خرجت الحالة السياسية المغربية الآن من وضع الترقب إلى حالة الدهشة، لأنه بعد كل هذا الوقت الذي مرّ على تنصيب حكومة بنكيران، لا يفهم الناس البتة كيف أن رئيس حكومة، بصلاحيات دستورية واسعة، يشتكي من موظف بسيط يعمل في التلفزيون، اسمه فيصل العرايشي. لقد جاء بنكيران إلى «الحكم» على متن قطار حركة 20 فبراير، وأيضا محمولا على رياح الربيع العربي، لذلك كان بإمكانه أن يكون رئيس حكومة قويا جدا وأن يجعل خصومه يهابونه ويخشون حركة واحدة من أصبعه، لكن الحقيقة المرة هي أننا نرى بنكيران يشتكي من مدير التلفزيون الذي يبث ربورطاجات مسيئة إلى صورة بنكيران وحكومته، أي أن العرايشي، الذي قضى 12 سنة في منصبه دون محاسبة، يحرص على أن يظهر بنكيران يتكلم بينما الوزراء يضحكون، وكأن بنكيران وصل إلى الحكومة من أجل تقديم عروض ساخرة وليس من أجل رسم معالم استراتيجية مستقبل بلد ظل لسنوات طويلة يتعثر في سلم التنمية وتلاحقه الاتهامات بتفشي الفساد. المغاربة، الذين صوتوا على حزب العدالة والتنمية لكي يصير القوة الانتخابية الأولى في البرلمان، لم يفعلوا ذلك لكي يشتكي لهم بنكيران من فيصل العرايشي، بل لكي يستمع بنكيران إلى شكاوى المواطنين من العرايشي وغيره، أما أن يصير بنكيران يشتكي إلى المصوتين عليه من موظف في التلفزيون، فهذا ما لم يكن يتوقعه أحد على الإطلاق. كثير من المغاربة بدؤوا اليوم يحسون بنوع من الصدمة من أداء حكومة بنكيران، وتلك الخرجات الإعلامية في البداية، مثل الكشف عن لوائح المستفيدين من رخص النقل واعتقال قاض مرتش، لم تعد تعني شيئا أمام ما تعانيه هذه الحكومة اليوم من مشاكل تجعل الناس يشفقون عليها، بعدما كانوا يطمحون إلى أن تكون الحكومة هي التي تشفق على الناس وتفتح لهم أبواب مستقبل أفضل.