بدا خجلي واضحا ذلك اليوم وأنا أسمع أصدقاء وأدباء غير مغاربة يتحدثون إلي بشغف وحماس عن روايتين مغربيتين. «لم أقرأ الروايتين»، قلتها وبكثير من الارتباك، لقد كنت غارقة حتى آخر حرف في قراءة الأدب من جنسيات مختلفة، ولم أكن أعرف شيئا عن الأدب المغربي آنذاك.. منذ تلك الحادثة، قررت أن أنذر نصف قراءتي لكل ما يكتبه المغاربة، الذين يكتبون عن نفس الشمس والهواء والبحر وعن نفس الهم والفرح المغربيين، كل بطريقته. لم يخب أملي ولم أندم على قراري ذاك. وخلصت إلى أن مثقفينا وأدباءنا يكتبون جيدا وبغزارة، والأهم أن كتابتهم متفردة ولهم خصوصية في رؤيتهم للعالم لأنهم يوجدون في مكان رائع الاختلاف والتعدد ومتفرد تاريخيا وجغرافيا. هذا العهد الذي قطعته على نفسي قد يبدو ربما عنصريا أنانيا، بحكم أن الأدب إرث إنساني مشاع بين الإنسانية دون استثناء، وهذا صحيح من دون شك؛ لكنني أرى أن الأدب المغربي ظل مظلوما لوقت طويل لأسباب كثيرة، ويحتاج إلى مزيد من التحيز والشوفينية، لأنه يوجد اليوم أمام واقع فريد وغريب؛ فبسبب تعقيدات النشر والتوزيع يحدث أن يخبرني أحدهم اليوم كذلك عن كتب لم أسمع بها من قبل ولا أجدها لا في معارض الكتاب ولا في المكتبات الكبرى، ولا أحد في الإعلام يعلن عن صدورها، كما لا تُتابع بالتالي بالنقد والتعليق. شيء مخجل حقا أن تعرف من الغرباء البعيدين أن هناك رواية مغربية، مثلا، تتفوق في المبيعات بمصر مثلا، وأن القراء المغاربة لا يعرفون شيئا لا عن الكتاب ولا عن صاحبه. يوجد في بريدي الإلكتروني أكثر من رواية وديوان ومجموعة قصصية، اختار أصحابها النشر خارج المغرب، وعوقبوا بشكل أو بآخر بألا يكون لكتبهم أي ذكر أو وجود بين أيدي المغاربة؛ أما الذين ظلوا لسنوات ينحتون نصوصهم وقرروا طبع كتبهم على نفقتهم الخاصة، فهم يوزعون كتبهم بأنفسهم، ويرسلونها إلى الراغبين في قراءتها عبر البريد، وأحيانا يسرون إلي بأنهم لا يمانعون في أن يفرشوا لها على الرصيف ويبيعوها بأنفسهم. يحدث كل ذلك، لأن مكافأة أي كتاب هي أن يُقرأ ولأن أي موقف تجاه المبدع عموما، كالنقد أو الهجوم، لن يكون أقسى من اللامبالاة، بما أن سوء التدبير الثقافي وهم النشر والتوزيع للكتاب المغربي قررا أن يجعلا من كتاب وشعراء بالعشرات غرباء في أوطانهم لا يعرف عنهم أحد شيئا. أجد في الجهة الأخرى من هذا الواقع المحزن لكتب مغربية غريبة بين أناسها وفي وطنها، أن مسؤولية المثقف والكاتب والشاعر كبيرة؛ فماذا يفعل هؤلاء الذين أعرف أن من بينهم أثرياء من أجل تحسين واقع التدبير الثقافي.. هل يستثمرون أموالهم لتحسين أحوال الكتاب والنشر والتوزيع التي عانوا منها وتباكوا من أجلها، وهم الذين يعرفون جيدا كم هي الكتابة مكلفة وجدانيا ونفسيا!؟ ثم ما الذي يقومون به غير أن يذكرونا كل مرة بضعف القراءة، وهي تصريحات أجدها مبالغا فيها وغير مقنعة، فمسؤولية ضعف القراءة يتحمل المشتغلون في حقل الكتابة هم كذلك، بشكل أو بآخر، قسطا منها عبر الطريقة التي يعاملون بها احتياجات القارئ الذي لا يتحملون الإنصات له ويعتبرون اختيارات الإبداع حرية مطلقة لا شأن لأحد فيها؛ فالكتابة في النهاية -كما يقال- كلام إنسان إلى إنسان، يجب أن تتحلى بالحد الأدنى من الرغبة في التواصل. هذه المسؤولية تجاه القراء هي ما لخصه الكاتب التركي «أورهان باموق»، الحائز على جائزة نوبل للآداب، بقوله: «لقد بقيت على قيد الحياة في بلد لم يكن فيه لتقليد القراءة وجود، وإن لم يكن هناك من يقرأ كتبي فسيحفزني ذلك على تأليف كتاب أفضل ويحفز الناس على قراءته».