ينظم عمال النظافة في هولندا منذ أسابيع إضرابات متقطعة احتجاجا على ظروف عملهم رافعين شعار: "احترام". اليوم الخميس يتقاطر على لاهاي مستخدمو قطاع النظافة من كل جهات البلاد لإسماع صوتهم أمام مقر الحكومة والبرلمان، منهم المغربي جمال بنمسعود الذي يؤمن بأن الإضراب "أداة للضغط" ولو أنه شبه متيقن بأن الإضراب لن يأتي بنتائج ملموسة، كون أرباب العمل "يريدون تصريف الأزمة (الاقتصادية)على ظهور العمال". عمل كثير وراتب ضئيل هو الإضراب الثاني خلال هذه السنة، وهو أيضا استمرار لسلسلة الإضرابات التي شنها عمال هذا القطاع خلال العام 2010. ولكن لماذا يضرب هؤلاء وماهي مطالبهم؟ "الضغط" على عمال النظافة، يؤكد بنمسعود الذي يعمل في تنظيف محطة للقطارات على الحدود الهولندية البلجيكية حيث التقته إذاعة هولندا العالمية. "ضغط العمل تضاعف علينا بينما بقي الراتب ضئيلا جدا". ليست قضية الراتب وحدها ما يدفع بنمسعود ورفاقة للإحتجاج، بل أيضا سلسلة من الإجحافات التي تطالهم. هذه القضايا "ينبغي الحسم فيها" يقول بنمسعود وهو يستعد للرجوع للمقصف حيث ينتظره رفاقه. من هذه القضايا: "اقتطاع اليومين الأولين من إجازات المرض من الراتب" و "غياب تعويضات النقل وخاصة لمن يسكن بعيدا عن مقر العمل". يرى جمال بنمسعود الذي لم تسعفه دراسته الجامعية في المغرب ولا تكوينه في هولندا في إيجاد عمل يحقق طموحاته، أن القانون المنظم لقطاع النظافة " قانون قديم لم يتغير، وفي هذه الظرفية الأخيرة مع الأزمة الاقتصادية يحاول أرباب العمل تصريف الأزمة على ظهور العمال. العمال يشتغلون كثيرا والراتب قليل ومجموعة من المكتسبات تم التراجع عنها". نقابة لا تتواصل يعمل بنمسعود في قطاع النظافة منذ حوالي تسع سنوات، وقبل ذلك مارس أعمالا مختلفة في المعامل. ومما يلفت النظر أن وعيه النقابي متقدم جدا، وهو عضو نقابي نشط منذ 1995 رغم أنه لا يعول كثيرا على النقابة لتحقيق مطالبه ومطالب رفاقه. "أنا أشتغل في هذه المحطة منذ أزيد من تسع سنوات وأتأسف كثيرا كون النقابة غائبة تماما عنا ولا يزورنا أحد من مسئوليها إلا نادرا جدا. هناك انعدام تام للتواصل بين النقابة وبيننا وهذه مشكلة. النقابة لا تعمل شيئا". وعلى الرغم من هذا الانتقاد الشديد لنقابة عمال النظافة يعتقد بنمسعود، العضو النشط سابقا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حينما كان طالبا في الجامعة بالمغرب، أن العمل النقابي ضروري وهو تعبير عن المشاركة الفعلية في المجتمع. "أن تكون إنسانا فاعلا في المجتمع، عليك أن تكون مؤطَّرا إما في نقابة أو حزب سياسي". هذا الوعي السياسي والنقابي حمله بنمسعود معه من المغرب حينما قرر الهجرة إلى أوربا مع ما حمله من أحلام وطموحات. "عندما أتيت إلى هولندا كنت متحمسا جدا واعتقدت أن العمل النقابي سيجدي. في رأيي أن العامل غير المنقب، الذي لم ينتظم تحت أية نقابة، هو عامل لا يساهم في تحقيق المطالب العمالية". أحلام وأوهام يحمل جمال بنمسعود المتحمس للإضراب والاحتجاج من أجل كرامة عامل النظافة، آثار خيبات أمل أصيب بها في هجرته. "كانت لدي طموحات وأوهام"، يقول بنموسى مستذكرا سنوات الجهد للحصول على وظيفة في مستواه. وعندما تأكد لديه أن تلك الطموحات "تحطمت على صخرة الهجرة"، استسلم للأمر الواقع ليستقر به الوضع في إحدى محطات القطار جنوبهولندا. ولا يخفي بنمسعود خيبة أمله لا سيما أن بعض أقرانه في المغرب حصلوا على وظائف "مشرفة". "عندما كنا في المغرب هاجرنا لعالم أفضل وليكون مستوانا المعيشي أحسن"، إلا أن واقع الحال في نظره اتخذ مجرى مغاير تماما. وما يضاعف من خيبة أمل جمال بنمسعود هو إحساسه بأن أرباب العمل في قطاع النظافة "يستغلون العمال" وخاصة من لا يجيد منهم التحدث باللغة الهولندية. "إذا كان مستواك اللغوي جيدا لن تحصل على عمل في النظافة"، يوضح بنمسعود انطلاقا من تجربته التي راكمها على مدى تسع سنوات. ومع أنه يعتبر وظيفته كعامل نظافة "فشل ذريع في حياته" وفي مسار هجرته، إلا أن بنمسعود يشارك في الإضراب الوطني العام لعله يستعيد بذلك بعضا من كرامته. --- ينشر باتفاق شراكة وتعاون مع إذاعة هولندا العالمية