في ظل التحركات الشبابية التي تجتاح العالم العربي والإسلامي وما تعرفه الساحة الوطنية في هذا المجال ، وما أحدثته من تغيير باختلاف نسبه من بلد لآخر ، وإيمانا منه بفئة الشباب وما تزخر به من طاقات قادرة على صنع القرار ، نظمت الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بإقليم سيدي بنور، لقاء مفتوحا مع الأخ عبد الحميد جماهري عضو المكتب السياسي في موضوع « الشباب والتغيير « وذلك مساء يوم الأربعاء 23 مارس 2011 بقاعة العروض بدار الشباب بسيدي بنور . في مستهل تدخله، أعرب عضو المكتب السياسي عن اعتزازه بالحركة الشبابية التي من خلالها تمكن الشباب من صنع الحدث في العالم العربي برمته، فكان أن تفاعلت معه جميع المنظمات والهيئات و التنظيمات... الأخ عبد الحميد أشار الى أنه قبل ثورة تونس كان الشباب مشكلة وما بعد ثورة تونس أصبح الشباب هو الحل ، بخلاصة كبيرة» نعتز بالحركة التي يقوم بها شباب يصنع الحدث في العالم العربي برمته لأن جميع المجتمعات التي تعيش هذا المخاض ومنها الشعب المغربي، يشكل الشباب 64 في المائة من مجموع هذه المجتمعات و بالتالي فإنه هو القوة الضاغطة والضاربة ، فمن الطبيعي أن ما يجتاح هذا الشباب يجتاح بالضرورة المجتمع برمته ، فالدول اليوم من الخليج العربي إلى المحيط الهادي نلاحظ أن شبابها يصنع الثورة ويصنع أيضا التاريخ، بحيث أصبح مطروحا على حكومات بعض دول العالم مشكل البطالة والتعليم والهجرة ... وحين لم يجد هذا الشباب الاستجابة الأساسية، بدأ يصنع ثورته بشكل مباشر، وأصبح الفاعل الرئيسي في المجتمعات يفرض على الدول ثم على الأنظمة وعلى القوى الحية أن تستجيب له أو أن تسايره أو تواجهه. أيضا الشباب لم يعد خصوصا بالمغرب هو تلك الطاقة الجامدة أو السلبية، بل أصبح عنصر فعل وعنصر تغيير ، بحيث استطاع الشباب بعد الثورة التونسية أن يطور العلم والثورة التواصلية و التكنولوجية ويحولها إلى قوة رئيسية وحقيقية تواجه قوة الدولة والأجهزة الحاكمة . أيضا يتضح أن المطلوب من رفع هذه الشعارات الواضحة والتي تكاد تكون مقتضبة: ماذا يريد هذا الشباب ؟ فنجده يريد في هذه الدولة التغيير و في الدولة الأخرى إسقاط النظام وفي الدولة الأخرى محاربة الفساد...» اليوم يقول عضو المكتب السياسي «نتذكر و ننحني بإجلال لما كان يقوله شهيدنا عمر بن جلون « أن الشباب يحب الوضوح وأن الشباب لا يحب اللبس و الخلط و التضليل « الآن هذه الطاقة يستعيدها الشباب وهذا يقودنا الى القول، اليوم وبعد ثلاثة عقود، حسب كل مجتمع بالزيادة أو النقصان، أن الشباب يعيد شعوب المنطقة العربية والإسلامية إلى التاريخ، فكانت هذه الشعوب التي خرجت، منذ 20 أو 30 أو 40 سنة تقريبا، سواء في اليمن أو ليبيا أو مصر أو تونس بفعل تعاملات وبفعل تراكمات أشياء كثيرة، أنها خرجت أو كادت تخرج من التاريخ ،اليوم الشباب يعيدها ويستعيد معها فترة كفاح الستينات أو السبعينات التي كان فيها الشباب في هذه المدة على الخط، و كان انخراطه انخراطا يتجاوز كل التصورات «. ما نشاهده اليوم هو أن هذه القوة الشابة التي تستعيد زمام المبادرة السياسية تستعيدها من زاوية أخرى وهي زاوية غالبيتها تتعلق باستفتاء واحد ووحيد ،هذا الشباب استطاع أن يقود ثورته وينظم احتجاجه تحت شعار سلمي بالاحتكام إلى ثقافة السلم و ثقافة التعايش. «وبقدر ما هو شباب متمسك ومستعد للاستشهاد من أجل قضيته و من أجل أفكاره الواضحة غير المصطنعة ، بقدر ما هو شباب متمسك بالواجهة الدينية و بالشعارات السلمية وأيضا بالوسائل السلمية لحل جميع التناقضات في المجتمع». وتطرق جماهري الى انه اليوم السؤال المطروح علينا في المغرب و كقوى تقدمية هو: كيف نقرأ الشباب المغربي كقوة للتغيير ؟ معتبرا أنه للإجابة عن هذا السؤال، لابد أن نقوم بتوصيف كيف نتعامل مع عموم الشباب المغربي ؟ و ما هي الكتل الشبابية الموجودة ؟ صحيح يمكن القول إن معيار السن أو معيار الانتماء لأفق ثقافي معين قد يحدد مسألة الشباب، ولكن حقيقة الأمر أن هناك شيئين أساسيين ، أولا حينما نقرأ الشباب المغربي بحركة فعله ، نجد هناك طبقة شابة واسعة تنتمي إلى ما نسميه حقيقة إلى نوع من تجدد الطرق وهي طاقات وجدت في أجوبة الماضي أجوبة عن الحاضر و تشابك كل العناصر فيها ، فهناك كتلة يمكن القول سلفية أصولية ويمكن القول كتلة راديكالية جهادية، ولكنها تنتمي كلها إلى شعب ما لاستعادة الماضي ، هذه الكتلة الشبابية يشير الأخ عبد الحميد نجدها لا من حيث السن ولا من حيث الاتساع العددي ولا من حيث توزيع حسب مناطق العمل الاجتماعي والمهني التي يمكن إيجادها في الجامعات وبين الأطباء والمهندسين والمعطلين... هذه كتلة شبابية تتراوح ما بين الاعتدال والتطرف وما بين الأساليب السلمية وأساليب المواجهة كما يتعلق الأمر بالسلفية الجهادية، لكنها عموما تعتبر التغيير نوعا من العودة للماضي واستعادة للعصر الذهبي لبداية الدعوة.. ثم هناك كتلة أخرى من الشباب اليوم نجد جزءا منها تم تفويته أو خوصصته من طرف البارونات، ويمكن أن نعطي مجموعة من الأمثلة ومجموعة من الأسماء التي غالبا في المدن الكبرى و المتوسطة شباب بكامله في خدمة المشاريع الضيقة للبارونات الفاسدة ، لذلك يمكن القول إنه في بعض المدن يصعب لأي حزب سياسي أن يخترقها في الحملات الانتخابية أو غير الحملات الانتخابية لأنها تكاد تكون ضيعات خاصة ببعض بارونات الانتخابات الفاسدة و التي تذكرنا بالنزعات الفاشية في بداية الفاشية النازية ، لأنهم يستعملون، يوضح عضو المكتب السياسي، جميع الأساليب ، يستعملون العنف ضدهم ويستعملون أساليب الارتشاء والإفساد إلى غير ذلك من الممارسات غير المشروعة ، هذه أيضا طاقة نسميها بالقمصان البنية لأنها تشتغل لحساب أشخاص فاسدين، وللأسف غالبا ما يكونون في تواصل مباشر معهم وتواصل مباشر مع المناطق المنكوبة التي توجد بها طاقة كبيرة . هناك أيضا طاقة الشباب الحداثي الذي يعيش عصره ويعبر عن أسئلته الوجودية لكنه يجد مشكلا كبيرا في الحلول المرضية المتمثلة إما في الارتقاء الاجتماعي، وإما عبر الهجرة العليا إن شئنا وهي هجرة الأدمغة إلى الخارج والهجرة السفلى وهي هجرة الحراكة. هذا الشباب يبحث في الغالب عن مكان لحلول فردية . وهناك كتلة رابعة وهي الأساسية وهي شعار اليوم و التي لها دور في صناعة هذا الوضع داخل المجتمعات العربية الإسلامية وهي كتلة الشباب الذي يدرك أن الحلول الأساسية يجب أن تكون داخل الوطن، ويدرك أيضا أن الحل يجب أن يمر عبر إصلاح النظام السياسي أو عبر إسقاطه كما في بعض الدول ، هذا الشباب يدرك أن كل ما يحدث داخل المجتمع لابد أن يحدث فيه تقسيم عادل ولابد للجميع أن يستفيد من خيرات المجتمعات . أيضا الشباب يرفع شعارات الكرامة، شعارات العدالة، شعارات الحرية ،لأنه يعتقد أن القيم أصبحت أساسية و ما نلاحظه اليوم هو كيف أن هذا الشباب يستعيد مسألة القيم ويعتبرها مركزية في أي حل للمجتمع، بل الأكثر من هذا فالشعارات المرفوعة اليوم هي شعارات الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية وهذه مسألة أساسية لأن الشباب جاء اليوم ليذكر الطبقة السياسية، سواء هنا أو في الخارج، بأن الأشخاص الذين راهنوا على انهيار القيم واعتبروا أن كل ما هو مرتبط بالقيم هو مسألة ثانوية أو غير منتجة وغير مجدية... واهمون. فشباب اليوم، يؤكد الأخ جماهري، يذكرنا بأن القيم هي قوة حقيقية في التغيير، ويتضح أن عدم الاهتمام الذي تم في لحظات داخل المغرب و ازداد خلال السنوات 15 الأخيرة ، وعدم الاهتمام بفئة الشباب أصبح يهدد الطبقة السياسية برمتها ، ويهددها في دول معينة وأحيانا يسقطها، والدول التي لا أساس لسياسة صناعة مجتمع ديمقراطي بها ولا أساس للحلول السلمية للمشاكل والاستعصاءات التي يعرفها المجتمع فهي مهددة بالشباب لأن هذه القطيعة ما بين الطبقة السياسية وما بين الحاكمين والأحزاب وبين الشباب، يمكن أن تؤدي إلى اضمحلال الطبقة السياسية ، كما يمكن أن تؤدي أيضا إلى تراجع الشباب الذي لم تهتم به الطبقة السياسية ، فلا يبادلها هذه القيم وبالتالي قد لا تجدد قيمها ولا تجدد نفسها إذا ما تخلى عنها الشباب . يتضح أيضا أن هناك شبابا يصنع خريطة جديدة لقراءة ما يقع بحيث نكتشف أن الابتعاد عن الممارسة السياسية في الحقيقة كان ابتعادا عن السلوك المعروف للممارسة السياسية ، وقد ظهر الآن أن هناك شبابا جد جد مسيس ولكن لم يجد الطريقة أو الأسلوب و الكيفية السياسية التي يشتغل بها بحيث تستجيب إلى رغباته و إلى ما يطلب ، بل اتضح اليوم أن الشباب يدرك أن القرار السياسي لا علاقة له بالقرارات الانتخابية، واليوم نجد بالفعل أن طاقات هائلة للشباب، كميا ونوعيا أيضا على المستوى الأفقي، سواء اجتماعيا من جميع الطبقات من فقراء ومتوسطين إلى آخره، يدركون اليوم أنه بالإمكان ممارسة السياسة ولكن بعيدا عن التلاوين الانتخابية ، وبالتالي ليس صدفة وليس من باب الاصطدامات أن جميع الشباب يطالب بالترشيحات و تسييس الممارسة السياسية ، وليس صدفة أن يغيروا الجزء الكبير من المنظومة السياسية سواء في الداخل أو الخارج ، اليوم أصبحت مسألة التكنوقراط غير واردة وصار الشباب يستعيد ويعيد للشعب القدرة على أن يحاسب و يحاسب و أن على جميع من يتحمل مسؤولية دستورية ، أن يحاسب حسب ما أداه . فهو لا يريد للسياسة أن تظل رديفة للصوصية والفساد والألاعيب و لانهيار القيم والاقتراب من السلطة أو الابتعاد منها، بل يريد ممارسة سياسية نبيلة ولعل هذا أهم تغيير يقوم اليوم في المغرب لأنه يتضح، سواء من خلال المسيرات داخل المغرب أو على مستوى الدول التي عاشت التغيير في تونس ومصر ، أن الشباب لم يعد يسلم بذلك الترابط شبه الميكانيكي الذي عاشته تونس وعاشته مصر وعشناه نحن في المدة الأخيرة ، فليس الذي يمارس السياسة بالضرورة أن يكون لصا يغتني بطريقة غير مشروعة ، اليوم على الشباب أن يحدث تغييرا حقيقيا في هذا الجانب و اعتبار السياسة هي ممارسة نبيلة و وهي طريقة لانقاذ الوطن وأيضا في تدبير خيارات البلاد . هذه الثورة لا يقوم بها الشباب عبثا لأنه لم يعد يقبل اللعب التاكتيكي في السياسة بحيث لم يعد هناك مجال لذلك ، فالشباب يريدون فاعلين استراتيجيين بحيث نجد حركة الشباب المغربي تطالب بشعارات كبرى استراتيجية ، فهي تطالب بالبرلمانية الملكية ، وبدستور جديد و بأشياء كبيرة ... لكنها تدرك أن التغيير يجب أن يتم عن طريق قوى ديمقراطية حقيقية ، هذا ما تعبر عنه هذه الكتل الشبابية التي تحتج في الشارع اليوم لأنها تريد فعلا أن تمارس السياسة بأخلاق عالية ، لهذا نشعر بأن جزء مما حرصنا عليه هو تلك المراهنة على الشباب ، فاليوم أزيد من 62 في المائة في المغرب تقل أعمارهم عن 30 سنة بمعنى آخر أن القرن 21 الثلثان فيه شباب و في 10 سنوات القادمة ستكون طاقة كبيرة يمكن أن توظف علميا و بشريا وعلى مستوى التواصل . اليوم بالخصوص في المغرب عكس مجموعة من الدول، ليس لدينا ثروات طبيعية يمكن الاعتماد عليها وبناء استراتيجيات لكن عندنا ثروة وحيدة وهي الثروة البشرية التي نمتلكها بالفعل لان اليوم مسألة التواصل و التقنيات الجديدة وكل ما يتعلق بالبحث العلمي كلها اليوم ثروة للمستقبل. ممكن اليوم إذا حررنا هذه الطاقات سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا ممكن أن تتحول بالفعل إلى طاقة حقيقية للمغرب لا تنبض وهي طاقة تولد طاقة، فهي ليست كطاقة الغاز أو البترول التي تقل كلما تم استعمالها عكس طاقة الفكر والعلم والمعلومات. يتبين اليوم أن الشباب يمكن أن يكون فرصة للمستقبل بقدر ما يمكن أن يكون مشكلة إذا تعطل أو تم تعطيله، يمكن أن يكون قوة استقرار سياسية عظمى إذا انفتح فنحن الآن أمام فرصة الاندماج المتعدد في الأحزاب السياسية وفي الجمعيات والنوادي... أمامنا فرصة تاريخية للإنصات للشباب كدولة و أحزاب سياسية و كفاعلين اجتماعيين واقتصاديين وتربويين وكعائلات لأن اليوم الشباب هو الذي يصنع اللحظة مع ما يترتب عن ذلك من مستقبل قريب ومستقبل بعيد، لأن الشباب يريد حياة عادية لكي ينمو بشكل عادي بعيدا عن كل الخصوصيات .