رغم مرور سنة على فرار الرئيس التونسي، زين العابدين بنعلي، فإن ليلة هروبه لم تبح بعد بكل أسرارها. يوما بعد آخر، تتبدى حقائق جديدة، ويتم الكشف عن مؤامرات وتوجه للبعض اتهامات بتزوير الحقائق وتروج معطيات لا أساس لها من الصحة عن يوم «الهروب الكبير». مقابلات مع نحو 20 مسؤولا تونسيا كانوا ضمن الفاعلين المباشرين، الذين صنعوا تاريخ 14 يناير، ترفع اللبس عن هذا الحدث الذي طبع بداية الربيع العربي. 9-10 يناير 2010 اضطلع علي السرياطي، رئيس الأمن الرئاسي، بدور محوري، بفضل قربه من رئيس البلاد، في أول اجتماع تنسيقي بين كبار مسؤولي قوات حفظ الأمن الداخلي (الشرطة والدرك)، بالإضافة إلى كبار قادة الجيش. وعلى هذا الأساس، بادر الجنرال رشيد عمار، القائد الأعلى للجيش، غداة ذلك الاجتماع، إلى اتخاذ تدابير خاصة من أجل تفادي وقوع أي غموض أو أي لبس بين دور القوات التابعة لوزارة الداخلية في حفظ الأمن ومسؤولية الجيش في حماية مؤسسات الدولة والبنايات العمومية. وبادر الجنرال رشيد عمار في 10 يناير إلى بعث «برقية إدارية» لجميع وحدات الجيش تفيد ب»منع استعمال القوة بدون الحصول على إذن مباشرة من القيادة». وقد أرسلت نسخة من تلك البرقية إلى مكتب بنعلي في الآن ذاته، الذي خرج فيه عمار بتصريح إعلامي قال فيه: «لم أتلق أي أوامر لإطلاق النار، لأقول لا». 13 يناير أصبحت الثورة على أبواب العاصمة التونسية تونس. اجتمع السرياطي مع بنعلي من أجل مناقشة الوضعية الأمنية، وأكد رئيس الأمن الرئاسي لبنعلي أن الوضعية الأمنية حرجة جدا وقال إنها «توشك أن تصبح خارج السيطرة». في حدود الساعة السابعة من مساء اليوم نفسه، أحاط بنعلي السرياطي علما بمعلومات توصل بها من بلحسن الطرابلسي، تفيد بإقدام أفراد مجهولين على مهاجمة مقر إقامته غير بعيد عن سكرة. كلف السرياطي دورية خاصة بتفتيش المكان، غير أنها عادت بخفي حنين، وهو ما دفع بنعلي إلى إصدار أوامره ل»تعزيز حماية عائلة الطرابلسي» قبل أن تأخذ الأمور منحى خطيرا ويضطر السرياطي نفسه إلى الاتصال بالجنرال رشيد عمار، حيث أمره بنشر وحدات عسكرية على وجه السرعة على مجموع جنبات القصر الرئاسي، وشدد على ضرورة أن تتم هذه العملية بتنسيق تام مع الحرس الرئاسي. صبيحة 14 يناير عشية هذا اليوم، ألقى زين العابدين بنعلي خطابه الثالث، الذي أعطى فيه وعودا جديدة مقابل السماح له بالبقاء في السلطة إلى غاية 2014، غير أن اقتراحه لم يلق قبولا من قبل الثوار. إذ كانت العاصمة في هذا اليوم تستعد لاحتضان مظاهرة حاشدة دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين. كان بنعلي على موعد في الصباح الباكر، كعادته، مع تقرير خاص عن مجمل تطورات الأحداث في آخر 24 ساعة. كان عدد الشهداء الثورة قد وصل إلى حدود تلك اللحظة إلى 28 شخصا، 8 منهم سقطوا في العاصمة وحدها، حيث تم إحصاء 6 حالات قتل في كرام على بعد 3 كيلومترات فقط عن القصر الرئاسي. «أطلعته أيضا على وثيقة نشرت على شبكة الأنترنت تتوقع مظاهرات ووقفات احتجاجية بشارع بورقيبة، الشريان الرئيس للعاصمة تونس، من أجل المطالبة بإسقاط النظام. بعثت بنسخة من تلك الوثيقة إلى المدير العام للأمن الوطني والقائد الأعلى للجيش: ستكون هذه الجمعة صعبة للغاية» يقول السرياطي، الذي أمره بنعلي بعدم الكشف عن حصيلة القتلى. وفي وقت لاحق، طالب رئيس الدولة السرياطي بالالتحاق به من جديد في مكتبه الرئاسي بقصر قرطاج من أجل اتخاذ تدابير وقائية جديدة من أجل تأمين محيط القصر ضد هجومات محتملة. ويقول السرياطي: «بسطت أمامه مخططا استعجاليا لتأمين هروبه وفرار عائلته من قصر سيدي ظريف (الذي تقيم فيه أسرة الرئيس) أو من قصر قرطاج في حالة وقوع هجوم مباغت. اقترحت عليه ثلاثة سيناريوهات: الهروب بحرا أو جوا على متن طائرة مروحية في اتجاه قصر الحمامات، الواقع على بعد 60 كيلومترا جنوبتونس، أو التنقل على متن الطائرة الرئاسية في اتجاه مطار «انفيذة»، 150 كيلومترا جنوب العاصمة تونس، ورغم أن بنعلي رفض السيناريوهات الثلاثة، إلا أنه لم يتبادر إلى ذهني بأنه سيعمد إلى الهروب إلى الخارج» العاشرة صباحا خاطب بنعلي السرياطي قائلا: «علمت للتو من بعض أفراد عائلة الطرابلسي بأن رجال أمن بزي مدني شوهدوا وهم يقتادون متظاهرين إلى منازلهم. تحقق من ذلك». وعلى الفور، اتصل السرياطي بالجنرال عمار ووجه إليه الأمر التالي: «ضاعفوا الوحدات العسكرية المنتشرة في المناطق التي تقيم فيها عائلتا الطرابلسي وبنعلي». وكان جواب عمار: «الجيش يحمي المؤسسات، ولا شيء غير ذلك». قبل انتصاف النهار بقليل: اتصل أحمد فرياع، وزير الداخلية، بالسرياطي ليثير انتباهه إلى أن «أعداد المتظاهرين قبالة وزارته لا يتوقف عن التزايد، وأن بعضهم يحاول فتح نوافذ الوزارة، قبل أن يتساءل مخاطبا السرياطي: «ما العمل؟». طلب السرياطي من الجنرال عمار تخصيص ثلاث مدرعات كانت وقتها وقفت غير بعيد عن ساحة إفريقيا من أجل حماية وزارة الداخلية ومقر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي. الثانية عشرة وأربعة عشر دقيقة: أحاط السرياطي الجنرال عمار بمعلومات استقاها من مصادر خارجية تفيد بعزم زعيم حركة النهضة العودة إلى تونس، ونقل السرياطي إلى عمار تخوفات الرئيس من أن تكون المطارات خارج لائحة النقط التي يتولى الجيش حمايتها. الواحدة زوالا التمست حليمة، ابنة بنعلي وليلى، من السرياطي تأمين طائرة خاصة لنقل 27 فردا من آل الطرابلسي، بعضهم تراهم حليمة لأول مرة في حياتها، استنجدوا بقصر سيدي ظريف. غير أن السرياطي نصحها بطلب هذا الأمر من أبيها. الواحدة والنصف زوالا صدرت أوامر إلى عناصر الشرطة من أجل وقف إطلاق النار ضد المتظاهرين. ثارت ثائرة وزير الداخلية، فاتصل، على عجل، بالسرياطي، طالبا تفسيرا لما يحدث. وكان رد بنعلي، وفق السرياطي، كالتالي: «امنعوا المتظاهرين من ولوج وزارة الداخلية». الثانية وخمسون دقيقة قرر العقيد سمير الطرهوني، قائدة فرقة محاربة الإرهاب، التوجه، بمعية عشرة من رجاله، إلى مطار قرطاج من أجل منع نحو 30 فردا من آل الطرابلسي من الفرار إلى الخارج. «هذا خطير جدا»، هكذا رد بنعلي بعد علمه بما قام به قائد فرقة محاربة الإرهاب. الثالثة بعد الزوال اتخذ بنعلي التدابير الضرورية، بمعية الجيش، من أجل تفعيل القانون العسكري، وأعلنت حالة الطوارئ في حدود الساعة الخامسة. وفي تلك الأثناء، أصدر بنعلي أمره إلى الجنرال عمار بالتوجه إلى مقر وزارة الداخلية من أجل قيادة عمليات حفظ الأمن الدائرة رحاها بعين المكان. في حين أنيطت بالجنرال أحمد شبير مهمة قيادة وحدات الجيش المشاركة في حفظ الأمن. كما قرر بنعلي بعث أفراد عائلته إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء مناسك العمرة، وأخبر السرياطي بأنه سيكون ضمن مرافقي أسرته إلى الديار السعودية. الرابعة والربع بعد الزوال يقول السرياطي: «في الوقت الذي وصل موكب ليلى الطرابلسي وعدد من أفراد عائلتها إلى قصر قرطاج، قادما من قصر سيدي ظريف، حملت حقيبتي وتوجهت رأسا إلى مكتب الرئيس. غير أنني تلقيت اتصالا هاتفيا من قيادة الأمن الرئاسي يفيد باقتراب طائرة مروحية من فضاء القصر وبقيام وحدتين من الحرس الوطني بالسيطرة على المطار. علمت أيضا في الاتصال ذاته بأن حوالي 5 آلاف شخص يتوجهون نحو مقر الرئاسة». في حين يحكي مهدي بنكايد، خطيب ليلى الطرابلسي، عن تلك اللحظات قائلا: «كان السرياطي يتحدث في الهاتف حين صرخ فينا فجأة: «اخرجوا، أخرجوا». انفتح باب مكتب الرئيس وخرج منه بنعلي وزوجته ليلى، وقال بنعلي: «ما الذي يحدث؟ ما الذي يحدث؟». أجابه السرياطي: «أخرجوا جميعا، أخرج أنت أيضا معهم». بنعلي: «لماذا؟ ما الذي يحدث؟ ألم أقل لك إني لن أذهب معهم؟». السرياطي: «اخرجوا الآن، ولندع النقاش إلى وقت لاحق، رافقهم كعادتك إلى المطار، وأجل مناقشتي إلى وقت لاحق». بنعلي: «ما الذي يحدث يا علي؟». السرياطي: «سيدي الرئيس، ثمة وحدة تتجه نحو القصر». توجه بنا السرياطي على متن سيارته «أودي» إلى المطار. في الطريق، اصطدم بسيارة من نوع «بولو»، ولم يتوقف. كانت السيارة تسير بسرعة كبيرة، ولم يتوقف السرياطي عند باب ثكنة العوينة الحديدي. أطلق السرياطي العنان لجرس سيارته، ولم يفتح الباب. بعدها، أخد السرياطي يضرب الباب بكلتا يديه إلى أن فتح الباب. سادت أجواء مشحونة داخل الثكنة، وبدا التوتر واضحا على الجميع. لم يكن يرغب بنعلي في مغادرة البلاد، غير أن السرياطي نصحه بمغادرة البلاد إلى حين. رفض بنعلي أول الأمر مقترح السرياطي، غير أن هذا الأخير، صرخ في الجميع مرة أخرى: «اصعدي سيدتي، اصعد سيدي، اصعدوا جميعا»، وتوجه الجميع نحو إحدى القواعد الجوية. الرابعة وخمسة وأربعون دقيقة اتصل الطيب لجيمي، القائد الأعلى للقوات الجوية التونسية، بوزير الدفاع رضا قريرة ليخبره بأن «السرياطي يريد استعمال الطائرة الرئاسية وأنه يلتمس السماح له بالولوج إلى القاعدة»، وأذن له قريرة بالدخول بالموازاة مع إعلام الجنرال شبير بذلك. الرابعة وثلاثة وخمسون دقيقة قريرة يخاطب لجيمي: «تتجه طائرة مروحية تابعة لوحدة محاربة الإرهاب نحو القاعدة لضرب الرئيس بنعلي. مُرهَا بالابتعاد. أبعدوا الطائرة المروحية فورا، ولو اقتضى الأمر إطلاق النار». رد لجيمي: «لم أرصد طائرات مضادة للإرهابيين هنا، ولكننا سنطيح بكل طائرة تخترق المجال الجوي». دلف موكب بنعلي إلى قاعدة العوينة من بوابتها المطلة على طرقي المرسة. كان الموكب يتألف من 12 إلى 13 سيارة، كانت ليلى الطرابلسي تقود بنفسها إحدى هذه السيارات، حيث جلس بنعلي إلى جانبها برفقة ابنهما الأصغر محمد، وكان على متن السيارة ذاتها كذلك كل من حليمة، ابنة بنعلي، وخطيبها مهدي بنكايد. توقف الموكب مدة 3 دقائق قبالة القاعة الشرفية للقاعدة. نزل السرياطي لوحده من سيارته قبل أن يلتف حول الموكب عشرات من رجال الأمن مسلحين بأسلحة أوتوماتيكية، شكلوا ما يشبه جدارا عازلا من أجل حماية الموكب. بعد اتخاذ التدابير الأمنية الضرورية، أمر السرياطي الموكب بالتقدم نحو مستودع ضخم ترسو به الطائرة الرئاسية، ولم تكن بعد جاهزة للإقلاع. وقد كان كبار المسؤولين يحاطون بكل التفاصيل أولا بأول، بما في ذلك وصول طاقم الطائرة الرئاسية إلى عين المكان في حدود الرابعة والنصف من زوال ذلك اليوم. وفي حين كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق لتحضير الطائرة الرئاسية للإقلاع، عاود السرياطي الاتصال بالجنرال رشيد عمار من أجل الاطلاع على آخر مستجدات الوضع بالمطار، وطالبه ببسط السيطرة على «برج المراقبة» بالمطار. قبل ذلك، كان العقيد إليس زيلاكَ قد اتصل هاتفيا بالطرهوني، قائدة فرقة محاربة الإرهاب، وكان زميلا له في الحرس الرئاسي، من أجل الاطلاع على حقيقة ما يجري بالمطار. في تلك الأثناء، تلقى «ثوار المطار» تعزيزات من قبل فرق أمنية أخرى، ليصل عددهم إلى 170 فردا، باتوا يحكمون السيطرة على مطار قرطاج المدني، المجاور للقاعدة العسكرية العوينة، ويتقاسم معها الخطوط الجوية نفسها. الخامسة وسبعة وثلاثون دقيقة انتهت عملية تزويد الطائرة بالوقود في تمام الخامسة والنصف. في تلك اللحظة، اتصل لجيمي بقريرة ليخبره بأن الرئيس وابنه قد صعدا إلى الطائرة. وجاء رد وزير الداخلية كالتالي: «ألا تزال الطائرة هنا؟ ألم تقلع بعد؟ بسرعة، بسرعة، يجب أن تقلع حالا؟». تحركت الطائرة الرئاسية على المدرج محاطة بسيارات تابعة للأمن الرئاسي إلى أن باتت جاهزة للإقلاع. أقلعت الطائرة في حدود الساعة الخامسة و47 دقيقة، وعلى الفور اتصل الجنرال لجيمي بوزير الدفاع ليخبره بأن «الطائرة أقلعت وعلى متنها بنعلي»، فأصدر الوزير أوامره بتتبع مسار الطائرة بواسطة «الرادار» إلى حين مغادرتها الأجواء التونسية، مع إطلاعه بوجهتها النهائية. كان برنامج الرحلات في ذلك اليوم يتضمن رحلة خاصة إلى جدة تم الإخبار بها في تمام الخامسة وعشر دقائق بعد زوال ذلك اليوم. كان على متن الطائرة، بالإضافة إلى بنعلي وليلى الطرابلسي، كل من ابنهما محمد وابنتهما حليمة وخطيبها مهدي بنكايد، علاوة على طاقم الطائرة. تتبع «الرادار» رحلة الطائرة من ضواحي العاصمة تونس إلى أجواء صفاقس، مرورا بسوسة ومناستير. في السادسة و16 دقيقة، ظلت الطائرة تحوم فوق مطار جربة في انتظار صدور الإذن لها بدخول الأجواء الليبية. استمرت مدة الانتظار حوالي ثماني دقائق، قبل أن يصدر الإذن من قبل العقيد الليبي السابق، معمر القذافي، ثم أكملت رحلتها إلى جدة السعودية مرورا عبر الأجواء المصرية. بعد إقلاع الطائرة بحوالي ربع ساعة، اتصل بنعلي بالسرياطي، وكان هذا الأخير يجلس حينها بالقاعة الشرفية للقاعدة العسكرية الجوية، من أجل التأكد من اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لكي تسمح السلطات السعودية لطائرته بالهبوط في مطار جدة. بعد ذلك، طلب طائرة أخرى من أجل الانتقال إلى مدينة جربة الليبية، أمام استغراب وزير الدفاع من تخلف السرياطي عن مرافقة بنعلي إلى السعودية. وفي السادسة والنصف من مساء ذلك اليوم، تقدم عقيد من السرياطي، آمرا إياه بتسليمه أسلحته وهاتفه الشخصي تنفيذا لتعليمات عليا، فأصبح بذلك معزولا عن العالم. بعد ذلك، تابع السرياطي عبر التلفاز إعلان الوزير الأول التونسي، محمد الغنوشي، مهام رئيس الجمهورية. في يوم الأحد الموالي، قدم السرياطي في حالة اعتقال أمام محكمة تونس، حيث تقررت متابعته بتهمة «التآمر ضد أمن الدولة»، وسيظل السرياطي في السجن بمعية عدد من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين، الذين تتم متابعتهم على خلفية قتل «شهداء الثورة». بعد السادسة بمجرد أن أنهى الغنوشي كلمته، تلقى اتصالا هاتفيا من زين العابدين بنعلي ينكر عليه ما فعله، حيث أمره بإصدار بيان يكذب كل ما جاء في كلمته التي بثها التلفويون التونسي، غير أن الغنوشي واجه بنعلي بحقيقة أنه «ترك البلاد بشكل نهائي، وأكد له أن البلاد تعيش ظرفية استثنائية». لم يتقبل بنعلي حديث الغنوشي عن تركه تونس نهائيا، فرد قائلا: «إني فقط أرافق أسرتي إلى السعودية، وسأعود في 15 يناير». السابعة والنصف الطرهوني يسلم أفراد عائلتي الطرابلسي وبنعلي للسلطات الأمنية التونسية دون أن يكون على علم بأن التلفزيون التونسي يقوم بتصوير لحظة تسليم الرهائن، الذين تم نقلهم إلى القاعدة العسكرية العوينة. الثامنة وعشرون دقيقة تلقى الجنرال رشيد عمار اتصالا من زين العابدين بنعلي، استهله هذا الأخير بقوله: «هذا الرئيس. ما هي الأوضاع في البلاد؟ هل تحكمون السيطرة عليها؟ هل يمكنني أن أعود هذا المساء أم لا؟»، فرد عليه الجنرال عمار قائلا: «لا يمكنني أن أقول لكم أي شيء الآن، سيدي الرئيس. الوضعية ليست واضحة». بنعلي: «حسنا، سأتصل بكم غدا، جنرال؟». غير أن بنعلي لن يعاود الاتصال. بتصرف عن مجلة «جون أفريك»
بنعلي يستشيط غضبا لأن المتظاهرين أفسدوا احتفالات ابنه الأصغر بالسنة الجديدة اندلعت شرارة الربيع العربي من قرية سيدي بوزيد عند إقدام البائع المتجول محمد البوعزيزي على إحراق ذاته. كان ذلك في 17 دجنبر 2010، في وقت كان الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بنعلي يستعد، بمعية زوجته وبعض أبنائه، للتوجه إلى ماليزيا للاحتفال بالسنة الجديدة هناك. كان بنعلي قد وعد ابنه محمد، ذي ال 6 سنوات، باصطحابه معه إلى ماليزيا. غير أن هذه الرحلة ألغيت في آخر لحظة، لأن ليلى الطرابلسي لم تشف بعد كليا من عملية جراحية تجميلية أجريت لها قبل ذلك بأيام قليلة بإحدى مصحات القصر الرئاسي سيدي ظريف بسيدي بوسعيد، وليس حزنا على إقدام البوعزيزي على إحراق ذاته. وبما أن ماليزيا تبعد بآلاف الكيلومترات عن تونس، وسيكون صعبا إسعاف الطرابلسي بسرعة في حالة بروز أي أعراض خطيرة للعملية التجميلية التي خضعت لها، فإن بنعلي قرر بمعية زوجته التوجه إلى دبي بماليزيا، علما أن هذه المدينة الإماراتية كانت وجهة مفضلة لدى آل الطرابلسي. الوصول إليها لا يتطلب سوى 5 ساعات في الجو على متن الطائرة الرئاسية «إيرباص أ340»، التي تم اقتناؤها في سنة 2009 بأموال الدولة بمبلغ وصل إلى 300 مليون دولار. حطت هذه الطائرة بنعلي والطرابلسي وعددا من أبنائهما بمطار دبي الدولي في 23 دجنبر الموالي. كان متوقعا أن يعودوا إلى تونس بعد ستة أيام، غير أنهم اضطروا إلى تقديم عودتهم ب24 ساعة، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية للبلاد. انتابت بنعلي موجة غضب شديدة بسبب إفساد احتفالات ابنه الصغير بالسنة الجديدة، وألقى خطابيه الأولين اللذين توعد فيهما بالضرب على أيدي المحتجين، وهو ما زاد الثورة اشتعالا، خصوصا في جنوب ووسط البلاد، قبل أن تمتد لتشمل مجموع مناطق تونس وتدفعه إلى الفرار في 14 يناير 2011.