بعث امحمد الخليفة، الوزير السابق والقيادي الاستقلالي، في ال31 من غشت الماضي، رسالة مفتوحة إلى عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال يستعرض فيها الأوضاع التي تعيشها البلاد وانعكاساتها على حزب الاستقلال، الرسالة تخرج جزءا من خلاف الخليفة مع الفاسي إلى العلن وتعطي فكرة عن الأوضاع الداخلية للحزب. وفي ما يلي نصها. ولا يجب أن يكون هدفنا الأساسي في هذه المرحلة هو عقد المؤتمر من أجل عقد المؤتمر فقط، لأن ضميرنا ومسؤوليتنا ونضالية حزبنا وعقيدته ومبادئه لن تسمح بذلك، علينا أن نرتقي عاليا ونسمو بأفكارنا لنجعله مؤتمرا قادرا على الإجابة على كل أسئلة الحاضر والمستقبل، وفي مستوى التحديات المطروحة على الساحة، حتى يكون عقده في مستوى الحدث المنتظر. وهذا يدفعني إلى أن أتوجه إليكم لتحقيق ما يلي: أولا: أطلب منكم الإعلان رسميا، وبالطريقة والأسلوب الذي تختارونه وتفضلونه، وببالغ الوضوح، أنكم كنتم قررتم وحدكم من البداية وبدون تدخل من أحد، احترام قانون الحزب. وأن كل الدعايات والتخمينات والإشاعات، بخصوص رغبتكم في الترشيح لولاية ثالثة، بفرض تعديل قوانين الحزب، أمور لا أساس لها. وأنكم لن ترشحوا نفسكم أبدا ومهما كان من إكراهات، لولاية ثالثة لا يسمح بها القانون. وأنكم لم توكلوا أحدا ليتحدث باسمكم ويتبنى اقتراح ترشيحكم، ولن تقبلوا من أي كان، وتحت أي ستار كان، أن يرشحكم، أو يطلب منكم الترشيح. وأن كل من يقوم بذلك، فوق أنه يدعو إلى خرق قانون الحزب، إنما يسعى إلى خلق صراعات مدسوسة وتآمرية حول منصب الأمين العام، الذي كان له دائما احترامه واعتباره، أو أنه في أحسن الأحوال، سيصنف في خانة المصلَحيين والمتزلفين والمتملقين والمسخرين والطامعين والمتآمرين. إن تصريحكم هذا، هو الذي سيخلد المرحلة الأخيرة من تاريخكم في تحمل أعلى مسؤوليتكم في الحزب، وليس الاستماع للذين يزعمون أن هذا لم يحدث في تاريخ أي أمين عام للحزب. فأنتم أعرف ببواطن الأمور، وكيف كان مسار أول أمين عام للحزب، وكيف رفض الأمين العام الثاني للحزب التَّرَشُّحَ لولاية جديدة.. وبهذا الموقف وحده، يمكنكم أن تفرضوا هيبة المنصب وقوة شخصيتكم على كل من ستسول له نفسه العبث بالقانون. وبهذه الخطوة الأساسية، تنهون حالة الغموض والضبابية التي تغلف الإعداد للمؤتمر الوطني للحزب، والتي يشتكي منها كثير من المناضلين الصادقين ويعيشونها بحذر وترقب، والتي تجثم بغمامها القاتم، على تصور عقد مؤتمر الحزب الذي نريد له كل النجاح. وآنئذ سننطلق جميعا يدا في يد، في وضوح تام، نحو الخطوة الأساسية لعقد مؤتمرنا بثقة ونجاح. وبعد هذا الموقف، يصبح من حق الإخوان المتطلعين لقيادة الحزب، الإعلان عن الرغبة في الترشيح للأمانة العامة، بدون خوف أو تخفي أو تستر أو اشتغال في الظلام وخلف الكواليس، تحدوهم في ذلك روح أخوية وطنية حقيقية وصادقة، بها يرومون خدمة الحزب والوطن. وحينها يجب أن يعاملوا بالاحترام والتقدير اللائقين بكل مناضل رأى نفسه أهلا وكفؤا لقيادة الحزب مع إخوانه في القيادة، الذي قرر التضحية بوضع نفسه رهن إشارة مناضلي حزبه رغم أنه يعرف واقع حزبه. وحرصا على تكافؤ الفرص، فإن مسؤوليتكم الوطنية تفرض عليكم الحرص على أن توضع بين أيدي هؤلاء جميعا، الوسائل المعنوية والمادية والتأطيرية، للعمل مع المناضلين والاتصال بهم داخل المركز وفي كل الجهات والفروع التي يودون فتح حوارات ونقاشات فيها مع مناضليها. ويجب أن يتسم ذلك فعلا وحقيقة بأسلوب حضاري ونضالي، وفي أفق التجارب الحزبية التي عرفتها مختلف المجتمعات الديمقراطية العريقة. ويجب أن يتم كل ذلك بروح أخوية، وبعيدا عن أي نزعة أسريّة أو انتقائية أو إقصائية، وفي إطار من الشفافية والوضوح، وبعيدا أيضا عن أي أنانية أو دوغمائية أو روح استحواذية، وفي جو من الحماس والتنافس بين الإرادات الخيرة. رغبتنا من كل ذلك، الحرص المسبق والحفاظ على عمق مبادئ الحزب وأهدافه وأفكاره وتراثه، وإنماء ما يذخره للمستقبل في شخص مناضليه الذين أبلوا عبر تاريخ حزبهم –ويجب أن يكون نفس الأمر اليوم وغدا- البلاء الحسن، وامتحنوا وحوربوا حتى انتصر الوطن وبقيت العقيدة مصانة، والمبادئ راسخة، والقيم شامخة، وآفاق النضال سهلة وميسرة، ويمكنكم أن تلعبوا الدور البناء، انطلاقا من الاحترام الذي يوليه جميع المناضلين لمؤسسة الأمين العام للحزب، وتساعدوا على بلورة توجه واحد لاختيار الأمين العام، بأداء شهادتكم خالصة لوجه الله والوطن، وخدمة للحزب، في دعم وترشيح الأجدر بتحمل ثقل مسؤولية الأمانة العامة، وبدون تحيز أو مجاملات أو حسابات ضيقة لا فائدة فيها لمستقبل الحزب. ثانيا: بعد إقدامكم على هذه الخطوة الأساسية، يجب حينئذ، وأكثر من أي وقت مضى، أن نصارح النفس اليوم بحقيقة الحزب كما هي، ووضعية فروعه ومراكزه ومفتشياته ومناضليه وهيئاته الموازية، وإعلامه ومركزه، بدون محاباة للنفس، أو تنكر للحقيقة، أو تضخيم ولو اعتمد الرقم، أو القسوة على النفس. فلا سبيل لإعادة بناء الحزب إلا بما سيقدمه أبناؤه البررة اليوم، لاسترجاع مكانته في المجتمع. ويجب أن نوفر جميعا الأسباب ليبرهن الحزب على أنه حزب الوطنية الصادقة بقيمها وأخلاقها، وأنه المدرسة الراسخة في تاريخ الوطن للتكوين الوطني والسياسي. وأنه بمواقفه الجريئة والشجاعة النضالية، هو الأقدر على رفع سقف مطالب الإصلاح وفتح النقاش السياسي الجاد الذي من الأكيد أن شعبنا ووطننا في أمس الحاجة إليه. ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة بناء حزبنا. وهذا يستدعي إعداد تصور شمولي لإعادة هيكلة الحزب وإعادة بنائه بمنظور جديد في أفق أن يبقى حزبنا: حزبا منفتحا ومفتوحا على جميع أبناء الوطن الذين يؤمنون بخطه ومبادئه وبرامجه وإيديولوجيته، والذين يعتزون بتاريخ نضالاته والانتساب إليه، على أساس مبادئه الراسخة المتجلية في التشبث بالدين الإسلامي الحنيف، والملكية الدستورية، ووحدة الوطن. حزبا بارا ومحتضنا لكل أبنائه البررة الذين ناضلوا في صفوفه، وبعضهم منذ نعومة أظافره، والذين قدموا خلال مسارهم الحزبي، أعظم التضحيات ليحموه من خصومه. غايتهم نصرة الحزب وإشاعة مبادئه. والذين صمدوا حقا وسط الأعاصير والزوابع ليبقى الحزب قويا وشامخا، وقدموا التضحيات الجلي في مدنهم وأقاليمهم وقراهم، حتى تغير وجه المغرب. إن هؤلاء المناضلين الذين كانوا بهذه الصفات، وابتعدوا لأنهم أحسوا مع كل أسف، في مرحلة من مراحل تطور العمل السياسي بالمغرب، بالغبن أو التهميش أو الإقصاء، إما عن صواب أو عن خطأ، وفُرِضَ عليهم اختيار آخر، أو اضطروا إلى تجميد نشاطهم الحزبي. أو حتى صرخوا بأصوات عالية لم يسمعها أحد مع الأسف. هؤلاء هويتهم معروفة، وحزبيتهم مشهود لهم بها، ونضالهم لا يمكن تبخيسه، ومن حقهم علينا أن نغتنم هذه الفرصة الذهبية لنحتضنهم، من جديد، مناضلين وأطرا، ونصلح بيننا جميعا ذات البين، ليعودوا للإسهام في بناء حزبهم من جديد. لأنه لا أقسى على المناضل الحزبي الصادق، الذي رضع الوطنية من أثداء الإخلاص والوفاء، من أن يشعر يوما بأن ذلك الحليب الذي رضعه من النبع الصافي تحول في فمه دما مسفوكا وعلقما مرا. حزبا يجب أن تكون تحالفاته بالأساس، مع الصف الوطني الديمقراطي، سواء في نطاق الكتلة الديمقراطية، إن تجددت إرادات مكوناتها، وعزمت على الاضطلاع بالدور الذي أسست من أجله، كقوة طلائعية لمجتمعنا، أو أي تحالف آخر قادر على تحمل مسؤولياته بشروط جديدة داخل المجتمع المغربي، لإعادة تقويم المسار والتوجهات، على أن يبقى الحزب حرا في التحالف مع كل من تجمعه معهم قواسم مشتركة في مبادئه وإيديولوجيته وتوجهاته. حزبا لكل المغاربة، نعم، ولكنه متسع الصدر، للذين قرروا تلقائيا وعن قناعة، الانخراط في صفوفه، بعيدا عن أي انتهازية، سواء كانت بمناسبة تقلد مهام سامية، أو احتلال مقاعد برلمانية باسمه. حزبا خزّانا حقيقيا للأطر الوطنية الكفؤة المقتدرة النزيهة، التي يجب إقناعها إقناعا عقلانيا ومنطقيا بحقيقة حزبنا وما اضطلع به تاريخيا، وبإسهاماته البارزة في بناء الحاضر والمستقبل، واستقطاب هذه الأطر وإعطاؤها الفرص لتحتل مكانتها في هياكله الوطنية والمحلية، بجدارة واقتدار، يطبعها التزام صادق لا تبديل فيه ولا تغيير. أطر قادرة بفكرها النير على الإسهام في إبداع الحلول وحل الإشكاليات المطروحة باستمرار على حاضر البلاد ومستقبلها، وأيضا على التنظيم الحزبي... حزبا للتربية الأساسية، ومَوْطِنا للمدرسة الأولى، للإعداد الوطني والتكوين الرفيع وطنيا وسياسيا وحزبيا... حزبا مشعا بماضيه وشرعيته التاريخية، معبرا أصدق تعبير عن ضمير الشعب ووجدانه وتطلعاته وآماله، بالوطنية الصادقة وبكل قيمها وأخلاقها في كل وقت وحين. حزبا يعطي المثال في الشفافية المطلقة بالنسبة لتدبير ممتلكاته التي يجب جردها وتسجيلها جميعها رسميا باسمه، وجعلها في خدمة أهداف الحزب ومبادئه، وضبط أدق لماليته سواء في مداخلها أو وجوه صرفها وتدبيرها بصفة عامة، مع تحديد مساطر دقيقة للتصرف بأي نوع من أنواع التصرفات. حزبا يجعل من وسائل إعلامه إعلاما هادفا لخدمة الشعب المغربي بمقدساته وقيمه وأخلاقه ومثله، ونشر الفكر الوطني الصادق، والتصدي بفكر خلاق ونيّر، لكل مسيء عن قصد أو غير قصد، لثوابت الأمة وإنسيتها، ونشر الفكر الاستقلالي وكل الاجتهادات التي تخدمه بكل أشكال فنون الكتابة والصورة، وضبط علاقة الحزب بإعلامه، حتى يضطلع بدوره بمسؤولية واقتدار ونزاهة مع الجميع، وشفافية في وجه الجميع. حزبا يستحضر بمسؤولية، بمناسبة انعقاد مؤتمره، جميع الإيجابيات والسلبيات التي عرفها أو طبعت مراحل نضاله. سواء تلك التي كسبنا بها، نتيجة لفتح أبواب الحزب للانخراطات الملتزمة، خلود مبادئنا والانتصار والانتشار، أو تلك التي اجترحنا فيها أخطاء وخطايا، من مثل الاستقطابات السيئة، ولاسيما أثناء الانتخابات، للنجاح والنجاح وحده، أو تلك التي قبلنا فيها أسماء لتحمل المسؤوليات باسم الحزب!! يتبع