يفتتح، اليوم، في قاعة فينيس كادر في الدارالبيضاء المعرض الجديد للفنان التشكيلي بوشتى الحياني، ويأتي المعرض في سياق السيرورة الفنية النشطة لهذا الفنان، الذي يختصر في تجربته جزءا من تاريخ الممارسة التشكيلية في المغرب. ولعل النظر في رزنامة معارضه التي أقامها في المغرب وخارج المغرب على مسافة ثمان وأربعين عاما، أي منذ سنة 1960 تاريخ أول معرض له في مدرسة الفنون التطبيقية في الدارالبيضاء إلى معرضه الأخير في قاعة فينيس كادر، ليمكن من الوقوف على الجهد الفني والولع العميق والشغف باللون والانتماء إلى ما يشكل هوية الفن التشكيلي في المغرب. في أعمال الفنان بوشتى الحياني حضور للجسد الإنساني، ليس بالمعنى الإيروتيكي، ولكنه الجسد العاري المكشوف، الجسد الطيني، أو هو تذكير بطينية الجسد وترابيته، في محاولة لتسخيف كل الغرور الذي يمكن أن يطال بشرا عابرا وزائلا. أعمال الحياني تشكل صدمة للعين، ولعله يشتغل بعمق على هذه القصدية، ليحول الموضوع إلى حالة من حالات الكثافة، ولتصبح اللوحة معبرا نحو تاريخ آخر هو تاريخ الأفكار. يكتسي الجسد في لوحته ملمحا ترابيا، إنه يجرده من لبوسه، أو يحوله إلى مجرد فزاعة، مثل فزاعات الحقول، تخيف هوام الطيور، وتضحك بسخرية على السذاجة اليومية، دون أن نغفل تلك المسحة السردية التي تنضح بها لوحاته، وكأنه يريد أن يحكي لنا قصة ما، قد تكون هي قصة الخلق الأول، قصة آدم وحواء، وهما يهبطان من الجنة العلوية إلى الجحيم الأرضي، كي يبنيان الحكاية من البداية إلى النهاية. فهناك الجسد الطائر، أو الجسد الذي يحلم أن يطير، وهناك الجسد المصلوب، وهناك الجسد المشبوك والأسير، وهناك آدم وحواء في لحظة الاختيار الفاصلة، وبينهما التفاحة. والأكثر من ذلك أن هناك الجسد الأخروي، الذي يتحلل في المادة ويتقلص إلى مجرد جمجمة غائرة الملامح، أو بلا ملامح، فلا حياة في مملكة الجماجم. هذا هو الحياني، مشتغل درب على الأفكار، وكاذب من يقول إن اللوحة لم تصل أو لا تصل إلى الجمهور، تكفي مجرد وقفة كي نكتشف عمل الفنان، سواء من خلال المادة المستعلمة أو من خلال الشكل المحض الذي ينمطه. هل يمكن قراءة لوحة فنية قراءة سياسية؟ أعتقد أن هذه القراءة تسعف في حالة أعمال الحياني، لأنه يحرص على أن يبرز أفكاره على سطح اللوحة، إنك لترى ولتلمس التشديد على المعاني من خلال حركة الفرشاة، ومن خلال الإظهار الذي يتعمده، دون أن يغرق في بحر التجريد الواسع. وهو يحرص تماما على أن تكون أعماله حوامل لأفكار، أو حمالات دلالات، فكما أن القماش هو حامل للوحة، هناك أيضا الخطابات التي تطفو على سطح العمل الفني، من خلال إبراز جماليات التشوه، لأن الخروج من الكون الأول و النزول من الجنة العلوية، هو نزول هائل من كوكب إلى كوكب في لعبة السفر الكوني الشائق والقلق. إنه، وبجملة واحدة، يمكن القول مع الحياني إن الرسم هو الكائن، حيث يتلاقى العقل والقلب، الحلم والحقيقة. من الأكيد تماما أن معرضه الجديد يحمل مفاجآت أخرى من هذا الثقل، وسنرى كيف سيتحول الكائن، الذكر والأنثى إلى تجربة في القدر الإنساني، قدر مشترك لا يمكن الهروب منه، لأننا هنا على نفس الكوكب شركاء في الشقاء وفي السعادة برغم أنوفنا أو جماجمنا، سواء.