تحكي ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بنعلي، لأول مرة، روايتها لما يعرف ب«ثورة الياسمين». في هذه الحلقة، تروي الطرابلسي تفاصيل يومها الأخير في تونس. تعود إلى الأحداث التي ميزت 14 يناير 2011. ترفض أن يقال إن زوجها هرب من مواجهة شعبه.كما تنفي الإشاعات التي تحدثت عن تهريبها أطنانا من الذهب من البنك المركزي التونسي وملايين الدولارات، وتكشف الذهول الذي أصاب بنعلي بعد تأكد إبعاده من تونس وتفاديها بمعية أسرتها متابعة القنوات التلفزيونية هربا من سيول الاتهامات والشهادات المزورة والحكايات المغلوطة والتصريحات المشينة التي انهمرت عليهم من كل حدب وصوب. خرجت من رحم الإشاعة المدعية بأنني زاولت مهنة «حلاقة» إشاعة أخرى تزعم بأن لي عشيقا ليبيا. زعموا بأنني أرتبط بعلاقة غرامية مع قذاف الدم، طليق روظة الماجري، التي انتحلت اسمي، والواقع بأنني لا أعرف من يكون. بعد زمن الإشاعات، جاء دور محمد شكري وكمال لطايف نفسه وكذلك محمد علي غانزوي، الذي كان يوصف وقتذاك برجل الداخلية القوي، للعب دور الوساطة وتقديم مشاريع زوجات لبنعلي. كانوا يواظبون في حفلاتهم الخاصة على إطلاع بنعلي على شرائط فيديو تظهر فيها حسناوات. وكانوا يقولون له إنه يكفيه أن يختار واحدة منهن ليحصل عليها في رمشن عين. أو أليس رئيس البلاد؟ كان المحامي «أ» طرفا في هذه العمليات. أسندت إليه مهمة اقتياد فتيات حسناوات إلى زوجي. اكتشفت لاحقا بأنه كان يقوم بذلك تحت ضغط لطايف. وقد باغتته يوما أثناء إجرائه مفاوضات من نوع خاص مع بنعلي. لم نكن رحلنا بعد من مقر إقامتنا المسماة «دار السلام». أسرعت إلى الحديقة بعد إخباري من قبل الخدم بأن الرئيس يستقبل أحد معارفه في خيمة نصبت وسط الحديقة. في طريقي إلى الخيمة، التقطت أذناي ما كان يدور بين الرجلين من حديث. تسمرت خلف حائل لأتوارى عن أنظارهما وأصخت السمع. قال المحامي «أ»: «سآتيك بتلك المرأة الشابة. إنها رائعة. اختر فقط اليوم الذي يناسبك وتأتيك في الساعة التي تشاء. - كيف هي؟ - رائعة. جميلة جدا. قنبلة حقيقية. مطلقة ومتفرغة. خالتها محامية. الخالة تدعي، سلفا، بأن ابنة اختها عشيقة لرئيس الجمهورية. - هل جنت؟ يجب استدعاؤها فورا وتحذيرها من مغبة إطلاق إشاعات من هذا القبيل. - بل على العكس، يجب غض الطرف عن هذا الأمر، لأنه سيجعلها تستجيب بسرعة وتكون طوع بنانك. لذلك أقترح أن آتيك بها. - متى؟ سآتيك بها يوم الأربعاء تركت مخبئي وتوجهت رأسا إلى الخيمة. بدت على ملامح الرجلين علامات الدهشة والمفاجأة. حينها قلت للمحامي: «إذن، صرت يا سيدي المحامي تلعب دور مستشار خاص للرئيس. أتعتقد بأنني بليدة وبلهاء وبأنني لن أفطن لمساعيك عرض خدمات فتيات على زوجي؟». احمر المحامي خجلا قبل أن يحاول تبرير ما ضبط ملتبسا بالقيام به. غير أنني لم أترك له مجالات للحديث: «لا أريد أن أراك مرة أخرى في هذا المكان. اخرج من هنا!» كنت أعلم كيف أكون حازمة وصارمة حين تقتضي الضرورة ذلك. فمن يكون هذا المحامي؟ أكتفي بإشارة واحدة. إنه المحامي نفسه، الذي قال حين اقتُرح عليه بعد رحيلنا، أن يقود هيئة دفاع زوجي: «لا أدافع عن الدكتاتوريين». حياتي كزوجة وأم كنت حبلى بابنتي حليمة، حين اصطحبني زوجي في سنة 1991 في جولة، في أرجاء المكان الذي سيشيد به منزلنا المستقبلي. كان مكانا خلاء تحده مقبرة من جهة وتلامسه أمواج البحر. يومها صادفنا رجلا كان يرفع أكفه بالدعاء أمام قبر. أخبرنا أن القبر لجده، فأكدنا له بأننا سننقل رفات جده إلى داخل المقبرة إذا عزمنا على بناء منزلنا في ذلك المكان. إنه الحادث الذي استغله كمال لطايف ليدعي بأننا هدمنا قبر ولي صالح وشيدنا فوقه منزلنا، زاعما بأن الولي الصالح نفسه كان يظهر لبنعلي في أحلامه، متوعدا إياه بالويل والثبور والخسران المبين والمنفى في القريب العاجل. الحقيقة أن لطايف، الذي يعوزه الخيال والعقل الراجح، عمل على إلصاق قصة تعود إلى زمن بورقيبة بالرئيس بنعلي. تقول القصة الأصلية إن أول رئيس تونسي أثار غضب الولي الصالح سيدي عبد الغني عندما أقدم على هدم ضريحه وشيد مكانه فندق «حياة ريجينسي». وتضيف القصة أن الولي الصالح تبدى لبورقيبة في منامه، مهددا إياه بالدمار في حالة مس ضريحه بسوء. لقد دفعنا ثمن الأرض من مالنا الخاص واشتريناها بسعر السوق في تلك الفترة، أي ما يعادل 100 دينار للمتر المربع. الشيء نفسه ينطبق على جميع التجهيزات التي اقتنيناها من المقاول ناجي المهيري، ولا زلت أحتفظ بالفواتير التي تؤكد أقوالي. ومن مكر التاريخ أن شركة يوسف لطايف، والد كمال، هي التي تولت إنجاز الأشغال الكبرى في منزلنا. استغرق بناء المنزل عشر سنوات. وقد عجبنا لسماع الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي يقول إنه يعتزم بيع منزلنا لصالح الحكومة. أي قانون يعطيه الحق في بيع منزلنا؟ أن يبيع قصر قرطاج أو أي إقامة رسمية أخرى، فذلك شأن يخصه، لكن لا يوجد قانون يسمح له بتجريد أي مواطن تونسي من ممتلكاته. لا يجوز كذلك أن يحرم أبناؤنا من ممتلكاتهم المحفظة بأسمائهم. أؤكد هنا أن أزيد من 80 في المائة من التونسيين يمتلكون منازلهم. أبنائي بعد انتقالنا إلى منزلنا الجديد، واصل خصومي فبركة الإشاعات ونسج الافتراءات حول حياتي الخاصة. تعاملوا مع حياتي بالطريقة ذاتها التي كان يعامل بها «حريم» السلاطين في أزمنة خلت. لم يتحدث أحد عن حياتي باعتباري أما ولا عن المسؤوليات التي أتحملها تجاه أبنائي وواجب تربيتهم الذي لا يمكن أن يترك لي مجالا للمغامرات المزعومة. بدأت مشاكلنا منذ ولادة ابنتنا البكر نسرين. لم تولد نسرين لتكون كريمة الرئيس. كانت تكره القيود وتمقت الحديث عن الإكراهات. لم تكن تتردد في حبك حيل وخطط من أجل الإفلات من صرامة البروتوكولات. كانت تبدي دائما اعتراضها الشديد على إحاطتها بحراس شخصيين في حلها وترحالها. كانت الحيوانات شغفها الوحيد. توفرت على فصائل عديدة منها، من القطط إلى الكلاب، مرورا بالثعابين. لم تهتم بالحيوانات من باب الترف، بل لأن ذلك كان حلم طفولتها. عدا الحيوانات كانت نسرين تحب شيئا واحدا: الحرية. لا تجد أدنى صعوبة في ابتكار طرق ووسائل للتعبير عن شغفها بالحرية. كان هذا الشغف يتجلى بوضوح في جميع تصرفاتها، بما في ذلك طرقها في تصفيف شعرها. لم تكن تفوت فرصة للاستمتاع بفضاءات أكثر رحابة من بروتوكولات القصر. أسلمت بهذا الأمر يوم بلغت الحادية عشرة، لحظة جعلتنا نسلم برغبتها في الاستقلالية. كنا في شهر رمضان نقوم بجولة في المدينة قبيل موعد الإفطار. في طريق عودتنا إلى المنزل صادفنا فتاة صغيرة تبيع الخبز في أحد ملتقيات الطرق. أوقفت السيارة وناديت على الطفلة لكي أشتري منها خبزا. غير أن أحد حراسنا الشخصيين ترجل من السيارة آمرا الطفلة بالابتعاد. ألقت الطفلة بما في يديها من خبز من شدة الخوف وأطلقت سيقانها للريح. علقت حليمة على ما وقع قائلة: «المسكينة، أردنا مساعدتها، لكن الخوف استبد بها فهربت». غير أن نسرين ردت عليها في الحين بالقول: «بل محظوظة». أرادت نسرين أن توصل إلينا رسالة مفادها أن «الطفلة، على الأقل، حرة. تجري كما تشاء في الشارع. تفعل بحياتها ما تشاء. وتلك هي السعادة الحقيقية». تتصف نسرين أيضا بذكاء بيّن على قدر إيمانها بالمتناقضات وكرهها للقيود والبروتوكولات. استطاعت الحصول على شهادة الباكلوريا بعيد أسبوع فقط من الإعداد. لم يكن عمرها يتجاوز 14 سنة حين التقت بصخر، الذي سيصير في وقت لاحق زوجها. ادعت أول الأمر بأن عمرها 17 سنة ولم تفصح لصخر عن سنها الحقيقية. وعندما توطدت علاقتهما، بادرت إلى الاتصال بأم صخر طالبة منها توخي الحذر، لأن ابنتي كانت قاصرا وإن بلغ ابنها 18 سنة وقتها. خططت أمه لإرساله إلى لندن لاستكمال دراسته، ولما التحق بإحدى الكليات البريطانية عادت ابنتي إلى عاداتها القديمة. تهاونت في دراستها، وهو ما اضطرني إلى المواظبة على حضور اجتماعات آباء وأولياء التلاميذ محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكنت إذا توجهت إليها باللوم والعتاب، تقف لي أمي بالمرصاد قائلة: «اتركيها وشأنها. إنني أعرف ممن ورثت هذه الصفات». كانت عبارة أمي تذكرني بما كنت أقوم به في طفولتي، فأعدل عن عتاب نسرين. كنت أحبذ، بعد خروجي من المدرسة، أن أعرج على العديد من الشوارع وأتجول قليلا بالمدينة برفقة صديقات لي قبل أن أدلف إلى باب بيتنا. كان هذا الأمر قمة التحرر بالنسبة للشابات التونسيات في ذلك العهد. كنا نقوم بكل شيء على شكل مجموعات. نتجول في الأسواق، نصعد السلالم الكهربائية ل»مونوبري» وأشياء أخرى. كنت أحرص دائما على الاستمتاع بوقتي، لأنني كنت أدرك جيدا ما ينتظرني عند العودة إلى المنزل. كان إخوتي الكبار ينهالون علي بالضرب، غير أن ذلك لم يكن يثنيني عن العودة إلى الاستمتاع بوقتي مع صديقات في اليوم التالي. كنا، أنا وصديقتي سميرة، نختلق الأعذار لنتغيب عن المدرسة. كنا ندعي بأننا ذاهبات لحفلات زفاف صديقاتنا أو تقديم التعازي لأخريات، وكثيرا ما قادتنا جولاتنا إلى أطراف تونس العاصمة. نصعد في القطار المؤدي إلى شمال المدينة، وتحديدا صوب سيدي بوسعيد أو أميكال لنقضي اليوم كله في السباحة. كنت أرجع إلى المنزل وقد استحال لوني أحمر مثل جراد البحر. كنت أهم إلى السرير وأغطي وجهي بوشاح متظاهرة بالنوم لكي لا يسألني أحد عن لون بشرتي ولا المكان الذي قضيت فيه يومي. كنت آمن خيانة إخوتي، ولم أكن أتوقع منهم خيانة عبر الوشاية بي لدى أمي، إلا من أختي منيرة، التي اعتادت أن تحكي كل شيء بالتفصيل لأمي. لم تشي بي أختي البكر جليلة إلا مرة واحدة حين ارتديت في غفلة منها ملابس قدمها إليها خطيبها هدية. يومها استبد بها الغضب حتى إنها لحقت بي إلى الثانوية حيث ألفتني أتجول في ساحتها في تباه وتمايل كما لو كانت أشارك في عرض للأزياء. يومها اتخذت قرارا هاما لحماية نفسي من مفاجآت جليلة واستباق مباغتاتها. بدءا من ذلك اليوم، صرت أكلف بعض الأصدقاء بمراقبة المكان. طبعا، حين أقدم على فعل يجعل أختي جليلة تطاردني إلى الثانوية. وبعد توالي سرقاتي، اتخذت بدورها قرارها بإبعاد كل ملابسها عني. علمت بعد ذلك بأنها كانت تخبئ ملابسها الجميلة ومجوهراتها النفيسة وسترتها الجلدية تحت سريرها. عاد صخر من لندن وانبعث حب الشابين من جديد. فجأة، تغير مزاج نسرين وأصبحت وديعة ومتواضعة، حتى إنها قررت ارتداء الحجاب سنوات عديدة نزولا عند رغبة خطيبها، المتشبث بالتقاليد. لقد غير الزواج نسرين كليا. إنها اليوم ربة بيت وأم رائعة، بل صارت مطيعة أكثر. تختلف حليمة عن أختها نسرين في كل شيء. حليمة مجدة وخدومة وكتومة، ولا تترك مجالا للآخرين ليكشفوا ما يضايقها. إنها تشبه، في صمتها وتحفظها، والدها، الذي تكن له حبا كبيرا. عانت حليمة من مشاكل صحية، خصوصا بعد ولادة أختها. وبعد ولادة أخيها، صارت كتومة ومنطوية. كان جسدها يذبل أمام أعيننا، وقد نبهتني إحدى صديقاتي إلى هذا الأمر في 2005 بعيد أشهر قليلة من ولادة ابني. أكدت لي تلك الصديقة بأن حليمة تعاني من شيء ما. لكن ابنتنا كانت ترفض الحديث، ولم تكن تأكل كفاية. أكثر من ذلك، كان يراودها انطباعا بأنه لا أحد يكترث بشأنها أو يوليها اهتماما. أصيبت حليمة بمرض فقدان الشهية دون أن نفطن إلى ذلك. كنت أعتقد، ببلادة، بأنها تتابع برنامجا خاصة لإنقاص الوزن. عرضت حالتها على عدة أطباء اختصاصيين دون جدوى. استغرق تشخيص حالتها سنة كاملة وتطلب علاجها خمس سنوات كاملة. ظلت طيلة تلك المدة تتردد على المستشفيات وتخضع لمتابعة طبية صارمة. أنقذت حليمة في سنة 2008 حين التقت بالشاب الذي صار لاحقا خطيبها وكانت تستعد للاقتران به قبيل رحيلنا عن تونس. كانت تقبل على الأكل عندما يصطحبها خطيبها إلى المطعم. كان تأكل إرضاء له. ولم يمر وقت طويل حتى استعادت ثقتها بنفسها وصارت اجتماعية أكثر. لقد جمعتها قصة حب حقيقية بهذا الشاب المتحدر من أسرة محترمة، ولم يبد أي اهتمام لافتراءات الحاسدين وكذب الوشاة. كان يحلم بمتابعة دراسته في الخارج وكانا معا يحلمان بمنزل صغير ذي حديقة كبيرة. إرضاء لخطيبها، كانت تحرص على تفادي عدسات الكاميرات وعدم طلب أي شيء من أبيها. قرر مرافقتنا يوم رحيلنا عن البلاد في 14 يناير 2011. لم يتوفر له الوقت الكافي لتوديع أسرته، وإنما اكتفى بالاتصال بذويه لطمأنتهم. أقام بمعيتنا في السعودية شهرا ونصف شهر قبل أن يقرر بإرادته العودة إلى تونس. يمكنكم تخيل الحالة التي ترك فيها حليمة، وهي تحاول اليوم بناء حياتها البسيطة والطاهرة، التي حلمت بها يوما مع خطيبها. ما الذي لم يقل بعد عن ابني محمد؟ لقد تحدثوا عنه كما لو أنني لا أملك الحق في ابن ثالث لمجرد أن اسمي ليلى بنعلي. لقد أردنا، زوجي وأنا، ابنا ثالثا، ولم يكن يهمنا جنسه. وشاءت إرادة الله أن يزدان به فراشنا في فبراير 2005. أدخلت ولادته سعادة غامرة على أسرتنا، باعتبار عمرنا، نحن والديه، يوم ولادته. لم يكن سهلا أن أحمل مجددا بعد أن اقتربت من الخمسين. ومع ذلك، لم أتابع علاجا خاصا خارج تونس ولم أخضع لمراقبة طبية خارج البلاد، عكس ما تم تداوله. تم كل شيء في تونس، التي نتوفر فيها على أطباء ممتازين.
شعوذة وتمائم زيادة على المؤامرات والحيل والمناورات الرامية إلى تخريب بيتي وإبعادي عن زوجي، كان لزاما علي أيضا مواجهة أعمال السحر والشعوذة التي لجأ إليها خصومي لتغيير مشاعر زوجي تجاهي وجعله يدير ظهره لي. وقد اكتشفت أنهم كانوا يقدمون له وصفات غريبة ويطعمونه مواد غريبة أيضا. أطعموه لحوم بعض الحيوانات ووصفات أخرى أكثر غرابة بجرعات متباينة. عندما كان يتناول تلك الأطعمة الغريبة ينسى من أكون ويغضب إن اتصلت به عبر الهاتف، وكأنني شخص غريب عنه. يغيب عني أسابيع كاملة، ويرفض، بعد عودته، التقرب مني و يتفادى النظر في وجهي. إذا اقتربت منه يصرخ في وجهي، وكأنني شيطان قائلا: «يدُكِ عني». وحسب أحد المقربين من بنعلي، فقد عمد، ذات يوم، إلى نزع خيوط الهاتف المخصصة باتصالاتنا الهاتفية الخاصة بمكتبه. ألقى بتلك الخيوط في سلة القمامة، وهو يصرخ بأعلى صوته: «ما جدوى هذا الهاتف؟ لا أتذكر أي شيء عنه». كانت زوجته السابقة، المستقوية بحلفائها، أو بتعبير آخر، المدعومة بقوة من قبل خصومي، تعمل جاهدة لتحقيق نفس الهدف: إبعاد بنعلي عن هذه المرأة القادمة من الشعب، التي ارتقت مرتبة لا تستحقها، مدمرة بيتها وأسرتها. المؤكد أنها لم تكن تطيقني ولا تتحمل سماع أي شيء عني. كانوا جميعهم يتنقلون بين تونس والمغرب، مرورا بمدينة جربة، المعروفة باحتضانها أمهر السحرة والمشعوذين. استمر الوضع على حاله إلى أن بادر صديق مقرب من بنعلي إلى تحذير الرئيس من الأخطار التي تحدق به بسبب استهدافه بأعمال السحر وإطعامه وصفات المشعوذين. قال ذلك الصديق للرئيس: «تلك المواد سامة ويمكن أن تقتلك». كنت أعلم بما يقومون به، فقد أذاقوني منه قسطا. إذ اتهموني بسلك السبل نفسها لكي أبقي بنعلي بقربي. أنفي هذه التهم بشكل قاطع. وما كنت لأسمح لنفسي بإضافة سموم إلى السموم الذي أطعمه إياها الخصوم. أؤكد أنني لم أذهب قط إلى المغرب في زيارة خاصة، ولم يسبق لي أن استقدمت مشعوذين من أي بلد آخر. الجميع يعلم أنه كان يستحيل إدخال أي شخص غريب إلى القصر، وأنا مستعدة للتناظر مع أي مشعوذ يزعم بأنني استعنت بخدماته. أي مصلحة أرتجيها في إجبار رجل على حبي بعد أن اختارني زوجة له من بين كل النساء؟ وقد اعتدت الرد على هذه الاتهامات بالقول: «الله هو الوحيد الذي أؤمن بقدرته على إبقائي دائما إلى جانب زوجي». بعدما يئسوا من محاولة إقناع بنعلي بالتخلي عني والارتباط بامرأة أخرى، انتقلوا إلى مستوى آخر من الحيلة والخديعة. اقتضت خطتهم العمل على إثارة غيرة بنعلي، زاعمين أن لي عشاقا. ادعوا بأنني اتخذت لي عشاقا من بين حرسه الشخصيين، ثم زعموا بأن لي عشاقا آخرين، معظمهم من جنسيات ليبية. أؤكد بهذه المناسبة أن قدمي لم تطأ قط أرض ليبيا، ولم ألتق يوما بمعمر القذافي. ليس لي أصدقاء في هذا البلدي ولا حتى معارف، وإن كان اثنان من إخوتي يترددان على هذا البلد في مرحلة معينة: أحدهما منصف الذي اشتغل مصورا في الديار الليبية، وناصر الذي كان يمتلك مقهى في العاصمة طرابلس. كان خصومي يراهنون على هذه الإشاعات من أجل إثارة غيرة بنعلي، وهم يعلمون جيدا بأنه شديد الغيرة على حرمه. غير أنهم تناسوا أن جميع خرجاتي كانت محسوبة، وكان يستحيل أن أستقبل شخصا غريبا في القصر. المهم أن خصومي فطنوا أخيرا إلى نقطة ضعفه: شرف زوجته. وهكذا شرعوا في تزويد بنعلي بسيل من الأخبار الزائفة والإشاعات المغرضة. زعموا بأنني ارتبطت بعشاق كثر قبل أن ألتقي به، وادعوا بأنني سرت على المنوال ذاته بعد اقتراني به. وقد دفعت هذه المزاعم أحد المقربين من بنعلي إلى القول: «كم سنة عاشت هذه السيدة لتركب موج كل هذه المغامرات الغرامية؟ يلزمها وقت طويل لكي ترتبط بهذه اللائحة المثيرة من العشاق».