تولى محمد بن يوسف السلطة خلفا لوالده المولى يوسف بن الحسن عام 1927، وعمره لا يتجاوز ثماني عشرة سنة. لكن قربه من الحركة الوطنية في مواجهة سلطات الحماية الفرنسية دفع بهذه الأخيرة إلى عزله عن الحكم عام 1953 ونفيه إلى كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر وتنصيب ابن عرفة مكانه. وبعد عامين من حياة المنفى، عاد إلى عرشه من جديد وتخلى عن لقب السلطان، الذي كان ملوك المغرب يحملونه باستمرار، واتخذ لنفسه لقبا جديدا هو الملك محمد الخامس، وهو لقب لم يكن سلاطين المغرب يعرفونه من قبل. حكم الملك محمد الخامس تسع سنوات أخرى بعد منفاه، منها خمسة أعوام بعد نيل الاستقلال عن فرنسا. وفي فبراير من عام 1961، أدخل إلى مصحة القصر الملكي بالمشور السعيد بعد إصابته بوعكة صحية خفيفة، تطورت إلى إجراء عملية لاستئصال الجدار الأنفي، بعد إصابته بحالة اختناق في التنفس، ثم تطورت الحالة إلى إجراء عملية جراحية على القلب، ليتوفى في 26 فبراير 1961، أي في نفس اليوم الذي أدخل فيه إلى المستشفى. هناك أكثر من رواية حول وفاة الملك محمد الخامس بطريقة فجائية، فحسب الراحل عبد الله إبراهيم، أول رئيس حكومة استقلالية في عهد محمد الخامس، فإن هذا الأخير سافر إلى سويسرا بعد تعرضه لوعكة صحية، حيث كان أحيانا يدخل في غيبوبة متقطعة، وكان برفقته عبد الله إبراهيم، وهناك عالجه طبيب سويسري، وبعد الكشف عليه خمن وجود ورم سرطاني في الأذن، لأن التشخيص الطبي آنذاك كان متواضعا، لكنه استبعد التدخل الجراحي السريع. ووفقا لرواية عبد الله إبراهيم، التي ينقلها عنه محمد لومة، فإن محمد الخامس عاد إلى المغرب، على أساس أنه إذا استفحل الوضع سيتم استدعاء الطبيب السويسري، وهذا ما حصل بالفعل، لكن الأطباء احتاجوا إلى كمية من الدم، وكانت لمحمد الخامس فصيلة دم نادرة في تلك الفترة، فلم يجدوها في الرباط فتم اللجوء إلى أحد الأطباء بالدارالبيضاء، لكن السلطان توفي قبل أن تصله كمية الدم المطلوبة. ويتمم عبد الهادي بوطالب هذه الرواية، في برنامج شاهد على العصر» الذي بثته قناة الجزيرة القطرية يوم 22 من يوليوز الماضي، قائلا بأن العملية الجراحية لجد محمد السادس، الذي كان يعاني من التهاب في اللوزتين، جرت في ظروف لم يتم الاستعداد لها جيدا، واعتبر ما حصل نوعا من «التفريط»، لأن محمد الخامس أدخل إلى مصحة القصر يوم السبت على أن يغادرها يوم الأحد بعد إجراء عملية صغيرة، لكن المصحة كانت تفتقر إلى الشروط اللازمة لإجراء تلك العملية. وفي اليوم التالي. لم يتم إيجاد فصيلة الدم المطلوبة لإنقاذ حياة الملك، فاستقل الدكتور عبد الكريم الخطيب طائرة خاصة إلى الدارالبيضاء للبحث عن الدم، لكن جميع المراكز الصحية كانت مغلقة، لأن الأحد يوم عطلة، وهكذا توفي محمد الخامس وهو في مقتبل العمر. غير أن الراحل الفقيه البصري قدم قبل وفاته، في حوار مباشر على قناة أبو ظبي، رواية أخرى، سجلها فيما بعد في مذكراته التي لم تنشر بعد بجميع تفاصيلها. رواية البصري تقول إن وفاة الملك محمد الخامس لم تكن طبيعية وبأن الأمر كان يتعلق ب«مؤامرة». فقد أدرك، بعد ضياع موريتانيا من المغرب، «اللعبة» التي نصبت له، وندم على إقالة حكومة عبد الله إبراهيم، فاستدعى البصري إلى القصر وأبدى له استعداده لإرجاع حكومة الاتحاديين، وإنشاء مجلس تأسيسي، شريطة أن يعطي الاتحاديون العهد على أنهم ليسوا ضد الملكية وليسوا جمهوريين، فاجتمع قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في بيت الفقيه البصري، وهم عبد الرحمان اليوسفي، والمحجوب بن الصديق وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم والتهامي عمار، وتغيب المهدي بن بركة الذي كان متواجدا بسويسرا في منفاه الاختياري، وبعدما أطلعهم البصري على عرض محمد الخامس وافق عليه الحاضرون، بمن فيهم بن بركة الذي تم إبلاغه به، وتم الاتفاق على تكليف عبد الرحمان اليوسفي بتبليغ الملك موافقة الاتحاد الوطني على العرض، لكن بعد عودته من نقاهته التي كان يمر بها بعد وعكة صحية ألمت به. وخلال مرضه، زاره البصري وعبد الله إبراهيم، لكن ما إن خرجا من عنده بدقائق حتى سمعا في راديو السيارة التي كانا على متنها خبر نعيه.