الرباط إدريس الكنبوري: عبر الأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، عن سعادته بتصدر الحزب قائمة الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات 7 شتنبر ب52 مقعدا في الغرفة الأولى، وقال في كلمة أمام جموع الاستقلاليين الذين تحلقوا حوله يوم الأحد الماضي بالمقر العام للحزب بالرباط: «نحن سعداء بهذه الثقة، وهذا طبيعي لأننا في الحملة الانتخابية دافعنا عما قام به جلالة الملك من إصلاحات وعما قامت به الحكومة، بما أن الشعب المغربي صوت علينا فقد صوت على حصيلة الحكومة التي كانت إيجابية». وقد عقدت اللجنة التنفيذية مساء يوم السبت اجتماعا طارئا لإجراء تقييم عام للانتخابات التشريعية. وبدا الفاسي منتشيا ومزهوا بالرقم الذي حققه حزبه، وسط أدنى مشاركة تشهدها الانتخابات في المغرب، ونزل من سيارته في مقر الحزب على الساعة السابعة مساء ليستقبله الاستقلاليون بنشيد الحزب الذي وضعه علال الفاسي قبل نصف قرن: مغربنا وطننا روحي فداه ومن يدس حقوقه يذق رداه الحرية جهادنا حتى نراها والتضحية سبيلنا حتى لقاها وحمل شباب الحزب عباس الفاسي على أكتافهم بينما أخذ هو يلوح بيده ويشكل بسبابته ووسطاه علامة الانتصار، وتجمع من حوله عدد من وزراء الحزب وقيادييه، بينهم سعد العلمي وامحمد الخليفة وعبد الحميد عواد وتوفيق احجيرة وزير الإسكان وعادل الدويري وزير السياحة، بينما كان مكبر الصوت يردد نشيد الحزب طيلة الساعات التي استغرقها الحفل الاستقلالي. وعبر العديد من أعضاء الحزب عن نشوتهم بالفوز في الانتخابات التشريعية التي بوأته المرتبة الأولى، وبدت على الجميع شبه مفاجأة كما لو أن الفوز سقط من السماء في اللحظة الأخيرة، في مناخ سياسي كان معبأ لصالح حزب العدالة والتنمية، حتى إن البعض لم يخف تشفيه في هذا الأخير الذي صرح بعض مسؤوليه، كسعد الدين العثماني وعبد الإله بنكيران، بأنه قد يحصل على ما بين 60 إلى 70 مقعدا، أي 25 إلى 30 في المائة من عدد مقاعد الغرفة الأولى. غير أن بعض المصادر في الحزب قالت إن عدد المقاعد التي حصل عليها الاستقلال لا تعكس حقيقته، بسبب بعض الخلافات في عدد من الدوائر التي فوتت على الحزب مقاعد أخرى في مجلس النواب. وقال أحد هذه المصادر إن امحمد بوستة مثلا، الأمين العام السابق للحزب، حارب «من تحتها» امحمد الخليفة ومنعه من الفوز، ونفس الأمر حصل في القنيطرة لأن عبد الله الوارثي لم يناصر مرشح الحزب، الذي اتهمه بأنه لم يدعمه عندما اتهم باستعمال المال في انتخابات تجديد مجلس المستشارين في شتنبر الماضي. وقال توفيق احجيرة، وزير السكنى، ل»المساء» إن الحزب فشل في إقليمبركان بسبب خلافات داخلية، حيث ترشح أربعة استقلاليين، مرشح الحزب وثلاثة من الغاضبين الذين ترشحوا في قوائم مستقلة أو في أحزاب أخرى، مما جعل الحزب يخسر أكثر من ألف صوت، أي مقعدا تقريبا، حسب قوله، ونفس الأمر حصل في جرادة حيث رفض بعض الاستقلاليين «الديمقراطية الداخلية» وتقديم مرشح لم يوافقوا عليه. في كل مكان وعزا احجيرة النتيجة التي حققها الحزب إلى السياسة التي نهجها، وقال «نحصد سياسة نهجها الحزب تقوم على تجديد الفروع مرة كل سنتين، ويمكنني أن أجزم بأن الحزب موجود، وأقول ذلك ليس بناء على معطيات نظرية، فأنا شاركت في الحملة الانتخابية وذهبت إلى المغرب العميق، فحزب الاستقلال موجود في المداشر وفي كل القرى والسهول والجبال وسواحل المغرب، حضور متميز يخلق بعض المرات إخفاقات لأن انتظارات الشعب المغربي كبيرة، حين نخفق في التجاوب مع الشعب المغربي لا نحصل على نتائج طيبة، وحين نكون قريبين من انتظارات المغاربة ونمارس سياسة القرب مع المناضلين أولا والمتعاطفين والمغاربة نحصل على الثقة والتجاوب»، وقال احجيرة إنه شارك في الحملة الانتخابية لدعم مرشحي الحزب في 14 دائرة انتخابية، وإنه لامس خلال تلك الجولات أن حزب الاستقلال موجود من خلال مناضليه القدامى والجدد، ومن بينهم رجال ما يزالون أوفياء للقسم الذي قدموه للحزب بالاستمرار أوفياء له. 33 حزبا سبب المقاطعة عباس الفاسي نزع عن النتيجة التي حققها الحزب طابع المفاجأة، وقال في تصريحات للصحافيين إن المغاربة صوتوا على الأغلبية الحكومية الحالية بغالبيتهم، مضيفا أن «هذا طبيعي جدا وليس هناك أي سبب للاستغراب»، وعبر عن اعتقاده بأن تستمر الأغلبية الحالية في الحكومة، لكنه قال إن «الانطلاقة هي من طرف جلالة الملك، هذا هو الدستور المغربي، جلالة الملك هو الوحيد الذي له الحق في تعيين الوزير الأول، ننتظر قرار جلالة الملك. وعن احتمال إسناد الوزارة الأولى لحزبه قال: «لن نقول إن لنا الوزارة الأولى، فنحن متواضعون وسنبقى متواضعين»، وأكد على التزام حزب الاستقلال داخل الكتلة والتصريح المشترك الذي وقعه مع الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية في 19 غشت الماضي، وكذا بالأغلبية في الحكومة قائلا: «نحن في الكتلة، وأخيرا وقعنا على تصريح مشترك نقول فيه إننا سنتخذ موقفا موحدا بعد الانتخابات، وهناك أيضا الأغلبية من أصدقائنا الذين كانوا معنا في حكومة اليوسفي وحكومة جطو، ونجحنا في الحكومة الأولى وخصوصا في الحكومة الثانية». واعتبر عباس الفاسي أن النتيجة التي حققها حزبه كانت طبيعية جدا لأن الحزب كان دائما يحقق انتصارا في الانتخابات، وانتقد وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري وقال إنه بعد انتخابات 1993 «كلف الملك الراحل امحمد بوستة بتشكيل حكومة التناوب، وأعد بوستة لائحة الوزراء الذين لم يكن البصري من بينهم وقدمها للملك، فلم يحصل التناوب، وفي انتخابات 1997 انتقم منا البصري واحتل الحزب موقعا متأخرا». واعتبر الفاسي أن الإدارة كانت محايدة حيادا مطلقا في الانتخابات، وقال إن انتخابات 2002 كانت نزيهة «بالجملة، باستثناء بعض المقاعد، ولكن اليوم السلطة كانت محايدة الحياد المطلق، والنتائج ظهرت بسرعة، وأنا عرفت نتيجتي في الثالثة صباحا من يوم السبت، بينما في الماضي كانت تبقى أسبوعا»، وزاد قائلا: «نحمد الله على وجود ملك ديمقراطي». وقال إن حزب الاستقلال قاد حملة»نزيهة وشريفة». وعن النسبة الضعيفة للمشاركة الممثلة في 37 في المائة حسب أرقام وزارة الداخلية، قال الأمين العام لحزب الاستقلال: «أفضل 37 في المائة يصوتون ولكن يذهبون أحرارا إلى صناديق الاقتراع، على العهود السابقة التي كان يُحمل فيها الناخبون مثل الغنم والبقر ويوجهون إلى صناديق الاقتراع»، وانتقد كثرة الأحزاب التي شاركت في الانتخابات وأرجع العزوف السياسي للناخبين إلى هذا السبب قائلا: «حزب الاستقلال مع التعددية الحزبية، ولكن عندما يصل الأمر إلى 33 حزبا يكون هناك مشكل بالنسبة للمواطنين في أن يختاروا بين 33 برنامجا، ومن هنا سبب الحيرة والعزوف». حزب الأعيان ورد عباس الفاسي على ما يقال عن حزب الاستقلال بأنه حزب «أهل فاس»، قائلا: «كان يقال في البداية إن حزب الاستقلال هو حزب أهل فاس، لقد أخذنا 4 مقاعد في سوس ومقعدا في الريف ومقعدا في الناظور وخنيفرة ومقعدين في الحاجب، فحزب الاستقلال حزب جميع المغاربة». ونفى توفيق احجيرة أن يكون سبب فوز الحزب راجعا إلى تركيزه على الأعيان وذوي النسب، وقال في تصريح ل «المساء»: «في بعض الأحيان نعم، لكن هناك دوائر، مثل دائرة فكيك ووجدة وزايو، ترشح وفاز فيها موظفون عاديون ليسوا من الأعيان، لكن لا أنكر أن هذا حصل في بعض الدوائر وساهم في الوضع الجديد». وفي تصريحات ل»المساء»، قال حسن قرنفل، مؤلف كتاب»أهل فاس: المال والسياسة» الذي ظهر قبل أشهر، إن حزب الاستقلال لم يعد يعني حزب»أهل فاس» كما كان الحال عليه في الماضي، وأضاف: «أعتقد أن صفة أهل فاس كانت قد أساءت إلى الحزب في السنوات الماضية، ولكن الآن أدرك الحزب هذا الأمر، ونعرف أنه خلال ترؤس امحمد بوستة للحزب بعد وفاة علال الفاسي كانت هناك محاولات لإدخال نخب تنتمي إلى جهات أخرى في المغرب، من بينها النخب المراكشية مثلا، مثل إدخال امحمد الوفا ومحمد الخليفة إلى اللجنة التنفيذية للحزب، ولكن أعتقد أنه حتى الديناميكية الجديدة. التي عرفها الاقتصاد المغربي وبزوغ نخب سياسية واقتصادية أخرى وتطور التعليم في المغرب أدت إلى ظهور فئات جديدة، وقرر حزب الاستقلال بالرغم من قاعدته الأساسية الأصلية أن ينفتح على فضاءات أخرى ونخب تنتمي إلى مجالات متعددة». وعن العوامل التي أدت إلى فوز حزب الاستقلال، قال قرنفل: «لا يجب النظر إلى الدلالات العقلانية المحضة لنتائج الانتخابات، لأن المغاربة في أغلبيتهم لا يصوتون على برامج أو على أحزاب، بل على رهانات وعلى شخصيات محلية، وبالتالي نقول: هل توفق هذا الحزب أو ذاك في اختيارالمرشحين، وليس الأحزاب؟ الرهانات الأساسية للانتخابات المغربية هي الحصول على المرشحين المناسبين الذين يلائمون انتظارات الناخبين الذين يستطيعون الاستجابة لمطالبهم المادية أو التدخل لدى السلطة، وبالتالي هذا انتصار له دلالة بفعل ماضي هذا الحزب، ولكن لا يجب النظر إليه على أنه إقرار نهائي بأهمية هذا الحزب السياسية وريادته على مستوى المشهد السياسي المغربي». وعزا قرنفل فوز الحزب إلى مجموعة من الاعتبارات، وأبرزها أن أهم الأوراش التي أنجزت في المغرب خلال هذه الولاية الانتخابية كان يشرف عليها وزراء استقلاليون، من قبيل وزارة السكنى ووزارة التجهيز ووزارة السياحة، وبالتالي استفاد وزراء الحزب، والحزب من خلالهم، من تغطية إعلامية، مما شكل قيمة مضافة لهذا الحزب. وأضاف قرنفل أن حزب الاستقلال لا يعتمد على صورته الوطنية بالدرجة الأولى «بقدرما يعتمد على الأعيان المحليين الذين لهم نفوذ وحضور قوي في الدوائر التي ترشحوا فيها». أما خالد الجامعي، أحد الوجوه الاستقلالية الأولى، فقد اعتبر في تعليق ل»المساء» على فوز حزب الاستقلال بالمرتبة الأولى في الانتخابات بأن ذلك لا يعني شيئا، لأن نسبة 37 في المائة من المشاركين فيها لا يمكن أن تجعل أي حزب يقول إنه يمثل قوة سياسية، وتساءل: «كيف يمكن أن يكون الحزب هو الأول في 37 في المائة من الأصوات، وما هي النسبة التي حصل عليها في هذه النسبة؟ لو كان المغاربة شاركوا بكثافة في الانتخابات لجاءت النتائج مختلفة»، واعتبر أن من فازوا في إطار الحزب لا ينتمون إليه بالفعل وليسوا من مناضليه وأنهم في أغلبيتهم انضموا إليه خلال السنتين الأخيرتين ولا علاقة لهم بإيديولوجيا الحزب «وأظن أنهم لم يعرفوا في يوم من الأيام أن علال الفاسي لديه كتاب عنوانه «النقد الذاتي» ولا هم يحزنون، فحزب الاستقلال، مثله مثل الاتحاد الاشتراكي، حاول أن يستقطب الأعيان وأصحاب المال، وهناك من جاء إلى الحزب من حزب محمود عرشان نفسه». وذكر خالد الجامعي بفضيحة استعمال الماضي في انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين التي تورط فيها مرشحون استقلاليون. عباس الفاسي يهاجم قناة الجزيرة رفض عباس الفاسي إعطاء تصريح لقناة «الجزيرة» القطرية وقال لمراسلها: أنا الآن أنتظر الاعتذار من قناة الجزيرة، لأنهم تدخلوا في الانتخابات وأيدوا حزبا معينا وحاربوا حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وفي انتظار الاعتذار أصرح بشيء لها. رسالة مشفرة إلى العدالة والتنمية بعث الفاسي رسالة مشفرة إلى حزب العدالة والتنمية الذي كانت استطلاعات الرأي قد أعطته الرتبة الأولى في نوايا التصويت، وقال: «الحملة الانتخابية لحزب الاستقلال كانت كلها تواضعا، لم يصدر عنا تصريح نقول فيه إننا سنكون الأولين وأننا سنحصل على ثمانين أو تسعين مقعدا، كنا متواضعين وهادئين ولنا الثقة الكاملة في الشعب المغربي، وكذلك لم نقل ولن نقول إننا نبحث عن الوزارة الأولى أو الوزارات النافذة، وجميعنا اليوم ننتظر قرار جلالة الملك، وهذا واضح في الدستور الذي يقول إن الملك يعين الوزير الأول والوزير الأول يعين الوزراء باقتراح من جلالة الملك، ونحن ننتظر قرار جلالة الملك بتعيين الوزير الأول»، قبل أن يضيف، تعليقا على تدني المشاركة يوم الاقتراع: «بصفة عامة نحن الأولون».