"شوك الوردة لا يحجب عطرها، وعطر الوردة لا يحجب شوكها "مثل هندي إلى المداحين الجدد: ليس كل ما يلمع ذهبا، لذلك كفوا عن تسويق أوهام حول مغرب سعيد، أحجبوا خطاباتكم المسطحة مثل جنازة، تبشرنا- وبالأرقام الباردة- بتقدم في التغلب على مؤشر البطالة أو ارتفاع حجم الاستثمار، ودخولنا عهدا جديدا، تفرشون طريقه بالورود البلاستيكية، فلم يحدث أن تقدمت أمة لمجرد ارتفاع أرقام وانخفاض أخرى، بل تتقدم الدول بفكرة ومشروع يجسد أحلام شعوبها، في قدرة قيادتها على خلق أساطير دافئة تحفز الكل على المشاركة في المشاركة والإنتاج والدفاع عن مشروع حلم يحمل طموحات مختلف أطياف المجموعة الوطنية . كفوا عن الترويج للمغرب الآخر الذي اعتدتم نشره في الملفات الخاصة في الجرائد الملونة الصقيلة وفي البطائق البريدية للسياح، مغرب الأضواء السحرية والأماكن الأسطورية والبنيات الفرعونية، ذلك المغرب البعيد عنا، المفارق لنا، يقيم فينا ولا نقيم فيه، ولأنكم اعتدتم تسوير دور الصفيح والأمكنة المهمشة، فإنكم لا تبشرون إلا بهذا المغرب ولا تنظرون إلى قفا الوجه، حيث المهمشون والمخصيون من طعم الحياة والذين يصارعون بؤسهم الوجودي، ولعلكم لا تعلمون بهذا المغرب الفصامي حيث المتسكعون وجيوش العاطلين والعاهرات المستباحات في أحلامهن والمشردون والمحرومون من حقهم في حياة كريمة. إلى العدميين الجدد : على هذه الأرض ما يستحق أن يُعاش، وقول الحقيقة لا يعني توجيه رصاصة الرحمة إلى جبين وطن تتصارع فيه بنيات ومواقف، أفكار ومصالح، مغرب مشدود إلى ثقل ماضيه المليء بالانكسارات والجراحات الكبرى ،كما بملاحمه البطولية وانتصاراته الجميلة، مغرب منقسم بين جمال موقعه الجغرافي وبؤس حرمانه من الطعم المالح للبترول، مغرب متعثر الخطى بين فك أغلال الماضي ومحاولة دفنه إلى الأبد ..وبين الحنين إلى عودته وتكراره في حاضر متوتر، تخترقه نوازع أحلام جيل جديد من أبنائه وثقل ضرائب أخطاء الآباء، لا يمكن الدوس على كل ما أنجز، فقد اعتدتم أن تروا السواد بشفافية واضحة فيما ألوان قزح تبدو غارقة في ضباب اليأس . أيها المتسلحون بمحاكمة النوايا، الناصبون فخاخهم لطعن كل فكرة جميلة أو حلم نبيل، لا تحجبوا عنا نور الشمس، فمغرب اليوم، بمنطق التاريخ وحده، ليس هو مغرب الأمس، وإنكار أي تطور هو تسديد ضربة قاضية لنضالات أجيال، هو قتل عمد للسياسة وتيئيس من جدواها، واعتبار أن كل الكفاحات التي قدمها الشعب المغربي ذهبت سدى، إنكم، وحتى بدون قصد، تحولون المخزن إلى كائن خرافي لا يغلب، والاستبداد المتسلط على الرقاب قدر لا مفر منه، فرجاء افتحوا كوة للحقيقة في نوافذ أدمغتكم، أحيانا تبدون في وضع "أعمى يبحث في غرفة مظلمة عن قطة سوداء لا وجود لها" إلا في ذهنكم.. لقد تحقق الكثير في ظرف عقد من الزمن، واتساع مجال الحريات ليس منحة من أحد بل هو ثمرة نضالات مريرة، وأنه لا يمكن وضع كل السمك الفاسد في سلة واحدة، وأن هناك الكثير من الخصاص ونحن لا زلنا نتردد في دخول المغارة الديمقراطية. مجرد أمنية: إن المغرب يحتاج اليوم لمن يجلب المنافع ويدرء عنه المفاسد وليس في حاجة إلى مداحين أو عدميين، يلزمه لغة وسطى تجعل من قول الحقيقة غايتها، لغة وسطى تحتاج إلى نخبة وسطى بين المداحين والعدميين، نخبة تحسنا بأن الانتماء لهذا الوطن ليس ظلما وجوديا لقدر أعمى، وترفع أمام أعيننا مغربا نستحقه ويستحقنا، نخبة صوفية لا تحابي ولا تعادي، قادرة على إعادة الأمل إلى نفوسنا والثقة التي أخطأت الطريق إلينا . إن الدفاع عن وحدة الوطن ومصالحه التي تُوحد كل المغاربة، بغير لغة المقدسات ، ليس(بيعًا للْمَاتش)،ولكن السكوت عن الظلم ونهب المال العام وانتهاك حق المغاربة في العيش الكريم يعتبر جريمة والساكت عن الحق هنا أشبه بشيطان أخرس. إني أحلم فقط بنخبة تخرج واقعية وسطية من صلبنا، تطرب للجميل على أرضنا، وحين تلحظ جرحنا لا تغمس فيه سكينها طربا ونكاية ... أعرف أن الواقع يعلو على الآمال، والتاريخ لا يغدو إلا تجليات لإرادة البشر التي تتدافع في الأرض من أجل مصالحها وطموحاتها .. والسلطة لا تفرح إلا بمن يخلد أمجادها، والخطاب السائد في جل صحفنا وبين سياسيينا لا يمنح الألقاب إلا لخطاب اليأس والاتجار في حق أحلام بلد ألا يكون كما هو عليه اليوم.. لكن كيف أحمي قلبي من الأماني وهو عليل .