حزب الاستقلال آلة انتخابية هائلة، قادرة على تعبئة أموال مهمة وشبكة واسعة من المتعاطفين. ورغم تأكد حصول الأمين العام الحالي للحزب، على ولاية ثالثة بعد تعديل القوانين الداخلية فإن حزب الاستقلال يحاول لعب ورقة الحداثة، موظفا صورة وزرائه الشبان الذين يقودون المغرب «الذي يتحرك». ويكمن أحد مفاتيح نجاح هذا الحزب في كون الأغلبية الساحقة من أعضائه يخضعون دون تردد لتعاليم حزب يسوده النظام والانضباط واحترام التراتبية. باسكال إيرنول المقر المركزي لحزب الاستقلال، يوم السبت 11 أكتوبر الماضي، اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الخامس عشر للحزب يأتي إلى نهايته، لكن المشاركين فيه يواصلون نقاشهم في الساحة الداخلية للمقر، مغطين بذلك على ضجيج السيارات التي تعبر الشارع المحاذي. الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية، عبد الله البقالي، يعلن محتفظا بابتسامته: «أخيرا سنعقد مؤتمرنا من 11 إلى 13 يناير 2009. اتخذنا قرارا مهما: 20 في المائة على الأقل من مقاعد الهيئات المسيرة ستخصص للشباب دون سن الأربعين، و20 في المائة أخرى مخصصة للنساء». رئيس تحرير «العلم»، اليومية التابعة للحزب الناطقة بالعربية، والقادم من مدينة العرائش، يناضل منذ وقت طويل من أجل ضخ دماء جديدة في حزب أصبح معروفا بشيخوخته وعشائريته ورجعيته. فرغم تأكد حصول الأمين العام الحالي للحزب، عباس الفاسي ذي ال68 عاما، على ولاية ثالثة بعد تعديل القوانين الداخلية؛ فإن حزب الاستقلال يحاول لعب ورقة الحداثة، موظفا صورة وزرائه الشبان الذين يقودون المغرب «الذي يتحرك». وهم أطر خضعوا لتكوين في الخارج مثل نزار البركة، وزير الشؤون الاقتصادية والعامة والمنسق الفعلي للحكومة؛ وكريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، وياسمينة بادو وزيرة الصحة، وتوفيق احجيرة، وزير الإسكان. هذا الأخير المحبوب لدى القصر، تردد اسمه كمرشح لشغل منصب الوزير الأول بعد تصدر حزب الاستقلال للانتخابات التشريعية لسابع شتنبر 2007. ولم يكن ذلك سوى جهل بحقيقة حزب مازال شيوخه يسيرون دواليبه، فيما على الشباب انتظار دورهم بكثير من الصبر. هنا يكمن أحد مفاتيح نجاح هذا الحزب. الأغلبية الساحقة من أعضائه يخضعون دون حسد لتعاليم حزب يسوده النظام والانضباط واحترام التراتبية. في كل أسبوع، يقوم الوزير الأول بدعوة لجنة صغيرة مكونة من وزراء ومنتخبي حزب الاستقلال، من أجل الحديث حول نشاط الحكومة، وعلاقته بالحزب وشؤونه الداخلية. لقاءات تتم في الغالب في بيت الوزير الأول أو أحد الوزراء الآخرين، وتتولى أيضا إخماد الأزمات. لكن منتقدي الحزب الأقدم في المملكة –تأسس في دجنبر 1943- يقولون إنه يشبه الزاوية من حيث قواعده وطقوسه وأسراره. في قمة الهرم، نجد مجلس الرئاسة المحدث عام 1982، الملاحظ السياسي الفعلي حيث تخضع الإيديولوجيا للتفكير وإعادة التفكير. هيئة «الحكماء» هذه، مخصصة للقادة التاريخيين. وقد كان عددهم خمسة قبل وفاة الهاشمي الفيلالي شهر يوليوز الماضي. وبقي اليوم كل من أبو بكر القادري ومحمد بوستة ومحمد الدويري وعبد الكريم غلاب. تأثير هؤلاء لم يعد كما كان في السابق، لكن عباس الفاسي يحرص على أخذ آرائهم بعين الاعتبار عند مخاطبته اللجنة التنفيذية -الهيئة المكلفة بإدارة الحزب وتتشكل من خمسة وعشرين عضوا- وكان الحسن الثاني يحيط قدماء الحزب هؤلاء، برعايته من أجل التأثير في قراراتهم. «لقد قام الملك الراحل بتسهيل تنصيب عباس الفاسي بدعم منهم. فهو لم يكن يرغب في السماح لأحمد الدويري بشغل منصب الكاتب العام، لأنه معروف بكونه أقل طواعية» يوضح أحد الأطر السابقة لحزب الاستقلال الذي يضيف: «وهو لم يخطئ في ذلك، فبمجرد تعيينه وزيرا أول، صرح أن برنامجه هو برنامج الملك». روح العائلة تتمتع أسرة واحدة بثقل أكبر من ثقل غيرها داخل حزب الاستقلال، هي أسرة الأب المؤسس علال الفاسي، الذي توفي يوم 19 ماي 1974؛ وهو صهر عباس المتزوج بابنته أم البنين. وقد تولى عباس إدامة هذا التقليد، لكونه صهر نزار البركة، أحد أقرب مساعديه؛ وهو أيضا عم الطيب الفاسي الفهري، رئيس الدبلوماسية، والذي تزوج أحد أشقائه من ياسمينة بادو. «تتم مؤاخذتنا دائما على انتمائنا إلى أحد المعسكرات، ماذا تريدون؟ لقد ولدنا واندمجنا في السياسة في سن مبكر؛ فنحن نتأثر حتما». توضح سميرة قريش، زوجة ابن علال الفاسي. «إذا كنتم تدعون أن الاستقلال لا يمثل سوى عائلة واحدة... ماذا ستفعلون بهؤلاء المنخرطين الذين يبلغون 270000؟». هذا صحيح، لكن السلالة العائلية وأصهارها يوجدون في كل مستويات الحزب. «لا يمكننا إحصاء أبناء العمومة والأبناء والأصهار... فباختياره لسلالته، قام علال الفاسي، رغما عنه ربما، بتجميد مستقبل حركة وجزء مهم من الطبقة السياسية المغربية. فقسم كبير من النخبة الاستقلالية، في الحكومة ومن كبار مسؤولي النظام، هم في الحقيقة، بشكل مباشر أو غير مباشر، نتاج زواج أحد أعضاء عائلة الفاسي» يقول الصحفي كريم بوخاري في أسبوعية «تيل كيل». عائلة يرتبط بعض أعضائها بالأسرة الملكية، مثل الوزير نزار البركة الذي يعتبر أحد أصدقاء طفولة الأمير مولاي هشام، رغم أنهم لا يلتقون حاليا. كفاءة وإخلاص يحسن حزب الاستقلال أيضا مجازاة الكفاءة والإخلاص؛ فسعد العلمي بات المسؤول الأول عن مالية الحزب بعد اشتغاله ككاتب خاص لعلال الفاسي. ومؤخرا، قام كل من البقالي، زعيم الشبيبة، ومليكة العاصمي المكلفة بالشؤون الثقافية ومنصف الكتاني، رئيس الاتحاد العام للمقاولات والمهن، قاموا ببناء مشروعيتهم في الميدان والتحقوا باللجنة التنفيذية. منصف الكتاني القادم من العالم الجمعوي، التحق بحزب الاستقلال منذ عشرين عاما، وتضم «نقابته» زهاء أربعين ألف منخرط. «نحن بصدد دراسة كيفية تموقعنا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي المقبل»، يقول هذا المقاول في تجسيده لرغبة الحزب في التموقع في كل الأوساط السوسيو اقتصادية للبلاد. فالاستقلال يوجد في كل مكان: كان ضمن المؤسسين للاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد العام للفلاحين والجمعية المغربية للمستشارين الجماعيين والاتحاد العام لطلبة المغرب... كما أسس الحزب مجموعة من الهيئات المهنية، مثل عصب الأطباء والصيادلة والمهندسين والأساتذة الجامعيين والمهندسين، ومؤخرا انضاف إليهم الاقتصاديون المفترض فيهم تجسيد مغرب الغد الذي يريده الملك محمد السادس. «فبتشكيلها من كبار أطر القطاعين العام والخاص ومسيري ومديري المقاولات، تطمح عصبة الاقتصاديين إلى أن تصبح قوة اقتراحية بخصوص الإجراءات الاقتصادية والمالية، سواء لدى الهيئات الحزبية أو الحكومية»، يقول رئيس الهيئة عادل الدويري، ابن محمد الدويري، والذي كان له مرور وازن في وزارة السياحة في حكومة جطو. يبقى أن تنصيب بعض الوزراء المدعومين من القصر، لم يتم تقبله بسهولة؛ «ففي العام 2002، لم يمر تنصيب كل من عادل الدويري وكريم غلاب بشكل جيد على صعيد قواعد الحزب»، يقول أحد المناضلين. ولم يكن ذلك سوى اصطكاك للأسنان بدون جدوى، فبصفتهما مهندسين متخرجين من مدرسة القناطر والطرق، استفادا معا من دعم خريج آخر لتلك المدرسة من وزن ثقيل: عبد العزيز مزيان بلفقيه، مستشار الملك، فانخرطا بشكل كبير داخل الحزب، من أجل التأسيس لشرعيتهما. هل حان وقت النساء والشباب؟ في خطابه الافتتاحي للدورة الخريفية للبرلمان يوم 10 أكتوبر، دعا الملك إلى تشبيب الأحزاب وإفساح المجال للنساء. وهو ما ينطبق على حزب الاستقلال، حيث يوجد جيل ثالث من الأطر، في الثلاثينات من أعمارهم، داخل الوزارات، فهذا عادل بنحمزة ذو ال32 سنة، دكتور في العلوم السياسية ومستشار لدى الوزير الأول، وعبد الجبار الراشيدي، 38 عاما، مكلف بالتواصل ومستشار لدى نزار البركة. أما في الخارج، فالحزب لا يفلت مناسبات الذهاب ولقاء طلبة المدارس الكبرى –المركزية والبوليتكنيك والعلوم السياسية- ودعوتهم إلى الالتحاق بصفوف الحزب. وتوجد فروع في كل من فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وإسبانيا... فيما يسهر مسؤولو الشبيبة على إعداد الجيل الرابع على صعيد الجامعات والمدارس... النساء بدورهن، يطمحن إلى لعب دورهن داخل حزب الاستقلال، رغم أنهن، كما هو الحال في باقي الأحزاب، يعانين التهميش. نعيمة خلدون، رئيسة التنظيم النسائي التابع للحزب تقول إن «جهودنا بدأت في إعطاء بعض من ثمارها؛ فمنذ 2007، باتت لطيفة سميرس بناني تترأس الفريق البرلماني للحزب، لدينا ست برلمانيات وسنشغل قريبا 20 في المائة من المناصب في الهيئات المسيرة للحزب. وسنناضل من أجل الحصول على 30 في المائة ضمن لوائح الترشيح للانتخابات الجماعية، رغم أن ذلك سيكون صعب التقبل لدى زعماء القبائل». وهناك من يحلم برؤية كاتبة عامة للحزب في يوم من الأيام. إلا أن ذلك لا يعكس تطورا عميقا في الموقف من القضايا الكبرى للمجتمع. فرغم أن نساء الحزب يناضلن من أجل المساواة بين الجنسين وتقوية العمل الاجتماعي، فإن كثيرات بقين متحفظات على غرار زملائهن الرجال، حول التشريع المتعلق بالإجهاض وحذف عقوبة الإعدام.. محافظة تعود أساسا إلى المرجعية الدينية. آلة انتخابية هو الحزب الأول على صعيد الهيئات المحلية –الجماعات والهيئات المحلية- والأول على مستوى الهيئات المهنية –الفلاحة والتجارة والخدمات-، وفي مجلسي النواب والمستشارين؛ كما أن حزب الميزان يعتبر الأكثر تجذرا في البوادي بما يقارب 1200 جماعة قروية من أصل 1530. وفي الانتخابات الجماعية ل2009، سيرشح الحزب ما بين 8000 و9000 مرشح، متقدما الأحزاب الأخرى بفارق كبير. يؤطر الحزب البلاد من خلال «الخلايا»، والتي يشارك ممثلوها في المؤتمرات الجهوية للتعبير عن مطالب القواعد الحزبية، ويتوفر على 70 مفتشا يعتبرون بمثابة أجراء لدى الحزب –مع إمدادهم بسيارة خدمة والوقود وهاتف وفاكس- يتكفلون بتدبير العلاقة بين مقرات الحزب وسلطات الولاية والجماعات المحلية والمناضلين. هذا الأسلوب التنظيمي استلهمه حزب آخر هو العدالة والتنمية. «يجب أن نستحضر نسبية أهمية هذه البنيات، فبعضها ليس سوى قوقعة فارغة»، يقول أحد قدماء صحافيي «لوبنيون»، الجريدة الفرنكوفونية للحزب، قبل أن يضيف: «حزب الاستقلال آلة انتخابية هائلة، قادرة على تعبئة أموال مهمة وشبكة واسعة من المتعاطفين، وسوف يفوز مجددا بالانتخابات الجماعية ل12 يونيو المقبل». ركائز الحرب السياسية يتوفر حزب الاستقلال على إمكانيات هائلة لتمويل أنشطته. لكن يصعب أن نعرف تحديدا حجم ثروته. فرسميا، يتلقى الحزب دعما عموميا، ويمتلك أيضا يوميتي «العلم» و«لوبنيون» ومطبعة وجزءا من رأسمال شركة لاستيراد ورق الجرائد، كما أنه مساهم بنسبة 50 في المائة في شركة التوزيع «سابريس»؛ ويعتزم أيضا إحداث إذاعة على أمواج «إف إم»، «نتوفر أيضا على أملاك عقارية هامة من مدارس خاصة وأراض... دون أن ننسى الثروات الشخصية لبعض من أعضائنا»، يضيف إطار استقلالي. فيما يبقى إنجاز إحصاء للممتلكات مستعصيا، حتى لصندوق الحزب. حزب الاستقلال باختصار: > المؤسس: علال الفاسي > الأمين العام الحالي: عباس الفاسي > الرمز: الميزان > عدد المنخرطين: 270000، من بينهم 40000 امرأة > عدد الوزراء: 9، بالإضافة إلى الوزير الأول > عدد الهيئات المهنية: 11 > مجلس النواب: 54 مقعدا من أصل 325 > مجلس المستشارين: 56 مقعدا من أصل 270 > المنتخبون الجماعيون: 3890 > التمثيلية الوطنية: 1300 خلية > حركة الشباب الاستقلاليين: 180 خلية عن «جون أفريك»