هذا الكتاب هو أول ما ألفه الملك محمد السادس في حياته. عنوانه «الاتحاد العربي الإفريقي واستراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية». هو عبارة عن بحث لنيل الإجازة في الحقوق، أعده ولي العهد آنذاك رفقة صديق دراسته، ومدير ديوانه لاحقا، محمد رشيد الشرايبي، سنة 1985. طبعت منه طبعة واحدة بالمطبعة الملكية في السنة ذاتها، دون أن يتم تداولها. ولا يمكن حتى الوصول إليها في أرشيف بحوث جامعة محمد الخامس، حيث تمت مناقشة البحث. «المساء» حصلت على نسخة من أول كتاب يؤلفه الملك محمد السادس، وتبسط معلومات وتفاصيل كتبها الملك بيده. في سنة 1985 أشرف الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية ووزير العدل السابق، عبد الواحد الناصر، على بحث ليس كباقي البحوث، التي تعد بكلية العلوم الاقتصادية والسياسية والقانونية، التابعة لجامعة محمد الخامس-أكدال. البحث من إعداد ولي العهد وصديقه الذي سيصير مدير ديوانه الملكي سنوات بعد ذلك. ماذا ورد في هذا البحث المتفرد؟ وما هي أهم ملامحه؟ الشاهد الممتاز يشير غلاف البحث المكتوب بخط عربي رفيع ومشكول إلى أن الأمر يتعلق ب«بحث لنيل الإجازة في الحقوق من إعداد الطالبين: صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سيدي محمد، ومحمد رشيد الشرايبي». محمد رشيد الشرايبي، هذا هو الاسم الحقيقي والصحيح لصديق دراسة الملك، كما ورد في غلاف البحث، وليس رشدي الشرايبي، كما هو مشاع. أسفل اسمي «الطالبين» اللذين أعدا البحث كتب اسم المطبعة التي تكلفت بطبعه: «المطبعة الملكية-الرباط.. 1405-1985». هذه المطبعة خاصة بالقصر الملكي ومكلفة بنشر مطبوعاته من كتب ورسائل وخطب وغيرها. نسخة المطبعة الملكية هي الوحيدة الموجودة. إذ يصعب العثور على النسخة الأصلية للبحث بخزانة جامعة محمد الخامس. ولولا أن لجنة مناقشة البحث أوصت بطباعته «نظرا لقيمته العلمية»، وسارعت المطبعة الملكية إلى طبعه في السنة ذاتها التي تم إعداد البحث فيها، لما وصل الكتاب إلينا. بحث ولي العهد ومحمد رشيد الشرايبي أشرف عليه عبد الواحد الناصر، الدكتور المتخصص في الدراسات الدولية. هذا القسم بمختبر القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس-أكدال بالرباط، وإن كان لم يتم الإشارة إلى الناصر باعتباره مشرفا على البحث في نسخته المطبوعة. البحث يقع في 161 صفحة. تصدرت أولى صفحاته صورة تجمع الملك الحسن الثاني والعقيد الليبي معمر القذافي، تم التعليق عليها بعبارة: «صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني وفخامة العقيد معمر القذافي يوقعان بوجدة يوم 13 غشت 1984م اتفاقية الاتحاد العربي الإفريقي». وفي هذه الصورة يظهر عبد الحق المريني، مدير التشريفات والقصور والأوسمة سابقا، ومؤرخ المملكة الحالي، وهو واقف بجانب الحسن الثاني يمد له أوراق الاتفاقية قصد توقيعها. بعد ذلك خص البحث الملك الحسن الثاني بإهداء، تلته ست صفحات تحت عنوان «شهادة» تحدث فيها عن سياق إنجاز هذا البحث. وهو ما أشار إليه ولي العهد آنذاك بالقول: «يبدو من قبيل المجازفة، ولما تمض سنة على إبرام معاهدة الوحدة بين المملكة المغربية والجماهيرية الليبية، أن نقدم على تحليلها ورسم حدودها بدقة، وأن نتحدث عما تحمله من آمال أو حتى ما سيكون لها من آثار، في حين أنها ما زالت تخطو خطواتها الأولى. والواقع أن محاولة من هذا النوع لا تخلو من مخاطر قد لا نقدرها حق قدرها، ولكننا قبلنا أن نتحمل تبعاتها بكل تواضع. واختيارنا لهذا الموضوع ليس ناشئا عما يجد فيه المحلل من مضامين جديرة بالبحث والعرض بقدر ما هو وليد الفرصة الاستثنائية، التي أتاحت لنا أن نكون عند ميلاد هذه المعاهدة في غمرة الأحداث، وأن يكون دورنا فيها دور الشاهد الممتاز لا دور المشاهد فحسب». بعد هذه التصديرات التي تميزت بما يشبه الطابع الحميمي، دخل البحث في منحى أكاديمي، منهجا ولغة، بدءا بمقدمة البحث التي قدمت الإطار النظري للبحث والمتجلي في تسليط الضوء على ظاهرة اتحادات الدول وتقديم دراسة دقيقة للاتحاد العربي الإفريقي. ورغم الطابع الأكاديمي الذي طبع البحث فقد وردت به فقرات ومقاطع أظهرت مواقف جلية لولي العهد آنذاك تجاه قضايا وأفكار ودول وتوجهات سياسية وإستراتيجية. المغرب، ليبيا والآخرون تطرق الفصل الأول للبحث، الذي حمل عنوان «الطبيعة القانونية للاتحاد العربي الإفريقي»، إلى سياق نشأة الاتحاد العربي الإفريقي، مقدما معطيات مفصلة حول خبايا التقارب بين الحسن الثاني والقذافي منتصف ثمانينيات القرن الماضي. ولي العهد كشف أنه «باقتراح من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني تم تكثيف الاتصالات بين المملكة المغربية والجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية بالطرق الدبلوماسية، سواء عن طريق تبادل الرسائل أو عن طريق تبادل المبعوثين، وذلك بهدف دراسة مختلف الجوانب المتعلقة بإنشاء اتحاد للدول يضم الدولتين يسمى الاتحاد العربي الإفريقي». الباحثان تطرقا إلى مراسلات معمر القذافي والحسن الثاني، واللقاء الذي جمع الملك الراحل بأحد مستشاري القذافي، وتم خلاله طرح فكرة إنشاء اتحاد بين البلدين. وهو المقترح الذي أجاب عنه القذافي فوريا، معبرا، بعد يومين، كما ورد في البحث، عن الفرح والترحيب بهذه المبادرة، وشرعت إجراءات لإنشاء الاتحاد دامت شهرا كاملا و« في أكثر ما يمكن من السرية». البحث عرض لجميع مراحل التصديق على المعاهدة بين البلدين، وتوقيع الحسن الثاني عليها، وفق ما يخوله له الدستور، إلى جانب توقيع القذافي بصفته «قائدا لثورة الفاتح من سبتمبر»، استنادا على ما هو مضمن في الكتاب الأخضر. بعد تقديم الجوانب القانونية والدستورية التي ضبطت المصادقة على معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي، أفرد البحث فقرة عكست ردود الفعل الدولية على إبرام معاهدة وجدة، حيث أبان ولي العهد، ومعه الشرايبي، عن رده على مواقف عدة دول، حيث ورد في البحث: «أكثر الدول المعارضة لقيام الاتحاد العربي الإفريقي هي الجزائر، إذ اعتبرت أن هذا الاتحاد هو تكريس لسياسة المحاور في منطقة المغرب العربي». كما جاء في البحث أن المعاهدة أثارت مخاوف أو تحفظات لدى بعض الدول، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي المقابل أورد البحث، بشكل منهجي وموضوعي، ردودا على هذه المواقف بتصريحات كل من الحسن الثاني والقذافي، استنادا على مقالات نشرت بجرائد وطنية ودولية. إذ اعتبر القذافي موقف الجزائر بأنه «وجهة نظر عدائية يرددها بعض العرب السذج والحاقدين على الوحدة العربية»، بينما وصف الحسن الثاني تحفظات الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها «عاطفية لأنها تلصق بالعقيد القذافي كل ما يقع في العالم بأسره إلى حد أنها نسيت أن هناك دولا أعظم وأكبر من ليبيا تقوم بأعمال غير قانونية أو إرهابية كما يقولون في أمريكا». الباحثان ذهبا إلى حد الإدلاء بموقفهما الشخصي من المواقف سالفة الذكر، من خلال القول: «يبدو أنه من الواضح أن ردود الفعل المعارضة أو المتسمة بالقلق والحذر كانت متسرعة بعض الشيء، وكان ينبغي الانتظار للاطلاع على الحقائق المتعلقة بهذا الاتحاد والأهداف الحقيقية التي يرمي إليها، لاسيما أنه اتحاد واقعي وليس فيه ما هو خيالي أو يضر سواء بالدول المجاورة للبلدين أو بالدول المرتبطة بهما بعلاقات وثيقة». هذه المواقف كانت تظهر بين الفينة والأخرى بين دفتي الكتاب. لكن البحث، كما أسلفنا، ذو طابع أكاديمي واضح. وهذا ما يتأكد من خلال اهتمامه بالدراسة النظرية لعدة أمور متعلقة بموضوع البحث. وفي هذا السياق قدم البحث معطيات تعريفية بخصوص أنماط الاتحاد بين الدول، فضلا عن تشريح الاتحاد العربي الإفريقي عبر تقديم بيان بأجهزته وهيئاته واختصاصاتها. في الفصل الثاني من البحث تم الانتقال للحديث عن «مدى انسجام الاتحاد العربي الإفريقي مع استراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية»، حيث تم توضيح طبيعة «إشكالية التضامن في الاتحاد العربي الإفريقي» على المستويات السياسية والدفاعية والاقتصادية، فضلا عن المستوى الخارجي وأصعدته العربية والإسلامية، عبر توحيد المغرب العربي وتحقيق الوحدة العربية ودرء الأخطار المحدقة بالأمة العربية والعالم الإسلامي، إلى جانب دور الاتحاد على المستوى العالمي من خلال المساهمة في المحافظة على السلام والأمن الدوليين وانتهاج سياسة غير منحازة وإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد. البحث انتهى إلى خاتمة تم فيها تركيب خلاصات البحث، مركزا على الدور الذي يمكن أن يقوم به الاتحاد العربي الإفريقي في العالم. لكن نبرة الخاتمة ستتغير في آخر جملها. إذ تمت مهاجمة من وصفوا ب«خصوم هذه الخطوة الوحدوية الرائدة»، وذلك بالقول: «لكل ذلك، فبالرغم من استمرار المؤامرات ومحاولات نسف الاتحاد العربي الإفريقي التي يقوم بها خصوم هذه الخطوة الوحدوية الرائدة، فإنه يتعين على دولتي الاتحاد الصمود والاستمرار في هذا العمل الجاد والبناء لتوطيد أواصر الأخوة وعلاقات التعاون بين البلدين، وجعلها تعطي ثمارها على الواقع الملموس، وتأهيله لكي يصمد في وجه مؤامرات أعداء الوحدة ودعاة الانفصال والتقسيم والتشتيت».
هكذا هاجم بحث محمد السادس «الصهاينة» والبوليساريو و«الانفصلاليين» في سياق الحديث عن الأهداف التي تتغاياها اتفاقية وجدة المنشئة للاتحاد العربي الإفريقي، الموقعة بين المغرب وليبيا، أبرز بحث ولي العهد، ومحمد رشيد الشرايبي، أن للاتحاد دورا في «درء الأخطار المحدقة بالأمة العربية والعالم الإسلامي». وتحت هذا العنوان هاجم البحث من سماهم الصهاينة، وذلك بالقول: «لقد سجلت ديباجة معاهدة وجدة إدراك الطرفين للأخطار التي تتعرض لها الأمة العربية والعالم الإسلامي عامة وفلسطين السليبة، والقدس الشريف بوجه خاص، نتيجة سياسة العنف والعدوان التي ما فتئ الصهاينة ينتهجونها عابثين بحرمات الإسلام ومقدساته، ومنتهكين لحقوق المسلمين والعرب بعد أن أخذتهم العزة بالإثم وأعماهم الكبرياء وتمكن منهم الغرور، فساروا لا يأبهون بالمبادئ والمثل العليا التي يقوم عليها المجتمع الدولي، ولا يعيرون اهتماما للقرارات الصادرة عن المنظمات والمحافل الدولية على اختلاف مستوياتها». البحث اعتبر أن الاتحاد العربي الإفريقي هو وسيلة لمواجهة من أسماهم «الصهاينة»، إذ أردف بحث ولي العهد: «لا شك في أن تحقيق هذه المقاصد يتطلب قيام تنسيق بين سياسة الدولتين تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. فالصهيونية وإسرائيل تمثل خطرا مباشرا يهدد أمن وسلامة الدول العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة. كما أنها تمثل نوعا من الاستعمار البغيض الذي يعرف بالاستعمار العنصري الاستيطاني، ولذلك فإن إسرائيل التي ساعد الاستعمار على وضعها في قلب الوطن العربي هي حليفة للدول الاستعمارية وحامية لمصالحها في الشرق الأوسط وتعمل بشتى الوسائل لوضع العقبات أمام أي نوع من التقارب أو الوحدة بين البلدان العربية، لأن ذلك يؤدي إلى إحكام الحصار عليها ومنعها من التوسع على حساب الدول العربية المجاورة لها». البحث اعتبر، أيضا، أن قيام الاتحاد العربي الإفريقي وسيلة ل«مقاومة التسلل الإسرائيلي في إفريقيا»، مشيرا إلى أن ذلك «إحدى المجالات التي تستدعي قيام تنسيق بين الدولتين في إطار الاتحاد العربي الإفريقي، وكما هو معلوم فإن التسلل الإسرائيلي في القارة الإفريقية اتخذ صورا مختلفة منها التفاهم مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا والنفاذ إلى الدول الإفريقية حديثة الاستقلال...». هاجم ولي العهد، أيضا، في بحث نيل إجازته ما أسماها «ممارسات المرتزقة في الاعتداء على الدول الإفريقية»، وخص فقرة تحت عنوان «التوتر المصطنع في شمال غرب إفريقيا»، والذي أسماه ولي العهد ب«مشكل الصحراء»، موضحا موقف ليبيا من الملف. وهذا ما أتى البحث على بيانه بالقول: «وقد أدت محاولات إقحام الجمهورية الصحراوية الوهمية المذكورة ضمن المجموعة الإفريقية في المؤتمر العربي الإفريقي الذي كان مقررا عقده في طرابلس في الفترة الممتدة من 15 إلى 18 أبريل 1985، إلى اعتذار ليبيا عن استضافة هذا المؤتمر، وطلبها تأجيله إلى تاريخ لاحق (...). وبغض النظر عن أن الحكومة الجزائرية أرادت استغلال هذا المؤتمر للقيام بمناورة جديدة ومفضوحة تهدف إلى جعل الدول العربية تعترف بالانفصاليين عن طريق حضورهم اجتماعات مشتركة بين الجانبين العربي والإفريقي، فإن الموقف الليبي يعكس حقيقتين، أولاهما حرص الجماهيرية الليبية على توفير الشروط لنجاح المؤتمر العربي الإفريقي، وثانيهما التزامها بالأهداف التي يرمي إليها الاتحاد العربي الإفريقي، وما يتطلبه من تعاون دبلوماسي وثيق سواء عن طريق المبادرات الانفرادية أو عن طريق القرارات المشتركة».