ولد عبد الكريم الخطيب قبل 87 عاما, وفي فمه ملعقة من ذهب.. كان جده محمد الكباص الذي تكفل به قبل وفاته يشغل مناصب حكومية في عهد 3 سلاطين علويين..ووجد نفسه في أكثر من مناسبة يلاعب الأمراء بعدما كان الملك محمد الخامس – رحمه الله- يزور بيتهم بمدينة الجديدة في العطل بصحبة أفراد العائلة الملكية.. تلخص مسار حياته في الكلمات التأبينية ورسائل التعزية التي واكبت جنازته التي حضرها رموز مختلف الأطياف السياسية بالمغرب. فالملك محمد السادس وجه برقية تعزية ومواساة إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران،يقول فيها إنه " بوفاته يكون المغرب وهيأتكم السياسية، قد فقدا نموذجا يحتذى في التشبت بإمارة المؤمنين، والتعلق بثوابت الأمة ومقدساتها والنهوض بأمانة وصدق ونكران ذات بالمسؤوليات الوازنة والمهام الجسيمة التي تقلدها..." ومصطفى لكثيري - المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير- ألقى كلمة تأبينية في حقه خاطب روحه من خلالها قائلا " أهلتك مسيرتك لأن تنال ثقة ومحبة وتقدير رفاقك في المقاومة والتحرير، وأن تحظى بشرف تعيينك من لدن جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني في مارس 1973 في حظيرة المجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وأن تنتخب رئيسا له في الفترة الممتدة من 19 يناير 1974 إلى 27 يوينو 1996 . وكنت خير مدافع عن شؤون المقاومة والمقاومين وأعضاء جيش التحرير.." ومن خارج المملكة نعى المصري محمد مهدي عاكف - المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين -الخطيب بوصفه مؤسس حركة الإخوان المسلمين في المغرب ورئيس ومؤسس حزب العدالة والتنمية مؤكدا على" جهاده وإسهاماته في نشر الإسلام المعتدل بالمغرب ودوره الرائد في دعم القضايا الإسلامية سواء في فلسطين أو البوسنة والهرسك أو في أفغانستان .." فمنذ أن ألهمته أحداث كريان سنطرال سنة 1952 حس المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، حين كان يعالج المعطوبين والجرحى في مسجد صغير اتخذ كمصحة لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصابين في صفوف المقاومين، بدأ الخطيب، الذي كان أول طبيب جراح مغربي, بدأ نشاطه في جمع الأموال وتسليمها لخلايا المقاومة كل أسبوع أو أسبوعين قبل أن يحضر أول لقائه بالشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وعبد الله الصنهاجي حيث طرحت فيه مسألة تنظيم المقاومة وجيش التحرير في الجبال المغربية. فانطلق العمل في هذا الاتجاه وساهم من جهته في تأسيس قيادة جيش التحرير المعروفة ب "لجنة تطوان" المكونة من خمسة أشخاص هم : الدكتور عبد الكريم الخطيب وحسن صفي الدين وسعيد بونعيلات والحسين برادة والغالي العراقي قبل أن ينضاف إليها الدكتور المهدي بنعبود بعد عودته من أمريكا، كما ساهم في تشكيل مجلس للثورة في تلك الفترة المكون من سبعة وعشرين عضوا وكان رئيسا له.. أما بعد الاستقلال فقد خاض الدكتور الخطيب ما اعتبره معركة أخرى في سبيل منع قيام نظام الحزب الوحيد في المغرب، وقام برفقة أصدقائه إلى تأسيس حزب الحركة الشعبية في أكتوبر 1957، وكان يقول إن المعارك السياسية التي خاضتها هذه الحركة قد أثمرت صدور ظهير الحريات العامة. في حين يرى خصومه السياسيين الذين لا ينكرون دوره في المقاومة أنه قام بدور سياسي سلبي خلال الفترة التي عرفت صراعا بين القصر وأحزاب الحركة الوطنية. وفي هذا الاتجاه يقول بنسعيد آيت إيدر – المقاوم ومؤسس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي- " كان الدكتور الخطيب مرتبطا بالمقاومة المغربية مند بداياتها، وقدم دعما شخصيا عن طريق خبرته الصحية، وبواسطة علاقاته الخارجية، في فترة صعبة كنا نبحث فيها عن أطر في الخارج والداخل، موازاة مع انطلاق المفاوضات حول الاستقلال. فكان هو من بين الذين لبوا النداء من أجل الالتحاق بجيش التحرير. لكنه بعد الاستقلال، أخذ وجهة أخرى رغم المحاولات العديدة لتوحيد قيادات جيش التحرير. ذلك أنه اختار معسكر ولي العهد (الحسن الثاني) والدفاع عن الملكية، مع احتفاظه بدور كبير في تتبع حركات التحرر ودعمها، خاصة في الجزائر وجنوب إفريقيا.." ورغم أن الخطيب كان يقول إنه وقف ضد إلزام أعضاء جيش التحرير بالاندماج في الجيش المغربي لاعتبارات أربعة, منها أن جيش التحرير لم يكن قد أدى دوره كاملا ، باعتبار أن مناطق عدة من التراب المغربي لازالت محتلة.كما كان يرى أن حل جيش التحرير يجب أن يأتي في ظروف طبيعية، وأن لا يربط بأزمة سياسية، كما أن الدمج يجب أن يكون دفعة واحدة لا على دفعات متقطعة، حتى لا تظهر وكأنها عملية تفكيك قسري، أو تعطي انطباعا بأن جيش التحرير يضم جيوبا لها موقف سلبي من عملية الدمج برمتها, فإن خصومه يرون أنه عندما كانت المفاوضات حول الاستقلال جارية، كانت هناك مساع لتوحيد قادة جيش التحرير، لكنهم لم يكونوا في مستوى تلك المفاوضات، ومستوى أن يكونوا طرفا فيها. لأن تيارات مختلفة كانت تتجاذبهم... فاختار الخطيب صف الملكية والمحافظين وصف المخزن. وساهم بعد ذلك في خلق التوازن الحزبي الذي كانت تبحث عنه الملكية، بخلقه حزب الحركة الشعبية، الذي لم يكن ليتأسس لولا وجود الخطيب فيه كضامن.. مما أدخله في عدد من الصراعات التي أدت إلى محاكمات طوال عقدي الستينيات والسبعينيات.. لكن نقطة الخلاف التي كانت تفرض نفسها بقوة على رجال المقاومة هي أن الخطيب كان يرى أن حل جيش التحرير المكون في معظمه من أطر خارج حزب الاستقلال، يجب أن يتم بالموازاة مع حل خلايا المقاومة السرية والتي كانت تدين في غالبيتها لحزب الاستقلال. وهو ما أدى إلى العديد من الاغتيالات في صفوف المقاومين, وصدور الاتهامات المتبادلة.. من مثل إصرار الخصوم اليساريين لعبد الكريم الخطيب على رواية ينسبونها إلى أحد المقاومين، يدعى المذكوري، شغل مهمة سائق للدكتور أيام حمله حقيبة الصحة في الحكومة. وتفيد الرواية أن بيت الخطيب كان مقرا لاجتماع خصوم المهدي بنبركة، والتآمر ضده بعد انطلاق الحملة الانتخابية في 10 ماي 1963. حيث كان مقررا أن يترأس المهدي تجمعا خطابيا بساحة الأوداية بالرباط، وهناك تقررت مهاجمته، حسب ذات المصادر. ليتخلف المهدي عن هذه التظاهرة، وتتعرض المنصة رغم ذلك إلى هجوم بالحجارة. وبالمقابل روى الخطيب أن أصدقاء ببنبركة كانوا قد خططوا لتصفيته بعد قتل عباس المسعدي.. لكن وقوفه إلى جانب الملك الراحل الذي كان قد طالبه بالالتحاق بجبهة الدفاع عن المؤسسات ( الفديك ) التي قادها مستشاره أحمد رضا كديرة وصديقه الفقيه الركراكي , سيعرف أول هزة في سنة 1965 حين رفض الخطيب قرار فرض حالة الاستثناء وحل البرلمان، مما أدى إلى حصول خلافات عميقة مع رفيقه أحرضان الذي كان يرأس الحركة الشعبية , فاضطر الخطيب إلى مغادرة الحزب ليؤسس حزبا جديدا أطلق عليه إسم الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية سرعان ما سيجمد عمله احتجاجا على ممارسة السلطة، خاصة بعد تزوير الداخلية لنتائج الانتخابات بدائرة الجديدة ضد الخطيب لفائدة أرسلان الجديدي – مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي - .وهو ما جعله يقول عن هذه الفترة بالذات، " لما تبث لنا أن نظام الاستثناء كان تجميدا للحياة الدستورية بالمغرب، وأن الدساتير التي وضعت بعد ذلك كانت تقنينا لهذا النظام، ولما تأكدنا من تورط السلطة في تزييف نتائج الانتخابات ضد على إرادة الشعب، قررنا في الحركة الشعبية الدستورية عدم المشاركة في الانتخابات حتى لا تزكي التزييف".. وبعد سنوات من الكمون السياسي سيعود الخطيب مجددا إلى معترك السياسة بعدما أقنعه صديقه أبو رقيق القيادي بجماعة الإخوان المسلمين بقبول اندماج إسلاميي التوحيد والإصلاح في صفوفه. فكانت شرارة المعركة الكبرى لحزب الخطيب في أولى تجاربه في نسخته الإسلامية "رسميا"، مع إعلان ما سمي "خطة وطنية لإدماج المرأة في التنمية"، والتي اعتبرتها التيارات الإسلامية تهديدا للبنيان المجتمعي وقيمه الدينية. ومثل كرة ثلج متدحرجة أخذت الخطة تتحول إلى حطب تؤجج نار صراع سياسي وإيديولوحي، بين المعسكر المحافظ الإسلامي الذي تعزز بالحزب الإسلامي الناشئ، والمعسكر الرافع لشعارات الانفتاح والتجديد وتحرير المرأة. ما أوصل البلاد إلى حافة انقسام اجتماعي غير مسبوق. فإذا كان قلب الحسن الثاني قد توقف عن النبض في آخر جمعة من شهر يوليوز 1998، فإن هذا اليوم كان موعدا آخر لقادة حزب المصباح بمبعوث القصر الساعي إلى تليين مواقفه. ذات المبعوث كان قد تفاوض طويلا في يوم الثلاثاء في بين الخطيب، حيث اجتمع به على "انفراد" لم يكسره سوى حضور شخص شديد القرب من طبيب الإسلاميين. فأكد هذا الأخير لرسول الملك أن أي تنازل حول موضوع الخطة لن يكون ممكنا، وأن تطبيقها يستحيل "ما دمنا أحياء". و على واجهة أخرى، كان أصدقاء عبد الكريم الخطيب ماضون في تأسيس "الهيئة الوطنية لحماية الأسرة"، الهيأة التي أرادها مناهضو الخطة جبهة للتعبئة والوحدة ضدها، وتمكنت فعلا من كسب تأييد شخصيات وازنة من المعسكر الآخر، أمثال الحبيب الفرقاني والفقيه البصري، رغم تراجع هذا الأخير في وقت لاحق. غير أن المكون الأساسي للتيار الإسلامي كان يحتفظ بموقفه المتأمل المتثاقل، وانخراطه في مبادرة الخطيب وأصدقائه كان يعني اختلالا بينا لموازين الصراع. لذلك، حسب رواية الدائرة الضيقة المحيطة بالخطيب قيد حياته، شكلت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وفدا ترأسه الدكتور الجراح شخصيا إلى جانب كل من عبد الله الواكوني وعبد السلام بلاجي، من أجل طرق أبواب مرشد جماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين. هذا الأخير، وإن ظلت مسألة انخراطه الشخصي في نقاشات مماثلة أمرا نادرا، كان باردا في رده، مخيبا في ما جاد به حين اعتبر ضيوفه ممن يهتمون بما هو سطحي، بينما جماعته تشتغل في العمق. غير ان جماعة ياسين سرعان ما ستلتحق بالحملة المناهضة للخطة، بعد أن باتت موضوع رهان ميداني في تعبئة الشارع، وتجلى حضورها الوازن في مظاهرة البيضاء الشهيرة. فحكومة عبد الرحمان اليوسفي استصغرت الحزب الإسلامي الوليد، ولم تساعد عرّابه عبد الكريم الخطيب على مواصلة مساندته النقدية لها. هكذا يلخص بعض من الذين كانوا حول الخطيب خلال سنتي العسل القصيرتين بين حزب العدالة والتنمية وحكومة التناوب. لذلك توالت الحوادث السياسية العنيفة بين الجانبين، وسمت بدايات الحزب الجديد ببعض السخونة والتصعيد. من بين تلك الحوادث، إقدام الحكومة على الترخيص بإقامة مسابقة لاختيار ملكة جمال المغرب للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وبرعاية وتنظيم أجنبيين، مع ما يعنيه ذلك من شروط خاصة للمشاركة و"العرض". ما حمل الإسلاميين المنظمين حديثا إلى مؤسسات الدولة، على تصعيد احتجاجهم مسنودين بدعم كامل، بل وبحماس سيفوق ما أبدوه؛ عبر عنه الراحل عبد الكريم الخطيب. وأصبح موضوع الجمال المغربي وتتويج ملكته قضية سياسية وطنية عبّأ له الحزب عبر امتداداته التنظيمية عبر مختلف مناطق البلاد، وخلق جدالا سياسيا وإعلاميا غير مسبوق. وبلغ الأمر ذروته بقرار حزب المصباح الدعوة إلى وقفة احتجاجية حاشدة أمام الفندق الذي كان مقررا أن يحتضن التظاهرة. الذين رافقوا الرجل في معركته هذه، يروون تفاصيل المكالمات التصعيدية التي جمعته بالرجل القوي في نظام الحسن الثاني. كانت آخرها بصيغة الأمر الذي وجهه إدريس البصري إلى عبد الكريم الخطيب وهو على متن سيارته ذاهبا لمقابلة الملك الراحل؛ مخبرا إياه أن الملك لا يريد أن تنظم الوقفة. ليجيبه الخطيب أن القرار لا رجعة فيه وأن بإمكان الأجهزة الأمنية فعل ما تشاء، "حنا عندنا ملك ما تزيدوناش ملكة... باراكا عريتوا بناتنا في الشواطئ ما تزيدوش أمام الأجانب" ينقل بعض المقربين عن الخطيب. فكانت النتيجة تدخلا ملكيا بإلغاء الحفل نهائيا، وتحويله إلى عرض للأزياء المغربية، توصل أتباع الخطيب بثلاث دعوات لانتداب من يشاهد العرض ويتأكد مما سيجري فيه. "و بالفعل سلمنا الدعوات الثلاثة إلى ثلاثة من الأخوات، ذهبن وحضرن الحفل وأكدن أنه كان للأزياء المغربية فقط دون أي تلاعب". الخطيب يدخل لقب “أمير المؤمنين إلى الدستور” كان الخطيب عضوا في اللجنة التي سهرت على إعداد أول دستور للمملكة, ولما عرض عليها مشروع الدستور في صيغته الأولية اعترض عليه وقال لزملائه “إن هذا الدستور يليق بدولة علمانية وليس بدولة إسلامية..”ملحا أن تنص مقدمته على أن الإسلام هو دين الدولة. كما طالب بأن يكون لقب الملك في الدستور هو أمير المؤمنين , مبررا طلبه بأن سلطان المغرب في زمن يوسف بن تاشفين كان يلقب بأمير المسلمين قبل أن يصبح في عهد الأمويين أمير المؤمنين. كما ذكر ما قاله له قدور بنغبريط “ إن السلطان عبد الحميد, آخر السلاطين العثمانيين قال له عند وفاته بصفته ممثلا لملك المغرب, ومكلفا بالتشريفات والأوسمة ومدير المعهد الإسلامي بباريس: من عادة أمراء المؤمنين أن تكون لديهم بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عندي نعاله صلى الله عليه وسلم, ولا يستحقها الآن من أمراء المسلمين إلا محمد الخامس.فأطلب منك بعد وفاتي أن تهديها له كوارث للخلافة”. الخطيب في بيشاور لما بدأ الجهاد الأفغاني، اجتمعنا في البيضاء مع بعض الإخوان وأسسنا منظمة مساندة الجهاد الأفغاني التي تكفلت بجمع المساعدات والتبرعات. وزرت في هذا الإطار مخيمات اللاجئين الافغان في بيشاور بباكستان. والتقيت برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار والشهيد عبد الله عزام. كما التقيت بزعماء أفغان آخرين داخل وخارج المغرب منهم مثلا صبغة الله مجددي. وحاولت كذلك بتنسيق مع منظمات فرنسية ربط المجاهدين بتجار من أجل شراء أسلحة متطورة. كما أحضرنا أحد عشر طالبا أفغانيا إلى المغرب ساعدتهم منظمتنا في الحصول على منح دراسية.