«كانت فرِحَة جدا بمولودتها الأنثى».. فرحة لم تكتمل ل«فاطمة الوراشي»، الأم والزوجة الشابة (من مواليد 1978 بقلعة السراغنة) التي أنجبت أخيرا طفلة (آية ستة أشهر) طالما حلمت بإنجابها، بعدما «اختطفها» الموت المفاجئ وهي تحتضن طفلتها الصغيرة في حادث انهيار منزل بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء، ليلة الأربعاء الخميس، وهو الحادث الذي «سرق» طفليها أيضا (أشرف 11 سنة ومحمد 5 سنوات) فيما لايزال رب الأسرة الضحية (عبد الغني حمدي من مواليد 1978مهنته خياط) يرقد بمستعجلات ابن رشد بين الحياة والموت، حسب مصادر مقربة بحي سيدي فاتح بدرب خروبة في عرصة الزرقطوني بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء الذي كان مسرحا لهذه الحادثة. هكذا انتهت حياة أسرة بكاملها في هذا الحادث التراجيدي فيما لايزال الأب يصارع الموت وهو لا يدري أن أفراد أسرته الصغيرة هلكوا جميعا. زهرة لبزاوي (من مواليد 1943بالمحمدية) كانت متخشعة في صلاتها بمنزلها في الطابق الثاني، إلى حد أنها رفضت قطع الصلاة عندما سمعت أصواتا تناديها بمغادرة المنزل، البعض عزا عدم استجابتها لنداء بعض الجيران الذين تنبؤوا بانهيار المنزل إلى أنها كانت تعاني مشاكل في السمع غير أن القدر أراد لها أن تسلم الروح إلى بارئها بحسن الخاتمة. يقول أحد شباب الحي، الذي كان من بين الأوائل الذين تطوعوا للبحث عن الضحايا حتى قبل وصول رجال الوقاية المدنية، إن عينيه لم يغمض لهما جفن، وأن صورة الضحية زهرة لا تفارق مخيلته، خاصة أنها أول ضحية تم انتشالها من تحت الأنقاض من طرف أبناء الحي، إذ كان رأسها مهشما بالكامل، والوضع نفسه بالنسبة إلى باقي الضحايا الذين انتشلتهم عناصر الوقاية المدنية. ومازال هناك تضارب في عدد الضحايا، ففي الوقت الذي تقول فيه الرواية الرسمية إن عدد ضحايا الانهيار خمسة، وأن آخر جثة تم انتشالها تعود للأم الشابة، أول أمس الخميس، حوالي الثانية والنصف لتنضاف إلى أطفالها الثلاثة الذين قضوا بدورهم في نفس الحادث، في الوقت الذي يعاني فيه الأب من إصابات بليغة، يتحدث سكان الحي الذين زارتهم «المساء» عن احتمال مصرع والد الأم الشابة الذي كان يوجد معها في المنزل وهو ما لم يتأكد إلى حد الآن بشكل رسمي، بالإضافة إلى احتمال مصرع شخصين كانا يمران بالصدفة أمام المنزل، غير أن هؤلاء جميعا لم تؤكد أي جهة رسمية أن يكونوا فعلا قد هلكوا في الحادث، فيما تحدث السكان عن إمكانية حصيلة أكبر لأن الحادث تزامن مع فترة الليل. ناجون بالصدفة مازال سكان حي سيدي فاتح يعيشون على هول الصدمة التي أهلكت خمسة أفراد، من بينهم أم وأطفالها الثلاثة الذين لم تكن لهم القدرة على النجاة بأرواحهم بسبب صغر سنهم، مثلما كان عصيا على السيدة العجوز أن تنجو بنفسها بسبب عامل السن وسرعة الانهيار، حيث تهاوى المنزل بشكل عمودي في اتجاه منزلين يقعان أمامه، والصدفة وحدها هي التي حالت دون سقوط المزيد من الأرواح. هشام دفعه الشعور بالعطش إلى التوجه نحو مطبخ المنزل لجلب كوب ماء فإذا به يجد أن الركن الذي كان ينام به هوى نحو الخارج بعدما سقط عليه المنزل المنهار. الصدفة نفسها هي التي قادت ابن المسنة الهالكة وأسرته نحو قريب لها لأداء «واجب العزاء» حيث غادر المنزل قبل دقائق هو وأسرته، في الوقت الذي فضلت الضحية المسنة التريث قليلا قبل أن تلتحق بهم. من محاسن الصدف، تقول الحاجة خديجة (إحدى القاطنات بالمنازل المنهارة) أن ناديا للأنترنيت يقع تحت منزلها، والذي كان من أكثر المنازل تضررا، كان يحتشد داخله، يوميا، عشرات الزبناء أغلبهم من الشباب، غير أنه لم يفتح أبوابه ليلة الأربعاء الخميس بشكل نهائي وهو ما لا يحصل في العادة وإلا لوقعت الكارثة. حال أسرة الضحية المسنة ينطبق على الكثير من الشباب الذين يقطنون بالمنازل الثلاثة التي انهارت أجزاء منها متأثرة بسقوط المنزل الذي هوى بالكامل حيث دفعهم الحر إلى البقاء أطول وقت في الخارج. غير أن أسرة أخرى تقطن بالطابق الأول غادرت المنزل بعدما لاحظت أنه أضحى على حافة الانهيار بسبب تساقط أجزاء منه وتساقط حبيبات من جدرانه بشكل وصف ب»المستمر» بالإضافة إلى التصدعات الكبيرة التي لحقت به وهو ما شكل الدافع الأساسي للمغادرة، حسب تصريحات استقتها «المساء» من بعض سكان الحي. «تشرد» سبعة أسر بعد حادث الانهيار لم يتم فقط إخلاء المنازل التي تأثرت في هذا الحادث، بل غادرت أسر أخرى غير معنية منازلها بسبب الخوف. الأسر السبعة التي غادرت منازلها مازالت تجهل المكان الذي ستستقر فيه بعدما لجأت مؤقتا عند بعض الأقارب أو الجيران وهو الوضع الذي لا يمكن أن يستمر. تقول خديجة: «أصبحنا الآن مشردين ولا نعلم أين سنستقر فأنا مثلا أم ولدي أبناء ومنهم متزوجون يقطنون معي ولهم أطفال أيضا ولا نعلم أين سنستقر بعدما أخلينا منزلنا، الذي يضم بالإضافة إلى أبنائي وأزواجهم وزوجاتهم عائلة شقيق زوجي الذي يقطن معه أيضا بعض أبنائه المتزوجين. نحن عائلة مركبة وهذا الانهيار تسبب في تشريدنا». تقول نسرين (من قاطنات الحي): «الخطر يتهدد جميع قاطني المدينة القديمة، خاصة بعض الأحياء، من بينها سيدي فاتح والسويقة وزنقة التناكر وجامع الشلوح والملاح وبوسبير وبوطويل ودرب المعيزي ودرب الطاليان و.. لذلك نحن نطالب بحل شمولي وجذري لهذا المشكل لتخليصنا من كابوس الانهيارات المتوالية التي تواصل حصد أرواح السكان في مثل هذه الانهيارات المفاجئة. على السلطات المسؤولة الآن البحث عن حلول آنية للأسر التي أصبحت بدون سكن وأضحت عرضة للشارع لأنه يستحيل أن يتم استقبال عائلة تتكون من أكثر من عشرة أشخاص من طرف أسرة أخرى». المطلب نفسه ناشده أغلب السكان الذين تجمهروا بالحي، حيث تحول إلى محج يستقطب مئات الأشخاص من مختلف أحياء المدينة القديمة والخوف يتملكهم من أن يأتي عليهم الدور أو أن تكون منازلهم الحلقة الموالية في سلسلة الانهيارات التي تشهدها المدينة القديمة، والتي كان آخرها قبل هذه الفاجعة انهيار منزل من ثلاثة طوابق بشكل جزئي في شهر أبريل الماضي بدرب حمان بالمدينة القديمة غير أن سكان هذا المنزل كانوا أوفر حظا من سواهم لأن الحادث لم يخلف ضحايا في الأرواح. سبب الانهيار أغلب السكان الذين استقت «المساء» آراءهم صرحوا بأن السبب الأساسي في انهيار هذا المنزل، الذي صرحت خديجة الطنطاوي، مستشارة جماعية بسيدي بليوط، بأنه لا يدخل ضمن قائمة المنازل الآيلة للسقوط، هو أشغال التهيئة التي يعرفها الحي الذي تقع به. وصرحت الطنطاوي بأن هذا المنزل «تضرب ليه الساس ديالو» بسبب أشغال تهيئة المدينة القديمة التي يجب أن تقوم بها شركات متخصصة في هذا المجال لأن الأمر يتعلق ب»قنبلة موقوتة»، وأنه يتطلب إجراء دراسة في الوقت الذي لم نر سوى أشخاص قالوا إنهم متخصصون في المجال، حيث يجري استعمال آليات ذات تردد قوي «تصلح في الجبال» وليس وسط أحياء قديمة عمرت لأزيد من قرن وهي ذات بنية هشة. صاحبة المنزل المنهار، التي لا تقطن به، صرحت بأن منزلها المنهار «صلب البناء» وتقول إن «الدار تحشات من التحت» بسبب الأشغال، مؤكدة أنها لا يمكن أن تنهار بكل بساطة. وأضافت أنه كان حريا بالجهات المسؤولة إن كان منزلها، وفق ما يروج، أنه مهدد بالانهيار وهذا غير صحيح، أن يتم «إخلاؤه من المكترين» لتجنيبهم ما حصل. تقول أسماء، من أبناء الحي، وهي تعرض فيديو بهاتفها المحمول كيف تسقط أجزاء من سقف المنزل الذي تقطن به قطعة قطعة بشكل مستمر مما يزيد من مخاوف الأسرة. وتضيف حنان في الإطار نفسه «نحن لسنا ضد الإصلاح» لكنهم يطبقون المثل القائل «المزوق من برا آش خبارك من الداخل». يجب أن يتم إصلاح وترميم منازلنا حفاظا على أرواح آلاف السكان ومن ثمة يمكن العمل على ترميم الأزقة. تقول الطنطاوي: «مشكل المدينة القديمة وأشغال التهيئة هو أمر متشعب، غير أن حله ليس مستحيلا، إذ إنه يمكن أن يتم «إخلاء المنازل وترميمها ومن تم إرجاع السكان وإتمام أشغال التهيئة منعا للمزيد من الضحايا». تكلفة المشروع تصل كلفة مشروع تهيئة المدينة القديمة إلى 30 مليار سنتيم قسمت على ثلاثة أشطر، حيث رصد لإعادة تأهيل الشريط الساحلي في الشطر الأول مبلغ 10 مليار سنتيم وترميم الأزقة والمباني وتبليط الرصيف بالزليج وإعادة استصلاح قنوات الصرف الصحي والماء الصالح للشرب والإنارة العمومية ،وكذا تهيئة مركز صحي للمدمنين بالمدينة القديمة وتهيئة الشريط الساحلي. وتشكل أسوار المدينة القديمة معلمة تاريخية للمدينة القديمة باعتبارها إرثا تاريخا وحضاريا يحافظ على الهوية المعمارية للبنايات القائمة لذلك تم إدراجها في إطار عملية التهيئة. مصادر جمعوية بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء صرح ل»المساء» بأن مشروع التهيئة تشوبه العديد من الاختلالات وأن هذه الاختلالات يدفع السكان ضريبتها بالدرجة الأول. ومن جهة أخرى، قال عدد من السكان الذين التقتهم «المساء» بأن الأولوية يجب أن تكون للمنازل التي يستقر فيها السكان والتي تهدد حياتهم، خاصة في ظل أشغال التهيئة الجارية الخاصة باستصلاح قنوات مياه الشرب ومجاري المياه العادمة وكذا نقل العدادات المثبتة في الأرض إلى جدران المنازل. إصابات أثناء الإنقاذ مراد الروبي، أحد الشباب المتطوعين، الذين بادروا قبل حضور عناصر الوقاية المدنية إلى إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، فبالإضافة إلى التأثير النفسي بسبب هول ما رأت عيناه هو وباقي شباب الحي الذين تطوعوا مباشرة بعد الانهيار وفي الظلام بعد أن انقطع التيار الكهربائي، حيث مازال التيار الكهربائي منقطعا إلى حدود كتابة هذه الأسطر عن الحي المعني، أصيب مراد في الكتف حيث كاد يفقد حياته عندما كان بصدد رفع جدار إسمنتي بعد أن سقط عليه. في الحادث نفسه أصيب هشام العدلي في رجله لكنه على الرغم من إصابته التي تطلبت استعمال عكاز ظل يرافق الشباب ويوجههم من أجل إزالة الأحجار والأتربة المتبقية بعد أن غادرت عناصر الوقاية المدنية المكان في الوقت الذي كان الشباب يزيلون الأحجار ويبحثون عن ضحايا محتملين قالوا إنهم قد يكونون تحت الأنقاض. تكفل ملكي
على إثر هذه الفاجعة، قدم الملك محمد السادس تعازيه لأسر ضحايا، كما قرر التكفل بمصاريف دفن الضحايا وعلاج الجرحى .كما أصدر الملك أمره إلى وزير الداخلية بالتوجه إلى مكان الحادث. لجنة حكومية أعلن وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله٬ عن تشكيل لجنة حكومية برئاسة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران تضم جميع المتدخلين لمعالجة إشكالية البنايات الآيلة للسقوط مباشرة بعد الإعلان عن حادث انهيار منزل من ثلاثة طوابق ليلة الأربعاء الخميس بحي سيدي فاتح بالمدينة العتيقة بالدارالبيضاء. وأكد بن عبد الله أن «الحكومة عازمة٬ بعد الحادث المؤلم الذي وقع بالمدينة العتيقة بالدارالبيضاء٬ على مقاربة هذا الموضوع باستعجال لإيجاد الحلول اللازمة٬ وذلك استجابة لانتظارات المواطنين بهذا الشأن». أرقام متضاربة تعاني المدينة القديمة من إشكالية المنازل المهددة بالانهيار، من ضمنها 66 بناية حسب قرارات الهدم فيما يعود تاريخ بناء 79 بالمائة من هذه المنازل إلى ما يفوق 50 سنة. وأكدت خديجة الطنطاوي أن هذا الرقم يبقى رسمي، غير أن المنازل المهددة بالانهيار يفوق عددها هذا الرقم بكثير، حيث إن 170 منزلا معنيا بالهدم، هذه المنازل هي «قنبلة موقوتة» ويجب أن يتم التعامل مع هذا الملف بحزم بكبير وجدية فائقة. وصرح كمال الديساوي لبعض وسائل الإعلام بأن قرابة 60 ألف أسرة في الدارالبيضاء تقطن بمنازل آيلة للسقوط وغير لائقة، وأن هذه الدور تهدد أرواح قاطنيها بسبب خطر الانهيار، وأن ما يقارب 30 ألف أسرة تعيش في وضعية تهديد مستمر لحياتها والعدد الكبير من هذه الأسر يوجد على امتداد مسار مشروع محج الحسن الثاني. الطنطاوي أكدت أن مقاطعة سيدي بليوط هي المعنية بالدرجة الأولى عن بعض الاختلالات في البناء العشوائي بالمدينة القديمة. ويذكر أن المنزل المنهار كان مكونا من ثلاثة طوابق أحدهم «غير قانوني» غير أن تصريحات بعض السكان أفادت بأن الطابق الأخير أضيف منذ خمس سنوات، متسائلين عن الجهة التي رخصت لصاحبة المنزل، مؤكدين أنه ليس سبب الانهيار ومتشبثين بأن الأشغال التي تتم بطريقة «غير صحيحة» هي التي كانت وراء هذه الفاجعة. وأن هذه الأشغال نفسها هي التي تسببت في معاناة نفسية للسكان، حيث بالإضافة إلى الضجيج، فإن الخوف من الانهيار يلازم السكان تضيف سعيدة (من سكان الحي): «نحن ننام ونشك في أننا سنستفيق من جديد في اليوم الموالي وعندما نستفيق صباحا نحمد الله على نعمة الحياة التي وهبنا لعدة ساعات أخرى. ننام والخوف يتملكنا ونستفيق عليه، نحن نتوقع الأسوأ في أي لحظة».