هناك إشكالية حقيقية في الاستثمار بالمغرب. فلا يكفي أن تتوفر على فكرة مشروع ناجعة ومصدر تمويلها لتستطيع أن تحولها إلى واقع.. أي استثمار منتج. فبخلاف كل الدول التي تنادي علنا بتشجيع الاستثمار، ستجد دائما هنا بالمغرب من يعرقل استثمارك، إما لأنك لم «تفهم راسك» أو لأنك ستشكل منافسة يعتبرها البعض «قاتلة»، ولو كانت مشروعة، أو بكل بساطة لأن هناك من يريد أن يكسر شوكتك لأي اعتبار. فأين هو مفهوم الاستثمار من كل ذلك؟ كنت أول أمس أتحدث مع مستثمر عربي له عدة مشاريع بالمغرب وحكى كيف قضى أربعة أيام بنيويورك كانت كافية ليشتري هو وشركاؤه بقعة أرضية وينجز كل إجراءات تحويل الملكية والحصول على الرسم العقاري باسم مجموعته وهو لم يغادر مكتب المحامي وكيف حصل على رخصة البناء لتشييد خمس عشرة شقة في ظرف أربع وعشرين ساعة عن طريق الأنترنيت وبالوسيلة ذاتها حصل على رخصة ولوج خدمتي الماء والكهرباء. كان الرجل يتحدث بانبهار كبير، ومع ذلك تحاشى أن يضع أي مقارنة بما يقع في المغرب الذي يعرفه جيدا لأنه مستثمر به منذ حوالي عشر سنوات، ربما كان يشفق علي من مقارنة كهذه. لكن الواقع لا يرتفع. ففي المغرب مسافة كبرى بين القوانين والحقوق والممارسات. هناك مثلا رسالة ملكية في إطار قانون الاستثمار95/18 تنص على أنه إذا لم تسلم رخصة البناء، شهرين بعد طلبها، فإنه يصبح بإمكان طالبها أن يباشر عملية البناء بشكل تلقائي. مع الأسف، يبدو أن مسؤولي التعمير والتراخيص وبعض الوكالات الحضرية والعمالات لم يفهموا روح هذه الرسالة الملكية، لذلك تجد بعض المشاريع جمدت لعدة شهور لأنها لم تتلق الترخيص الضروري.. وفي الكثير من الأحيان لأسباب واهية، ومنها مثلا أن مسؤولاً ما في الدولة « ماحامَلْش» أصحاب المشروع. هكذا يتصرف بعضهم وكأنه في ضيعة أبيه ضاربا عرض الحائط بتوجيهات ملكية واضحة! في الاستثمار دائما، قرر الملك إنشاء مجلس للمنافسة وعين على رأسه اقتصادياً يسارياً معروفاً ليحرص على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص التي تفضي إلى تنقية أجواء ومناخ الاستثمار. حتى هذه لم يفهمها البعض أو تجاهلها. فاليوم تصادف نماذج من أصحاب شركات معروفة ولها اسمها في البلد لا يتورعون عن النزول شخصيا إلى الشارع ل«الإشراف» على ضرب المنتوجات المنافسة، وذلك بإرشاء الزبناء تارة وتهديدهم تارة أخرى. هكذا تحول رؤساء شركات إلى «فُتوات»، لا يهمهم لا اقتصاد البلد ولا سمعة الوطن ولا حتى التوجيهات الملكية.. وهذا شيء خطير. الأخطر أنهم يحملون تراكمات ملفات ثقيلة تعود إلى أزيد من عشر سنوات خلت وأخرى قريبة جداً تتوزع ما بين التملص من الرسوم الجمركية والاحتيال على زبناء من العيار الثقيل بالبلد، والكل له علاقة بالورق وصناعته! المغربل بحاجة إلى مسؤولين يفرضون القانون، تطبيقا وممارسة.. المغرب بحاجة إلى تفعيل كل المبادرات البناءة التي تبقى، مع الأسف، حبيسة الرفوف.. المغرب بحاجة إلى من يبعث رسالة مفادها أن القانون فوق الجميع.. المغرب بحاجة إلى أن يطمئن المستثمرين.. مغاربة وأجانب.. المغرب بحاجة إلى أن يضرب بيد من حديد كل من سولت له نفسه أن يتجاوز قرارات ملكية وضعت أصلا لخدمة الاقتصاد وتمتين سمعة البلاد.. هؤلاء العابثون يجب أن يفهموا أن بيوتهم من زجاج.. وقد تصبيهم شظاياه!