خيم الهدوء النسبي طيلة أول أمس الخميس على أحياء مدينة تازة بعد أربعاء أسود ثان عاشته المدينة، وانشغل سكان حي الكوشة، بعد مواجهات دامية مع عناصر القوات العمومية خلفت العشرات من الإصابات في صفوف الطرفين، ب»إحصاء» الخسائر في الممتلكات وتحديد هوية المعتقلين، والمصابين، فيما لا زالت آثار العجلات المطاطية المحترقة في الشارع الرئيسي، والأحجار التي استعملت في الرشق، وبقايا القنابل المسيلة للدموع شاهدة على يوم غير عادي في تاريخ هذه المدينة الصغيرة. خيم الهدوء النسبي طيلة يوم أول أمس الخميس على أحياء مدينة تازة بعد أربعاء أسود ثان عاشته المدينة. لكن هذا الهدوء المشوب بتساقطات مطرية غزيرة وموجة برد، وسط تعزيزات أمنية مكثفة تشهدها مختلف شوارع وأزقة المدينة، لم يمنع العشرات من سكان حي «الكعدة» من الخروج مجددا إلى الشارع للمطالبة بربط حيهم بالبنيات التحتية، فيما انشغل سكان حي الكوشة، بالقرب من عمالة الإقليم، بعد مواجهات دامية مع عناصر القوات العمومية خلفت العشرات من الإصابات في صفوف الطرفين، ب«إحصاء» الخسائر في الممتلكات وتحديد هوية المعتقلين، والمصابين فيما راحت بعض العائلات المتضررة تستجمع أغراضها. ورابطت بعض الفعاليات المدنية المتابعة للوضع، في كل من مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومقر الاتحاد المغربي للشغل، إذ خصصت المقرين لاستقبال الصحفيين الوافدين ومتابعة تطورات الوضع، فيما لا زالت آثار العجلات المطاطية المحترقة في الشارع الرئيسي للمدينة، والأحجار التي استعملت في الرشق، وبقايا القنابل المسيلة للدموع شاهدة على يوم غير عادي في تاريخ هذه المدينة الصغيرة، التي دفعت الأوضاع الاجتماعية المتأزمة شباب أحيائها الشعبية إلى التكتل في تنسيقيات محلية، والخروج في احتجاجات تطورت إلى مواجهات مع عناصر القوات العمومية. غلاء الفراتير أحد المواطنين قال ل»المساء»، لما سئل عن نظرته للوضع بالمدينة، إنه فوجئ بدوره، نهاية الشهر الماضي، بفاتورة ملتهبة للماء والكهرباء بقيمة 700 درهم، التي إذا لم يؤدها في الوقت المحدد، فإن إدارة «الماء والضوء» تعمد إلى قطع إمداده بالمادتين الحيويتين، دون تردد، ودون سابق إنذار. المواطن نفسه استغرب غلاء هذه الفواتير في ظل أزمة اجتماعية خانقة تشهدها هذه المدينة الصغيرة. أما التاجر يوسف احميداش، الذي تخصص منذ سنوات في بيع الملابس بوسط المدينة، فإنه لا يخفي ما تعرضت له تجارته من كساد، في الآونة الأخيرة. وربط الأزمة التي تعيشها المدينة بأزمة أخرى لا تقل أهمية، وهي الأزمة التي تضرب المهاجرين المغاربة في إسبانيا وإيطاليا، وغيرها من الدول الأوربية. وقال إن عددا من المهاجرين المتحدرين من ضواحي المدينة، قد عمدوا أمام ازدهار عملهم في إسبانيا وإيطاليا إلى توفير الاستقرار لعائلاتهم في أحياء بوسط المدينة، لكن الأزمة التي ضربت اقتصادات الدول الأوربية مس بشكل مباشر الحوالات الشهرية التي يرسلها هؤلاء المهاجرون إلى عائلاتهم بالمدينة، ما زاد من حدة الغضب في صفوف فئات اجتماعية واسعة تعيش على هذا النوع من «الاقتصاد». واستعرض محمد اشيابري، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريحات ل«المساء»، أوضاعا اجتماعية متدهورة في المدينة. وأشار إلى اختلالات تعرفها معامل الحي الصناعي التي عادة ما تلفظ عمالها بدون أدنى حماية اجتماعية، وتستغلهم، على الرغم من قلة فرص الشغل التي تخلقها، دون أن تتحمل أي أعباء اجتماعية، ودون حتى احترام الحد الأدنى للأجور. معاناة البطالة وذكر احساين، معطل ينتمي إلى الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، أن عددا كبيرا من شباب المدينة يعاني البطالة. وهو نفس الرأي الذي أبعده التاجر يوسف احميداش، موردا أن الشباب، وفي غياب أي بنيات تحتية ثقافية، أصبح يشرك الليل بالنهار، ويقضي على فراغاته بالتعاطي لكل أنواع المخدرات. وتتوفر المدينة على كلية متعددة الاختصاصات، تابعة لجامعة فاس، يتابع فيها الدراسة طلبة المدينة والضواحي والقادمون من تاونات وما جاورها. ويعيش أغلب هؤلاء الطلبة المتحدرين من أسر فقيرة أوضاعا اجتماعية قاهرة، في ظل غياب حي جامعي يخفف محنتهم. ورغم أن السلطات وعدت بإحداث هذا الحي، فإنه بقي حبرا على ورق منذ سنوات. وتعيش هذه الكلية على إيقاع احتجاجات شبه يومية لطلبة جلهم ينتمون إلى فصيل القاعديين، وبسبب أوضاعهم الاجتماعية المتأزمة، فإن جل الطلبة لا يكون أمامهم من خيار سوى رفع شعارات «النار والدم» في الجامعة، استعدادا للالتحاق بأي احتجاجات للساكنة خارج محيط الجامعة، إيمانا منهم أن لكل معركة «جماهيرية» صداها داخل أسوار الجامعة. وقاد اعتقال طالب ينتمي إلى هذا الفصيل إلى تأجيج الأوضاع أكثر بالمدينة. أما ما يقرب من 400 عامل نسيج، فقد وجدوا أنفسهم مهددين بالضياع بعدما قرر صاحب المعمل، وهو من الوجوه المنتخبة في المدينة، إغلاق المعمل دون سابق إنذار بمبرر غياب التوريدات. بوادر احتقان بعد هزيمة المغرب في مقابلته الأخيرة، اعتقلت السلطات بالمدينة 5 شبان كانوا غاضبين من هذه الهزيمة، يوم 27 يناير الماضي، بعد احتكاك لهم مع عناصر من القوات العمومية، وتقررت متابعة أحدهم في حالة سراح، بعدما غادر السجن بكفالة مالية، وحددت جلسة محاكمة هؤلاء الشبان يوم 8 فبراير الجاري. ويوم الثلاثاء الماضي بدأت في المدينة بوادر احتقان جديدة، باعتقال 6 شبان جلهم يتحدرون من حي «الكوشة»، يوجد بينهم قاصر، على خلفية احتجاجات يوم 4 يناير الماضي. وحددت جلسة المحاكمة يوم 9 فبراير الجاري. وعلى مقربة من وسط المدينة، لا زال الطالب الذي ينتمي إلى فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، يضرب عن الطعام في السجن المحلي، وفاق عدد أيام إضرابه 43 يوما. وبين كل هذه التطورات، ينتقد السكان الطريقة التي تم بها التعامل مع حادثة دهس مشرد من قبل سيارة يرجح أنها تابعة لإحدى المؤسسات العمومية بالمدينة. وإلى جانب كل هذه الأوضاع، تتحدث بعض المصادر الإعلامية المحلية، عن وجود «أياد خفية» تحاول أن تركب على هذا «الاحتقان» في إطار حسابات للتموقع في خريطة المشهد السياسي والانتخابي بالمدينة. ومن جهته، حمل بيان للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عامل الإقليم المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع بالمدينة. السلطات المحلية، في ظل هذا الاحتقان، حاولت فتح قنوات للحوار مع المحتجين في الأحياء الهامشية، لكن دعواتها لم تلق أي اهتمام. وبرر مصدر من المحتجين رفض دعوات الحوار مع السلطة المحلية بتحميلها المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، وقال أحد المعطلين إن عامل الإقليم دخل معهم في حوارات استمرت شهرين، لكن هذه الحوارات لم تسفر عن أي نتيجة. وفضل عدد من المحتجين التحاور مع رئيس المجلس البلدي، وقد حضرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان جزءا من هذه الحوارات، كما تم التوقيع على محضر. وتم فتح بعض الأوراش ذات الصلة بالصرف الصحي، وغيرها من المطالب الثانوية، لكن المطالب الرئيسية، ذات الارتباط بقطاعات الصحة والتعليم والتحفيظ والعقار والشغل، ظلت معلقة بسبب «جفاء» العلاقات بين السلطات المحلية والمحتجين الذين ينتقدون استشراء ما يسمونه بالفساد في المدينة، وغياب التواصل لدى المسؤولين المحليين.
«هرشيل» و«بولسواق» و»الكتاب» تقدم مشاهد من المعاناة في تازة بتاريخ 28 يناير الماضي، وجهت دواوير في منطقة باب مرزوقة بتازة مراسلة إلى عمالة الإقليم، تطالبه فيها بإنصاف دواوير «هرشيل» و»أهل السبت» و«الكتاب» و«بولسواق». ورفع المتضررون لائحة من المطالب البسيطة، منها قولهم إن قنطرة تربط بين دواوير الجماعة انهارت منذ سنة 2009، وهي التي لم يمض على إحداثها سوى ما يقرب من 5 سنوات. ورغم إلحاح سكان هذه الدواوير المستمر على إعادة بنائها، فإنهم يعيشون دوما في ظل «الوعود الكاذبة». كما تحدث المشتكون عن وجود طريق رئيسية هشة تتلاشى بمجرد سقوط الأمطار نظرا إلى كونها أنجزت بمجهودات خاصة من المواطنين. واستفاد بعض السكان في هذه الدواوير من الكهرباء، لكن عددا منهم بقي دون ربط، وهذا مخالف في نظرهم لروح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وتتوفر الدواوير على وحدتين فرعيتين لا يتعدى عدد أقسامهما 3 فصول ولا تتوفران على أدنى شروط المدرسة. ومن المفارقات التي سجلتها هذه المراسلة، أن دوار هرشيل توجه له استدعاءات للتصويت في مركز اقتراع يسمى «روض الأطفال» إلا أن السكان يجدون أنفسهم مضطرين إلى التصويت في المسجد، ما يطرح وسطهم تساؤلا حول مصير الروض ووجوده أصلا كمشروع، يقول مصدر متتبع. وطالب سكان هذه الدواوير السلطات المحلية بتعيين لجنة لمباشرة هذه الملفات، ومعاينة الدواوير والتعرف على أوضاعها وترميم وإصلاح القنطرة والطرقات، وتشييد مدرسة تتوفر على المرافق الصحية لتمكين الأبناء من التمدرس.
جماعات وأحزاب سياسية «تقتحم» حي «الكوشة» وتطالب بتحسين الأوضاع زار وفد عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مساء يوم أول أمس الخميس، مدينة تازة، وتمكن رفقة طاقم من القناة الثانية من الالتقاء بعدد من سكان حي الكوشة، وتسجيل إفاداتهم. وقالت المصادر إن المجلس سيعتمد على هذه الإفادات في إعداد تقرير حول الأوضاع بالمدينة، بعدما سينتهي من الاستماع إلى جميع الأطراف. وتزامنت هذه الزيارة مع تصريحات تفيد بأن الحكومة فتحت تحقيقا في الأحداث. ووجهت جماعة العدل والإحسان انتقادات لاذعة إلى السلطات، على خلفية الأحداث التي شهدتها المدينة. وعبرت الجماعة عن تضامنها مع سكان حي الكوشة، وأكدت أن ما أسمته «المقاربة الأمنية» في التعامل مع المشاكل الاجتماعية المتفاقمة «لن تجر إلا إلى المجهول». ودعت إلى إطلاق معتقلي المدينة، ومحاسبة المتورطين في ما حصل وما يحصل، مع «إنهاء حالة العسكرة بالمدينة». وتحدث بيان للكتابة المحلية للنهج الديمقراطي، عن تنامي «الحركات الاحتجاجية التي تعرفها الكثير من الأحياء الشعبية (حي الكوشة، المدينة القديمة، المستقبل، الرشاد، حي المسيرة 1 و2 وحي القدس 1و2و3.) المطالبة بتخفيض أسعار فواتير الماء والكهرباء وتوفير العيش الكريم». وانتقد بدوره «خيار قمع» الاحتجاجات، واعتقال المواطنين. وعبر، من جهته، عن تضامنه مع المحتجين، كما طالب بإنهاء حالة «العسكرة» بالمدينة. وحمل عاملَ الإقليم والسلطات المحلية «كامل المسؤولية» عما ترتب وسيترتب من مخاطر وانزلاقات في حال عدم تدارك الوضع، و»العمل على إرساء تنمية حقيقية عن طريق رفع التهميش عن ساكنة حي التقدم وباقي الأحياء الشعبية وسكان البوادي من خلال إعداد البنيات التحتية الضرورية». وأوردت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن المدينة تعيش على إيقاع احتجاجات يومية في جميع أحيائها (حي الكوشة، المدينة القديمة، أمسيلة، المستقبل، الرشاد، المسعودية، السعادة، المسيرة1و2 و3...) على أرضية مطالب اجتماعية تتمثل في التنديد بالارتفاع الصاروخي لفاتورات الكهرباء والماء وغلاء المعيشة، وتفشي البطالة في صفوف الشباب، وغياب أي مقاربة تنموية حقيقية تستجيب لمطالب ساكنة تازة، «وعوض أن تتجه السلطة إلى حل المعضلات لجأت إلى عسكرة المدينة بشتى أنواع الأجهزة الأمنية». وحملت هذه الجمعية أيضا المسؤولية إلى عامل الإقليم وأدانت «القمع الشرس المسلط على المدينة»، وطالبت بإيجاد حلول ناجعة وعملية لجميع مطالب ساكنة المدينة، وإطلاق سراح المعتقلين وإيقاف جميع المتابعات. وندد حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ب»القمع» في المدينة. وأشار إلى أن التعاطي مع مطالب المواطنين بالترهيب والقمع لن يزيد الوضع إلا احتقانا. ولم تقتصر بيانات التضامن على هذه الأحزاب والجماعات، فقد اعتبر حزب التقدم والاشتراكية، وهو أحد مكونات الحكومة الحالية، أن احتجاجات الساكنة «تكتسي طابعا اجتماعيا صرفا، وتلتقي موضوعيا وميدانيا مع الاحتجاجات التي تقودها، منذ مدة فئات المعطلين والطلبة». وتحدث عن فشل المؤسسات المحلية والإقليمية في خوض حوار حقيقي ومنتج للحلول، موردا أن هذا الوضع ساهم بشكل كبير في وصول الأمور إلى حد الاحتقان والسخط لدى فئات الشباب المقصي من الحياة الاجتماعية، و»جعلها تنحو نحو مقاربة أمنية غاية في الخطورة تجلت في الاعتقالات الموجهة والعشوائية، وفي المداهمات المنزلية وممارسة العنف المفرط في حق المحتجين وغير المحتجين أحيانا». وطالب الحزب بإيفاد لجنة لتقصي الحقائق وتحديد المسؤوليات، ووفد حكومي من أجل الاستماع وصياغة مقترحات للنهوض بأوضاع الإقليم. وكان برلمانيان عن حزب العدالة والتنمية (خالد بوقرعي وجمال المسعودي) قد قاما يوم الخميس بزيارة سكان حي الكوشة للوقوف على الأحداث وللتدخل لدى الجهات المسؤولة لحل مشاكلهم، تقول مصادر مقربة. واضطر أحد البرلمانيين إلى ربط الاتصال بالسلطات المحلية للسماح للوفد ب»الدخول» إلى الحي من قبل قوات الأمن، تضيف المصادر.