تتميز السنة الجارية، 2009، بحلول ذكرى مرور قرن كامل على ولادة الملك المغفور له محمد الخامس، الذي رأى النور بمدينة فاس، يوم 31 غشت 1909.وترجع هذه الأهمية إلى الموقع، الذي احتله محمد الخامس خلال أكثر من ثلاثة عقود على الساحة المغربية، فالمغاربية، ثم العربية الإسلامية والإفريقية. اعتلى عرش المغرب، يوم 18 نونبر 1927، وهو شاب في الثامنة عشر من عمره، وفي عهده تكرس تقليد عيد العرش كرباط بين السلطان والحركة الوطنية المغربية، ثم مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية. وفي عهده تكونت النخبة المغربية على أساس تقسيمات جديدة، وحصل مشهد سياسي، وتأسست الأحزاب السياسية والنقابات، وفي عهده شارك المغرب في المجهود الحربي للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، واحتضن مؤتمر آنفا بين قادة الحلفاء. وفي عهد محمد الخامس قدم الوطنيون مطالب الشعب المغربي ثم المطالب المستعجلة، ثم وثيقة المطالبة بالاستقلال. وفي عهده تجسدت أقوى فترات المواجهة مع سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب، وانتهت بعزله وحمله إلى المنفى بجزيرة كورسيكا، ثم جزيرة مدغشقر بالمحيط الهندي. فبين 1939 و 1953، أي خلال 14 سنة راكم السلطان سيدي محمد بن يوسف، الذي سيحمل في ما بعد اسم محمد الخامس، تجربة زعيم وطني اقتحم تاريخ القرن العشرين إلى جانب قادة ورموز دافعوا عن قضايا أممهم، وأصبحوا مثالا لحركات التحرير كالجنرال شارل ديغول، قائد المقاومة الفرنسية والمهاتما غاندي، قديس السلام. لما حمل السلطان إلى المنفى، تكرست صورته كرمز للتحرير، ليس على صعيد المغرب وشمال إفريقيا وحسب، بل على الصعيد العالمي، وتشهد على ذلك الصورة التي اكتسبها لدى حرمات التحرير بالهند الصينية، ولهذا كان عرضة لضغوط وإغراءات في معزله بانتيسسيرابي واجهها بالتصميم على المبدأ، أي عدم التنطر لحركة التحرير المغربية. ماذا تقول الوثائق الفرنسية، الشاهد الوحيد لحد الساعة؟ وخلال منفاه، ومنذ نزوله بمنفاه في جزيرة كورسيكا، لم يقطع السلطان سيدي محمد بن يوسف اتصالاته مع الحكومة الفرنسية. فوجه إلى الرئيس، جورج بيدو، وزير الشؤون الخارجية الفرنسية بتاريخ 24 غشت 1953، حول ظروف المنفى ورغبته في الانتقال إلى مدينة جامعية فرنسية كبرى بالمتربول ليتمكن أبناءه من التمدرس، وكرر هذا المسعى في رسالة بعث بها إلى رئيس الوزراء الفرنسي جوزيف لانييل في 30 يناير 1954. وكانت تقديرات الاستعلامات والمخابرات الفرنسية الملكلفة تتجه إلى اعتبار أن ثمة مخططا مغاربيا، بدعم مصري، يسعى إلى اختطاف السلطان سيد محمد بن يوسف من منفاه وتهريبه إلى مصر، وإقامته بها كما حصل مع محمد بن عبد الكريم الخطابي في 1947. وضغطت الإقامة العامة للحماية الفرنسية بالرباط، عبر محمد بن عرفة، لإلزام الحكومة الفرنسية بإبعاد السلطان سيدي محمد بن يوسف، عن جزيرة كورسيكا وعن فرنسا- المتربول، نحو إحدى الجزر التابعة للنفوذ الفرنسي بالمحيط الهندي أو المحيط الهادئ. ومن جانب آخر، عاشت الحكومة الفرنسية ضغطا بسبب كلفة إقامة السلطان سيدي محمد بن يوسف والجهة التي ينبغي أن تتحملها بحكم القانون. واستقر نظرها على السلطان، الذي اعترض بشدة على ذلك بدافع عدم اختياره للمنفى أو الإقامة في هذه الجزيرة، وبالتالي لا مجال لتحميله مصاريف هذه الإقامة. جعلت كل هذه العوامل الحكومة الفرنسية تقرر إبعاد السلطان المنفي إلى جزر تاهيتي بالمحيط الهادئ، بعد تهيئ إقامة خاصة بالسلطان والأسرة الملكية بهذه الجزر. وفي إطار إجراء احتياطي فقررت أن تنقله كمرحلة أولى إلى جزيرة مدغشقر بالمحيط الهندي، التي أصبحت المنفى النهائي للسلطان طيلة ما تبقى من مدة إبعاده عن العرش. بعد نزوله بجزيرة مدغشقر في فبراير 1954، أوفدت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية الوزير المفوض ألبير لا مارل، في محاولة لإقناع السلطان بالتنازل عن العرش، مقابل التمتع بممتلكاته الخاصة. وكان لامارل مسنودا في هذه المهمة بالسيد المعمري مدير التشريفات السابق،والليوتنان كولونيل تويا ضابط الدرك، الذي كان يشتغل في المخابرات الفرنسية. استمرت مفاوضات السلطان سيدي محمد بن يوسف ومبعوثي الحكومة الفرنسية حول وضعيته النهائية من 22 مارس إلى 4 أبريل 1954. وانتهت هذه المفاوضات، التي شارك فيها ولي العهد الأمير مولاي الحسن إلى جانب والده، بتبادل الرسائل حول نتائجها بين السلطان المنفي وممثل الحكومة الفرنسية. تضمنت رسالة السلطان سيدي محمد بن يوسف التزاما بالامتناع عن القيام بأي نشاط سياسي من شانه المس بالنظام العام في المغرب وفرنسا وأقاليم الاتحاد الفرنسي، ورغبة السلطان، في الإقامة بفرنسا، لكن هذه الرسالة لا تتضمن أي إشارة إلى التنازل عن العرش. وتضمنت رسالة ألبير لامارل إقرارا بالسماح للسلطان باستقبال زواره، وتلقي مراسلاته والتمتع رفقة أسرته وخدامه بحماية من طرف الحكومة الفرنسية على كامل التراب الملغاشي. بعد تبادل الرسائل بين السلطان تباحث وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جورج بيدو مع السفير الإسباني بالعاصمة الفرنسية، وسلمه نسخات من الرسائل المتبادلة بين السلطان سيدي محمد بن يوسف وألبير لامارل، والتمس منه أن يجري اتخاذ ترتيبات للحيلولة دون الدعوة باسم السلطان المنفي في مساجد المنطقة الخليفية التابعة للحماية الإسبانية. ورد السفير الاسباني، بموجب رسالة مكتوبة، على أن رسالة السلطان سيدي محمد بن يوسف لا تعني تخليه عن العرش، وأن الشكليات تقتضي بألا يجري التنازل عن العرش المغربي في رسالة موجهة إلى موظف في وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، ولكن بموجب رسالة موجهة من السلطان إلى رعاياه وإلى السلطات المخزنية بالرباط، زيادة على هذا قدر السفير الإسباني أن الرسالة انتزعت من السلطان في معزله بمدغشقر تحت الضغط والإكراه، وأن ظروف الحصول عليها تقلل من مصداقيتها. وفي صيف 1954، بمناسبة وصول الراديكالي بيار مانديس فرانس إلى الحكم، كتب السلطان رسالتين يطالب من خلالهما رئيس الوزراء الجديد بحل الأزمة التي يعانيها. ومنذ ذلك التاريخ تطور المسلسل نحو الحل السياسي للمشكلة المغربية. إذ واصل الرئيس إدغار فور، الذي وصل إلى رئاسة الوزراء في فبراير 1955 طريق حل المسالة المغربية عبر حل مشكلة العرش التي انتهت بإعادة تنصيب السلطان سيدي محمد بن يوسف، كمدخل لحل الأزمة الفرنسية المغربية. عاد السلطان إلى فرنسا يوم 31 أكتوبر 1955، ويوم 6 نونبر 1955، صدر تصريح مشترك بينه وبين وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، الرئيس أنطون بيناي، ويوم 16 نونبر 1955. ويوم 18 نونبر 1955، الذي صادف الذكرى 28 لجلوسه على العرش، ألقى خطابا أعلن من خلاله دخول المغرب عهد جديد، وهو ما تجسد في التصريح المغربي- الفرنسي ليوم 2 مارس 1956 بباريس، والمغربي-الإسباني يوم 7 أبريل 1956 بمدريد. ومنذ ذلك التاريخ أصبح يوم 18 نونبر مناسبة للاحتفال بعيد الاستقلال.