وزارة الصحة تتبرأ من وثيقة متداولة تتحدث عن تلوث مياه "عين أطلس"    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه بعد غد السبت    "حزب الله" يؤكد مقتل 17 جنديا إسرائيليا الخميس في معارك الجنوب    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحكومة تُحدد نظام البذلة الرسمية لموظفي الجمارك    قلعة أربعاء تاوريرت بالحسيمة.. معلمة شاهدة على تاريخ الريف    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في حيازة وترويج 7 كيلوغرامات و800 غرام من الكوكايين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    "الماكلة واللعنة".. جزائريون مقيمون في المغرب يرفضون الانخراط في الإحصاء    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    نقابات الصحة تكشف تفاصيل اجتماع تنفيذ الاتفاق مع الوزارة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    موظف شرطة ينتحر بسلاحه في الرباط    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    تقييم "أوبن إيه آي" مطورة "تشات جي بي تي" ب157 مليار دولار بعد تبرعات طائلة    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط        إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة النخب وإعادة تشكيل الحقل السياسي من الأعلى

بالنسبة للملاحظ للتطور السياسي للمغرب، تبقى الآليات التقليدية لتحليل نظام سلطوي في مرحلة انتقال ديمقراطي غير مقنعة اكثر فأكثر، ليس لأن البلد غير تصنيفه ليلتحق بصف الانظمة الديمقراطية، ولكن لأن تفسيرات من قبيل الانفتاح او الدمقرطة تعكس حقيقة الديناميات الجارية، فبالاحرى حقيقة المؤشرات المتناقضة التي تخبرنا حول الانجازات الايجابية وأيضا حول التراجعات، فالنشاط السياسي الذي دخلته البلاد قبل وبعد انتخابات 2007 (قانون الاحزاب والمؤتمرات الحزبية التي تلته والانتخابات التشريعية والتشكلات التي اسفرت عنها) فرصة مهمة للتأمل في هذه الديناميات المتناقضة واقتراح آلية لتقييم التحولات الجارية التي لا تتلخص فقط في حكم قاطع على نجاح او فشل المرحلة الانتقالية.
في هذه الورقة سأقدم بورتريها للنظام السياسي المغربي يحاول الاحاطة بهذا التأرجح الذي يميزه قبل ان أحاول تحليل ما اصبح يصطلح عليه بظاهرة الهمة، ومعرفة الى اي حد تشكل هذ ه الظاهرة رهانا جديدا ام لا في هذه الصورة.
ان الحياة السياسية خلال السنتين الاخيرتين تسمح باستنتاج خمسة دروس مهمة تنظر اليها الملكية كخطر كبير. ونجد علامات هذا الانزعاج في مختلف خطب الملك امام البرلمان او بمناسبة خطاب العرش ويتعلق الامر باخفاق السياسي الذي تكشف عنه نسبة المشاركة المتدنية، فشل اليسار، تقدم الاسلاميين و لو بشكل محدود وعدم قدرتهم على تدبير التحدي السلفي، ومقاومة شبكات العيان، واخيرا عدم قدرة الخطاب الاصلاحي على اسماع صوته.
هذه الظواهر ينظر اليها كفشل للسلطة التي كانت تهدف الى اعادة تشكيل الحقل السياسي وتأهيل النخب.
واحد من أصل خمسة
مغاربة صوت بالإلغاء
بالتأكيد أن مكسب رهان مصداقية المسلسل الانتخابي حسم، واغلب المراقبين المحليين ابدوا ارتياحهم فيما يخص شروط سير الاقتراع، ورغم ذلك فإن نسبة مشاركة بلغت %37 و %19 من الاصوات الملغاة. اي حوالي مليون ناخب توجهوا الى صناديق الاقتراع ليصوتوا ببطاقة لاغية(بالمقارنة مع الاصوات الملغاة التي لم تتجاوز %15 سنة 2002 )القت غيمة على هذه الانتخابات. ونمط فرز الاصوات لا يسمح بالتمييز بين الاوراق البيضاء والاوراق الملغاة، والفرق منهم. في سنة 2002 اعطى تبرير اهمية الاوراق البيضاء، بنظام الاقتراع الجديد والصعوبة التي واجهت المواطنين الاميين في التصويت بقلم في اليد. التحليل الدقيق لتوزيع الاوراق البيضاء يوضح أن هذا التبرير يجب تنسيبه.
فإذا كانت نسبة «الاوراق البيضاء» %19 على الصعيد الوطني، فإن هذه النسبة في المدن الكبرى قاربت فعليا %30 في الدار البيضاء وتجديدا في دائرة آنفا والفداء. حيث يفترض ان نسبة الامية ادنى بالمقارنة مع المستوى الوطني، كانت نسبة الامتناع عن التصويت على التوالي %36 في انفا و %32 في درب السلطان. وبخصوص نسبة عدم المشاركة في هاتين الدائرتين سجلت نسبة متدنية كذلك على التوالي %74 و %80 وبالتالي هناك علاقة قوية بين نسبة المشاركة ونسبة الامتناع. وهو يوحي بوجود موقف سياسي قوي فيما يخص الرهان الانتخابي. فضبابية الهندسة السياسية التي يهيمين عليها شخص الملك ليست العامل الوحيد المعني.
وكون %19 من الناخبين تحملوا عناء الذهاب إلى صناديق الاقتراع ووضع أوراق بيضاء يمكن تفسيره أيضا بعدم القدرة على الحسم أمام عرض سياسي ضعيف، حيث الرهانات الوطنية اغرقت في رهانات محلية وبالاخص كون التقاطعات المجتمعية لم تظهر في مواضيع الحملة. وعمل تفكيك المشروع المجتمعي المتعدد المقترح من طرف الملكية لم يتم انجازه. وكون النخب الحزبية تتردد في اختيار او على الاقل توضيح التزامها ساهم في افراغ الانتخابات من معناها.
فشل اليسار
هذه الملاحظة التي قد تبدو قاسية تستحق أن يتم تنسيبها عندما نتكلم عن فشل، فإننا نشك في اهمية تجربة التناوب انها مثلت تحولا على المستوى الرمزي، بحيث انها ساهمت بشكل كبير في تطبيع الحياة السياسية وسمحت بالتالي في اخراج البلاد من علاقات الحيطة والشك التي ميزت علاقات الاحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية والملكية. اهميتها تكمن ايضا على مستوى مثالية التجربة التي اظهرت أن ضيق هامش الحركة السياسية واختلالات السلط بين الملكية والاحزاب لا تمنع قوة سياسيةتتوفر على نظرة خاصة من تسجيل مرورها في الحكومة من خلال توجه خاص في وضع وتنفيذ السياسات العمومية. ومن الصعب انكار ان حكومة عبد الرحمان اليوسفي الاولى والثانية اثرت على التوجهات السياسية للبلاد وساهمت في ارساء فكرة الثنائية داخل كتلة السلطة.
بعد هذا التوضيح، لا شيء يمنعنا من التأكيد أنه داخل الاغلبية الحكومية ان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الحزب الذي جسد التغيير من خلال وصول المعارضة السابقة للسلطة سنة 1999 وهو أيضا الحزب الوحيد الذي عاقبته صناديق الاقتراع بشكل عادي. فتسييره لقطاع المالية الذي كانت خياراته على النقيض، من هويته الايديولوجية.
وقطاعات وزارية اخرى بمبلغ ميزانيات ضخمة وصعبة الاصلاح (التربية الوطنية، العدل، الشؤون الاجتماعية) وعدم قدرته على تحمل حصيلة الحكومة والتواصل حول الاصلاحات تفسر جزئيا الهوة بين مردوديته والعقوبة السياسية التي سهلت تنحيته من الوزارة الاولى، وانتقل الاتحاد الاشتراكي من الصف الاول الى الصف الخامس. وكان بامكان الحزب تفادي هذه الكبوة لو انه تحمل حصيلته وخاصة لو انه لم يبدد رأسماله البشري من خلال العديد من الانشقاقات التي حصلت داخله منذ مؤتمره السادس وتأكيده خلال المؤتمر السابع الذي اعطى صورة حزب تفوقت فيه الرهانات الشخصية على رهانات الافكار.
فما لا يقل عن ثلاثة احزاب تشكلت من انشقاقات، فهذه الاحزاب (الحزب الاشتراكي، الحزب العمالي وحزب المؤتمر الاتحادي) حصلت على 652650 صوتا دون ان نضيف اليها تيار الوفاء للديمقراطية الذي التحق بالحزب الاشتراكي الموحد. ومن حيث عدد الاصوات، فإن هذه التشكيلات تضعه في الصف الاول متقدما بكثير عن حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، في المقابل، يمكن أن نؤكد دون تردد بأن الحزب غير مواقع تغلغله، وأن تواجده داخل الحكومة افقده زبناءه، التقليديين من الطبقة الوسطى الحضرية ليقترب من بنية الاعيان مكنته من التواجد في العالم القروي. فهو سادس في الدار البيضاء وطنجة اقل ثلاث مرات من حزب العدالة والتنمية من حيث عدد الناخبين. واحتل المرتبة الخامسة في الرباط. بينما في المناطق القروية التي يتجذر فيها الاعيان فقد تمكن من ضمان بعض التواجد ازيلال، الشاوية ورديغة، العيون وخاصة قلعة السراغنة والغرب بني حسن) فالحزب فقد مواقعه التقليدية في المدن الكبرى.
حزب العدالة والتنمية،
انفجار الفقعة الاعلامية
اسلاميو حزب العدالة والتنمية الذين كانت كل استطلاعات الرأي تعطيهم الفوز، لم يتمكنوا من تجاوز عتبة %10 من الاصوات و %14 من حيث المقاعد، ينما جاء حزب الاستقلال في المرتبة الاولى ب %10,7 من الاصوات و %15,9 من المقاعد بفضل تأثير الاقتراع النسبي والتقطيع الانتخابي. حزب العدالة والتنمية اكد تواجده القوي في المناطق الحضرية الشعبية والنشيطة نسبيا المتواجدة على الساحل من طنجة الى الدار البيضاء، حيث حصل على 23 مقعدا من مجموع 40 مقعدا.
وحقق الحزب أرقاما تقارب 30% في فاس، الرباط / المحيط، القنيطرة،الحي الحسني والحي المحمدي ودرب السلطات بالدار البيضاء. بينما لم يحقق نتائج قوية في المناطق شبه الحضرية،خاصة في مديونة 3.8 او النواصر 9،7 وكانت نتائجه ضعيفة تقريبا في بعض الاقاليم التي نزلت فيها الدولة بثقل كبير منذ سنوات من خلال ما يطلق عليه عامة مشاريع التنمية التشاركية (الحوز %5,6)، فكيك (%1,4 ) الحسيمة (%2,4 ) او في الصحراء، حيث يتم تنظيم سياسة مساعدة من خلال شبكة اعيان موالين للسلطة، حزب العدالة والتنمية وجد ايضا صعوبات كبيرة في احراز اختراق في مناطق قروية ذات بنية اعيان، حيث تمكن بعض الشخصيات السياسية من رعاية معاقلها منذ عدة سنوات (تازة، بولمان، ازيلال، تارودانت، المناطق الجبلية).
والعلاقة الوثيقة بين نتائج الانتخابات المحلية التي تتمحور حول الشخص والانتخابات التشريعية لم تسمح لحزب العدالة والتنمية الغائب تقريبا عن الغرفة الثانية ،لم تسمح له من تحقيق نتائج جيدة وتفسيرات هذا الاخفاق النسبي لحزب العدالة والتنمية، والذي كلف الامين العام سعد الدين العثماني منصبه، ليست مقنعة بما يكفي. لايمكن ان نكتفي فقط بالدور الذي لعبته وزارة الداخلية والذي يمكن ان يكون قد أثر في التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع ولا حتى بظاهرة شراء الاصوات واستعمال المال التي ندد بها الجميع.
فهناك عوامل داخلية للحزب لعبت دورا مهما لرسم حدود تنظيم انتقل من وضع حركة الى وضع حزب سياسي. فثمن انتقال حركة دينية أصولية تلعب على الحساسية الدينية وتستعمل خطابا عموميا واخلاقيا يستهدف شرائح واسعة من مجتمع محافظ، الى حركة سياسية بحاجة الى ارضاء زبائن مستهدفين وبالاخص طمأنة خصومها، هذا الثمن كان باهظا نسبيا. فالحزب راهن على عدم مسايرة قواعده بالضرورة ووضع الثقة في شريحة من التقنوقراطيين المحليين مكونة في الغالب في المدارس العليا المحلية.
فالحزب الذي ينتقل من وظيفة منبرية خطابية بدون مسؤوليات كبيرة الى وظيفة بلورة مشروع مجتمعي، ملزم ان يبني نفسه كحزب يطمح للوصول الى السلطة. وكان ملزما ان يبرز نوعا من القدرة على التدبير مكان التقوى التي أصبحت معيارا ثانويا. هذا التمثل الجديد اجبر قيادة الحزب على العمل بعمق في ميادين ثلاثة: إعادة ترتيب التوازنات الداخلية بين المكونات الثلاثة للحزب، إعادة بناء هوية الحزب للرد على تساؤلات الشركاء والخصوم السياسيين المحليين والخارجيين، وتقوية تنظيم الحزب حتى يمكن التحكم في مشاركة القاعدة الحزبية في اتخاذ القرار.
تاريخيا يتكون الحزب من ثلاث مجموعات لكل واحد منها ثقافة سياسية خاصة. المنظرون المنحدرون من تيار الاسلام السياسي،ويتعلق الامر بالمؤسسين للحركة وأغلبهم من النشطاء السابقين في حركة الشبيبة الاسلامية. هذا الجيل المكون حاليا من قادة تتجاوز اعمارهم الخمسين، من محترفي السياسة، تمكنوا منذ 1997 من احتلال مواقع انتخابية داخل البرلمان او النقابة. زعامة هذا الجيل مبنية حول قدرته على بناء مشروع سياسي ذي مرجعية اسلامية من خلال مجهود تجديد عقدي مكثف نسبيا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي والذي تراجع كثيرا منذ ذلك، ومن خلال التحكم في المنظمات النشيطة على مستوى الجامعة.
المجموعة الثانية تتشكل من علماء ودعاة التحقوا بالحركة انطلاقا من 1996 خاصة الاشخاص القادمين من جمعية المستقبل الاسلامي،امثال احمد الريسوني الذي سمح بتقوية المرجعية الايديولوجية لحركة الاصلاح، حيث وضع رهن اشارتها عمله حول فقه المقاصد، ولكنه لم يكن ابدا مرتبطا بالبعد السياسي لهذا الفقه البراغماتي، وأعطى لنفسه حق البقاء في منطق العالم الداعية الذي لايقبل التوافقات الا مضطرا وينقضها متى اتيحت له الامكانية.
المجموعة الثالثة مكونة في غالبيتها من التقنوقراطيين المكونين محليا او رجال اعمال من البورجوازية الورعة. التحقت بالحزب بمناسبة نتائجه الجيدة في انتخابات 2003 المحلية. هذه المجموعة المكونة من مهندسين واطباء وصيادلة حظيت بتزكية الحزب عبر آليات متطورة لصناعة الترشيحات التي حولت التعيينات الى اختيارات ديمقراطية للقواعد المناضلة. هذا التوظيف سمح بتجديد صورة الحزب واعطاه ذريعة الفعالية التدبيرية التي كان يفتقدها. وأصبح بذلك تسيير بلديات او مقاطعات حضرية مثل سلا، تمارة، مكناس، البرنوصي (الدار البيضاء) مقدمة لما يمكن ان يكون عليه تسيير البلد (العقلانية والفعالية التقنية)، وقبيل انتخابات 2007 تم تعديل التوازنات بين هذه المكونات، فمجموعات المؤسسين المنظرين وهم السياسيون المحترفون، فضلت عقد تحالف مع التقنوقراطيين وتخلت بالتالي عن القوتين الحيتين للحركة: الشبيبة التجديدية والعلماء الدعاة. والفصل بين الحزب وحركة التوحيد والاصلاح كان المراد منه مبدئيا أن يسمح بالاحتفاظ بهم رهن الاشارة، لكن هذه اللعبة أدت الى تراجع المؤسسين المناضلين لفائدة التقنوقراطيين الذين لايحظون بالضرورة بشعبية لدى القاعدة.
وبابرازه للكفاءة التقنية والاعتدال الايديولوجي على شاكله حزب العدالة والتنمية التركي، كان الحزب مجبرا على المرور بنفس المراحل التي يمر منها كل حزب اصلاحي: إعادة البناء لتنحية او التحكم في المنظرين. وفي هذه الحالة العلماء - ضرورة التفكير في تحالفات غير طبيعية محتملة. وبالتالي إعادة النظر في مطالب الورع الديني والانخراط في توافقات تتطلب إعادة تفسير العقيدة باللعب على خيط رفيع بين الانتهازية والبراغماتية. تهميش القاعدة والمؤتمرات الجهوية ذات النبرة الشعبوية لفائدة هيئات قيادية تقنوقراطية. هذه الاجراءات شوشت على خطاب حزب العدالة والتنمية وأدت الى انسحاب جزء من قواعده التي لم تعد تجد نفسها في خطاب وقيادة الحزب لاسيما وان المنافسة قوية مع السلفيين والعدليين.
إعادة انتشار الاعيان
مشكلة السلطة في المغرب هي إثارة مسارات سياسية، كشكل من الزعامة تشارك في تدبير الشؤون العامة دون ان تكون متأكدة من التأثير دائما على توجهها، هذه الوظيفة هي من اختصاص السلطة الملكية ومحيطها. ولتقدير رهانات انتخابات 2007، من المهم القيام برجوع تاريخي لرسم تشخيص للتشكلات السياسية وبنيات الفرص المنبثقة عنها. والمغرب عرف منذ الاستقلال ثلاثة انواع من التشكلات. التشكل الذي يشجع بروز الاعيان التقليديين (1983/1956)، وتشكل ثاني صاحب تطور الادارة وميلاد اعيان المواقع (1999/1983). وانطلاقا من 1999 شجع اختيار انماط جديدة للحكم، ولو شكليا، بروز ملامح جديدة لأعيان هم نتاج المجتمع المدني اساسا و «الضيعات» السياسية اليسارية.
وكان على انتخابات 2007 ان تجيب عن هذا الطلب الجديد للحظة السياسية بإرسال وجوه سياسية جديدة الى البرلمان. وهذا الهدف لم يتحقق وحاولت القيادات الحزبية التحكم في التغيير الجاري من خلال التحكم في مسلسل صناعة اللوائح المتنافسة.
وباستثناء حزب العدالة والتنمية، اختارت الاحزاب ذات الحمولة الايديولوجية القوية القادرة على حمل اختيارات سياسية متميزة عن الملكية، اختارت الحد من المخاطر وحل ضغوطات قواعدها عبر انشقاقات او اقصاءات وفضلت مساندة اعيان لاحتواء اي تجاوز من طرف حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى. واضافة الى أحزاب الاعيان التقليدية، نجحت احزاب يسارية مثل جبهة القوى الديمقراطية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحتى حزب التقدم والاشتراكية، نجحت بفضل سياسة توظيف أعيان متراجعين. هذا المعطى خلق شرخاً بين بروفيل البرلماني وبروفيل الوزير في الحكومة الذي من المفروض أن يكون منبثقاً عنه وفق الأسلوب «الديمقراطي». واضطر القصر للتدخل بنوع من «العنف» الرمزي لفرض اختيار يتلاءم مع سياسته ويجبر القيادات الحزبية على قبول بروفيل تقنوقراطيين متأقلمين مع الشأن العمومي قادرين على التطور بسرعة ليصبحوا رجال سياسة مكتملين.
عرض إصلاحي غير مسموع
الوثائق التي أمكن تفحصها تسمح بتقديم خلاصة تركيبية للاختيارات الاستراتيجية للملكية التي انخرطت كناطق باسم نخبة تقنوقراطية. هذه الاختيارات لا تخلو من غموض وتناقضات، ولكن لها حسنة الوجود أو على الأقل، يمكن أن نجدها من خلال النصوص المنشورة. والمشكل بالنسبة للسلطة هو أن هذه الاختيارات غير مسموعة ولم تكن موضوع أي نقاش خلال الحملة الانتخابية. ورغم ذلك، فإن محتوى الوثائق المنشورة سنتي 2005 و 2006 ولاسيما تقرير الخمسينية للتنمية البشرية وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة يجب أن يكون محور البرامج السياسية المتنافسة لكونه يرسم ملامح مشروع مجتمعي على القوى السياسية أن تكمله أو ترفضه.
وهكذا اختار المغرب تعويض فكرة «الانتقال الديمقراطي» بصيغة «تقوية المسلسل الديمقراطي»، انطلاقاً من مبدأ أن الطبيعة الملكية للنظام لا تتناقض مع هذا الخيار. وبلوغ هذا الهدف يتطلب من الاستراتيجيين فقط تصحيحات وتعديلات في ميادين الحكامة المحددة كمجموعة من الميكانيزمات التقنية التي يجب أن تصل الى مشاركة أفضل للمواطنين، وتوازن في السلط بما فيها استقلال القضاء...
ونفترض أن هذا الاختيار لا رجعة فيه، وأنه ليس متناقضاً مع فكرة كلية تنفيذية، واستقلال هش للقضاء وهيمنة على إنتاج القيم الدينية...
في الميدان الاقتصادي، نفترض أن المغرب اختار نموذج اقتصاد ليبرالي مع تفضيل دور منظِّم للدولة. بالمقارنة مع هذا الخيار، انخرط المغرب في تفكيك الحواجز الجمركية ويتعامل مع العولمة كفرصة وليس كتهديد. وهكذا يقبل المغرب بالتقسيم الجديد للعمل، ويتبنى مهناً وأنشطة خاصة (مهن الخدمات والتكنولوجيا المتطورة...).
على المستوى جيو ـ سياسي، اختار المغرب الالتحام بالغرب، وبوابة الدخول هي أوربا الجنوبية (اسبانيا وفرنسا) أكثر من الجزائر أو دول العالم العربي التي يتعامل معها كإرث يجب التعامل معه بشكل أفضل على مستوى القيم، اختار المغرب «قيم الحداثة»، وتأهيل الفرد المسؤول عن طريق المدرسة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وحرية التفكير...
والسلطة التي تفكر في طرح عرض إيديولوجي متطور بتبني الإنصات الى الرأي العام وإقامة علاقة قوية مع الخيار التشاركي لا تفهم رد الفعل الضعيف للطبقة السياسية، بل لا تفهم في بعض الأحيان لمبالاتها أو معارضتها إذا ما اقتربنا من الحصيلة الأولية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ومصداقية هذا التوجه الإصلاحي كخيار استراتيجي يحيل على تحول في إجراءات وشروط ملاءمة النظام الذي يواجه أزمة نخب. هذه النخبة لم تستطع أن تطرح للنقاش هذه المشاريع السياسية أو هذه الاختيارات المجتمعية حتى تتحمل مسؤوليتها أمام الرأي العام. هذا العجز يضعف الملكية ويضعها أمام تحدي المواجهة المباشرة مع المعارضات المحتملة، لاسيما معارضة السلفيين والعدليين، وهو ما يشكل خطراً كبيراً في مجتمع محافظ عموماً. والملكية لا يمكنها مساندة الغموض والتردد، فهي بحاجة الى وسائط وفية داخل الرأي العام تحمل الخطاب الإصلاحي داخل تركيبة للسلطة لا تقبل التقسيم، ولكن فقط المناولة والتخصص.
وهكذا فالملكية تواجه ثلاثة تحديات:
ـ النخب التقليدية لم تعد قادرة على التقاط إشارات السلطة، والأعيان الذين اعتادوا على الاستفادة من الدعم مقابل الولاء، تحس بأنها تائهة. على المستوى المحلي، تحولات اجراءات تواجد الدولة أدت الى نوع من التراجع للنخب التقليدية، لاسيما ان تدخل الدولة لم يعد يمر من خلال التعبئة عبر تخصيص موارد أولية (سكر، زيت، دقيق) أو عبر أوراش الإنعاش الوطني، وضعف مصداقية الغرفة الثانية التي كانت تضمن لها نوعاً من التواجد تلعب كأمل قبل إلغائها المعلن.
المعارضة السابقة أصبحت متآكلة بفعل السلطة، وهذه الوضعية خطيرة لاسيما وأن مشاركتها في الحكومة تجعلها ضعيفة بشكل مزدوج. وتدبير القطاعات الاجتماعية ذات المردودية السياسية الضعيفة تعاقبها في الوقت الذي تعتبر نفسها غير مسؤولة عن السياسات المتبعة، بل وغير مسؤولة عن الإصلاحات المقترحة فهي محاصرة بين مخاطر استراتيجية القطيعة وحاجيات التعبئة عن طريق الديماغوجيا.
مشروع إعادة النظر في خزانات توظيف النخب لم يتم بالشكل الجيد. فالملكية أغدقت على سوق التقنوقراط لمصاحبة تنويع حاجياتها من كفاءات الوساطة والتدبير، لكن الأوراش الجديدة للحكامة التشاركية، لاسيما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وحاجيات شكل سياسي يؤثر على مأسسة الممارسات السياسية، تزيد من حدة النقص في الكفاءات المنتخبة التي لا يمكن تعويضها فقط عبر الانتقاء. وبالتالي فإن تأهيل البرلمان والجماعات المحلية أصبحت رهانات استراتيجية. ومادامت الملكية مرتاحة لمشاركة شكلية للنخب وتدبير من الأعلى، كان يسهل عليها حل المشاكل التقنية باللجوء الى تقنوقراطية تقليدية غير حزبية قادمة من المدارس العليا الفرنسية وتدبير جزء من الاهتزازات الاجتماعية والحفاظ على المصداقية التي اكتسبها النظام على المستوى الدولي من خلال تقنوقراطية يسارية، وانخراط جزء من المجتمع المدني في حملة تحسيسية للنخب الجديدة وتحفيزها على الالتحاق بالأحزاب السياسية التي قادتها جمعيات مثل جمعية «آفاق» و«دابا 2007» بمباركة من الملكية يؤكد هذه الضرورة الملحة. والانخراط السياسي لهذه النخب يشكل أحد الخيارات الممكنة. لكن ذلك يتم بجرعات محسوبة
والتحفظات إزاء تحمل المخاطر الانتخابية لم يتم رفعها تماما. وحكم صناديق الاقتراع ليس محددا حاسما في مسلسل الانتقاء الذي يسمح بالوصول الى الدوائر القريبة من القصر.
وفي هذا الاطار بالذات يجب وضع خروج الهمة لمهمة معينة أو كمخاطر باسم قدرة مكتسبة بحكم القرب. استباق رغبات الأمير حتى قبل أن يتصورها هذا الأخير.
الهمة ظاهرة القصر،
أم ظاهرة سياسية
بعيدا عن اللعبة السياسية المؤسساتية التي تسمح باندماجات في فضاءات هامشية للسلطة، فإن الرهان السياسي الحقيقي يكمن في المسافة التي تفصل الفاعل السياسي عن النواة المركزية التي يمثلها الملك وحاشيته، وطبيعة حلقة انتمائه وقربه من أماكن السلطة الحقيقية. التي تبقى الحاشية الصغيرة المكونة من الحلقة العائلية للملك موسعة الى أصدقائه في الدراسة، والحاشية الكبيرة التي تضم كذلك المستشارين وكبار التقنوقراطيين في الادارة ورجال السياسة المختارين ودوائر الاعمال المحظوظين، لاسيما من نسميهم في المغرب «الابطال الوطنيون»، أمنيوم شمال افريقيا بطبيعة الحال وأيضا مجموعات بنك BMCEأكوا، الضحى....
في هذا التشكيل الملكي يمكن أن نساند فرضية أن الانتخابات، وخلافا لما قيل، لا تشكل امتحانا حقيقيا للسلطة، سواء في اتجاه قياس نجاح أو عدم نجاح الانتقال الديمقراطي، وأيضا لتقييم حجم الخطر الاسلامي وقدرة النظام على التحكم في اتساعه أم لا.
هذه الفرضية الاخيرة استنفرت الصحافة ومؤسسات استطلاع الرأي والسفارات الغربية، وحزب العدالة والتنمية الذي جسد لكثيرين الخطر الاسلامي أو على الاقل الطرف الذي قد يشكل امتحانا للنظام، خسر ليس فقط الانتخابات لكون النتائج كانت أقل من التوقعات، ولكن بالخصوص أكدت قدرته على رد الفعل إيجابيا على طلب خاص للتشكل التاريخي بتصفية مرجعيته الاسلامية وإعادة إدماج توافق سياسي تطلب التضحية بجزء من النخب الأصولية، بل وحتى المنظرين الحداثيين والاصلاحيين وتأهيل عرضه السياسي ليتوافق مع مطلب السلطة تقنوقراطية نشيطة مكونة محليا.
وفي هذا الاطار بالذات يتعين تحليل ظاهرة الهمة الذي هو في نفس الآن ظاهرة القصر من خلال إجراءات وضعه. ومن خلال اختيار قاموس انتشاره وتلقيه. وفي نفس الوقت فهو جواب سياسي عن تشكل سياسي يهدد النظام بشح في النخب.
والفرضية التي أريد تطويرها في هذه الفقرة لتقييم التشكل السياسي الحالي تحيل على تحول في إجراءات تأقلم النظام الذي يواجه أزمة نخب. فالامر لا يتعلق أبدا بمواجهة بين مشاريع سياسية أو باختيارات مجتمعية. وفي الواقع القصر يواجه مشكلتين.
- إيجاد قوة سياسية قادرة على حمل عرضها السياسي مع احترام الشرط المزدوج المتمثل في الولاء والاستقلالية (نفس المشكل مطروح بالنسبة للعلماء).
- مراقبة ميكانيزمات إنتاج نخب جديدة ومواجهة الحاجيات من النخب السياسية الجديدة التي بإمكانها حمل ألوان زعامة جديدة.
وفي نفس الوقت تطرح إجراءات تنفيذ هذه السياسة جملة من الاسئلة حول قدرة النظام على الإقناع خارج منطق القرب من القصر. مع العلم ان مخاطرة أحد أفراد الحاشية حقيقية ولكنها غير مقنعة بالنسبة لشركائه المحتملين.
في المقابل تبقى فرضية استباق رغبات الامير حقيقية، لكنها لا تضع الهمة في مأمن، لاسيما وأن الصراع بين الحاشية لا رحمة فيه.
فلو تعلق الامر بإعادة بناء الحقل السياسي بإدماج مجموعة من الاحزاب في تحالف يحمل الجزء الخفي من المشروع الملكي، وأقل ما يقال بخصوص هذا التحالف هو أنه هش إيديولوجيا ومشتت سياسيا. ذلك أنه وخلافا لجمعية «حركة لكل الديمقراطيين» التي تمكنت من توسيع مجال التحالفات الممكنة وتكوين رأسمال حول، ديناميكية هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن حزب الأصالة والمعاصرة يحمل في تسميته نفسها بوادر ازدواجية تضعه خارج مشروع الحداثة، فإذا كان العمق المذهبي للحركة لكل الديمقراطيين يحمل بعض الانسجام، فإن التاريخ القصير لحزب الاصالة والمعاصرة بما فيه مؤتمره التأسيسي سنة 2009 يؤكد فرضيتنا حول عدم قدرته على المساهمة بشكل حاسم في إعادة هيكلة الحقل السياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.