سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إدريس بن علي: سجلت سنة 2011 بروز الفرد الحر وتراجع «الثقافة المخزنية» المحلل السياسي والاقتصادي قال إننا لا نفتخر بإنتاجات فنية أو بتألق رياضي ولدينا زعامات ضعيفة
في هذا الحوار، يقدم إدريس بن علي، المحلل السياسي والاقتصادي، قراءة لما شهده المغرب من تطورات في سنة 2011، كما يفسر سبب وجود الملك دائما في «صورة» الأحداث المتفاعلة في المغرب، مستعرضا توقعاته لمغرب سنة 2012. وفي ما يلي نص الحوار: - ما هي، في نظرك، أهم الأحداث والتفاعلات التي شهدها المغرب في سنة 2011؟ الحدث الأبرز طبعا هو «الربيع العربي» وتأثيره على المغرب، فكيفما كان الحال، فقد تتبّعنا ما وقع في المغرب، وبالأخص بعد بروز حركة 20 فبراير، والتي خلقت جوا جديدا لم يكن قائما، فقد أصبح للسياسة ارتباط بالمواطن، وأصبح الناس يهتمون بها، وصرنا نرى قوة تفرض نفسها ووجودها في المجتمع، كما بتنا نرى كيف أن المغربي أصبح يتخلص من الخوف وأضحى يكتسب روح مواطنة، وهو ما يسمى «المشاركة في الحكامة»، إذ أصبح المغربي يسعى إلى قول كلمته في الأمور التي تهُمّه. ساهمت هذه التطورات في بروز بعض القوى في المجتمع، كانت مقموعة، كالشباب والمرأة.. طفت كل هذه الفئات على السطح، وهو ما يخلق ثقافة جديدة في المغرب. لقد صار المغربي يريد أن يكون مواطنا، بمعنى أنه يريد أن يقول كلمته بشأن مصيره. من جهة أخرى، تم القضاء على بعض التصرفات السياسية، وإن لم يكن ذلك بشكل نهائي، ولكنْ على الأقل، ظهر أن بعض التصرفات السياسية لا يمكن أن تستمر، وأن هذه التصرفات نابعة من قوة سياسية مفتعلة خُلقت في المجتمع وقضت على السياسة بصفة عامة، لكنها بدأت تتراجع، ولو أنها ما زالت في الساحة. هكذا، تابعنا كيف أن «البام» (حزب الأصالة والمعاصرة) هو الذي كان سيسيطر على الحكومة وأن الشخص الذي أسس «البام» هو الذي كان سيكون رئيسا للحكومة، ولكنْ وقع تغير كبير.. ما يمكن تسجيله، أيضا، هو اللجوء إلى المبادئ الكونية، كالحريات، باعتبارها شيئا أساسيا، وهو ما لم يكن موجودا في الثقافة العربية بصفة عامة، والتي كان ذكر كلمة «حرية» فيها نادرا قبل القرن العشرين، إلى درجة أن الشخص الوحيد الذي تكلم عن الحرية هو عمر بن الخطاب، الذي تحدث عنها قبل القرن العشرين بقرون كثيرة عندما قال: «كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». اليوم، أضحت الحرية أمرا أساسيا، ولم يعد الفرد أو المواطن يقبل ديكتاتورية المجتمع عليه، وأصبح يطالب بأن يساهم ويُبرِز وجوده، هذا مبدأ أساسي للحداثة، وهو ما يمكن تسميته «بروز الفرد الحر»، الذي لديه قيّم وحقوق، وأيضا عليه واجبات، لأنه يعيش داخل مجتمع، وقد أصبحنا نلمس هذا الأمر بشكل ما وأصبح يشكل ثقافة جديدة بدأت تتعمق في المجتمع. كما أن «الثقافة المخزنية» أخذت تتراجع، وهي الثقافة المبنية على السلطة والطاعة والبيعة.. وهذه أمور تعود إلى المغرب القديم، إذ صرنا نرى أنه حتى القدسية التي كانت للنظام تراجعت اليوم، رغم أنه لا أحد يعارض نظام الحكم في المغرب، ولكن الكل يتحدثون عن نظام جديد وعن ملكية برلمانية.. هذه كلها مبادئ جديدة وثقافة بديلة تترسخ في المجتمع، وستعطي نتائجها في المستقبل. -أشرت إلى أن النظام ظل ينهج نفس ممارسته ويعمل في نطاق نفس تصوراته، كما أننا عندما نقوم بجرد للشخصيات التي ميّزت سنة 2011، نجد، كما العادة، محورية شخص الملك، باعتباره محرك الإصلاحات والفاعلَ الأول في البلاد، رغم المناداة بملكية برلمانية، كما قلت.. ما تعليقك على هذا الطرح؟ يجب ألا ننسى أن المغرب، منذ تربع الملك محمد السادس على العرش، قام بإصلاحات. فلم يعد المجتمع المغربي على نفس التصور الذي كان عليه أيام الحسن الثاني، فبعض الإصلاحات، ولو أنها كانت طفيفة، فضلا على تكريس بعض الحقوق بما فيها ما جاء في مدونة الأسرة.. جعلت المغرب بصفة عامة يصير في وضع مريح. للمغرب، طبعا، نظام سلطوي، ولكن ليس مثل نظام تونس، والتي كان نظامها مثل نظام المغرب قبل 20 أو 30 سنة.. وهذا ما جعل الصدامات غير قوية، ثم إن النظام، بصفة عامة، تحلى شيئا ما، بنوع من الذكاء، لأنه ترك المتظاهرين يخرجون ويُعبّرون عن رأيهم، وفي نفس الوقت، جاء خطاب 9 مارس كخطاب خلق أملا كبيرا ولكنه، في نفس الوقت، قطع الطريق أمام الحراك. ثم إن طبيعة الحراك في حد ذاته وتركيبة حركة 20 فبراير جعلت هذا الحراك تتحكم فيه عدة منظمات، هناك طبعا الشباب، الذين لعبوا، في نظري، دورا كبيرا، ولكن ليست لديهم تجربة، وما زالوا في مرحلة «الرومانتيكية السياسية»، واستولى عليه الإسلاميون الجذريون، الذين وجهوهم، وأيضا اليساريون، من جهة أخرى، وهو ما يفسر كون حركة 20 فبراير ليست لديها طريقة توجيه، ولكن كانت لديها المبادرة، لأن الطبقة السياسية لم تكن في المستوى. يفتقر المغرب الآن إلى طبقة سياسية وإلى نخبة سياسية قوية وزعامة سياسية قوية، لأن الأحزاب تراجعت كثيرا، وهو ما يمكن أن تكون له عواقب في المستقبل، لأن السياسة، إلى حد الساعة، لم تكتسب الوضع الذي يجب أن تكتسبه في ظل المغرب الآن، وهذا راجع إلى أنه ليست لدى الفاعلين السياسيين قوة كبيرة، ولكن في نفس الوقت، رغم المبادرة، فإن المغرب ما زال يعاني من عدة مشاكل، إذ ما يزال هناك انعدام للثقة، فضلا على وجود أزمة نخبة وأزمة سياسية، وهذا ما يؤكده أنه ضمن نسبة 45 في المائة التي صوتت خلال الانتخابات التشريعية هناك 20 في المائة من الأوراق الملغاة.. وحتى نسبة 45 في المائة هي من أصل 13 مليونا، بينما الأشخاص الذين يجب أن يصوتوا في المغرب يشكلون ما بين 16 إلى 18 مليونا، وبالتالي لا يمكن الحديث عن وجود شعبية كبيرة للأحزاب، ما يعني أن الانتخابات الماضية ليست «إنجازا كبيرا»، حتى نقول إن المغرب مر من المرحلة الصعبة وانتهت الأمور.. المشكل، أيضا، أن الملك اتخذ مبادرات، ولكنه وقف في نصف الطريق، ما أثار خيبة أمل عند أناس كانوا يريدون أن تمشي الأمور إلى أبعد من هذا. الآن الظروف التي نعيشها صعبة، فالحالة الاقتصادية، بلا شك، صعبة، وستواجه الحكومة الحالية صعوبات كثيرة، فالخطاب الشعبوي الذي أعقب إعلان نتائج الانتخابات سيواجَه بانتظارات كبيرة، وليس في وسع المغرب الآن أن يعطي الحكومة الحالية فرصة لتلبية هذه الانتظارات، ما سيخلق مشاكل بلا شك. أظن، أيضا، أن هذه فرصة لكثير من القوى السياسية التي ظهرت على الساحة لكي تبرز تكتلا سياسيا جديدا يعطي بديلا لهذا المجتمع، بديلا حقيقيا وحداثيا بمعنى الكلمة، أي سياسية مستقلة عن جميع الأطراف لديها مشروع جدي. كما يجب «تنقية» الأجواء السياسية. ويجب، أيضا، إعادة النظر في نمط الاقتراع، الذي لا يسمح بفرز سياسين ويُمكّن من بروز أحزاب سياسية يمكن أن تحكم، فأنت ترى الآن كيف أن الذين يشاركون في الحكومة الحالية كانوا من أكبر منتقدي العدالة والتنمية، ومن بينهم حزب التقدم والاشتراكية، حيث كان أمينه العام، نبيل بنعبد الله، يقول إن العدالة والتنمية «خط أحمر»، والآن هو داخل الحكومة.. فهذا الأمر يجعل الناس «لا يثقون في السياسيين» ولن يستمروا في الثقة فيهم، إذ ليست هناك روح جديدة خلقت، وما دام لم يحدث ذلك، لا أظن أن الجو السياسي سيصفو. -ألا ترى معي أننا نتحدث دائما عن السياسة عندما نستعرض أحداث السنة.. هل هذا يعني أن الحدث السياسي هو الحدث الطاغي في المغرب؟ ما يعني عدم قدرة المغرب على خلق أحداث اقتصادية، ثقافية، فنية أو رياضية يمكن ذكرها؟ هذا أمر طبيعي، فالفيلسوف أرسطو قال إن الإنسان حيوان سياسي، فالسياسة هي التي تتحكم في كل شيء، وهذا شيء طبيعي، وطبعا، لأن المخزن والدولة ألِفا أن يفرضا على المجتمع نوعا من الأبوية، مما يقتل الإبداع. ولا ننسى أن الإبداع غير موجود عندنا، كما أننا لا نتوفر على شخصيات سياسية قوية، إذ ليست لدينا سوى زعامات ضعيفة. لقد كان لنا، نحن المغاربة، امتياز ورصيد كبير في ستينيات وسبعينات القرن الماضي في الوطن العربي، فكانت هناك تعددية وأحزاب حاضرة في الساحة وتلعب دورا كبيرا، ولم يكن هذا الأمر عند الآخرين.. اليوم، نحن هم «الفقراء» السياسيون، فإذا قارنّا المغرب اليوم بمصر وتونس، فسنجد أن المغرب بعيد جدا عنهما، فمصر بلاد الإبداع والثقافة، وتونس بلد الطبقة المتوسطة، كما تم القضاء فيها على الجهل، ما يجعل تونس مؤهلة اليوم للعب دور ديمقراطي كبير، وهذا أمر لا نتوفر عليه، فليست لدينا طبقة متوسطة، لأن التركيبة الاجتماعية لدينا سيئة، فاقتصاديا، هناك فرق كبير بين الطبقة المتوسطة والشعب.. وقد رأينا كيف أن الشعب هو الذي حارب 20 فبراير.. إن هيكلتنا الاجتماعية ليست جيدة، إضافة إلى الجهل ومعطى أن نصف المغاربة أميين، ولهذا انعاكاسات سلبية للغاية.. لا نفتخر بإنتاجات فنية كبيرة، ولا نفتخر بتألق رياضي باستثناء مباراة كرة القدم مع الجزائر، وليس هذا شيئا كبيرا، كما ليس لدينا أبطال من النوع الذي يمكن أن يجلب الأنظار. لدينا زعامات ضعيفة جدا، وأظن أن المغرب ليس فيه زعيم سياسي كبير، كما أعتقد أن آخر زعيم كانت له شخصية سياسية في تاريخ المغرب الحديث هو عبد الرحيم بوعبيد، وهو آخر واحد كان له رأيه ويمكنه قول «لا» وسبق أن قالها.. ومنذ وفاته، لم يعد أحد يتكلم بهذه الطريقة. كما أن النخبة «خجولة» وليست لديها قوة، وبالتالي لا يمكن للشعب أن يثق فيها. ومن الناحية الفنية والثقافية، ترى كيف أن الإنتاج ضعيف، ولنأخذ مجال الصحافة مثالا، ففي الوقت الذي تبيع جريدة الشروق الجزائرية ملايين النسخ، لا تبيع جميع الجرائد المغربية سوى بضعة آلاف.. وهذا راجع إلى سيطرة الجهل. -انطلاقا من هذه الأحداث والتفاعلات التي ميزت سنة 2011، إلى جانب عدة متغيرات، متمثلة في ميلاد حكومة جديدة ودستور جديد وحراك ما زال متواصلا، كيف تنظر إلى المغرب خلال سنة 2012؟ حسب ما يظهر، هناك حراك، ولكنْ لن يكون هناك تغيير كبير جدا، أولا لأن الظرفية الاقتصادية الداخلية والخارجية صعبة، وبالتالي لن ننتظر الكثير من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن يجب، على الأقل، إعطاء شحنة بسيكولوجية كبيرة لو أن الحكومة الجديدة بدأت بمحاربة الفساد، علما أن المظاهرات كلها دعت إلى ذلك، من أجل كسب ثقة المجتمع والمواطنين.. يجب أن يظهروا أنهم مخلصون لما أعلنوه في بداية الحملة، إلا أنهم تراجعوا ويقومون بما قام به الاتحاد الاشتراكي عندما دخل الحكم، وهذا سيكون بداية /نهاية حزب العدالة والتنمية، وهو ما يعني «انتحارا» سياسيا، والآن ترى ما يحدث للاتحاد الاشتراكي، الذي احتل الرتبة الخامسة في الانتخابات الأخيرة، ولا أحد يبالي به.. يجب، أيضا، محاربة الفساد، بشرط أن يكون ذلك بطريقة علمية. كما يجب على الحكومة الجديدة أن تُعيد إلى السياسة قيمتها، المتمثلة في مصداقية السياسة والسياسي، بتطبيق التعهدات التي تم الالتزام بها خلال الانتخابات.. يجب، كذلك، أن يتحدثوا مع المواطن بصدق وصراحة وألا يعتبروه «حائطا قصيرا».. ونلاحظ أنه لأول مرة أصبحت هناك أحزاب تتحدث عن البرامج الانتخابية وعن محاربة البطالة وزيادة الأجور.. لا أظن أن تتحقق إنجازات كبرى في هذه السنة، باستثناء إمكانية إظهار الحكومة الحالية أنها تتحكم في بعض المجالات الاقتصادية وضبط التوازنات الماكرو -اقتصادية، فالمغرب في حاجة إلى نمط صناعي قوي ونموذج اقتصادي جديد، كما تجب إعادة النظر في البرامج القطاعية التي لم تقدم شيئا يذكر إلى حد الساعة.. ومن الناحية الاجتماعية، فالمشكل كبير، وأول شيء يجب فعله هو حل مشكل صندوق المقاصة، لأنه سيكون له ثقل كبير على اقتصاد المغرب. ثانيا، هناك مشكل تنافسية المغرب، والتي تتراجع، وهذا شيء خطير، فكلما انفتحنا على الاقتصاد التنافسي، تراجعنا، والآن أنت ترى كيف أن الميزان التجاري ينهار وعجز الميزان التجاري أصبح هيكليا، وهذا مؤشر سيء، وهو ما يعني أننا نستهلك أكثر مما ننتج، وما يجعلنا في موقعنا الحالي هو عائدات المهاجرين المغاربة في الخارج والسياحة والاستثمارات الخارجية، وهذه مداخيل بدأت تتراجع بسبب دخول أوربا في أزمة اقتصادية كبرى، وهذا يضطرنا إلى اتخاذ إجراءات جديدة، لأن اقتصادنا هش، أما أن نصل إلى نسبة 7 في المائة في معدل النمو فهذا أمر غير ممكن.. هذه أمور يجب أخذها، كلُّها، بعين الاعتبار.