ينحدر أحمد أبوطالب من أسرة ريفية مغربية هاجرت إلى هولندا أواسط السبعينات، وبفضل جديته وتكوينه تمكن من اكتساب المصداقية لدى الهولنديين الذين رشحوه لمنصب وزير في الحكومة الوطنية، قبل أن يتم اختياره بالإجماع عمدة لبلدية روتردام، ثاني أكبر المدن الهولندية. في هذا الحوار يقدم أبوطالب تفاصيل مساره المهني والسياسي الذي قاده إلى هذا المنصب، ويكشف عن مواقفه وتصوراته لإعادة الثقة إلى المجتمع في روتردام بعد أجواء الخوف التي سادته منذ اغتيال المخرج فان غوغ. - من هو أحمد أبوطالب؟ < أنا من مواليد 1961، من إقليمالناظور، وتحديدا في منطقة بني سيدال. أنهيت تعليمي الابتدائي والإعدادي في المنطقة التي ولدت فيها، ثم توقفت في حدود السنة الثانية من التعليم الثانوي، حيث هاجرت مع والديّ إلى هولندا، في 17 أكتوبر 1976. هناك التحقت بالتكوين المهني، ثم بالتعليم العالي، ثم درست هندسة الطيران، خاصة جانب المواصلات في قطاع الطيران. وإبان دراستي كانت لدي علاقة بالصحافة، فعندما بلغت سن 19 عاما التحقت بالإذاعة الوطنية، كمراسل لبرنامج للشباب، وبعد إنهاء دراستي عملت أولا في الصحافة من 1986 إلى 1991، خاصة في قطاع الإعلام السمعي البصري. وآخر وظيفة عملت فيها، كانت كمراسل من منطقة الشرق الأوسط لإذاعة هولندية خاصة، وقد غطيت آنذاك حرب الخليج الأولى من القاهرة ومن الحدود مع العراق، وبعدما عدت إلى هولندا عينت ناطقا رسميا لوزيرة الثقافة. - يعني أنك انخرطت في حزب سياسي قبل تعيينك في هذا المنصب؟ < لا لم أنخرط في حزب، ولكن منصب الناطق الرسمي لوزير في هولندا، يعد وظيفة وليس منصبا سياسيا. وبعدما انتقلت الوزيرة التي اشتغلت معها إلى البرلمان الأوربي، ذهبت للعمل في أعلى مجلس هولندي للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وعملت رئيسا لقسم الإعلام فيه. ثم انتقلت إلى المركز الهولندي للإحصاء، مسؤولا عن الجانب الإعلامي للمركز، ثم انتقلت إلى مؤسسة فوروم للتعددية الثقافية كمدير لمدة أربع سنوات، ثم انتقلت إلى مدينة أمستردام كمدير للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، في القصر البلدي، بحيث كنت مسؤولا عن عدد من المجالات، مثل التعليم، الثقافة، الميناء، ومطار أمستردام، حيث كنت مسؤولا عن كل شيء ما عدا بنايات المدينة والماء والأرض. - متى حظيت بأول تعيين سياسي? < انسحب زعيم حزب العمل من عضوية الحكومة المحلية في أمستردام، لأسباب شخصية، وآنذاك طلب مني حزب العمل أن أعوضه، وهكذا كان أول تعيين سياسي لي في 2004. هذا التعيين لأول مرة كعضو في الحكومة المحلية لأمستردام، كان مفاجئا لي، لأنني لم أكن أتوقعه، فأنا عضو في حزب العمل منذ نهاية التسعينات، لكنني لست مناضلا نشيطا فيه، بل أؤدي واجب الانخراط كل شهر فقط، وإن كنت أكتب كل مرة ورقة حول تصوراتي وأقدمها إلى الحزب. في تلك الفترة وقع اغتيال المخرج فان غوغ في أمستردام، وقد عشنا جوا رهيبا آنذاك، حيث اضطررت للعب دور من أجل الهدنة واستتباب الهدنة في المدينة رفقة عمدة المدينة، وقد قمنا بعمل كبير، وكنا نشتغل طوال الوقت لمدة شهور وسط التهديدات وجو الخوف والألم، وكنا نساءل عن سبب وصولنا لهذا المستوى من الخوف والإرهاب. في ذلك الوقت وصل الخوف من الإسلام والمسلمين إلى القمة. في هذا الظرف اتصل بي زعيم الحزب، وقد كنا على أبواب الانتخابات التشريعية، وقال لي إنه إذا فاز الحزب في الانتخابات على الصعيد الوطني، فعلي أن أستعد للعمل في الحكومة الوطنية، وجاءت الانتخابات وحصلنا على المرتبة الثانية، وشاركنا في الحكومة الائتلافية، فعينت في منصب كاتب الدولة في الشؤون الاجتماعية والتشغيل، مسؤولا عن عدد من المجالات مثل تشغيل الشباب، التقاعد، تعويضات الأرامل، اللامركزية في مجال التشغيل، محاربة الفقر، والقروض.. - كيف تم ترشيحك لمنصب عمدة روتردام؟ < مؤخرا قرر عمدة روتردام الاستقالة لأنه وصل إلى سن التقاعد، فطرح سؤال داخل الحزب حول ما إذا كان من مصلحة الحزب أن أترشح لهذا المنصب. لابد من التذكير بأن مدينة روتردام مدينة عتيقة، تعرضت لضربة قوية في الحرب العالمية الثانية، دمرت قلبها النابض كليا، ولكن سكانها أناس يعرفون قيمة العمل، ولذلك تمت إعادة بنائها، وهي اليوم تتوفر على أكبر ميناء في العالم، وتتوفر على صناعات بيتروكيماوية كبيرة. ومن أكبر التحديات التي تواجهها أن هناك تناقضات بين أحياء حيث ناطحات السحاب، وبين أحياء يسود فيها الفقر والبطالة، ولذلك فهي تحتاج لردم الهوة بين جوانبها المتناقضة. وهي المدينة الوحيدة التي لها حزب يميني قوي انتصر منذ سنة 2000 وحكم المدينة ل4 سنوات، ولكنه انهزم أمام حزب العمل في آخر انتخابات بلدية. في المدينة توجد أكثر من 170 جنسية، أي ثقافات مختلفة. الجالية المغربية في أمستردام حوالي 65 ألفا، أما في روتردام فتقدر بحوالي 40 ألفا. أما نسبة الأجانب في روتردام فتصل إلى 50 في المائة. وعندما طلب مني الترشح لمنصب العمدة وافقت، وكتب رسالة إلى الملكة أطلب الترشيح للمنصب. - كيف يتم الترشيح والانتخاب لمنصب العمدة؟ < حسب ما بلغني، كان هناك 24 مرشحا، منهم سياسيون ورجال أعمال ومستقلون، بعد الترشيح تكون هناك لجنة خاصة تضم رؤساء الأحزاب السياسية في المدينة، سواء من المعارضة أو من الحكومة، يستدعون المرشح ويعقدون معه لقاءات مطولة لمعرفة الأفكار والتصورات، والبرنامج التي يحمله. القانون ينص على أن اللجنة تقدم شخصا واحدا أو اثنين من هذه اللائحة إلى المجلس البلدي قصد التصويت عليه. - إذن اختيار العمدة يتم بشكل غير مباشر؟ < نعم بشكل غير مباشر، بحيث يصوت على العمدة 45 عضوا بلديا، يمثلون 8 أحزاب، ويجتمع المجلس البلدي في جلسة مغلقة وسرية للمشاورات والمداولات، وقد كنت حينها في مرسيليا لحضور مؤتمر حول الفقر، فتم الاتصال بي لإخباري بأنهم سيناقشون ترشيحي في جلسة مغلقة، وأن علي أن أكون رهن الإشارة لأن القانون يفرض على أعضاء المجلس أن يبقوا في حالة اجتماع إلى أن يتصلوا بي، وآنذاك يفتحوا أبواب قاعة الاجتماع. وهكذا اتصلوا بي، وأخبروني بأن المجلس قرر اقتراحي على الملكة لأعين في منصب عمدة روتردام، لأن التعيين في هذا المنصب يتم بظهير ملكي، بعد تدخل المجلس الحكومي. - هل كان هناك مرشح آخر غيرك من أصل 24؟ < لا، لقد اختاروني وحدي، بحيث كان هناك إجماع علي. في 5 يناير المقبل سوف أؤدي القسم أمام المجلس البلدي في حفل خاص، وسأشرع في ممارسة مهامي كعمدة لروتردام. - هل يمكن أن تقدم لنا صورة عن صلاحيات العمدة في النظام المحلي الهولندي؟ < صلاحيات العمدة عديدة، أولها أنه يتحمل مسؤولية الأمن الإقليمي، أي أن الشرطة وميزانية الأمن تكون تحت إمرة العمدة وليس تحت مسؤولية وزارة الداخلية. - كم عدد رجال الأمن بالمدينة؟ < لا أتوفر على رقم محدد، ولكنهم بالآلاف، يوفرون الأمن ليس لروتردام فقط، بل ل22 بلدية مجاورة لها، أي أنه أمن إقليمي. ويرأس العمدة اجتماعات رؤساء البلديات المذكورة، وفضلا عن ذلك يعد مسؤولا عن المطافئ، ويخاطب كوزير خارجية في علاقاته بالخارج، وذلك نظرا لوجود الميناء الدولي فيها، حيث يلعب العمدة دورا في جلب الاستثمارات والأنشطة التجارية إلى المدينة. ثم يختص العمدة بضمان جودة المنظومة القضائية، مثل السهر على حسن تطبيق القوانين الوطنية على المستوى المحلي بالشكل الذي يراه المجلس البلدي مناسبا. ولتلخيص دور العمدة، فإنه يعد بمثابة أب المدينة، أي أب الجميع، حيث يبتعد عن أي حزبية في التعامل مع المواطنين. - ما الذي جعل شخصية أحمد أبوطالب ذي الأصول المغربية، يحظى بإجماع لتولي منصب مهم كهذا، في وقت تشكو فيه الجاليات العربية والمسلمة مما يوصف بالعنصرية في هولندا؟ < كان والدي يقول، «لكل وقت رجال»، وأنا أدعو المواطنين المغاربة إلى عدم الخلط بين جانبين، أولهما النقاش الحاد الذي تعرفه هولندا حول الخوف من المهاجرين ومن الإسلام والمسلمين، وهذا نقاش واقعي حاصل، لأن هناك خوفا، ولكن أنا لا أقول إن المجتمع الهولندي عنصري أبدا، بل المجتمع الهولندي خائف ومن حقه الخوف، وفي نفس الوقت الذي يوجد فيه هذا النقاش في البرلمان والإعلام وفي مجالات متعددة، نجد كذلك أن الجاليات الأجنبية تعيش في كرامة، ولا تتعرض للاعتداء على ممتلكاتها، ويمكنني القول بأن الجاليات ومنها المغربية لم يسبق لها أن قطنت مساكن أفضل من حيث الجودة مثل الآن. وكذلك فإن البطالة انخفضت في صفوف الأجانب برقم قياسي، ففي السنة الماضية، كانت البطالة في حدود 24 في المائة وسط الأجانب، وانخفضت النسبة إلى 16 في المائة، ثم وصلنا إلى 9 في المائة الآن. أي ما يعادل مرتين المعدل الوطني. هذه المؤشرات لا تدل على وجود ميز عنصري. وبالعودة إلى سبب اختياري لمنصب هام، فإن هناك من يعتقد من المسؤولين الهولنديين، أن أحمد أبوطالب هو المؤهل في هذه الظروف للعب دور مد الجسور واسترجاع الثقة داخل المجتمع في روتردام. وقد كان هناك استطلاع رأي قبل أربعة أسابيع، أجراه مكتب معروف، كانت نتيجته أن 45 في المائة من المواطنين الهولنديين يرحبون بتولي أحمد أبوطالب منصب عمدة روتردام. طبعا هناك معارضون، وهذا أمر طبيعي، ولكن بالنسبة إلي فإنني سأربح ثقة المواطنين جميعا بكل توجهاتهم يمينا ويسارا ووسطا. - ما هي الأفكار التي تحملونها لتعزيز التعايش في مدينة روتردام؟ < بعدما توصلت بخبر انتخابي، عندما كنت في مرسيليا، كان معي زميل هناك، فسألني لماذا لم ير أية فرحة على وجهي، وقال لي ربما لو كان أحد ما مكاني لعبر عن فرحه وسروره بأشكال مختلفة، فأجبته بأنني أحس بالمسؤولية الكبيرة، لأن هناك 600 ألف نسمة ينتظرون الكثير، وسأكون موضوعا تحت المجهر من طرف وسائل الإعلام. بالنسبة إلي، إذا كانت روتردام مشهورة بقناطرها على وادي ماس، فإنها تحتاج اليوم إلى قناطر بشرية للحوار ومخاطبة الجاليات بخطاب المواطنة، والعمل الجاد، والتعليم، الذي يعد الحل للخروج من الفقر، وضرورة الخروج من عقلية الضحية، وتحسيسهم بأنهم رأسمال لهذا الوطن. طبعا يربط هؤلاء خيطا صغيرا مع البلد الذي ينحدرون منه، وهو خط عاطفي ثقافي، ولكن مصيرهم مرتبط بهولندا التي ولد معظمهم فيها، وأغلب الظن أنهم سيموتون فيها. إذن هم هولنديون بالدرجة الأولى، هكذا يجب مخاطبتهم. وبالمقابل على الهولنديين أن يمنحوا هؤلاء الفرصة والمساحة الكافية، وأن يكون هناك أخذ وعطاء من الجانبين. وأنا أقول إنني سأكون مع أي شخص يطلب مني حق المواطنة، لأنني سأساعده بالتشغيل والتعليم، ولكن لا أقبل أن يكون متطرفا خارجا عن دولة الحق والقانون، في هذه الحالة سأكون له بالمرصاد. - كان هناك جدل بين الحكومة المغربية والهولندية حول مسؤولية تأطير الجالية المغربية في هولندا، ووقع مؤخرا استدعاء 40 إماما مغربيا من هولندا، وهو ما لم يعجب المسؤولين الهولنديين، ما حقيقة هذا الأمر؟ < من بين الأعراف في هولندا، أن كل وزير لا يتدخل إلا في المجالات التي تخصه، ولذلك فإن ملف الأئمة هو من اختصاص وزير العدل، وأنا بعيد نوعا ما عن هذا الموضوع، وليست لدي معطيات بشأنه. ولكن على العموم، فإنه لا يوجد فقط هذا الملف بين الحكومة الهولندية ونظيرتها المغربية، بل هناك ملفات أخرى فيها نقاش، ولا يجب أن ننسى أن 350 ألف مغربي يعيشون حاليا في هولندا، ذهبوا هناك طواعية، ولم يجبرهم أحد على العيش هناك. ولكن لديهم حنين وارتباط مع المغرب، لذلك لا مفر من الحوار بين البلدين في أمور الجالية. وسوف يأتي وزير الخارجية الهولندي قريبا إلى المغرب وسيتحدث في عدد من المواضيع التي تهم العلاقات الثنائية، وليس مستبعدا أن يثير الإشكاليات التي تتساءل عنها. - هل تطورت بنية الجالية المغربية في هولندا في اتجاه اقتحام مجالات العلوم والسياسة والاقتصاد؟ < خلال الأسبوع الماضي، نشرت جريدة «تراو» الهولندية، مقالا عن الأطر الجديدة التي ستدخل سوق التشغيل، والتي لها مستوى عال، وورد في المقال أن معظم هؤلاء الأطر من أصل مغربي. إذن هناك أطر في أوساط المغاربة في هولندا وصلت إلى مستوى عال في العلوم، الطب، الهندسة، الرياضة، الحقوق، وهناك وكلاء ملك في القضاء، وهناك موثقون، وهناك رياضيون. ولا ننسى أن جمعيات المغاربة في هولندا كثيرة ومتعددة، وتهتم بمختلف المجالات، ويمكن القول إن هناك المئات من الجمعيات، محليا إقليميا ووطنيا. كما أن هناك اهتماما متزايدا في أوساط المغاربة بالسياسة، وهناك أعضاء مغاربة في عدد من البلديات خاصة الكبيرة، مثل روتردام، لاهاي، أمستردام، أوتريخت، وهناك جمعية خاصة بالسياسيين المغاربة في هولندا، وعادة عندما تنظم لقاءات فإن أكثر من 100 سياسي مغربي مقيم في هولندا يكونون حاضرين.