أعادت عملية الاختطاف التي قامت بها عائلة المقداد، وهي عائلة شيعية قوية في لبنان، في حق أكثر من 20 من نشطاء المعارضة السورية ورجل أعمال تركي إلى الأذهان شبح الاختطاف في البلاد، لكن الجديد هذه المرة حسب المراقبين انحدار لبنان من "الوقوع في قبضة طائفة أو حزب"، كما كان عليه الأمر في الماضي، إلى "الوقوع في قبضة عائلة". يوم الأربعاء المنصرم، قام "الجناح العسكري" لعائلة لبنانية تعرف بعائلة المقداد بعملية خطف سوريين قالت عائلة المقداد إنهم ينتمون إلى الجيش السوري الحر، مبررة هذه العملية بأنها رد فعل على اختطاف أحد أفراد عائلتها، المسمى حسن سليم المقداد، على يد مجموعة من الجيش السوري الحر، كما قامت نفس العائلة أيضا بخطف مواطن تركي للغرض نفسه. وأكد "أمين سر رابطة آل المقداد " أن " العائلة فقدت الاتصال بابنها حسان المقداد قبل أسبوع ولا تعرف شيئا عنه "سوى ما بثته قناة العربية. وتؤكد عائلة المقداد النافذة بلبنان بأنها تحتجز أكثر من عشرين سورياً بالإضافة إلى الرهينة التركي، وأنها لن تفرج عنهم إلا بعد الإفراج عن حسن المقداد". وقد اتصل رئيس الجمهورية، العماد ميشال سليمان، برئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان، خلال الأسبوع المنصرم، يمثل لبنان في القمة الإسلامية بمكة بالسعودية، كما اجتمع بقادة الأجهزة الأمنية، داعيا إياها إلى اتخاذ إجراءات أمنية شبيهة بتلك التي تتخذ في حالات الطوارئ من دون إعلانها. كما جرت اتصالات مكثفة بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري في الموضوع، الشيء الذي يعكس مدى قلق الرئيسين (رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان)على الوضع في لبنان ووعيهم بأن مثل هذه الاختطافات تتعدى تصفية حسابات عشائرية إلى كونها مؤشرا على إمكانية نقل العدوى السورية إلى الأراضي اللبنانية وانفراط عقد الوحدة والدولة اللبنانيتين. من جهته أعلن الرئيس التركي عبد الله غول الجمعة أن المواطن التركي الذي اختطف يوم الأربعاء 15 غشت الجاري، هو ممثل لشركة تركية تمارس نشاطا في لبنان وليست له أي علاقة بالأطراف السياسية المتنازعة، مضيفا أنه التقى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عدنان منصور يوم الخميس 16 غشت الجاري، في مكة وطلب منهما العمل على تحرير الرهينة التركي فورا. وفي تطور يشي ب"وقوع دولة في قبضة عائلة" سوف يتصل وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، من مكة، بعائلة المقداد. فقد أعلن حاتم المقداد، شقيق حسان المقداد المختطف في سوريا، بأنه تلقى اتصالا من وزير الخارجية بشأن المختطف التركي طالبا منه إطلاق سراحه. وقد علق ممثل عائلة المقداد على هذا الاتصال بالقول: "إن التفاوض بغير عودة أخي لا ينفع"، مضيفا: "إذا لم يحصل ذلك ستكون لنا تحركات أكبر ومفاجئة سوف تدهش الكثيرين وتطال شريحة معينة هنا في لبنان". عائلة المقداد، وشأنما تفعل الدول والمجموعات المسلحة، الموجودة في مناطق توتر، في ما يتعلق بمسألة الأسرى، سوف تلجأ إلى منظمة الصليب الأحمر مطالبة إياها بالوساطة للإفراج عن ابنها حسان المختطف في سوريا، بحيث قالت سمر القاضي، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بأنه قد"حصل لقاء مباشر بين رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان يورغ مونتاني ونائبه دانيال بروتون وأفراد من عائلة حسان المقداد الذين طلبوا توسط اللجنة لمساعدتهم في العثور على ابنها". مضيفة أن مسؤولي اللجنة شرحوا لعائلة المقداد بأن الصليب الأحمر لا يدخل طرفا في أي مفاوضات لإطلاق مخطوفين أو مفقودين أو معتقلين، وأن ما يمكنه القيام به في حال تلقيه طلبا من أهل مفقود أو مخطوف في منطقة نزاع هو محاولة التواصل لمعرفة مكانه وتزويدهم بأخبار عنه وتفقد وضعه وزيارته إذا أمكن". كما أن في إمكان اللجنة، تستطرد المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في حال الإفراج عن المعتقل، التدخل كطرف غير منحاز لتأمين نقله وتسليمه'، لكن اللجنة 'لن تقوم بأي وساطة وأي مفاوضات، وبأن اللجنة ستحاول إقامة اتصال إذا طلب منها ذلك. من ناحية، يوحي أمر اختطاف عائلة المقداد لرهائن سوريين وتركي، ظاهريا، باصطفاف هذه العائلة، وبالأساس ابنها المختطف في سوريا، إلى جانب النظام السوري ضد كل من يطالب بإسقاطه وتحرير سوريا من قبضة بشار الأسد، بمن فيهم رعايا الدول المناوئة لنظام الأسد مثل تركيا، وقد بدا ذلك واضحا عندما بثت قناة "العربية" شريط فيديو تتبنى فيه مجموعة وصفت نفسها بالموالية للجيش السوري الحر خطف حسان المقداد في دمشق، واصفة إياه بكونه قناصا معارا من طرف حزب الله اللبناني إلى نظام بشار الأسد. لكن بالرغم من نفي عائلة المقداد لأي علاقة لابنها حسن المقداد بحزب الله اللبناني الشيعي، من جهة، ونفي المجلس العسكري التابع للجيش السوري الحر لأي علاقة له بالمجموعة التي تبنت خطف حسن المقداد، واصفا إياها بأنها جماعة "وهمية لا وجود لها في أي من تشكيلات الجيش الحر" وان العملية برمتها "مفبركة من حزب الله بالتعاون مع النظام السوري" فقد استمرت عملية الخطف والشد والجذب. ومن ناحية أخرى، فإن سيطرة عائلة على الدولة هو مؤشر خطير على اندحار الدولة في لبنان من دولة في قبضة حزب أو طائفة (كما هو الشأن مع حزب الله بغض النظر عن مواقفه التحررية الممانعة) إلى دولة في يد ميليشيات عائلية أو عشائرية؛ فمسألة اختطاف عائلة المقداد لمواطنين أجانب لم ولن تبقى محصورة ومقصورة على التراب اللبناني كما أنها ستتعدى العائلة الواحدة؛ فقد كشف أحد أفراد عائلة المقداد، ويدعى حسن المقداد، أن "عائلتي آل جعفر وزعيتر تضامنتا مع آل المقداد"، وقامتا ب "عملية نوعية لبيت جعفر داخل الأراضي السورية"، إذ أن مجموعة مسلحة من عشيرة آل جعفر دخلت إلى منطقة قريبة من حمص في سوريا، وخطفت مجموعة كبيرة من "الجيش السوري الحر". نقل المعركة إلى لبنان إذا كان الجيش السوري الحر قد نفى مرارا أي نية له في نقل معركة سوريا إلى داخل لبنان. وقد أكد الجيش السوري الحر في بيان أعقب عمليات اختطاف المواطنين السوريين مؤخرا بأن هؤلاء المواطنين" لجؤوا إلى لبنان هربا من القمع الدموي في بلدهم" قبل أن يفاجؤوا باختطافهم "على يد مواطنين لبنانيين مسلحين بحجة اختطاف أحد أقربائهم من قبل مجهولين في سوريا". واعتبر الجيش السوري الحر عمليات اختطاف سوريين فوق الأراضي اللبنانية بكونها "تصرفات تضيف معاناة جديدة إلى معاناة السوريين في لبنان"، مناشدا السلطات اللبنانية "اتخاذ الإجراءات الضرورية فورا لوقف هذه الأعمال التي تهدد بتبعات خطيرة كالخطف والخطف المتبادل". بمقابل خطاب الاستياء هذا الذي أبداه الجيش السوري الحر، والذي يعد أبرز مكونات المعارضة السورية، حيال أحداث الاختطاف في لبنان، فقد أظهرت ميليشيا العائلات المسلحة ميلا نحو مزيد من توتير الأجواء اللبنانية ووسمها بميسم المجريات السورية؛ بحيث أكد الناطق باسم الجناح العسكري لآل المقداد أن "عمليات الاختطاف سوف تتسم لاحقا بالانتقائية ولن تبقى عشوائية بل إن الجناح العسكري سوف ينتقي الأهداف بشكل انتقائي"، مضيفا أن "المخطوف التركي هو أول من سيتعرّض للأذى في حال تم الاعتداء على حسان". من جهته قال الناطق الرسمي باسم عائلة المقداد، ماهر المقداد، تعقيبا على لقاء أفراد من عائلته بوزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، قائلا: "منصور سأل عن المواطن التركي ولم يسأل عن المواطن اللبناني، وهذا ما يؤكد قولنا من جرّب مجرّب عقلو مخرب". وبالرغم من أن عائلة المقداد، قد تعهدت بوقف عمليات الاختطاف، من دون إبداء حسن نية بإطلاق المخطوفين لديها قبل الإفراج عن حسان المقداد، بحيث أعلن أمين سر رابطة آل مقداد، ماهر المقداد، في مؤتمر صحافي وقف كل العمليات العسكرية على الأراضي اللبنانية، لأن عدد المخطوفين السوريين لديهم أصبح كافيا، مؤكداً "إننا لن نتعرض أبدا لأي مواطن خليجي". فإن ذلك لا يوحي بأن عملية اضطلاع عائلات وعشائر لبنانية باختطاف مواطنين أجانب، سوريون وأتراك بالأساس، في المدى القريب والمتوسط، وقد بدا ذلك واضحا من خلال ما أعلنت عائلة لبنانية أخرى أطلقت تعرف عشيرة آل زعيتر والتي أعلنت مؤخرا عن قيامها باختطاف أربعة أفراد من الجيش السوري الحر من مستشفيات البقاع وهم كلهم جرحى، بل إن إصابة أحدهم حرجة. كما أقدم مجهولون على خطف المواطن السوري حسام خشروم من أمام مستشفى شتورة بعدما أطلقوا النار على سيارته التي لا تزال متوقفة أمام المستشفى. من جهتها أعلنت مجموعة تسمى سراي المختار الثقفي عن اعتزامها تبني عمليات اختطاف في حق كل سوري يدعم الجيش السوري الحر في لبنان وخارج لبنان. وقال متحدث باسمها: "حاليا بدأنا عملنا في بيروت وفي البقاع، وكل يوم سيحمل شيئا جديدا". وكشف أنّ مجموعته خطفت بالأمس 5 سوريين في بيروت واليوم خمسة في البقاع. وتابع: "اي إنسان يتبين أنه يدعم الجيش السوري الحر سيكون هدفا لنا" كما تم عرض شريط فيديو للمختطفين السوريين في لبنان، أكدوا خلاله بأنهم مجندون من قبل الجيش السوري الحر، وطالبوا بالإفراج عن المخطوفين اللبنانيين بسوريا. وأيد أحد المختطفين في الشريط المعروض النظام السوري بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام ل"حزب الله" حسن نصر الله، معتبرا أن "الثورة السورية ليست ثورة". دق ناقوس الخطر طلب الرئيس اللبناني، العماد ميشال سليمان،من وزير الخارجية الفرنسية رولان فابيوس التوسط مع السلطات التركية للمساعدة في الإفراج عن 11 لبنانيا اختطفتهم مجموعة سورية معارضة في منطقة إعزاز السورية قرب الحدود مع تركيا، وقال بيان رئاسي إن سليمان طلب من فابيوس، أن يتدخل لدى السلطات التركية من أجل حل قضية المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر في سورية، وكان اللبنانيون الشيعة الأحد عشر في طريق عودتهم من زيارة العتبات المقدسة في إيران عن طريق البر عبر تركيا، عندما خطفوا في 22 ماي الماضي. وأضاف الرئيس اللبناني موجها كلامه إلى رولان فابيوس، بأن لبنان "نأى بنفسه عن الأوضاع الداخلية لدول المنطقة وأنه يقوم بدوره الإنساني في استقبال اللاجئين السوريين المدنيين وتقديم المساعدة اللازمة والضرورية لهم". كما دعا الرئيس اللبناني فرنسا ومعها المجتمع الدولي إلى "العمل على إيجاد حل للازمة في سورية من خلال جلوس الفرقاء المتصارعين حول طاولة الحوار والاتفاق على النظام السياسي الذي يرون فيه مصلحة بلادهم وشعبهم". عودة الاختطاف تحت لواء عائلات وعشائر في لبنان يرجعه النائب السابق عن تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، إلى وجود خلل "في تطبيق اتفاق الطائف لجهة سحب سلاح المليشيات، والإبقاء على سلاح كتلة عسكرية كبيرة خارجة على سلطة الدولة، تتماهى معها مجموعات مسلحة هنا وهناك، هي السبب في عدم قدرة الدولة على تثبيت سلطتها، وصولا إلى أن تصبح اليوم في حالة شبه انهيار". أما "استنجاد" الرئيس اللبناني ميشيل سليمان بالحكومة الفرنسية لإيجاد حل لمسألة الاختطافات المتبادلة، فيفسره علوش بوقوف السلطة اللبنانية إلى جانب النظام السوري وهو ما يقول عنه بأنه "انكشاف البلد سلطويا، والسبب أن راعي هذه السلطة -النظام السوري- هو في حال انهيار فانعكس الموقف هزالا في السلطة اللبنانية".
مخاوف خليجية طلبت السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين من مواطنيها الموجودين في لبنان مغادرة هذا البلد فورا بعد انتشار موجة أعمال الخطف التي طالت السوريين ورجل الأعمال التركي، وذلك في ظل تهديدات باستهداف رعايا الدول "الداعمة للجيش السوري الحر". كما جددت هذه الدول الخليجية الخمس تحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان بسبب تداعيات النزاع في سوريا على الوضع في هذا البلد. وكانت هذه الدول قد أرسلت طائرات لإجلاء رعاياها، وذكر مسؤولون بمطار بيروت أن العديد من العرب قضوا ليلتهم في المطار حتى يضمنوا اللحاق بالرحلات التي ستقلهم إلى بلادهم.