«آخر سنة 1952 أكرمني ربي، فحضرت حوادث كاريان سانطرال. كنت أعالج المعطوبين والجرحى في مسجد صغير، اتخذناه مصحة، في ذلك اليوم المشؤوم. وهناك تبين لي واقتنعت بأن الشعب المغربي مستعد للتضحية والكفاح المسلح في سبيل تحرير البلاد. كانت أول تجربة، ومن هناك بدأت أفكر في العمل المسلح» -يقول عبد الكريم الخطيب- . وفي أوائل 1953 لما بدأت حركة الطرقيين وشيوخها تحت قيادة عبد الحي الكتاني، طلب منه قادة المقاومة أن يوصل تقريرا إلى الجماعة الوطنية بطنجة حتى تبلغه إلى الوفد المغربي الذي كان موجودا في نيويورك. ولما سلمهم التقرير قال لهم: «لا بد من عمل إيجابي مسلح» فأجابه عبد السلام بناني: « يوجد في البيضاء من يفكر مثلك». وعند اللقاء بين الرجلين في العاصمة الاقتصادية بعد أسابيع من ذلك، سألنه بناني إن كان ما يزال على نفس التفكير، فأجابه بنعم. فقال له: «سيتصلون بك». وكان حسن العرايشي هو المسؤول في خليته، يجتمع مع رفاقه في شاحنة صغيرة مكتوب عليها l’abeille، قال للخطيب: «ينقصنا السلاح»، فأجابه: «لنا مسدسان في البيت». وأتاهم بهما، بعد أن جلبهما ابن أخته عبد الكريم بنسليمان من الجديدة.فانطلق عمله في صفوف المقاومة منذ ذلك اليوم. وكان ينقص المقاومة أيضا التمويل، فبدأ الخطيب يجمع أموالا كثيرة من التجار كعائلة الحاج بنسالم لحلو وغيرها... وكان يدفع هذه الأموال للمقاومة كل أسبوع أو أسبوعين عن طريق حسن لعرايشي وبعده لمولاي العربي الشتوكي، وبعد إلقاء القبض عليه، أصبح يدفعها لشنتر. «ذات يوم، زارني مولاي العربي الشتوكي – يحكي الخطيب- وقال لي: «إن المقاومين يفكرون في القيام بثورة في الدارالبيضاء، وينوون الاستعانة بجنود مغاربة في الجيش الفرنسي». فقلت له: «هذا عمل فيه خطورة، إذ سيطوقهم الفرنسيون حينذاك، ويذهب مجهود المقاومة هباء منثورا». وطلبت من الإخوان أن ينتظروا لأن ذلك أفضل، حتى يبدأ العمل في الجبال، وحتما سيلتحق بهم الجنود المغاربة في الجيش الفرنسي. لما بلغ ذلك الإخوان قرروا تنظيم لقاء معي، فنظمت مأدبة عشاء في منزل الأخ منصور، قال لي الأخ مولاي العربي الشتوكي إن شخصا سيأتيني ليلا بسيارته اسمه محمد وسيقودني إلى المنزل. وفي الموعد المحدد، أتى بونعيلات(محمد آنذاك) وأخذني إلى المنزل. وجدت في انتظاري الشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وعبد الله الصنهاجي. بعد تناول العشاء، تحدثنا عن المقاومة وتنظيم جيش التحرير في الجبال مستقبلا.» هذه هي رواية الخطيب بخصوص التحاقه بصفوف المقاومة، أما خصومه فيعتبرون أن انخراطه في المقاومة كان بالمصادفة، فقد كان الخطيب، الذي تخرج طبيبا جراحا من باريس عام 1951، يملك عيادة خاصة في كراج علال بطريق مديونة بالدارالبيضاء خلال فترة الحماية، ويقال إن سلطات الحماية الفرنسية سمحت له بإنشاء تلك العيادة بسبب مواقفه البعيدة عن المقاومة والمعارضة لحزب الاستقلال، وخلال عمله عالج مرة أحد المقاومين الذين أصيبوا في مواجهة مع جنود الاحتلال بشكل سري، كما ساعد بعض نشطاء المقاومة المسلحة، إذ أجرى عمليات جراحية تجميلية لتغيير ملامح العديد منهم، ليتسنى لهم التخفي عن أعين قوات الاستعمار، لكنه عندما علم بأن أمره انكشف لسلطات الحماية وتخوف من اتهامه بالتواطؤ مع المقاومة فر إلى فرنسا على عجل. وخلال تواجده بالديار الفرنسية أراد الرئيس المصري جمال عبد الناصر إرسال سفينة محملة بالأسلحة والعتاد العسكري للمقاومة في المغرب والجزائر، إثر اتفاق له مع الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي كان مقيما بالقاهرة، فطلب من المغاربة إيفاد شخصين عن المقاومة الجزائرية وشخصين عن المقاومة المغربية، فتم اختيار محمد بوخروبة (الهواري بومدين فيما بعد، بعدما أصبح رئيسا للجزائر إثر الانقلاب على بن بلة) وعبد القادر بوزار عن الجزائر، وبقيت حلقة المغرب. ويقول الفقيه محمد البصري، كما يروي عنه محمد لومة، إنه قد تم الاتصال بعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم من حزب الاستقلال لكنهما رفضا، ثم جرى الاتصال بالمحجوبي أحرضان، لكن هذا الأخير فر إلى فرنسا بعد أن علم بطبيعة المهمة، فكان سعيد بونعيلات هو الذي جاء إلى المغرب مرافقا الحمولة العسكرية على متن السفينة المصرية. ويتابع الفقيه محمد البصري بأنه تم اختيار الدكتور عبد الكريم الخطيب ضمن اللجنة الرباعية التي كانت تتكون من محمد بوضياف (واسمه الحركي علي الدريدي) والعربي بن مهيدي عن الجزائريين، وعباس المساعدي وعبد الله الصنهاجي عن المغاربة، ووقع الاختيار على الخطيب ضمن اللجنة الرباعية للتنسيق مع الجزائريين، نظرا لكونه جزائري الأصل. فالخطيب إذن حسب رواية البصري جاء إلى المقاومة من الأعلى، دون أن تكون له جذور نضالية كما أنه لم يحمل السلاح في وجه الاحتلال. وبخلاف ما يشاع عن أن الدكتور الخطيب كان قائدا للمقاومة في تطوان فإن رواية البصري ورواية مقاومين آخرين تقول بأن مرحلة الشمال في تاريخ المقاومة المسلحة في المغرب ضد الاحتلال الفرنسي كانت قيادة جماعية ولم تستمر سوى بضعة أشهر، ولم تظهر القيادة الفردية إلا مع انتقال المقاومة المسلحة إلى الجنوب بعد عام 1955، والتي لم يشارك فيها الخطيب. في حين يروي بنعبد الله الوكوتي في كتابه "ذكريات مقاوم"، وهو أحد رفاق الدكتور الخطيب، أن هذا الأخير لم يكن له انتماء حزبي ولكنه رغم ذلك كان يتعامل مع الحركة الوطنية وحزب الاستقلال على الأخص، وكلف من طرف الحركة الوطنية بمهام صعبة، كما قام بمهام مع الملك الراحل محمد الخامس، وانتقل إلى باريس خلال التحضير لإبعاد محمد الخامس عن العرش، ليتصل بمبارك البكاي الذي كان قد استقر بباريس قبل تنفيذ المؤامرة ضد الملك الشرعي، كان يفكر في تنظيم حركة المقاومة، وكلف بمهام من قبل حزب الاستقلال الذي كان جل أعضائه البارزين إما اعتقلوا أو فروا أو اختفوا. ويتابع الوكوتي أنه بعد العملية الفدائية الكبرى بالسوق المركزي بالدارالبيضاء التي أدانها حزب الاستقلال، وتورط فيها مولاي أحمد الفكيكي الذي كان يعمل ممرضا في عيادة الدكتور الخطيب، تلقى هذا الأخير إشارة بالخروج من المغرب، فخرج إلى أوروبا وقام بأدوار كبيرة، حيث ظل يربط الاتصالات بين حركة المقاومة في أوروبا والقاهرة والمنطقة الشمالية، ودعم الاتصالات مع الجزائريين، قبل أن يحل بالمنطقة الشمالية حيث ترأس حركة المقاومة بها، والتي انبثق عنها جيش التحرير بالشمال. لكن الخطيب في تصريحات لمؤلف كتاب"الملوك الثلاثة" الفرنسي إنياس دال يؤكد بأن انخراطه في المقاومة كان بطلب من علال الفاسي، وكان مكلفا بجمع التبرعات من المهاجرين المغاربة في أوروبا لصالح حركة المقاومة. أما التحول المفاجئ في علاقة الدكتور الخطيب بحركة المقاومة فقد حصل بعد مؤتمر مدريد في يناير 1956، الذي شارك فيه عباس المساعدي والفقيه البصري وسعيد بونعيلات والحسين برادة والغالي العراقي ولحسن لعرج، إضافة إلى الخطيب نفسه، كما حضره عن المقاومة الجزائرية كل من أحمد بن بلة ومحمد بوضياف والعربي بن مهيدي، وقد تقرر في ذلك الاجتماع الحاسم الصعود إلى الجبال بالنسبة إلى حركة المقاومة في جميع بلدان المغرب العربي، المغرب وتونس والجزائر، ومتابعة الكفاح المسلح إلى أن يتحقق استقلال جميع هذه البلدان. ويشير الدكتور الخطيب نفسه في سيرته الذاتية "مسار حياة" إلى هذه النقطة، حيث يذكر أنه كان من أشد الداعين إلى وحدة بلدان المغرب العربي تحت قيادة واحدة، حيث اتفق مع قيادات التحرير بالجزائر والمغرب على النضال المشترك ضد فرنسا، ثم توحيد البلدين بعد الاستقلال تحت خلافة الملك المغربي الراحل محمد الخامس. وحسب رواية الفقيه البصري التي يحكيها عنه أحد المقربين منه، فإن الخطيب بعد تلك القرارات اتصل بالقصر الملكي، عن طريق والدته مريم الكباص، التي كانت على علاقة جيدة بوالدة محمد الخامس وهي مدفونة بالقصر الملكي مع أفراد العائلة الملكية. وتتابع نفس الرواية بأن محمد الخامس أرسل عامل الرباط المحجوبي أحرضان إلى الدكتور الخطيب الذي كان ما يزال في طنجة الدولية آنذاك، لتسهيل دخوله إلى الرباط. وفي الرباط تم الاتفاق على أن يلعب الخطيب دورا في إدماج جزء من جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية الجديدة. يقول الدكتور الخطيب لمؤلف كتاب"الملوك الثلاثة" شارحا هذا التحول المفاجئ في موقفه من المقاومة بعد تلك الفترة: "بعد اغتيال عباس المساعدي حصل نوع من التمرد داخل جيش التحرير، ففكرنا مع محمد الخامس في أنه كان يجب إدماج جميع تلك العناصر في الجيش والأمن، وطيلة ستة أشهر حتى نهاية عام 1956 تم تكليفي بهذه المهمة". ويقول مؤلف الكتاب إن الخطيب وجد صعوبة كبيرة، بسبب أصوله الجزائرية، في إقناع جزء من المقاومين المغاربة بالتخلي عن المقاومة الجزائرية ووقف المعركة من طرف واحد، ولذلك اختار الذهاب إلى السويد لاجتياز تدريب في الجراحة لفترة محددة، كنوع من الهروب، ويتابع إنياس دال قائلا بأن الخطيب "لم يكشف نهائيا عما يتعلق بهذه المرحلة من حياته". أما الرواية الرسمية التي يقدمها في كتابه " مسار حياة " فتفيد أنه كان يتمنى أن يستمر جيش التحرير في مهمته، خاصة وأن مناطق كثيرة لم تكن قد حررت بعد، كالصحراء الغربية والصحراء الشرقية. و"هكذا بعد رجوعي في 20 مارس 1956،يقول الخطيب, كان السياسيون يخافون من جيش التحرير، وحاولوا حله بإدماجه في الجيش الملكي. أرادوا أن تنضم الفرق الموجودة في الأطلس تحت قيادة عبقد القادر بوزار، وكذلك الشبان الذين تكونوا بالمدرسة العسكرية بجنان الرهوني. وكان كل من حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال يدعي أن الجيش معه أو له. كان ذلك سببا في اغتيال العراقي عالم مدينة فاس، الذي زار أحد نواب بنعثمان اسمه الحطاط، وطلب منه الدخول إلى الرباط باسم حزب الشورى والاستقلال، فوقع اغتياله من طرف جماعة من المقاومين." وبعد أن علم بانطلاق عملية إدماج جيش الأطلس طلب لقاء الملك، وتم ذلك يوم 22 مارس1956 ليلا، وكان معه ولي العهد مولاي الحسن.. "بعد التحية أخبرته – يحكي الخطيب- بما حدث، وقلت له: "يا صاحب الجلالة، الجيش جيشك، ولا أحد سواك يعرف قيادته، ولكن إذا وقع انضمام فريق دون آخر فكيف يفسر ذلك؟.قال لي طيب الله ثراه: "معك حق". فقلت: " إذا أذن صاحب الجلالة، سآتي له بجميع القادة في يوم واحد إلى القصر الملكي". فتقرر أن يكون ذلك يوم 30 مارس 1956 فقمت بجولة في جميع أنحاء المغرب لإخبار جميع القادة بالدخول إلى الرباط لتقديمهم إلى صاحب الجلالة. أتوا جميعا والتقينا ليلة 29 مارس 1956 في بيت المحجوبي أحرضان الذي كان عاملا على إقليمالرباط. وفي الموعد المحدد، تقدمنا للسلام على صاحب الجلالة بزي جيش التحرير وملثمين لأن الفرنسيين لم يكونوا قد غادروا المغرب نهائيا. وفي قبة النصر، في المشور السعيد أخذت لنا صور من الخلف لأننا كشفنا عن وجوهنا أمام جلالة الملك. تقدم المرحوم بميلودي وقدم رشاشه لصاحب الجلالة كرمز يدل على تسليم جميع الأسلحة. وقرأ مصطفى العبدي (الكولونيل ماجور حاليا) رسالة باسم الجميع. غضبات الخطيب على الريسوني وبنكيران والرميد كانت الحالات التي هاجم فيها الراحل عبد الكريم الخطيب قيادات بارزة من إسلاميي حزب العدالة والتنمية قليلة، لكنها اتخذت صدى وبعد إعلاميا كبيرا بسبب السياق الذي وردت فيه، فرغم علاقات التقدير التي كانت تكنها قيادات الحزب للخطيب إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث توترات ظرفية. فبعد أحداث 16 ماي أدلى أحمد الريسوني بحوار لجريدة أوجوردوي لوماروك، اعتبر فيه أن الملك ليس مؤهلا للإفتاء، وأنه يجب خلق هيئة مختصة للفتوى. واعتبر هذا التصريح «تطاولا على القصر»، وأثار غضب وزارة الداخلية التي بعثت برسائل استنكار إلى الحزب، وعقدت لقاء استدعيت إليه قيادات الحزب والحركة، وتم التهديد بحل الهيئتين، وتوجيه نقد شديد إلى مصطفى الرميد على الخصوص، بسبب اتهامه بنسج علاقات مع حزب الله وحضوره للمؤتمر القومي. وطلب كل من فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية، ومصطفى الساهل، وزير الداخلية، من الإسلاميين تصحيح خطأ الريسوني، وهو ما فهم منه أنه يجب أن يقدم اعتذارا، إلا أن هذا الأخير أدلى بتوضيحات اتهم فيها الجريدة بعدم ترجمة تصريحه بأمانة، وقال إنه قال إن الملك بحكم تكوينه ووظائفه لا يمكن أن يفتي بل يجب أن يخلق هيئة للعلماء مختصة. وفضل الريسوني تقديم استقالته من رئاسة الحركة، بسبب الضغوط الكبيرة التي مورست عليه. ضمن هذا السياق، أدلى الخطيب بتصريح صحافي وصف فيه الريسوني بأنه «غبي»، وأثار هذا التصريح غضبا لدى أعضاء حركة التوحيد والإصلاح نظرا لمكانة الريسوني، ومع ذلك فإن أحدا لم يجرؤ على الرد على الخطيب. ويقول الريسوني إن عددا من الصحفيين اتصلوا به لأخذ رده، لكنه رفض وقال ل«المساء» إنه «لم يكن يهمني الرد، ولم تنقص مواقف الخطيب من مقامه عندي»، ويذكر الريسوني أنه عندما زار الخطيب في بيته بعد أيام من هذا الحادث، اعتذر له الخطيب، ولم يكتف بذلك بل قال له: «لقد تبت مما قلته»، وهو ما اعتبره الريسوني أكثر من الاعتذار. وبعيدا عن لحظة التوتر هاته، فإن علاقة الخطيب كانت خاصة بالريسوني، إلى درجة أن الخطيب سعى إلى إقناع الريسوني بشتى الوسائل لتزعم حزب العدالة والتنمية من بعده، فقد استدعاه مرة إلى بيته، بحضور صديقه بن عبد الله الوكوتي، وأصر عليه بأن يتحمل مسؤولية الأمانة العامة للحزب من بعده، لكن الريسوني رفض بدعوى أنه لا يصلح لمثل هذا المنصب، يقول الريسوني: «في البداية طلبت منه مهلة للتفكير، وفي الحقيقة كانت مهلة لإقناعه، ثم بدأت أرسل إليه من يقنعه بأنني لن أصلح لهذا المنصب»، وعندما أصر الريسوني على الرفض قال له الخطيب مرة: «لقد خذلتني». علاقة الخطيب بعبد الإله بنكيران، الأمين العام الحالي للحزب، كانت أكثر توترا، خاصة في اجتماعات الأمانة العامة، حيث كان بنكيران يعارض توجهات الخطيب، مثل رفضه التصويت على دستور 1996، إلى درجة أن بنكيران رمى بأوراق في وجه الخطيب بسبب الموقف من الدستور، ووصل التأثر ببنكيران إلى حد نشر وثيقة في الصحافة طالب فيها الخطيب بالتنحي عن مسؤولية الحزب، وهو ما أغضب الخطيب. ومرة استدعي أحمد الريسوني إلى بيت الخطيب، وطلب منه هذا الأخير أن يتصل ببنكيران ويخبره بأن يكف عن حضور اجتماعات الأمانة العامة لمدة حتى تتمكن قيادة الحزب من تسيير الأمور. وطالت غضبات الخطيب أيضا مصطفى الرميد، خاصة عندما أدلى هذا الأخير بتصريحات صحافية، في أعقاب تأسيس محمد خليدي، وهو من قدماء الحركة الشعبية الدستورية، لحركة «النهضة والفضيلة»، حيث وصف الرميد حضور الخطيب في اللقاء التأسيسي لحركة خليدي بأنه «لا يلزم حزب العدالة والتنمية»، وكان الخطيب حينها أمينا عاما للعدالة والتنمية، وكان ينظر إلى الرميد على أنه ابن بلده المنحدر من دكالة، كما كان يقدر مواقفه السياسية الجريئة ويدعمه فيها، لكنه لم يكن يتوقع منه هذا الموقف، الذي لم يراع مكانته. ورغم حوادث التوتر الطارئة التي وقعت مع الخطيب، إلا أن الرميد يحتفظ للخطيب بذكريات مليئة بالمواقف الشجاعة، ومرة سأل الرميد الخطيب عن سر توتر علاقته بالحسن الثاني فأجابه: «لأن الحسن الثاني لا يريد أصدقاء له بل يريد خداما»، وعندما وقع التوتر مع وزارة الداخلية على خلفية تدخلها في شؤون الحزب بسبب اعتراضها على انتخاب الرميد لرئاسة فريق الحزب، اجتمعت الأمانة العامة لمناقشة الأمر، فرفض الخطيب مجرد مناقشة القضية ورفض الخضوع لضغط الداخلية، واتصل أمام أعضاء من الأمانة العامة بوزير الداخلية، وحدثه بلهجة قوية وغير معهودة، رافضا التدخل في انتخابات الفريق، ثم أقفل السماعة في وجه الوزير دون أن يترك له المجال لشرح الموقف. الشبكة العائلية للخطيب ينحدر عبد الكريم الخطيب من عائلة بامتدادات متشعبة عموديا وأفقيا، فهو حفيد محمد الكباص، الفقيه الذي تقلب في عدد من المناصب منذ عهد السلطان مولاي الحسن. حيث كان ضمن البعثة الطلابية الأولى التي توجهت نحو الدراسة في الخارج، وتخرج مهندسا معماريا من جامعة أوكسفورد. ثم تولى مهمة وزير الحربية على عهد مولاي عبد العزيز، فمندوبا سلطانيا لمولاي عبد الحفيظ بمدينة طنجة. هذا الفقيه الذي خدم المخزن طويلا هو من تولى تربية عبد الكريم، فتأثر هذا الأخير بمنهجه الديني. وخلال مساره السياسي الطويل، لم يكن الراحل مجرد لاعب ضمن الرقعة السياسية للمغرب الحديث، بل إن علاقاته العائلية ومع توالي المصاهرات والارتباطات المتداخلة، باتت شبكة حقيقية في أعلى مستويات السلطة والحكم. فالجنرال حسني بنسليمان، قائد الدرك الملكي وأحد أقوى رجالات عهد الراحل الحسن الثاني، والصامد في منصبه بعد عقد من رحيله، ليس سوى ابن أخت الخطيب. والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي السابق، والوزير السابق، هو أيضا ابن مليكة، شقيقة عبد الكريم الخطيب. فيما الرجل الثاني في وزارة الداخلية بعد رحيل فؤاد عالي الهمة عن أم الوزارات، والذي ليس سوى سعد حصار، حفيد أخت أخرى للخطيب. والابن الوحيد للدكتور، عمر الخطيب، متزوج من نهى، حفيدة الراحل عبد الكريم الخطابي...