تواجه النخبة السياسية المغربية، أو على الأقل النخبة التي تحتل مشهدنا السياسي حاليا، صعوبات في الانعتاق من العبودية التي تنخرط فيها بشكل طبيعي، حتى إنه يتملكنا انطباع بأن هذه العبودية تتلاءم مع طبيعة هذه النخبة الشبيهة، في جوهرها، بنخب القرون الوسطى التي لم يكن لها همّ عدا الاستجابة لتطلعات الأمير أو صاحب السلطة، ليس بسبب الرهاب من السلطة وإنما تلبية لرغبتها الخاصة في الخضوع. ولهذه الأسباب، يبدو صعبا بناء أمة حديثة وديمقراطية بمعية هذه الطبقة السياسية. يمكننا كذلك القول إن هذه النخبة فوتت على المغرب فرصة ممتازة ليتحول إلى ملكية ديمقراطية ومجتمع منخرط في دينامية الزمن الراهن. وكما يقول «لا بويتي»: «الخوف من الحرية يجعل كل فرد من هذه النخبة متواطئا مع الأمير». فقد كنا نعتقد أن تنزيل الدستور الجديد سيتيح فرصة انبثاق ثقافة جديدة، أساسها الحرية والمسؤولية والشفافية. كان الجميع ينتظر كذلك أن تدشن الوثيقة الدستورية عهدا جديدا تتولى فيه الحكومة السلطة وفق المتعارف عليه في الديمقراطية، خصوصا وأن الربيع العربي أفرز نفسا جديدا من التطلع إلى الحرية والكرامة؛ فماذا يحدث في المغرب؟ نجد زعماء يعملون على إحياء تقاليد بائدة وممارسات عفا عنها الزمن، تعتبر -في الأصل- سبب تخلفنا. المواطنون ليسوا مغفلين ولا متواطئين. إنهم يقدرون الظرفية التاريخية الراهنة حق قدرها وينتظرون إقرار تغيير في مستوى تطلعاتهم، وهو ما لم يتحقق إلى حدود الساعة، للأسف. ولذلك، يتعين على الموجودين في السلطة حاليا أن يبادروا إلى طمأنة المواطنين بخصوص مستقبلهم. يريد المواطنون أجوبة واضحة عن الأسئلة التالية: - ما الذي تنوون القيام به لاستعادة التوازنات الماكرواقتصادية وإعطاء انطلاقة جديدة للنمو الاقتصادي؟ - ما هي الإجراءات التي تلتزمون بالقيام بها من أجل إنعاش الشغل وخفض معدل البطالة وتقليص الفوارق الاجتماعية؟ - ما هي الإصلاحات التي تعتزمون مباشرتها من أجل دعم الحكامة وتقوية تنافسية البلاد ورفع الصادرات؟ - ما هي استراتيجيتكم لمحاربة الفساد؟ ولماذا توقفتم في منتصف الطريق (لا تسنوا أنكم أثرتم شهية المواطنين، وأن عليكم السير قدما على طريق فضح الفساد)؟ - ما هي المبادرات التي ستقومون بها من أجل دعم حقوق الإنسان واحترام الحريات العامة وحقوق المرأة؟ - ما هي التدابير التي تنوون اتخاذها لكي تصبح المدرسة المغربية، من جديد، سلما للترقي الاجتماعي وأداة للإنعاش الثقافي؟ - ما هي خطتكم لكي تصبح السلطتان القضائية والإعلامية مستقلتين؟ - كيف ستعملون على توظيف مراكز القرار والمؤسسات الاستراتيجية من أجل تحقيق أهدافكم؟ - كيف ستجعلون الفاعلين الاجتماعيين ينخرطون في تنزيل سياستكم؟ - وأخيرا، كيف ستعيدون الثقة إلى المواطن، لأنه لن يتحقق أي شيء بدون هذه الثقة؟ إجمالا، الانتظارات كبيرة والمطالب أيضا. ويجب أن يعي الفريق الحكومي الحالي بأن عمله سيخضع للتقييم. وينبغي أن يفطن كذلك إلى أن الإشارات الأولى ليست مطمئنة. وهذا يعني أن ثمة أسبابا حقيقية تدفع إلى طرح السؤال حول قدرة هذه الحكومة على إنجاح الانتقال الضروري إلى مجتمع حديث واقتصاد محصن ضد الفساد وحريات وحقوق نسائية ممنعة ضد الظلم الذكوري وحريات مواطنين محصنة ضد الطغيان، لأن نقص الحرية هو سبب كل الشرور التي نعاني منها. أليس هاما أن تفرضوا وجودكم، وتمسكوا بزمام السلطة، وتنهوا ما بدأتموه وتخبرونا في أي اتجاه تسيرون؟ لا فائدة في تذكيركم بما قاله أحد الفلاسفة الكبار: «لا توجد رياح مواتية لمن لا يعرف المرفأ الذي سيرسو فيه».