كانت الدارالبيضاء، يوم الأحد الماضي، مسرحا لمظاهرة دعت إليها نقابتان وشهدت مشاركة عدد من الأحزاب السياسية. تمثل هدف تنظيم هذه المظاهرة في الدفاع عن كرامة العمال، وهو بكل تأكيد مشروع كبير، كما قال رجل عظيم، غير أن هذا الأمر يطرح علامات استفهام بخصوص مشاركة السياسيين والأحزاب السياسية في تلك المسيرة. فقد سبق لهؤلاء المشاركين في المسيرة أن تولوا مسؤوليات حكومية طيلة سنوات عديدة، وكانت الفرصة متاحة لهم كي يبرهنوا للرأي العام عن قدرتهم على الدفاع عن مصالح المواطنين وكرامتهم، لكنهم لم يفعلوا. وانتبهوا اليوم، فجأة، إلى أن هذه الكرامة انتهكت، فعادوا، على عجل، إلى الدفاع عنها. يجب أن يكونوا مفتقدين روح المسؤولية ورجال سياسة بدون ضمير ليقدموا على هذا الأمر بعد مشاركتهم في حكومتين متتاليتين وإنهائهم لهما بحصيلة تدبيرية سلبية مع نقص كبير في الشجاعة، فكيف يمكن التباهي وإملاء الدروس في الشجاعة والجرأة عندما يصير العمود الفقري مقوسا من فرط الانحناء طيلة سنوات عديدة لوزير الداخلية المعلوم، ثم قبول المشاركة في حكومة (2002 -2007) يرأسها تقنوقراطي بُعيْد تصدر الانتخابات التشريعية؟ أي حشرة لدغتكم لتخرجوا إلى الشارع مطالبين بكرامتكم، وقد ألفتم أروقة الحكم ونقاشات الصالونات؟ وبما أنكم اعتدتم أيضا على النضال من أجل «قضايا بسيطة»، تلك التي تثير جدلا دون أن تمس مصالح الأقوياء أو المخزن، فإن انتقاد الحكومة الحالية، ولاسيما حزب العدالة والتنمية، يبدو مكلفا اليوم. إنها فرصة للذين يؤثثون مشهدنا السياسي ويلهثون وراء القضايا المشروعة من أجل الركوب عليها لرفع قيمتهم بهدف الارتقاء إلى مصاف الحداثيين والمدافعين عن المصلحة العامة. ولهذه الأسباب، لم أستطع منع نفسي من طرح السؤال التالي: ألم يسبق لكم أن رأيتم أنفسكم في «مرآة التاريخ»؟ إذا فعلتم، ستكتشفون أن الشعب لفظكم. لم ينس أنكم خدعتموه بالخطب الرنانة والتصريحات الشعبوية، وبعد أن ولجتم إلى السلطة أجهزتم على الثقة التي وضعها فيكم والآمال التي عقدها عليكم. بماذا قمتم من أجل ترسيخ الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان؟ كيف تجرؤون على مطالبة الحكومة الحالية بمحاربة الفساد بعد أن رفضتم، في وقت سابق، الكشف عن لوائح المستفيدين من «الكريمات»؟ وأين كنتم عندما خرج شباب 20 فبراير إلى الشوارع مطالبا بالحرية ومحاربة الفساد والوقوف في وجه الاستبداد؟ قد أدرتم ظهوركم لهذه الحركة أملا في التموقع وجني ثمار الخضوع! لا فائدة في تذكيركم بالنتائج، فأنتم أدرى بها. لقد جاءكم رد الشعب (حولتكم الانتخابات إلى حزب من الدرجة الثانية)، فلماذا تصرون على إثارة كل هذا الصخب؟ ففي نهاية المطاف، وحدها الدلاء الفارغة تصدر ضجيجا. لنكن واضحين: لا يريد المغرب اليوم أن يرى رجالا من زمن مضى يؤثثون مشهده السياسي.. الشعب يريد طي صفحة الماضي والسير قدما نحو الأمام؛ كما أن المغاربة اليوم ليسوا في حاجة إلى سماع أصوات زارعي الأوهام الذين قادوه إلى النفق المسدود. لا يزال الجميع يتذكر تجربة حكومة التناوب التوافقي المخيبة للآمال. ألم تنتج هذه الخيبة عن التركيز على شيء عزيز لدى المغاربة، وهو الكرامة، فكيف ننسى الحداثة والديمقراطية وكل هذا الماضي ومحاولة ادعاء العذرية السياسية؟ إن الشجرة المعنوية التي تختبئون وراءها لن تخفي غابة الأوهام التي زرعتموها وخيبات الأمل التي تسببتم فيها. باختصار، إني أحاول تذكيركم بأن الربيع العربي أتى بمطلب جديد عنوانه: «ارحل». حاولوا أن تفهموا معناه وتستخلصوا العبر لكي لا تسيئوا فهم المستقبل. وفي جميع الأحوال، يجب أن تعرفوا أن التاريخ لا يتيح فرصة الإعادة إلى الأبد، وأن المغاربة لم يعودوا يقبلون أن توجد في مشهدهم السياسي حرابي تغير جلدها بسرعة. اتركوا السياسة للذين يعرفون كيف يحفظون لها نبلها؛ افتحوا الباب لأجيال جديدة وكفاءات جديدة؛ تحلوا بالذكاء والفطنة لتتيقنوا من أن زمنكم انقضى وأنه حانت ساعة رحيلكم عن الساحة السياسية ماشين على رؤوس أصابع أقدامكم. توقعوا أن يتم كنسكم من المشهد السياسي بالمكنسة لأن إصراركم على احتلال الميدان والوقوف في طريق الأجيال الصاعدة لن يستمر إلى الأبد. وإذا لم تفعلوا، فإننا سنرفع في وجوهكم الكلمة السابقة ونقول لكم: «ارحلوا».