بعد أكثر من سنة على انطلاق الثورة السورية تحدّد الجدل أكثر، وصار محوره أعداء وأصدقاء النظام والثوار كل من ناحيته! غالبا ما ينتهي الحوار بالصراخ والزعيق ورذاذ اللعاب على الوجوه، ويبقى كل طرف متمسكا بوجهة نظره، فقد نجح النظام إلى حد ما في إزاحة المعركة التي بدأت بينه وبين الشعب الثائر إلى معركة بين مختلف الفضائيات وإلى مقارنات بين السيئ والأسوأ وليس بين الجيد والأفضل، من طراز... «قل لي بربّك من أكثر سوءا: النظام السعودي أم النظام السوري! ومن أكثر خطرا ومن هو صاحب التاريخ الدموي مع العرب أمريكا أم إيران»! وكعاداتنا وتقاليدنا من النادر أن تجد عربيا يتنازل عن وجهة نظره حتى ولو كففت بصره ونظره ودمغته بالحقائق، فهو يؤجل الاعتراف أو يلتف عليه على طريقة بطلات الجمباز. المشكلة أننا نحن البعيدين عن النار نتجادل بينما الناس يُقتلون ويُذبحون ويُسجنون، نغضب ونحتدّ بينما هناك على أرض الواقع تُهدم وتخرب بيوت وأملاك الناس وتعدم مصائرهم، وبلد على شفا حرب أهلية طويلة الأمد بالضبط كما يريد أعداء الشعب السوري ويتمنون. المهم أن هناك إجماعا لدى جميع أبناء الأمة على أن النظام السوري فاسد ويحتاج إلى إصلاح جذري، ولكن بما أنه رد على مطلب الإصلاح السّلمي منذ البداية بالنار والدم وبعد سقوط كل هذه الضحايا بات من الضروري إسقاطه، وبقاء حكم كهذا مع رموزه الدموية لم يعد جائزا حتى في شريعة أكلة لحوم البشر، وعلى من يحتجون بأن الفساد والقمع وأنظمة المخابرات موجودة في كل مكان في العالم أن يعترفوا بالفرق الشاسع بين مزبلة تشكل خطرا على فضاء ومياه وحياة أمة وبين قشرة موز سقطت في الشارع! الجميع يعترف بأن النظام (المقاوم والممانع لحرية شعبه) لم ولن يسمح بإطلاق رصاصة واحدة من حدود وقف إطلاق النار على جيش الاحتلال منذ عام 1973، ومن لديه دليل آخر فليأت به. الجميع يعترف بأن هذا النظام انتهت صلاحيته للاستخدام البشري، وما دام الأمر كذلك باعتراف الجميع إذن، ما هي المشكلة! المشكلة الآن ليست فقط في تركيبة الجيش وأجهزة الأمن الموالية للنظام، بل أيضا في أصدقاء الثوار سيئي السيرة، إنهم مثل أولئك الذين يصفهم الناس بالانحلال الأخلاقي فيقولون «ممنوع أن تدخلهم إلى بيتك». صديق الثوار ومن يلوّح بتسليحهم ليس أكثر ديمقراطية من نظام سورية ولا هو أقل قمعا للمعارضين في بلاده، وأن تتحدث عن إلغاء أحد أركان الإسلام أهون من أن تمس النظام في السعودية، ومن يحرّم على المرأة قيادة السيارة ويفتي بقطع رؤوس المعارضين في بلده من الغريب والعجيب والمثير للشبهات أن يتحدث عن الحرية ودعم الثورة في مكان آخر! ومن يرسل جيشه لقمع معارضة في مكان ما لا يحق له الحديث عن دعم وتسليح معارضة في مكان آخر! النظام السعودي عبء على الثورة السورية، لأنه يحاول جرها إلى منزلق المذهبية، الشعب العربي في الجزيرة العربية يحلم بانهيار النظام السوري بأسرع ما يمكن، لعلّ وعسى أن ينتقل الربيع العربي إلى جزيرة العرب، ولهذا فإن النظام السعودي وغيره من أنظمة قطع الرقاب لا تحلم بالخير لسورية وثوارها بل تحلم بحرب مذهبية تستمر لسنين تمنع انتقال طلع لقاح زهور الربيع إليها. صداقة الرفيقة هيلاري كلينتون لا ترفع الرأس أبدا، فإذا غضضنا الطرف عن ثقلانية دمها التي لا تطاق، لا نستطيع تجاهل صهيونيتها المفرطة، فهي في كل تصريح لها عن دعم الثورة تجلد ظهر الثوار، فالشعب العربي لا يهضم ثوريتها المسمومة، هكذا تنقلب الأمور وتختلط الأوراق بالضبط كما يحلم النظام ويريد. النظام السوري المتقلّب على عشرات المزابل التاريخية وغير التاريخية يستغل هذا ويعرف من أين تؤكل وتشرب عواطف الشعوب العربية، فيصرخ ليل نهار «أنظروا من هم أصدقاء «الثوار»» ... وهكذا يتحوّل النظام الدموي السفاح إلى مسكين مستهدف، وإلى ضحية لمؤامرة عربية ودولية، يتقمص القاتل جلد الضحية، ولا يبقى أمام الشعوب العربية سوى الاختيار بين الصهيونية العالمية وأبي متعب الذي يُحرّم على المرأة قيادة السيارة حتى ولو كانت بغيار أوتوماتيك وبين النظام الممانع للديمقراطية ولكنه على الأقل لا يحرم المرأة من قيادة حتى الدراجة النارية! وعندما تنتقل المفاضلة بين ثورية أبي متعب الذي يتحدث عن تسليح الجيش الحر وبين السيد أبي هادي الداعم للنظام للأسف، فإن المفاضلة تطبش بقوة لصالح السيد الشاطر حسن لأن ثورية أبي متعب غير قابلة للصرف، خصوصا وأنه درعٌ صاروخية في المنطقة لصالح أمريكا ومن ثم لصالح إسرائيل، وهو مع ثوريته الفاسدة لا يتورع عن إثارة نعرات مذهبية تجاوزتها حتى حضارة الهوتو بوتو! نضيف إلى هذه الخلطة الغريبة تصريحات غير بريئة أبدا على لسان مسؤولين إسرائيليين من أمثال ليبرمان ورؤساء سابقين ولاحقين للموساد ضد نظام الأسد، إلى درجة أن آخرهم اعتبر أن «بقاء الأسد في الحكم هو هزيمة لإسرائيل» يا عيني، وأي هدف أسمى من هزيمة إسرائيل لدى العرب وهكذا بلا تعب وبمجرد إبقاء نظام الأسد في السلطة! كل تصريح كهذا يؤدي إلى رد فعل عكسي وتعاطف مع النظام الدموي ويصب في محاولته الظهور بمظهر الضحية! لا تحتاج الثورة السورية إلى أعداء مع أصدقاء مثل هؤلاء. إذن، ما العمل وما هو البديل، ومن ينقذ الثورة السورية من الحاجة إلى أصدقاء السوء، ومن يسكتهم ويقول لهم حِلّوا عن ظهر الثورة؟! يبدو أنه لا مفر إلا ما رفعته لافتة من قبل الثوار السوريين أنفسهم، تقول: «لا نريد تدخلا عربيا ولا أجنبيا، نريد تدخل حلب ودمشق فقط»! هذا هو مربط الفرس، هاتان المدينتان تتحملان مسؤولية تاريخية أمام الله والشعب السوري والأمة العربية للتخلص من هذا النظام وجرائمه، جماهير هاتين المدينتين هي القادرة على وقف التدهور نحو حرب أهلية بدأت تلوح في الأفق من خلال التدخل الأجنبي تحت مسمى دعم «الثورة» من جهة ومقاومة التدخل الأجنبي من جهة أخرى، فهل ستنجح جماهير حلب ودمشق في كسر اليد الثقيلة لأجهزة أمن النظام وتنطلق لحسم القضية لبناء سورية الجديدة..؟ هذا ما نتمناه... سهيل كيوان