سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات امتحان ل«وعود» الحكومة في مجال الحكامة ومحاربة الفساد محمد كمال المصباحي: دور الحكومة في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة سيتجلى في إحالة الملفات الجاهزة على القضاء
ما هي الخروقات والتجاوزات الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 التي ستجد طريقها نحو القضاء؟ وكم عدد هذه الملفات؟ ومن هم أبرز المرشحين الذين سيعرفون نفس مصير عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات؟ وإلى أي مدى ستذهب الحكومة في مجال ربط المسؤولية بالمحاسبة، أحد أهم المستجدات التي جاء بها الدستور الجديد في مجال الحكامة؟... إنها أسئلة ستشكل الإجابة عنها من قبل حكومة عبد الإله بنكيران في الفترة المقبلة اختبارا حقيقيا لشعارات محاربة الفساد وترسيخ الحكامة التي ترفعها هذه الحكومة. محمد كمال المصباح، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، دعا الفاعلين السياسيين إلى تحمل مسؤولياتهم كاملة في التعامل مع أول تقرير يصدره المجلس الأعلى للحسابات في العهد الدستوري الجديد، واعتبر الحكامة المدخل الرئيس لتطبيق المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحكامة. غير أن المصباحي أكد أن ثمة أمرين أساسيين يتحكمان في تحديد الطريقة التي سيتم التعامل بها مع هذا التقرير. يتمثل الأول في «ضرورة ترك القانون يأخذ مجراه الطبيعي والحرص على السير العادي للعدالة». ويتوقف الثاني على «الدور الذي ستلعبه الحكومة في مجال ترسيخ المبدأ الدستوري وربط المسؤولية بالمحاسبة» من خلال الإقدام على إحالة الملفات الجاهزة لتحريك المتابعة القضائية بشأنها. من جهة أخرى، ثمة أيضا ترقب للطريقة التي ستتعامل بها الحكومة الحالية مع هذه الملفات، وتحديدا وزير العدل، بصفته رئيس النيابة العامة، لا سيما أن الحكومة الحالية أحالت ملفين وردا في التقرير السابق لمجلس الميداوي في الأسابيع الأولى التي تلت تنصيبها القانوني داخل قبة البرلمان. ويبدو أن ثمة تفاؤلا كبيرا بأن يكون مصير هذا التقرير أفضل بكثير من سابقه. ويربط المصباحي هذا التفاؤل بالجو العام السائد بعد المصادقة على الدستور الجديد، الذي خصص فصلا بأكمله للحكامة، بالإضافة إلى الحضور القوي لمفاهيم الحكامة في أدبيات حكومة عبد الإله بنكيران، والتي وصلت إلى حد تخصيصها قطاعا وزاريا أسندت مسؤوليته للقيادي في العدالة والتنمية، محمد نجيب بوليف. ويُعضّد هذا التفاؤل، المصاحب بترقب شديد لما ستأتي به الأيام التالية لإحالة التقرير على وزارة العدل، بدينامية ملحوظة في عمل بعض المؤسسات الرسمية التي تعنى بالحكامة. وفي هذا الإطار، لم يتردد عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي سينتظر أن تخضع لإصلاح يلائمها مع مقتضيات الدستور الجديد ويقوي صلاحياتها، في انتقاد ضعف آليات مراقبة المالية العمومية بالمغرب قبل أقل من أربعة أيام من صدور التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات. أبو درار انتقد أيضا «ضعف الشفافية المالية والضريبية ونقص الفاعلية التقنية والتسييرية»، تنضاف إلى ذلك الخروقات والتجاوزات التي ترصدها تقارير المفتشية العامة لوزارة الاقتصادية والمالية. وإذا كان رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة طالب الحكومة بضرورة التعجيل ب«أجرأة وتنزيل الحكامة المالية بالوسائل المتوفرة حاليا لأنها تعتبر تعتبر ضرورة ملحة»، وحذرها من عواقب «انتظار مزيد من الوقت من أجل توفر الإمكانيات والوسائل لتنزيلها على أرض الواقع»، فإن عضو المكتب المركيز ل«ترانسبارانسي» استعجل تطبيق مقتضيات الدستور المتعلقة بالحكامة. ومن أجل تنزيل هذه الحكامة، كان أبو درار، الذي تتبع هيئته لرئاسة الحكومة، دعا قبيل أيام قليلة إلى «تقوية آليات ووسائل مراقبة المالية العمومية وترسيخ ثقافة المحاسبة وإقرار نظام للعقوبات حسب المخالفات المرتكبة، مع صرف الميزانيات وفق الأهداف وليس بمنطق الوسائل المتوفرة، بالإضافة إلى تفعيل الشفافية، ولا سميا في مجال الصفقات العمومية». وفي المقابل، طالب المصباحي الحكومة بالقطع مع عهد «التسامح» مع الاختلالات التي تشوب تسيير المؤسسات العمومية من أجل «استرجاع ثقة المواطنين في العمل السياسي»، والتأكيد على أن خطاب محاربة الفساد والعزم على ترسيخ الحكامة ليس مجرد مزايدات انتخابية. أكثر من ذلك، دعا المصباحي مختلف الفاعلين السياسيين إلى التعبير بالأفعال وليس بالخطابات فقط عن إرادتهم القوية في محاربة الفساد وتكريس الحكامة الجيدة، ووجه انتقادات لاذعة إلى بعض الأحزاب لإحجامها عن فحص ماليتها وفق ما جاء في التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات. 21 حزبا سياسيا فقط من أصل 34 قدمت حساباتها إلى المجلس برسم السنة المالية 2009، منها ثلاثة عشر حزبا أدلت بحساباتها السنوية في الأجل القانوني، وثمانية أحزاب أدلت بها بعد انقضاء الأجل القانوني للقيام بهذه العملية، في حين لم تقدم ثلاثة عشر حزبا حساباتها إلى المجلس الذي يترأسه أحمد الميداوي. ووفق التقرير الأخير الخاص بسنة 2010، فإن الأحزاب المغربية استفادت في سنة 2009 من موارد تصل إلى 23 مليارا و619 مليون سنتيم، علما بأن تلك السنة شهدت تنظيم انتخابات جماعية، وهو ما يعني حصول التنظيمات الحزبية على أموال عمومية من أجل تمويل حملاتها الانتخابية. ويطرح إحجام الأحزاب عن الإدلاء بكشف حساباتها للمجلس الأعلى للحسابات حول الحق في الولوج إلى المعلومة، الذي يعتبر من ركائز تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة. وإذا كانت هناك مطالب ملحة ترفع لتمكين المواطنين من الولوج إلى المعلومة، ولا سيما في مجال تدبير الشأن العام وصرف المالية العمومية، فإن المصباحي يذكر بجملة كانت وردت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 يعترف فيها قضاة المجلس بأنهم اضطروا إلى الانتظار «ثمانية أشهر قبل الحصول على الوثائق المتعلقة بملف القرض العقاري والسياحي». ولهذه الأسباب انتقد أبو درار حرمان المواطنين من المعلومة الاقتصادية والمالية. وقد استعجل المصباحي إخراج قانون يضمن الحصول على المعلومة، إلى جانب قوانين أخرى تؤطر تضارب المصالح وتحد من الجمع بين المهام وترسخ الحكامة الجيدة لكي «لا يظل مدراء ومسؤولون عموميون يعتبرون أنفسهم فوق القانون»، وفق المصباحي..