سألني صديق سوري قائلا: هل تتوقع أن تسقط الثورة المشتعلة في سورية نظام بشار الأسد؟ ووجدت نفسي تلقائيا أقول له ولماذا، إذن، يستمر الصراع كل هذه المدة قبل أن تظهر النتيجة؟ فقال: ماذا تعني؟ قلت: لا أريد أن أقلل من أهمية ما يجري في سورية، ولكني أعتقد أن الموقف فيها أكثر تعقيدا مما تظن لكونه لا ينحصر بين الثوار والحكومة، ذلك أن ثمة عناصر خارجية كثيرة ترتبط به، وبسبب ذلك فإن حل الموقف في هذا البلد سيعتمد على التوافق الذي قد يحصل بين تلك العناصر الخارجية، فقال صديقي: هل تعني أن الرئيس بشار الأسد سوف يستمر في الحكم؟ فقلت: ليس ذلك بالضرورة ما ستسفر عنه الأحداث، ذلك أن التوافق الخارجي قد يتجاوز مسألة استمرار الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم. عند ذلك توقف الصديق قليلا، ثم قال: كيف، إذن، ترى الموقف الروسي من نظام الرئيس بشار الأسد؟ فقلت: على الرغم من نهاية الحرب الباردة ودخول العالم في مرحلة جديدة من تاريخه، فإن المصالح الروسية لم تختلف كثيرا عن المصالح السوفياتية، إذ مازالت روسيا تتعاطف مع أصدقائها القدامى، وهي لا تقيم كبير وزن للانتفاضات الشعبية في مواقفها، إذ كل ما يهمها هو مصالحها الاستراتيجية. وإذا توقفنا هنا أمام تاريخ العلاقة بين روسيا وسورية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي وجدنا أن روسيا كانت داعمة بشكل أكيد للنظام السوري، إذ هي الدولة الرئيسية التي دعمت انقلاب الرئيس حافظ الأسد، وكثمن لذلك منحتها سورية قاعدة «طرطوس» العسكرية، وهي القاعدة التي أهملتها روسيا زمنا طويلا حتى جاء الرئيس «فلاديمير بوتين» في عام ألفين وثمانية وأمر بإعادة تأهيلها من جديد. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سورية، فقد عقدت صفقات سلاح كبيرة مع الجانب الروسي، وكان الجانب المادي هو الذي طغى على تلك الصفقات التي رغم من حصول سورية عليها فهي لم تستطع أن تستخدم ما اشترته من أسلحة في الدفاع عن أمنها في الجولان كما فشلت في صد الهجوم الإسرائيلي على ما قالت إسرائيل إنه مفاعل نووي سوري، وظلت سورية دائما تقول إنها سترد على هذه الاعتداءات في الوقت المناسب، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت روسيا ذات فائدة بالنسبة إلى النظام السوري، خاصة حين وقفت في مجلس الأمن ضد مقترحات فرنسية تدعو إلى فرض عقوبات عليه، وذلك ما أغضب المندوبة الأمريكية «سوزان رايس» التي غادرت الاجتماع وهي تقول: أفهم أن يدعم الروس الشعب السوري الذي يقتل، ولا أفهم كيف تدعمون الحكام الذين يقتلون شعوبهم. ولم يقتصر الدعم الروسي لسورية على الجانب السياسي وحده، فقد رأينا البطريق الروسي «كيريل» يتوجه لزيارة سورية وهو رئيس الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ رأينا وزير الخارجية الروسي «لافروف» يلمح إلى أن الضغط يجب ألا يكون على الحكومة السورية وحدها بل يجب أن يتجاوزها إلى سائر الأطراف من أجل أن يكون هناك حل مقبول في سورية. ولم يتوقف الدعم الروسي لسورية عند حد الخطابة الكلامية بل أرسلت موسكو إحدى حاملات طائراتها وبعض مدمراتها إلى قاعدة «طرطوس»، وبدأ الكثيرون في الوقت ذاته يعطون تفسيرا لما تقوم به يتركز في أنها لا تريد أن يتكرر السيناريو السوري في بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق أو حتى في روسيا ذاتها، وعلى الرغم من أن روسيا أعلنت رفضها لفكرة التدخل الخارجي في سياسات بعض الدول، فإن هناك مواقف في تاريخها تؤكد أنها تدخلت في شؤون دول أخرى كما حدث في أفغانستان في عام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعين، وكذلك في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وإذا تساءلنا عن الأسباب التي جعلت روسيا تقف داعمة للنظام السوري في وقت لم تتخذ فيه موقفا مماثلا في ليبيا، كانت الإجابة على هذا النحو: أولا: نشرت صحيفة «موسكو تايمز»، التي تصدر باللغة الإنجليزية، أن روسيا تستثمر في البنية الأساسية في سورية ما قيمته تسعة عشر مليارا ونصف المليار في مشاريع البنية التحتية؛ ثانيا: روسيا تشعر بتأنيب الضمير لأنها تركت حلف الناتو يتصرف وحده في ليبيا، وتقول إن تصرفه خلف أعدادا كبيرة من الضحايا، وهي لا تريد أن يتكرر السيناريو الليبي في سورية. وإلى جانب ذلك، فإن المسؤولين الروس يقولون إنهم لا يريدون أن يتحول المشهد السوري إلى حرب أهلية شاملة، لأن ذلك، من وجهة نظرها، قد يؤثر على الأمن في روسيا ذاتها، خاصة إذا تحولت الحرب الأهلية إلى صورة شبيهة بالحرب الأهلية اللبنانية. وفي ضوء هذه التطورات، لا نرى أن الموقف الروسي سوف يتغير كثيرا على الرغم من الضغوط الدولية لأسباب كثيرة، منها أن روسيا لا تريد أن تفقد قاعدتها في «طرطوس» لكون هذه القاعدة ذات قيمة استراتيجية لروسيا، خاصة أنها لا تملك قاعدة مطلة على البحر الأبيض المتوسط مع شعورها بالتهديد من تعاون تركيا مع العالم الغربي بشأن مشروع الدرع الصاروخية الذي هو موجه أصلا ضد روسيا؛ كذلك تشعر روسيا بأنها ورثت تركة مثقلة من الاتحاد السوفياتي السابق بشأن مواجهة الهيمنة الأمريكيةوالغربية على مقدرات الدول الأخرى بما يؤثر على المصالح الروسية. وتضع روسيا أهمية خاصة للانتفاضات الحادثة في مختلف البلدان العربية، وهي ترى أن نتائجها في سورية قد تؤثر على مصالحها بصورة مباشرة؛ كذلك تعتقد روسيا أنها لا يمكن أن تكون خارج الموقف الدولي في الأحداث الكبرى لأن ذلك ما أراده لها الغرب الذي ما زال يواصل معها السياسات التي كان يمارسها مع الاتحاد السوفياتي السابق، لكن روسيا لا تحصر مواقفها في الاستراتيجيات الدولية وحدها، إذ هي تنظر باهتمام كبير لمصالحها وعلاقاتها السياسية المباشرة، ولا شك أن سورية كانت من الدول ذات العلاقة الوثيقة مع الاتحاد السوفياتي السابق، وذلك ما تريد أن تؤكد عليه الآن، خاصة بعد أن وصف الرئيس «مدفيدف» سورية بالحليف الاستراتيجي القديم. وترى روسيا من جانب آخر أن صعود الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا قد يكون ذا أثر سلبي في علاقاتها بالعالم العربي بسبب العداوة التقليدية بين الإسلاميين والنظام الشيوعي القديم، وهي عداوة ترى روسيا أنها قد لا تنجلي بالسرعة التي تريدها. ويشير بعض المراقبين إلى حادثة وقعت أخيرا يصفونها بالجدية، وذلك حين استقبلت موسكو وفدا برلمانيا من حزب الله نهاية الصيف الماضي، ويشير ذلك إلى نوع من التنسيق بين إيرانوموسكو بشأن الموقف في سورية واحتمال أن تقوم روسيا ببيع أسلحة إلى إيران تمررها بالتالي إلى سورية، ويرجح هؤلاء المراقبون أن درب الربيع السوري قد يطول كثيرا، خاصة بعد أن أعلن المندوب الروسي في مجلس الأمن أنه لن يعير المسودة المقدمة إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على سورية اهتماما كبيرا. وعلى الرغم من كل هذه المواقف الواضحة، فإن روسيا لم ترفض زيارة وفد من المعارضة السورية إليها، فقد ذهب معارضو النظام السوري إلى موسكو عدة مرات، وكان من بينهم رئيس المجلس الوطني السوري «برهان غليون» الذي التقى وزير الخارجية الروسي «لافروف» وطلب منه الضغط على الرئيس السوري للتنحي، ولكن روسيا لم تستجب لطلب «غليون» وظلت تركز على فكرة الإصلاحات في سورية، وهي فكرة ترفضها المعارضة السورية التي ترى أن حجم القتل الذي نفذ في سورية لا يترك أي مجال للتعاون المستقبلي مع الرئيس بشار الأسد. ولا يعني ما ذهبنا إليه أن الموقف في سورية يعتمد فقط على الموقف الروسي، ذلك أن الدول الغربية تتخذ أيضا مواقف مهادنة مع النظام السوري على الرغم من أصواتها العالية المطالبة بضرورة التغيير في هذا البلد. ويبدو، في ضوء ما ذكرناه، أن المصالح الغربيةوالإيرانية والإسرائيلية من جهة أخرى ستحتم، في نهاية الأمر، ألا يكون الحل في سورية ثوريا بل توافقيا على نحو ستكشف عنه الأيام المقبلة. وفي هذا الاتجاه، يمكن أن تلعب الجامعة العربية دورا مهما.