المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمشق في القلب
نشر في لكم يوم 11 - 08 - 2011

تحدث السيد ادريس هاني، وهو مغربي يعتنق المذهب الشيعي الجعفري، عن الثورة في سوريا. اصدر موقفا من ثورة سوريا مجمله رفض هبة السوريين ووسمهم بعملاء تحركهم ايادي اجنبية وتحركهم ايديولوجية تكفيرية. نريد في هذا المقال التفاعل مع طرح السيد هاني الذي عبر عنه في مقال في الموقع الإلكتروني هسبريس وهو مقال ظهر واختفى سريعا.
سوريا نظام الممانعة:
حينما انطلقت الثورة السورية، انطلقت بمطالب بسيطة وعادية وغير مكلفة للنظام السياسي. اشتعلت شرارات الغضب لما عمد الامن السوري في مدينة درعة الى اعتقال اطفال صغار بتهمة الصاق مناشير معادية على الجدران. هكذا بدأت القصة ويعرف الجميع كل الفصول اللاحقة التي كتبها النظام بحبر دموي قاني. لم يكتفي السيد هاني بكتابة مقال عن سوريا واحداث سوريا دون معاينة ميدانية، كما نفعل نحن الذين لا نملك الترف والقدرة المالية واللوجيستيكية على ذلك بل ربما لن نتمتع بالتصريح الذي يسمح لنا بالاطلاع على حقيقة العصابات التي تعتدي على الجيش العربي السوري، أقول لم يكتفي السيد ادريس بذلك فقط بل بل تجشم عناء السفر، وقام برحلة الى سوريا، لينقل الخبر اليقين. وهي رحلة تزامنت مع تصريح مهم للأمين العام لحزب الله كله دفاع عن نظام بشار ومناشدة للشعب السوري لإنهاء ثورته وتنبيه للثوار الى المخاطر التي قد تأتي من باب هذه المواجهة مع نظام الممانعة. افرغ هاني مشاهداته ورؤاه في مقال ظهر، كما قلنا أعلاه، ثم اختفى بسرعة في موقع هسبريس.
تدور رؤية هاني للأحداث في سوريا حول فكرة تقول ان الثورة السورية هي من فعل تحريض خارجي هدفه اسقاط خيار الممانعة الذي ترفع لواءه سوريا الاسد. ويضيف هاني أن اداة الهجوم على سوريا هي ما اسماه بأنصار الامارات الاسلامية والمخربين. كما يعتبر ان هذه الهجمة على سوريا تنتظم في إطار استراتيجية إخوانية تريد ان تسلم الثورات في المنطقة ككل الى تركيا.
إذا فككنا هذه الاطروحة واستخرجنا المسكوت عنه، فإننا سننجد أنفسنا أمام أطروحة طائفية لا علاقة لها بالتحليل الموضوعي.
قد نتفق على ان سوريا مع حافظ الاسد قد مارست سياسة وطنية فيما يخص الصراع مع اسرائيل. رفع الاسد شعار " لا حرب مباشرة مع اسرائيل دون تحقيق التوازن الاستراتيجي". لسنا من المغفلين الذين يعاتبون نظام حافظ على عدم اشعال الحرب في الجولان. ان الدول تخوض الحروب بالوسائل الممكنة. فالصين بقوتها لم تستطع الى الان ضم التايوان او الصين الوطنية الى ترابها، وذلك لان الحرب على التايوان ستكون لها عواقب على كل البرنامج التنموي الصيني وعلى كل ما تخطط له الصين مستقبلا. مقابل تهدئة الجبهة مع التايوان فالصين فرضت على العالم الا يكون للتايوان تمثيل في الامم المتحدة فهناك صين واحدة هي الصين الشعبية.
نفس الاسلوب يتكرر في حالة سوريا. فاذا كانت سوريا غير قادرة على مواجهة إسرائيل مباشرة فان اسرائيل عاجزة على ان تفرض على سوريا عقد معاهدة سلام استسلامي كما حدث لمصر والاردن رسميا ولباقي الدول العربية بطريقة غير رسمية. سوريا تواجه اسرائيل والمشروع الصهيوني بالحروب الإقليمي والجهوية ( لبنان – غزة-ايران-العراق بعد صدام). وقد استطاعت سوريا ان توقف الكثير من المصائب السياسية من خلال هذه الحرب غير المباشرة التي تدعم فيها حلفاء تلتقي مصلحتهم مع مصلحة سوريا الوطنية. نقول هذا وإن كان لنا الكثير من التحفظ على هذه الاستراتيجية، لكن يكفي ان هذه الاستراتيجية تعرقل بعضا من خطط اسرائيل. حالة سوريا وموقفها من الصراع العربي الاسرائيلي تلخصه العبارة التي تقول " لا حرب دون مصر ولا سلام دون سوريا"، وهذا ليس بالقليل.
لكن هل الممانعة هي شيك ابيض يجيز للنظام السوري ان يحرم شعبه من حقوقه العادلة والطبيعية ومن حقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
الحرية سبيل التحرر:
لقد تشكلت في سوريا فلسفة في الحكم، نجدها لدى كل الانظمة العسكرتارية في المنطقة منذ الخمسينات، أساسها شعار "لا صوت يعلو فقو صوت المعركة" . بموجب هذا الشعار تعتبر هذه الانظمة، إن أحسنا النية بها، ان اي انفتاح سياسي هو تهديد للجبهة الداخلية المقاومة. وهذا خطأ كبير، إذ لا تحرر دون حرية. فوحدها الشعوب الحرة تقاوم الاستعمار. وحالة صدام خير تعبير عن ذلك. فلم يكن دخول امريكا العراق في ابريل 2003 بتلك السهولة إلا لأن شعب العراق في مجمله لم يكن يعتبر ان تلك المعركة معركته. لكن بعدما سقط نظام صدام وظهر ان امريكا جاءت لتبقى أصبح الكلام غير الكلام.
إذا كنا نسلم أن نظام الاسد الاب قبل الابن كان نظام مواجهة وممانعة حسب القدرات الممكنة، فإننا لا نقبل القول بان ثورة الشعب انما هي تدبير مدبر.، بل انها ثورة ذات اسباب داخلية بالتمام والكمال. وإن كان هناك من عامل خارجي فلا يعدو ان يكون عامل العدوى الايجابية التي اطلقتها ثورتا تونس ومصر.
لقد بنى حافظ الاسد نظاما مستبدا يتسم بالشمولية، ويرتكز على حكم دائرة ضيقة من العائلة، لكن الوصول الى هذه الدرجة من الانغلاق العائلي لم يحصل مرة واحدة بل كان وليد مسار سياسي طويل مر من أربع مراحل.
1- مرحلة حزب البعث:
في سنة 1961 حصل الانفصال بين سوريا ومصر، وانتهت دولة الوحدة بين الاقليمين العربيين. وقد رأى اكرم حوراني احد مثقفي حزب البعث واحد قادته السياسيين ان العمل من خلال المؤسسات السياسية لم يؤتي اكله في الصراع ضد الاقطاع ووكلاء الاستعمار، فنبه إلى ضرورة التفكير في التغيير العسكري. قام الحوراني باستعمال ضباط شباب من الطائفة النصيرية. وتشكلت لجنة عسكرية باركها وزكاها ميشيل عفلق، كان على راسها قيادة من ثلاث ضباط من بينهم حافظ الاسد. في عام 1963 سيقوم البعث بانقلاب عسكري سيستولي بموجبه على السلطة، لتبدأ مرحلة من حكم البعث لم تنتهي الى الان.
2- مرحلة الطائفة:
بعد نجاح الانقلاب واستلام البعث للسلطة سيظهر خلاف بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب سينتهي بانتصار الجناح العسكري الذي سيقود انقلابا سنة 1966 بقيادة صلاح جديد وحافظ الاسد. وقد غلب على الجيش منذ انقلاب 1963 سيطرة أبناء الطائفة النصيرية خصوصا على مستوى القيادة، إلا من بعض الضباط القلائل الذين ينتمون للسنة. ومن المعلوم أن الطائفة النصيرية لا تتعدى نسبة 12 في المائة من مجموع سكان سوريا. لهذا اظهر الضباط وفاء كبيرا وارتباط شديدا بالنظام وبالطائفة. ولان الجيش كان مكونا في قيادته من الضباط النصيريين فقد كان انقلاب 1966 بداية سيطرة الطائفة على مقاليد الحكم بسوريا.
3 – مرحلة الجيش:
لم تدم المودة السياسية بين صلاح جديد والاسد طويلا. وقد كان جديد منهمكا بالعمل الحزبي ومشاكل الحزب، في حين ركز الاسد اهتمامه بالجيش.
لهذا كان من السهل على الاسد ان يقود انقلابا عسكريا عام 1970 تحت مسمى الحركة التصحيحية. وقد كان هذ الانقلاب من اسهل الانقلابات، إذ لم يحتج الاسد فيه الى الجيش بل قامت الشرطة باعتقال صلاح جديد. وقد دخل الاسد مباشرة بعد الانقلاب في عملية تطهير للحزب من العناصر ذات الميول الماركسية والعناصر الراديكالية وهي في أغلبها عناصر سياسية مدنية، محتفظا بالحزب كغطاء شرعي لنظامه. إن تصفية الجناح السياسي للحزب سيفتح مرحلة سيطرة الجيش على مقاليد الحكم بدل الحزب.
4 – مرحلة العائلة:
تميز الاسد الاب بخاصية اساسية هي الحذر. ومن شدة حذره أنه وضع على راس اجهزة المخابرات الاربع (المخابرات العسكرية والجوية والسياسية والعامة) ضباطا ليسوا فقط من الطائفة بل من العائلة، إلى درجة أن اهم مسؤول عسكري كان هو اخوه رفعت الاسد الذي اشتهر بحرق حماة عام 1982. ويستمر اعتماد المقربين وابناء العائلة الى اليوم مع بشار الاسد. فاخوه ماهر الاسد يترأس القوة الضاربة في الجيش ممثلة في الفرقة الرابعة، في حين يسيطر اقرباؤه ومن بينهم رامي مخلوف على قطاع الاعمال والتجارة. بل يذهب البعض الى ان بشار الاسد اصبح رهينة بيد العائلة التي ولغت في المال والسلطة ، فما العمل وهي الان قد ولغت في الدم السوري الطاهر.
انتقلت هيمنة ال بشار على السلطة بسوريا من مراحل اربع. كانت الاولى سيطرة البعث ثم الطائفة النصيرية فالجيش واخيرا العائلة والمقربين.
ان هذا الاستفراد بالسلطة لكاف وحده لكي ينتفض ابناء سوريا دون الحاجة الى تحريض خارجي. ويمكن التذكير بأسباب اخرى من بينها ان دستور سوريا ينص على ان حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، مما يجعلنا نقول ان ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية ليست الا غطاء للتعمية وللديكور التعددي. كما نفس ينص الدستور على ان الانتماء إلى جماعة الاخوان المسلمين جريمة يعاقب عليها بالإعدام. ولا يجب في هذا الإطار ان ننسى ما اعترف به السيد هاني وهو التضخم الامني؟ إن شعار " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"( بغض النظر عن صدقية حامليه) لا يمنح لأي كان شرعية الحق في حرمان الشعوب من حقها في الحرية. لا سلامة ولا وحدة للوطن دون كرامة المواطن. فالشعوب الحرة وحدها القادرة على حماية الاوطان. إن الطريق إلى التحرر هو الحرية. الحرية قبل التحرر.
ثورات لن تأكل ابنائها:
نلمس في حجاج هاني تكالبا صامتا ومخفيا على كل ما هو سني، ونلمس منافحة عن كل ما شيعي.
ففي أجواء الرعب الذي يتربص بكل من عارض البعث والعائلة المصونة عائلة جلالة بشار، الذي ورث الحكم الجمهوري عن ابيه، يسمح هاني لنفسه بان يدعي ان الثورة في سوريا ( ويضيف مصر) من تدبير الاخوان الذين يريدون ان يسلموا الجمل بما حمل لتركيا. تنبعث هنا هنا التركيوفوبيا التي ظهرت عند "حكيم" أوربا فاليري جيسكار ديستان حينما طلب الاتراك الانضمام الى السوق الاوربية المشتركة، وها هي تظهر عند شيعة المنطقة الذين، يرون عن خطأ، ان حضور تركيا هو بالضرورة منافس لإيران. لماذا إحياء الصراع الصفوي العثماني الان. إن هذا الصراع لا يدخل في اهتمام طلاب الحرية في سوريا وغيرها؟ إن السيد هاني يبدو في مقاله بهسبريس كما لو انه يستكثر على الشعوب العربية والمغاربية ان تنجز الثورة. ربما يريد الثورة ماركة شيعية مسجلة. والسبب مفهوم. إن إنجاز هذه الشعوب لثوراتها، وبالطريقة الديمقراطية التي لا ترفع المشانق لرفاق الدرب مثل ما وقع لحزب تودة في ايران ، يمنح في التصور الشيعي المريض افضلية للسنة، علما ان هذه الثورات ليست دينية كي تكون سنية، ويعطي للسنة مثالا ربما سيصرفهم عن النموذج التضحوي الشيعي الذي مثله حزب الله مدة من الزمن وبدأ يفقد بريقه مع الموقف غير المبدئي للحزب من الام المستضعفين وصرخات الثائرين في سوريا.
لقد تميز المغاربة من بين كل شعوب المنطقة بتأييد كبير لحزب الله لما رفع البندقية في وجه العنجهية الصهيونية، ولم يلتفت، درءا للنقاشات الثانوية، الى الطابع المغلق للمقاومة التي بدأت وطنية بداية الثمانينات، واصبحت حكرا على حزب الله مع دخول الحرس الثوري للبقاع وتحييد حركة امل، و بعدما أخرجت اسرائيل والعرب المتواطؤون المقاومة الفلسطينية من لبنان. المغاربة ايدوا المقاومة اللبنانية لكنهم لم يقبلوا تواطؤ الشيعة في العراق مع الاحتلال وخيانتهم لشعار "هيهات منا الذلة". واليوم المغاربة لا يقبلون تحت اي مسمى موقف حزب الله مما يقع في سوريا. والثورات التي انطلقت في هذه البلدان، ستكون نموذجا جديدا للتغيير الذي يسعى نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية للجميع وليس للطائفة الناجية او الحزب القائد او اتباع الامام المعصوم، وبالتالي فهي بإذن ربها وارادة شبابها ثورات لن تأكل ابنائها. ونجاحها هو تشجيع للإصلاح في الدول المنغلقة التي كانت ثورية في بدايتها ثم صارت دينية وانتقلت طائفية وها هي الان تصبح صراعات اجنحة داخل الخلص لخط الامام.
قرأنا ونحن صغار رواية غادة كربلاء. بكينا وبكينا ونحن نتألم للمصير الذي لقيه سبط الرسول (صلعم) الحسين بن علي رضي الله عنهما. وعلى قدر بكائنا كان تقديرنا واكبارنا لسليل الدوحة النبوية الذي قال "هيهات منا الذلة هيهات منا الذلة" هكذا تلقينا هذه القمة السامية في الايمان وفي التضحية. ونحن على مشارف المراهقة باغتتنا ثورة في غفلة من شغبنا العاطفي والفكري جاءت من ايران، وقيل وقتها انهم من ذلك السبط. اه كم هي جميلة تلك الهيهات منا الذلة حينما تكون من أجل المستضعفين. قال الامام من منفاه الفرنسي في نوفل لو شاطو ثم في طهران هذه الثورة للملايين من المستضعفين في كل الارض. لكن سرعان ما سيخيب الامل حينما ستعلن الثورة بعد ان اكلت جزءا كبيرا من ابنائها، ان إيران دولة اسلامية مذهبها هو المذهب الجعفري. هكذا بدأ الانحياز الى الطائفة بدل ان تكون ثورة لكل الايرانيين. و هكذا بدل ان تصدر ايران التغيير بدأت تصدر المذهب لتعيدنا الى زمان الكوفة وقلعة "ألموت " وتخريج الدعاة.
شيعة أم شبيحة ؟
إن الدفاع عن نظام الدبابات في سوريا ليس من شيم ال البيت في شيء. فأغرودة ال البيت الحزينة تعزف لحنا واحدا خالدا هو لحن الحرية . قالها الحسين بن علي رضي الله عنهما، حينما خرج ثائرا على التوريث لفاسق بني امية، وقالها قبله والده الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حينما قبل ان يقف امام القاضي لينظر في شكاية يهودي تظلم من الامام. هذه هي مدرسة ال البيت قبل ظهور المذاهب، وقبل ان يتم تهريب مدرسة ال البيت تحت عباءة القومية الشعوبية.
في عز جدبة المخزن للترويج " لدستور العبيد" تناقلت بعص المواقع الإلكترونية موقفا لهيئة تسمي نفسها هيئة شيعة طنجة يعلن ان الهيئة ستصوت لفائدة الدستور، ضدا على ما اسمته الهيئة بمحاولة السلفية التنصيص على المذهب المالكي في الدستور. وفضلا عن ان هذا الامر لم يحصل ولم يدع اليه احد، فان الهيئة مدعوة للإجابة عن تنصيص دستور ايران على المذهب الجعفري.
من جهته لم يترك السيد ادريس هاني الفرصة تفوته دون ان يعلن، بشكل محتشم، دعمه للدستور المقترح الذي سمته حركة 20 فبراير بدستور العبيد، وذلك في مقال خطه بيده في اسبوعية اوطن المتخصصة في تشويه حركة 20 فبراير من مدخل فزاعة تحالف النهج والعدل. وقد خص السيد هاني هذا المقال للتساؤل عن حقيقة انتقال العدل والاحسان من دولة الخلافة الى الدولة المدنية.
لماذا هذا الهجوم من طرف السيد هاني على العدل والاحسان؟ إن الامر فيه هدفان. الاول هو التقرب الى المخزن، وربما البحث عن مهمة " ثقافية" لمواجهة الجماعة. لكن ما يجب ان يعلمه السيد هاني هو ان المخزن لديه الان احتياطي لاهوتي يسمح بالاختيار. فهناك الكتيبة الطرقية وهناك كتائب السلفية العلمية. أما الهدف الثاني وهو الاعمق والاهم، فهو ان العدل والاحسان، ورغم انها حركة سنية فان السحنة الصوفية لديها تجعلها بمنطق الممكن النظري، وإذا استحضرنا المنحى العام واغفلنا التفاصيل والتصريحات الواعية، قريبة من "العرفان" الشيعي، وقاب قوسين او ادنى من مدرسة الائمة، كيف لا والجماعة تلح وهنا بوعي واصرار على حب ال البيت شانها في ذلك شان كل المغاربة. إن هذه الوضعية الاعتبارية لجماعة العدل والاحسان تحرك نوعا من الغيرة المذهبية لدى من يعتبر نفسه ممثل الامام او صاحب الدعوة في هذا الاقليم. لهذا على داعية الاقليم ان يزيح هذا المنافس الذي ربما قد تلتجئ اليه المرجعية والتي هي، كما هو معروف عن العقل الفارسي، عقلية براغماتية. وحينها لن يصبح الداعية ذا فائدة. قد يكون سبب الهجوم هو أن البضاعة الصوفية الروحية قد تشكل عرضا مذهبيا يشوش او يزيح العرض العرفاني الجعفري الخالص الذي يحمله داعية الاقليم، والذي سيدخل لامحالة في حالة سباق حول بورصة القلوب التي تضرر فيها التاجر الجعفري بفعل مواقف الشيعة من نظام الدبابات في سوريا ودفاعه عن جرائم هذا النظام. لكن السيد هاني نفسه قد دخل في هذه الجوقة المنافحة عن نظام الدبابات بسوريا. فالسيد رجع لتوه من الشام واتحفنا بذلكم المقال الذي ظهر وغبر سريعا في هسبريس، وكان لاحقا بمدة وجيزة لكلمة امين عام حزب الله حول نظام الممانعة. لقد كتب السيد هاني، معلقا على رؤيته لما اصاب سيدة سورية من اعتداء وحشي قام به الثوار (كذا)، أنه حينما عاين كل تلك الوحشية " تمنيت لو كنت حينها شبيحة." إن مدرسة ال البيت لبريئة من هذا الكلام براءة الاسلاميين من تفجير كنيسة الاسكندرية بمصر. لقد كان الاجدر بمن يدعي الانتماء إلى هذه المدرسة الطاهرة المطهرة، ان يتمنى اعتقال الجاني ومحاكمته ، مع تمتيعه طبعا بشروط المحاكمة العادلة، كي ينال جزاء فعله. لكن ما العمل في هذا الزمان الذي تشابه البقر فيه علينا فلم نعد نميز بين الشيعة والشبيحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.