طيلة مدة مفاوضاته مع حلفائه الحزبيين من أجل تشكيل الحكومة، ظل عبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية، متشبثا بشخص واحد في جميع التشكيلات المقترحة التي أعيد النظر فيها ثلاث مرات، وهو عبد الله باها. مهد بنكيران لذلك منذ خرجاته الصحافية المصورة الأولى، حيث حرص على أن يكون باها إلى جانبه في كل مرة، كما حرص على ذكر اسمه في جل تصريحاته الأولى، وبالغ كثيرا ربما عندما قال في ندوة صحافية خلال الأسبوع الماضي إن باها هو من يعود إليه الفضل في وصول الحزب إلى الحكومة، مع أن هذا الكلام يمكن أن يفهم منه البعض داخل الحزب أنه لم يكن لهم أي فضل في ذلك وأنهم كانوا مجرد ديكور. في التصريحات الأولى التي أدلى بها بنكيران، بعد تسميته من طرف الملك محمد السادس رئيسا للحكومة، قال إنه لن يسمح بأن تضم حكومته وزراء سيادة، فهو يعرف كم جرّت هذه الحقيبة على حكومة عباس الفاسي من سخط وفضول، ولا يريد أن يلدغ من نفس الجحر الذي لدغت منه حكومة عباس. لكن تشبثه بصديقه باها كان يؤشر منذ البداية على أنه سيقترحه وزيرا في حكومته، لكي يسند إليه نفس الحقيبة التي أثارت الجدل في الحكومة السابقة لأنها كانت مجرد ترضية سياسية لأطراف حزبية، بيد أن الرد جاء سريعا حينما أبدت جهات عليا تحفظها على حقيبة وزارة السيادة المسندة إلى عبد الله باها؛ ولكي يحصل بنكيران على هذا المكسب كان عليه أن يقدم تنازلات وأن يرجع إلى الوراء. وإذا شئنا الصدق، فهذا التشبث لبنكيران بباها ليس فيه ما يدل على أنه مجرد ترضية، فالرجل ينتمي إلى نفس الحزب وليس من فصيلة السياسيين الذين يثيرون الزوابع من أجل مصالحهم الشخصية، ويمكن القول إن تشبث بنكيران به دليل على تواضع رئيس الحكومة، فهو يريد أن يقول إنه يحتاج إلى من يفرمل له خطواته؛ والذين يعرفون علاقة الرجلين يعلمون بأن باها يشكل بالنسبة إلى بنكيران عداد سرعة يحذره من تجاوز السرعة المسموح بها ولا يسمح له بالتجاوز، خصوصا وأن بنكيران معروف بأنه كثير السرعة، حتى في المسافات القصيرة. لقد رمى بنكيران بالكثير من البيض الفاسد على وجه فؤاد عالي الهمة في السنوات القليلة الماضية، وكان يقول إن الصداقة مع الملك لا يجب أن تكون وسيلة لاستغلال النفوذ أو البحث عن مواقع في المشهد السياسي، وها هو الزمان يدور ببنكيران نفسه ويظهر اليوم أن المشكلة ليست فقط في صديق الملك وإنما في صديق رئيس الحكومة أيضا، مع أن القاعدة هي أنه لا ينبغي أن تنهى عن فعل وتأتي مثله «عار عليك إذا فعلت عظيم». ذكرني تشبث رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بصديقه بقصة دون كيشوت؛ فعندما قرر هذا الأخير الخروج لخوض مغامراته كفارس شجاع يصلح الخلل في المجتمع ويسوي الأوضاع، حرص على أن يأخذ معه صديقه سانشو بانزا الذي كان يتبع دون كيشوت راكبا حماره. القصة يعرفها الجميع أو شاهدوها ممثلة على التلفزيون، لكن ما يثير القلق هو أن يتحول بنكيران إلى دون كيشوت مغربي يحاول الإصلاح مع أنه خرج من بيته منذ البداية بسلاح غير مناسب، حاملا الكثير من الأحلام النبيلة والقليل من الحقائق.