، مدير المديرية المركزية للاستعلامات الداخلية، على نبأ رحيل أبيها عن تونس. في البداية، أكد لها أن طائرة بنعلي تستعد للإقلاع، ثم ما لبث أن اتصل بها ثانية وأكد لها إقلاع الطائرة من تونس. ردت عليه نسرين قائلة: «هذا غير ممكن. أعرف والدي جيدا. هو ليس من صنف الرجال الذين يرحلون عن بلادهم بدون سبب. لا شك أن ثمة محاولة اغتيال».
سألها سكوارشيني عما إذا كان الرئيس يمتلك إقامة في فرنسا يمكنه اللجوء إليها، فقالت له إنه يعلم أكثر مما تعلم بشأن هذا الموضوع، وأكدت له أن أباها لن يفكر مطلقا في اللجوء إلى هذا البلد الذي صار محطة توجيه الضربات إلى نظامه، وحيث انقلب الجميع ضده في رمشة عين. فرد عليها بالقول إن فرنسا، وإن كانت تستطيع توفير الحماية لها ولزوجها وأبنائها، فإنه لا يمكنها أن توفر الحماية لأبيها، كما لو كان بنعلي على وشك الوصول إلى فرنسا أو ينوي التوجه إليها.
بعد دقائق، أعلن التلفزيون الفرنسي أن الرئيس التونسي يتجه نحو فرنسا، وأفاد بأن الحكومة الفرنسية تستعد لرفض ولوجه المجال الجوي الفرنسي. إنه عمل دعائي صرف. لم نفكر مطلقا في التوجه نحو باريس. كانت العربية السعودية وجهتنا منذ البداية بهدف أداء مناسك العمرة نزولا عند الاقتراح الذي أوحى به السرياتي لزوجي.
في باريس، فوجئت ابنتي نسرين بنشر 10 حراس شخصيين في محيط الفندق الذي كانت تقيم فيه. وأيقنت أن المصالح الأمنية السرية الفرنسية تعتزم أن تتابع حركاتها وسكناتها ولا تفارقها قيد أنملة. كانت الشرطة الفرنسية تخشى أن يبادر تونسيون إلى التظاهر أمام الفندق. وقد حرص الأمن على إبعاد الصحافيين و«الباباراتزي» عن الفندق. ولمزيد من الاحتياط، تقرر تغيير مقر إقامتهم. وعلى هذا الأساس، بادرت ابنتي بمعية زوجها إلى الانتقال إلى فندق غير بعيد عن المطار في انتظار التوصل بالضوء الأخضر من دولة معينة لاستضافتهما.
ضاعف الزوجان اتصالاتهما مع الدول الصديقة لاستضافتهما. وكانت البداية بالمغرب. لكن سلطات الرباط ترددت قبل أن ترفض استضافتهما بدعوى الحراك الذي كان يجتاح المملكة. وحده أمير قطر قبل بتلبية طلب الزوجين ورضي باستضافة ابنتي بمعية أسرتها الصغيرة في بلاده. وحدها قطر امتلكت الشجاعة لاستضافتهما فوق أراضيها.
حافلة العار
مطار تونس قرطاج. شرع الحراس، الذين أشرفوا على عملية إيقاف أسرتي في عين المكان، في تفتيش أمتعة أقاربي. استولوا على بعض الأمتعة وسرقوا الهواتف المحمولة وأفرغوا حقائب النساء من محتوياتها، وحازوا كل ما عثروا عليه من عملة صعبة. ومع ذلك، لم يترددوا في ادعاء عثورهم لدى كل فرد من أسرتي على مبلغ 4 آلاف و500 أورو.
أمروا الجميع بالصعود إلى حافلة ظلت تراوح مكانها طيلة مدة وصلت إلى ساعة ونصف. في تلك الأثناء، لم يمل سمير الطرهوني من تكرار العبارة التالية على مسامع أقاربي: «ترون الآن ما فعلت بكم ليلاكم. لقد تخلت عنكم. تركتكم تغرقون وفرت بجلدها». وفجأة أخذ أحد الحراس، وكان يجري مكالمة هاتفية، يصرخ قائلا: «لا يمكن قتلهم جميعا. مستحيل. يوجد بينهم أطفال ورضع، لا يمكننا قتلهم».
تصوروا حجم تلك المأساة. أوسع الحراس أقاربي ضربا لحظة إنزالهم من الحافلة. سفيان بنعلي، ابن شقيق زوجي، أوسع ضربا من قبل الحراس، وسقط مضرجا في دمائه أمام أعين زوجته وأبنائه. أرهب الحراس أنفسهم ابن أختي جليلة. إذ عمد أحدهم إلى تصويب سلاحه صوب الصغير. توسلت أمه للحراس بأن يقتلوها ولا يمسوا ابنها بسوء. كان الجميع يبكي ويصرخ.
خلف الجدران
تضاعف سوء المعاملة وزاد الظلم خلف جدران السجن العسكري العوينة بعد أن تم تخصيص جزء من هذا السجن لآل بنعلي والطرابلسي. لم يكتف الحراس، وكانوا مسلحين وملثمين، بمراقبة سجنائهم، بل تعدى بعضهم هذه المهمة إلى إهانة سجنائهم وإشباعهم ضربا.
سجن إخوتي وأخواتي وأصهاري وزوجات إخوتي في ظروف يؤسف لها. لم يغيروا ملابسهم طيلة أسبوع كامل. ارتدوا الملابس ذاتها طيلة الوقت. لم يمنح لهم «صابون» يغتسلون به ولم تعط لهم مناديل يمسحون بها عرقهم. استشعر الجميع أن القادم هو الأسوأ. نمت لِحى الرجال واضطرت النساء إلى غسل «حفاظات» أبنائهن، مرات عديدة، ليتمكنّ من إعادة استعمالها. حتى الرضع، لم يتوفر لهم ما يكفي من طعام. صهري محمد كان مريضا بالسكري ويعاني من مرض في القلب، ومع ذلك، تم سجنه برفقة زوجته، أختي جليلة، وأبنائهما وبناتهما، وضمنهن أسماء، التي كانت وقتها حبلى في شهر الخامس، وأميرة، التي احتجزت بمعية رضيعها ذي الثلاثة أشهر، بالإضافة إلى ريم وابنها ذي التسع سنوات. لذلك رفض صهري محمد نقله إلى المستشفى وأصر على البقاء معهم داخل السجن مهما اشتد مرضه. سجنت أيضا أختي سميرة وزوجها منتصر وابنتهما نور ذات الخمس عشرة سنة. وقد ألحق بهما أخواي منتصر وناصر بعد إيقافهما في اليوم الموالي.
كان لزاما انتظار شهرين كاملين قبل أن يفرج عن القاصرين. قبل ذلك كان الجميع، صغارا وكبارا، يتعرضون يوميا لمختلف أنواع التعسف. وكان يُرهبون بدوي إطلاق الرصاص في محيط السجن. كانوا يؤمرون بين الحين والآخر بالانبطاح أرضا والنوم على بطونهم، ثم يتركون على هذه الحال وقتا طويلا دون تقديم أي تبرير لذلك.
أحيطوا بطوق شديد، عزلوا عن العالم، ومنعوا من الحديث إلى سجانيهم. قضوا أشهرا عديدة دون أن يعلموا شيئا عما كان يحدث في البلاد. ومع ذلك، لم يفقدوا الأمل في قرب الفرج، بل ظلوا متمسكين بأمل معانقة الحرية عن قريب. كانوا يأملون كذلك بأن يستأنفوا حياتهم بشكل عادي: ينجزون مشاريع، منهم من فكر في بيع منزله واستبداله بآخر وبعضهم خطط لتغيير مهنته أو الرحيل صوب ليبيا أو أوربا.
داخل السجن، شكل نشر الأكاذيب وسيلة للتعذيب المعنوي. بعيد حصول السجانين على إذن أو أمر بالحديث إلى أقاربي، أخذوا في قذفنا، أنا وزوجي، بأقدح النعوت وسرد قصص لا أساس لها من الصحة عنا. كل حديثهم عنا كان عبارة عن أكاذيب وقذف. باختصار، كان السجانون يؤكدون لهم أننا تخلينا عنهم، ويقولون لهم إننا كنا نعلم بأنهم سيوقفون ويعتقلون، ومع ذلك، آثرنا التضحية بهم لكي لا نفقد حريتنا.
كيف لي أن أرد وقتها على تلك الأكاذيب وأؤكد لأقاربي أنني بريئة من كل تلك الاتهامات؟ بأنني لم أتخل عنهم مطلقا ولم أدع عرضة للخطر؟ كيف لي أن أشرح لهم لحظتها بأنني لم أكن أعلم أن الأحداث ستتطور على هذا النحو، وأقنعهم بأنني كنت أعتقد عند صعودي إلى الطائرة متوجهة إلى العربية السعودية أن غيابي عن تونس لن يتجاوز بضعة أيام؟ كيف لي أن أخبرهم بأنني لم أكن لأتخلف عن نجدتهم، وبأنني كنت سأصر على انتظارهم لو بلغني نبأ اعتقالهم؟ أسهدتني هذه الأسئلة في الأسابيع التي تلت مغادرتنا البلاد، ولا تزال تؤرقني إلى اليوم.
رفع حراس السجن وتيرة استفزازاتهم الموجهة إلى أقاربي. أكثر من ذلك، سارت الأحداث على نحو غريب. ألّب الحراس بقية السجناء على أهلي. ومع ذلك، لم يفقدوا الأمل في معانقة الحرية.
وعندما أوشكت أسماء، ابنة أختي جليلة، على الوضع، قررت إدارة السجن نقلها إلى المستشفى العسكري، حيث أجريت لها عملية قيصرية، ثم أعيدت إلى السجن بعيد ثلاثة أيام فقط، رغم أن جروحها لم تكن التأمت بعد. وحينما، تقرر إيداعها سجن المندوبة، قررت من جهتها ألا تترك رضيعها داخل السجن مخافة أن تلتهمه الجرذان. خاضت معركة شرسة قبل أن يسمح لها بتسليم الرضيع إلى جدته لأمه.
اقتدت أميرة بأختها سميرة وقررت بدورها إخراج ابنتها ذات الثلاث سنوات من السجن قبل أن يتم إطلاق سراحها في وقت لاحق. فقدت أختي سميرة، في غضون أسابيع، الكثير من وزنها، ولم تعد تزن أكثر من 40 كيلوغراما، فلم تعد قادرة على الوقوف على قدميها.
أما قريبي عماد، الذي أثقل كاهله بأحكام جائرة، فقد قرر، بعد صبر طويل، الدخول في إضراب عن الطعام في شهر نونبر الماضي. عماد فقد 18 كيلوغراما من وزنه في ظرف أسبوعين فقط. وعوض الاهتمام بتدهور حالته البدنية، لجؤوا إلى عزله ووضعه في زنزانة انفرادية مدة شهور عديدة. فما الذي قامت به منظمات حقوق الإنسان في هذا السياق؟ إذا كانت تتهمنا بكل الشرور، فلماذا اختارت الصمت حيال هذه الحالات المأساوية؟
أحكام جائرة
عاد المتظاهرون والمحتجون إلى الشارع. وأخذ التونسيون ينظمون وقفات احتجاجية في جل مناطق البلاد. وهكذا طفت إلى السطح الحاجة إلى تهدئة الشعب. كان أمام الماسكين الجدد بزمام السلطة عدة خيارات. وقع الاختيار على أقاربي المعتقلين بسجن العوينة. تناوبت جميع الهيئات على استنطاقهم من الجيش والداخلية والعدل بعد تكليف لجن خاصة باستنطاقهم. داوموا على نقلهم بشكل يومي تقريبا من السجن إلى قصر العدالة، في أجواء طبعتها السخرية والاستهزاء.
في قاعات التحقيق، كان أقاربي عرضة لشتى أصناف الاحتقار، حتى إن المحققين كانوا يبصقون في وجوههم، وكانت النساء مجبرات على الاتشاح ب«السفسري» (الحجاب التونسي التقليدي) طيلة أطوار التحقيق.
لم يكن يمر يوم واحد دون الإعلان عن حكم جديد في حق آل بنعلي وآل الطرابلسي أو قضية جديدة مفبركة. وبما أن الجماهير كانت تؤيد هذه الأعمال، كان مستحيلا القيام بخطوة إلى الوراء والعدول عن مواصلة تلك المحاكمات الجائرة. أكثر من ذلك، تم انتزاع اعترافات لا أساس لها من الصحة تحت طائلة التعذيب. قامت السلطات بوضع كميات من المخدرات في منازل بعض أقاربي، تمهيدا لمتابعتهم جورا بتهمة الاتجار في المخدرات. وعلى سبيل المثال، أجبر أحد إخوة بنعلي على التوقيع على وثيقة يعترف بها بالاتجار في المخدرات. المصير نفسه ناله سفيان، ابن أخي، الذي اتهم بحيازة المخدرات بذريعة أنه كان يرتعد يوم ألقي عليه القبض في مطار تونس قرطاج. ألم يكن يجدر به أن يرتعد يومها وقد وجد نفسه فجأة في ذلك الموقف؟ حسام، ابن أخي، وجهت إليه تهم تهريب العملة الصعبة بعد أن ضبط لديه مبلغ 10 آلاف دولار. التهمة نفسها وجهت إلى بلحسن لمجرد ضبط ألف و800 أورو لديه.
غير أن عماد كان أكثر المتضررين من جور القضاء وزيف المحاكمات. إذ توبع بتهمة التوفر على حسابات بنكية خارج تونس، وهو أمر لا أساس له من الصحة. أكثر من ذلك، أودعت شيكات باسمه تمهيدا لمتابعته بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، علما بأن تلك الشيكات صدرت في وقت كانت فيه حساباته البنكية مجمدة. وقد حكم عليه جورا ب40 سنة سجنا نافذا.
المعاملة ذاتها نالها أخي مراد. حكم عليه بعشر سنوات سجنا نافذة بتهمة إصدار شيك بقيمة بضعة آلاف دنانير وقعه محاسبه، رغما عنه، حين كان مراد يقبع داخل السجن.



انتهاك حقوق أقاربنا سيظل وصمة عار على جبين من يدعون أنهم ثوار
رغم التعسف الذي طال أقاربي، والاتهامات المزيفة والملفات المفبركة، لم يقبل أي محام، في البداية، بالدفاع عن ذوينا. جمعيهم توجسوا خيفة من الدفاع عن أقاربنا، ولاسيما آل الطرابلسي. الجميع اختار طريق الشعبوية، رغم أنها لا تشرف رجل السياسة، فإنها تحط من شأن رجل القضاء أيضا.
لقد كانت هذه الفترة عصيبة للغاية. قضاها بعض أقاربنا يبكون ويتبادلون التهم فيما بينهم ويصرخون تماما مثل المدانين بالأشغال الشاقة، وبعضهم كان على حافة الجنون. لم يبادر أحد إلى إدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي طالتهم في عهد تونس الجديدة. لم يجرؤ أحد على التنديد بفبركة الاتهامات، ويطالب بمقاضاة المتهمين وفق القانون التونسي، لا أقل ولا أكثر. ستظل هذه الانتهاكات وصمة عار على جبين أناس يدعون بأنهم ثوار ويتبجحون باحترام حقوق الإنسان في كونيتها، ثم يمسون بكرامة الإنسان ويصدرون أحكاما جائرة في حق نساء وأطفال أبرياء ويقاضون مواطنين أبرياء لا ذنب لهم سوى أن اسمهم العائلي هو الطرابلسي. سأعود للحديث عن هذا الموضوع بالتفصيل لاحقا.
أعتقد أنه لا ينبغي قول أشياء أخرى في هذا الفصل الخاص بقضاء بلادي، لأنني ما زلت أرغب في مواصلة الإيمان به. وإذا منحت حق إبداء سخطي حيال بعض القضاة والمحامين، الذين اصطفوا جميعنا ضدنا، فإنه من واجبي أن أنحني إجلالا للذين غامروا بحياتهم وقبلوا المرافعة والدفاع عنا.
نفهم أن استراتيجية حكومة الظل كانت تقضي بتحويل اهتمامات الرأي العام ومحاكمة أقاربنا كنوع من المهدئات والمسكنات. تنفيذ خططهم أوجب عليهم افتراء أحداث وفبركة ملفات على نحو يظهر آل الطرابلسي في صورة أسوأ المجرمين وأخبثهم. وبما أن التضحية بأقاربنا لم تكن كافية لتهدئة الرأي العام، فقد لجؤوا إلى مهاجمتنا، بنعلي وأنا، حيث كانوا يفترون في كل صباح قصة حول حسابنا البنكي بهدف تحويل اهتمامات الرأي العام بعد أن دخلت البلاد برمتها في دوامة المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية.خدمت وسائل الإعلام خطة حكومة الظل أكثر مما خدمها القضاء. كانت أداة حقيقية للشيطنة وتنويم الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.