ولد المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني، (الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن)، في الرباط، في 29 يوليوز 1929، وهو سليل الدوحة العلوية، التي تتحدر من الأسرة النبوية الشريفة. ساهم رحمه الله، رفقة والده المفغور له الملك محمد الخامس في تحرير المغرب من الاحتلال الفرنسي.كان يقوم بعدة مهام وهو ولي للعهد، ونفي مع والده محمد الخامس من طرف الاستعمار إلى كل من كورسيكا ومدغشقر وهذا ما ألهب شرارة الانتفاضة الشعبية الكبرى، المعروفة بثورة الملك والشعب، التي اندلعت مباشرة بعد نفي العائلة الملكية وتعيين الاستعمار بن عرفة ملكا على المغرب، وكان المغفور له يقود إلى جانب والده، اتصالات مع المقاومين، وينسق النضال على الجبهة، ويحرر المراسلات والبيانات حتى عندما كان في المنفى، ما أسفر بعد مقاومة بطولية للمغرب والمغاربة، عن عودة محمد الخامس وولي عهده الحسن الثاني إلى المغرب وحصول البلاد على الاستقلال في 18 نونبر عام 1956. درس القانون بالرباط وحصل على شهادة الدكتوراه في مدينة بوردو الفرنسية، عرف مساره الفكري تنوعا ثقافيا قل نظيره لدى ملوك ورؤساء الدول، ما جعل الكثيرين يعتبرونه خزانا للمعلومات ومصدرا للأفكار الجديدة. اعتلى الحسن الثاني العرش في 3 مارس 1961، بعد وفاة والده المغفور له الملك محمد الخامس يوم 26 فبراير 1961. عرف رحمه الله، بحنكته ودهائه السياسي منذ ريعان شبابه، واستطاع قيادة المغرب بحنكة، رابطا علاقات واسعة بملوك ورؤساء الدول وقادتها، وتمكن بفضل خبرته من تحقيق استقرار عجزت دول مجاورة، تحقيقه إلى حد الآن، سالكا طريق الانخراط في الاتجاه العالمي، بعد أن وضع المغرب على طريق نظام الليبرالية التعددية، في حين كانت معظم الدول العربية، تابعة للمعسكر الاشتراكي، الذي فشل بعد زوال الاتحاد السوفياتي، ويعتبر الحسن الثاني بانيا للمغرب الحديث وباعث نهضته وموحدا للبلاد ومحرر للصحراء المغربية من قبضة الاستعمار الإسباني بمسيرة خضراء سنة 1975، وهي المسيرة، التي اعتبرت، بشهادة الجميع معجزة القرن العشرين. عندما دعا المغاربة في 18 أكتوبر إلى تشكيل مسيرة من 350 ألف متطوع ومتطوعة، اجتازوا في 6 نونبر 1975، الحدود الوهمية، رافعين المصاحف الشريفة والعلم المغربي، ما جعل قوات الاحتلال الإسباني تنسحب من الساقية الحمراء سنة 1975، ومنطقة وادي الذهب، التي استعادها المغرب في 14 غشت 1979. عرفت فترة حكمه بسنوات التحديث، وكان المغرب في عهده سباقا إلى منح المرأة حقوقا لم تكن تتمتع بها في دول عربية وإسلامية، وفي عهده اعتلت المرأة سلك القضاء، وتقلدت المناصب السامية في الدولة، ودخلت البرلمان، والمشاركة في الحياة الاقتصادية. على الصعيد السياسي الداخلي، دخلت المملكة في عهده، نظام الملكية الدستورية، وجرى وضع دستور البلاد في 1962، الذي عرف تعديلات أهمها في 1970، و1972، و1996. وفي عهده عرف البرلمان أهم التحولات السياسية، في ظل معارضة نشطة، استلمت السلطة في إطار التناوب، وتولى زعيم حزب الاتحاد الإشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، الوزارة الأولى، في مارس 1998. قام المغفور له الحسن الثاني بمجموعة من المبادرات الإصلاحية، في مجالات التعليم والصحافة، وحقوق الإنسان، وأنشأ مجالس لمتابعة عدد من القضايا والمواضيع، التي تهم الشأنين الاجتماعي والاقتصادي، وفي عهده انطلقت أكبر عمليات الخوصصة، وجرت استثمارات في مجالات مختلفة. كان تواقا لبناء مغرب يعتمد على الاكتفاء الذاتي، منطلقا من القاعدة التي تعتبر المغرب بلدا فلاحيا، ولقبه المغاربة ب"باني السدود وحامي الحدود"، معترفا في الآن نفسه أن نهضة البلاد يجب أن تقوم كذلك على بناء المصانع والمعاهد والطرق والجسور. على صعيد السياسة الخارجية للمغرب، كان المغفور له الحسن الثاني دائع صيت، مشكلا قبلة لزعماء الدول العربية والإسلامية وكذا الغربية، ربط علاقات واسعة مع أقطار كثيرة، في سياق العلاقات الثنائية، كما في إطار التنظيمات الدولية والإقليمية، مثل الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولجنة القدس التي أنشأها وترأسها، ومجموعة عدم الانحياز، ومنظمة الوحدة الإفريقية، قبل الانسحاب منها، ثم اتحاد المغرب العربي، وفي عهده حظي المغرب بتقارب مع السوق الأوربية المشتركة، وبعدها مع الاتحاد الأوروبي، وكان أول حاكم عربي من شمال إفريقيا، ومن المنطقة المغاربية يطالب بانتماء بلده إلى المجموعة الأوربية، ليحصل على وضعية أقل من عضو وأكثر من شريك. عرف أيضا بدفاعه المستميت عن القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي كرس في سبيلها اتصالات مع الشرق والغرب، للدفع بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبزعيمها ياسر عرفات، إلى ميدان الاعتراف، وكان دائما ينعتها بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. انتقل المغفور له الحسن الثاني إلى عفو الله، في 23 يوليوز سنة 1999 إثر نوبة قلبية.، في الوقت الذي كان يحضر لمؤتمر عربي كان يسعى من خلاله إلى تكريس المصالحة بين قادة عرب متخاصمين.